هل يحمل البيشمركة مفاتيح المشكلة الأمنية في بغداد ؟
مصطلح البيشمركة أطلق لأول مرة على قوات الجيش الوطني الكردي ( بيشمرك ) الذي تأسس في جمهورية مهاباد الكردية في كردستان ايران في مطاوي الحرب العالمية الثانية .مع عقود سيرورة الثورة الكردية في جبال كردستان العراق اكتسبت قوات البيشمركة خبرة قتالية . لكن هذه القوات تعزز دورها العسكري والسياسي بعد تحديد الملاذ الآمن للأكراد ، ففي أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991 كانت الخطوة الجريئة للأكراد باستيلائهم على المدن الرئيسية في منطقة كردستان العراق ، وهنا كانت مهام جديدة أمام قوات البيشمركة التي تختلف كثيراً عن تلك المتعلقة بحروب العصابات في جغرافية التضاريس الجبلية ووديانها .
في المدينة تبرز أمام قوات البيشمركة الكردية مهام جديدة صعبة ينبغي الألمام بها ، وهي من جهة التعامل وفق نمطية القواعد والأنظمة وتطبيق القانون الذي يسري على الجميع دون تفضيل او محاباة ، ولكي تستمر سيادة الدولة وهيبتها مقرونة بقبول واحترام الجميع دون تمييز .
إن هذه الحالة قد صقلت مواهب البيشمركة القتالية لتغدو حالة سياسية ومجتمعية مطلوبة للتعامل مع أرضية وواقع جديد ومبدأ تطبيق النظام والقانون .
في ظل هذه المعطيات تنبري فكرة الأستفادة من البيشمركة في حلحلة عقدة بغداد الأمنية والتي جربت خطط كثيرة لحلها لكن جميعها آل مصيرها الى الفشل .
من نافلة القول الأعتراف بمدى صعوبة وخطورة مساهمة البيشمركة الكردية في وضع الأمور الأمنية في نصابها في مدينة بغداد المترامية جغرافياً ، والتي تمزقها الأنتماءات المذهبية رغم تفسيرات جهات سياسية من أن الخلافات هي سياسية وليست دينية او مذهبية . إن هذه الأجواء المشحونة بالأحقاد والكراهية وثقافة الثأر والأنتقام ، لا شك سيكون من العسير على البيشمركة تحمل عبء المسـؤولية الجسـيمة . لكن يبدو من تصريحات المسؤولين ، أن الألوية ( الكردية ) وهي ألوية سليمانية وأربيل ودهوك والتابعة لوزارة الدفاع العراقية ستكون هي المعنية للمساهمة في ضبط الأمن في بغداد .
إن الحكومة العراقية تطرح خطة جديدة لضبط الأمن في بغداد ، وما هو مسلم به أن هذه الألوية غير مخترقة من قبل الميليشيات او العصابات ، إن هذه الألوية تتسم بالحرفية والمهنية العسكرية من الأداء في الواجب والأخلاص للوطن العراقي .
إن المراقب للأحداث المروعة في العراق لا يجد صعوبة في أكتشاف ورؤية الأختراقات للأجهزة الأمنية العراقية من قبل الميليشيات الطائفية التي توصف بأنها تمثل حكومة داخل الحكومة ، لا بل هي حكومة فوق الحكومة العراقية .
إن المواطن المسكين الذي يهجّر من داره او يقتل على الهوية ، أو تنتهك عرضه وشرفه او تبتز أمواله ، يشكو حاله الى الشرطة ويعرض تعاونه مع الأجهزة الأمنية لكي يرشدهم الى الأشخاص الذين يمارسون الأرهاب بحق الناس ، لكن سرعان ما يكتشف المواطن أنه ضحية سهلة فقد ارتكب خطأً جسيماً حينما عرض خدماته لأجهزة الشرطة ، إذ أن امر تعاونه سرعان ما يصل الى العصابات ليصله التهديد بأحسن الأحوال بترك داره ، وإلا تعرض الى القتل بسبب تعاونه مع الشرطة .
