Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

آشور المسيحية الكتاب الذهبي

لا عجب ان يكون اسم التحفة النادرة الكتاب التاريخي والجغرافي الذي يغطي فترة تاريخية واسعة ومساحة جغرافية مثيرة والمعنون " آشور المسيحية" احد اشهرالكتب الخاصة بكنيستنا المشرقية، اقول لا عجب ان يكون مشهورا عند المثقفين وان لم يتسنى لهم قراءته لانه في الاصل باللغة الفرنسية ولم يتوفر له الحظ ان يرى النور لحد الان رغم انني قمت بترجمته منذ عام 1995 واتممت مراجعة دقيقة لجزءه الاول وجارية الان محادثات بشأن تولي جهة غيورة لطباعته وتوفيره للقارئ الكريم وهم كثر. ولا عجب ايضا ان لم يسمع به البعض لأن هذا الكتاب النادر هو فعلا نادر اذ طبع في بيروت في الستينيات من القرن الماضي ودخل العراق بنسخ معدودة حيث ظل استخدامه ضمن الكنائس والاديرة ولأسباب لا اعرفها قد تتضمن اسبابا سياسية حينها.

إن العلامة الأب الدومنيكي جان فيي، من القلائل الذين غاصوا في تاريخ كنيسة المشرق بعمق يحسد عليه، فلم يترك شاردة وواردة في مصادر مختلفة مهما كانت اهميتها للبعض، واستطاع تركيب لوحة فسيفسائية مهتما بالتفاصيل الصغيرة الى جانب الأحداث والمواقع ذات التاثير في مسار تاريخ وجغرافية هذه الكنيسة التي انتشرت في بلاد مابين النهرين وشرقي سورية وجنوبي تركيا وامتدت حتى أقاصي الشرق في التبت والصين واليابان وغيرها.

وقد انتشر اتباع هذه الكنيسة اليوم في اصقاع الارض وغدوا بعيدين جغرافيا عن منبع كنيستهم ولكنهم احتفظوا بأصالة طقوسهم ولغتهم وروحانيتهم التي ورثوها عن هذه الكنيسة المميزة. ولا زالوا ذلك الارث الحي الذي يغذي الاجيال.

يقدم المؤلف الكبير، توليفا رائعا لتراث ما يزال في خزائن المكتبات ينتظر الدارسين للبحث والنبش فيه لاستخراج درر اصيلة وخبرات ثرة. ويستخدم حسا مرهفا وعقلانية متفتحة وهو يسجل في قصاصاته الملاحظات الذكية عن نقده لمصادر دراساته الكثيرة التي نشرها في كتبه وفي المجلات المتخصصة الصادرة عن جامعات ومعاهد دراسات شهيرة. دون ان يبخس حق مؤلف اجتهد ليقدم عصارة جهده لخدمة الاجيال من بعده.



لقد حاول العلامة فيي رحمه الله، ان يهتم بالاشكاليات اللغوية التي تسببها احيانا وكما اشار اليها في مقدمته وخاصة فيما يتعلق بأسماء الاماكن والاشخاص، وقد حاولنا في ترجمتنا الاحتفاظ باللفظ الاقرب الى الاصل السرياني باستثناء الالقاب التي اخذت في العربية مسارها لدى العديد من المؤرخين والدارسين. كما كان حذرا في التعامل مع النسبة التي تسبق الاسماء في السريانية وهذه ايضا آثرنا الابقاء عليها لفظا في الترجمة مثل السابقة " الربان" والتي تعني الراهب او المعلم فقد استخدم المؤلف الحرف اللاتيني R ، أو السابقة" بيث" التي اختصرها الى الحرف اللاتينيB ، والتي تعني النسبة الى المكان فأبقيناها "بيث" بنفس المعنى الذي أراده المؤلف في تحديده لمصطلحاته في المقدمة التي لابد للقارئ من استيعابها حيث يشرح منهجيته تفصيليا.

ان هذا العمل الجبار يضعنا في مواجهة ما يشبه الطبيعة الخلابة المفعمة بمناظر ساحرة، ويتركنا منذهلين أمام شلال ملون، أو اشجار باسقة لم نرى مثيلها، أو قرص الشمس خلف شلال من الضباب.. هكذا طبيعة هذا التاريخ الذي يخلب الألباب ويسحر العقول .. ويندهش المرء أمام لحظاته البارقة التي تلتقطها عدسة فيي بذكاء وقد يثير الحفيظة بين الفينة والأخرى للتحريض على المزيد من البحث والتقصي في موضوع لم يتمكن الوصول فيه الى رأي جازم، وهذا كان دأب العلامة الكبير والعالم المتواضع والأب الخلوق.

منذ منتصف القرن الماضي، وأبناء كنيسة المشرق لم يستطيعوا الإطلاع على هذا السفر الثمين إلا فتاتا مقتبسة ومنشورة هنا وهناك، ولعل قادم الايام وبعد انتظار طويل أن يكون قد رأى النور واصبح في متناول عشاق كنيسة المشرق والتاريخ.



ايار 2009

سيدني- استراليا


Opinions