إن الأجهزة الأمنية في الدول المتقدمة تعتمد كثيراً على تعاون المواطن بالأمساك بخيوط الجريمة والتوصل الى المجرم الحقيقي ، والمواطن المتعاون مع الأجهزة الأمنية متأكد أن اسمه طي الكتمان لا تطاله أيدي المجرمين ، لكن عندنا المتعاون مع الشرطة يصل اسمه للعصابات قبل وصوله الى بيته ، ومع هذا تناشد وزارة الداخلية المواطن العراقي للتعاون مع أجهزتها .
هناك أغلبية كبيرة من المجتمع العراقي يحزنها ويحز في نفسها ما آلت اليه الأوضاع في العراق ، وهذه الأغلبية المعتدلة التي يسعدها ان ترى عراق ديمقراطي مستقر موحد ، مطلوب منها ان تتعاون في هذه الخطوة الحاسمة .
فثمة جهات عديدة حانقة على العراق ، ولا تريد ان ترى عراقاً مستقراً ، وستقوم هذه القوى بمحاربة أي جهد خير يعمل بإخلاص من أجل استتباب الأمن ، ومن المؤكد سيستهدفون القوات الكردية ويتعاملون معها وكأنها قوات دخيلة في حين إن هذه القوات هي الضمانة الأكيدة التي تعمل من أجل الوطن العراقي ومن أجل فرض هيبة الدولة على الجميع .
ان الجهات التي تعمل على تمزيق العراق وتستهدف أمنه واستقراره ، ومعها العصابات الأجرامية السائبة والتي تعيش عصرها الذهبي في ظل الأنفلات الأمني ، كل هذه الجهات لا يمكن ان تقبل بتسليم الملف الأمني الى جهات حيادية كقوات البيشمركة او اية قوات تفرض القانون .
إن الملف الأمني المتدهور في بعض المدن وفي بغداد بصورة خاصة ، لا يعود الى قلة في اعداد الجيش والشرطة انما يعود الى كون هذه القوات والأجهزة الأمنية الحكومية مخترقة من قبل الميليشيات والتنظيمات المسلحة والعصابات التي تزرع الموت في شوراع بغداد وغيرها من المدن العراقية .
إن قوات البيشمركة التي تفرض الأمن والأستقرار في ربوع أقليم كردستان تستطيع ان تساهم في معادلة الأستقرار في بغداد إذا عززت بقوات التحالف وقوات من الجيش والشرطة .
إن المنطق والواقع يجزمان ، إن من يرتكب الأعمال الأجرامية ومن يمارس الأرهاب بحق الأبرياء لا يمكن يترك هذه الأعمال والركون الى جادة الصواب بالأرشاد وتوجيه النصائح او المناشدة الأخوية ، إن هؤلاء يكفون عن أعمالهم الأجرامية بحق المجتمع ، بعد ان يردعون بقوة القانون المعزز بقوة السلاح والذي يجب ان يكون في حيازة الدولة لوحدها .
إن القيادة الكردية المتمثلة بالأستاذ جلال الطاللباني رئيس الجمهورية والأستاذ مسعود البارزاني رئيس أقليم كردستان ، هذه القيادة تعمل بإخلاص وتبذل مساعي حميدة بغية التوفيق وتقريب بين وجهات النظر بين المكونات السياسية النافذة في المشهد العراقي ، وهذه القيادة تعمل بحق من اجل استقرار العراق وبسط الأمن في ربوعه ، وتترسخ هذه الجهود إذا ما ساهمت قوات البيشمركة في الجهود التي تمنع من تمزيق وتقسيم المدن العراقية وبغداد بالذات الى كانتونات طائفية .
مع فرض الواقع الطائفي على مدينة بغداد ، تخيم الصورة القاتمة على مشهد مدينة دار السلام ، لكن هل يبقى الظلام سائداً ، المنطق وقليل من التفاؤل وبجهود العراقيين الأخيار لابد لليل الطويل ان ينجلي في نهاية المطاف وتشرق شمس الأمان والأستقرار والحرية في كل ربوع العراق ، وثقتي ان يكون الأكراد ركناً مهماً من معادلة الأمن والأستقرار في الوطن العراقي .
حبيب تومي / اوسلو