أأنتَ مسيحي؟ إذن أنتَ شيوعي وعفلقي وعميل أمريكي.
بعد التصويت على الغاء المادة 50 من قانون انتخاب مجالس المحافظات وتسجيل البرلمان العراقي لاحد اكبر انتصاراته الوطنية المنسجمة جدا والروح الديمقراطية العالية التي تسود كل زقاق وحارة في عراق ما بعد سقوط النظام البعثي كما يحلو لأعضاء هذا البرلمان الموقر ان يسمونه،وبعد غزوة الموصل الشهيرة التي اودت بحياة ثلاث عشر كافرا وهدت دور العديد منهم وهجرت ما ينيف على الالفي عائلة من الكفرة الذين يصرون على التمسك بحب الله وكلمته وروحهكما تنص على ذلك كتب مضطهديهم، وامام سمع وبصر من يستحوذ على السلطة في الموصل،كما يصر هؤلاء على التمسك بأرثهم القومي ويرفضون رفضا قاطعا الا ان يكونوا اوفياء له،اجل بعد الغاء المادة 50 واتضاح ابعاد نتائج غزوة الموصل الميمونة، شمر كل الشرفاء عن سواعدهم ووقفوا صفا واحدا ليذودوا عن مفهوم المواطنة كما يليق ان يكون وخاصة اولئك الذين إنطلقوا من مفهوم الدين لله والوطن للجميع،هذا ناهيك عن تغني اغلب الشرفاء بتاريخ هؤلاء المُضطَهدون على مر الاجيال على يد من يدعي ان الاسلام دين رحمة وانسانية.
إثر الضجيج الذي اثاره الغاء المادة 50 هرعت جميع الكتل السياسية دون استثناء الى استنكار فعلة البرلمان وكأن الذين صوتوا على الغائها كانوا قد قدموا من كواكب اخرى بعيدة وانتحلوا شخصيات نواب هذه الكتل في البرلمان العراقي بعد ان نوموهم نومة اهل الكهف،وتكرر الحال بعد غزوة الموصل الميمونة،فصاروا يكيلون لازلام النظام السابق والمجموعات الاسلامية المتشددة من الالفاظ الجميلة ما لا يحصى ولا يعد،وكأن ضباط الفرقة الثانية المتورطون في الفعلة من بقايا اولاد اسامة ابن لادن.
تعالوا نعطي لكل ذي حق حقه ونحاسب المقصر بحسب جريمته،ولنبدأ منذ تاريخ ولادة الدولة العراقية الحديثة:
بعد ان حطت الحرب العالمية الاولى اوزارها حصل نزاع على ولاية الموصل بين الاتراك والبريطانيين،الاتراك يصرون على دمجها بتركيا وبريطانيا تريدها للعراق الجديد،وكان ان قد أُتفق على استفتاء اهلها،ولأن الصوت المسيحي يومذاك كان هو الاعلى بين كل الاصوات وخاصة الكردي لانه كان الاخفت لقلة عدد الاكراد يومذاك،ضُمت الموصل الى الدولة العراقية بفضل الصوت الكلدو اشوري السرياني( ولاية الموصل كانت تعني كل اقليم الشمال الحالي مضافا اليه محافظة نينوى الحالية)،ويوم اراد هؤلاء ان تتحقق احلامهم بكيان شبه خاص بهم جردت الحكومة المسلمة يومذاك حملة شعواء ضدهم بقيادة المجرم بكر صدقي الذي لم يرحم طفلا او شيخا ولا امرأة امام انظار المستعمر البريطاني المسيحي جدا وبمباركته(سميت تلك الاحداث بمجازر سميل،ولا تزال اكثر من 150 قصبة وقرية اشورية سيطر عليها الاكراد خلال تلك الاحداث تنتظر عدالة قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني كي يعيدوها الى اهلها) ودارت الايام واعداد المسيحيين في شمال العراق تتناقص كنتيجة للظلم والقهر الاحق بهم نتيجة ممارسات المسؤول المسلم،ومع ذلك ظلت تهمة تعاطف المسيحي مع المستعمر تلاحقه الى القبر.
بعد بروز الحزب الشيوعي العراقي الى الساحة السياسية كقوة فاعلة اُتهم المسيحيين بالشيوعية مع العلم ان عدد المنضوين تحت لواء هذا الحزب لم تتجاوز في احسن الاحوال 1% مقارنة بأعداد الشيعة مثلا،الا ان اعداد الذين اعتقلوا واضطهدوا بتهمة الانتماء الى الشيوعية بعد انقلاب 8 شباط الاسود من المسيحيين كان كبيرا جدا جدا، وبعد انقلاب عبد السلام عارف على رفاقه في تشرين،صار يشار الى المسيحي بلفظة عفلقي،علما ان قيادة البعث يومذاك كانت في الغالب شيعية والبقية سنة،واعداد الحرس القومي من المسيحيين لم تكن تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة في كل مدينة كبيرة مثل بغداد والموصل وغيرها، اي ان المسيحي كان شيوعيا ثم صار بعثيا خلال اشهر فقط، خلال حرب حزيران ولان الأمريكان ساعدوا اسرائيل فأن الكثير من الاصابع الشريرة كانت تشير الى تعاطف المسيحيين مع العدو،بعد عودة البعثيين الى السلطة وخلال فترة السبعينات كانت قد اختفت عن الشارع العراقي التنابزات بشكل شبه نهائي،وكان عدد المسيحيين المنتمين الى حزب البعث في تلك المرحلة كبير نوعا ما مقارنة بكل المراحل السياسية التي مر بها العراق.
بعد ارتكاب صدام حسين لحماقة استعادة الكويت الى العراق(لا ننسى انه قيل الكثير الكثير عن اسباب اقدام صدام حسين على تلك الخطوة وما زالت الاراء غير محسومة في تحديد تلك الاسباب) وفرض الحصار على الشعب العراقي وتبني صدام حسين لحملته الايمانية،تهيأت الساحة العراقية الى استقبال الفكر الاسلامي المتشدد سواء الشيعي او السني على السواء،وعادت تهمة ولاء المسيحيين للامريكان تلاحقهم كظلهم،ويوم ايقن صدام حسين من خسارته لمجده في الشارع العربي استحكم في ممارسة لعبة الدين عن طريق مضايقة المسيحيين في رزقهم إرضاءً لشهوة البعض العنصرية، مما اضطر الكثير من هؤلاء الى مغادرة الوطن،ورغم ان هذه المغادرة كانت تصاحبها كل مراسيم الحزن المأساوي وعدد المغادرين كان محدود جدا مقارنة بأعداد المسلمين المغادرين الا ان اللغط طالهم وكأنهم خونة،فمثلا لم يتجاوز عدد المسيحيين الذين غادروا العراق حتى ساعة اعلان احتلال العراق رسميا 1% في احسن الاحوال من مجموع عدد الذين غادروا الوطن،علما ان جل الذين غادروا الوطن لم يكن لهم ما يدفعهم الى ذلك وخاصة ابناء اقليم الشمال الذي كان ولا يزال تحت الحماية الاجنبية(لا نريد ان نسمي الجهات التي تحميه ولا الاسباب خشية اتهامنا بما لا يليق بنا).
في جلسة البرلمان العراقي ليوم الاثنين الماضي تقرر ان يكون عضو مسيحي واحد في مجالس محافظات بغداد والموصل والبصرة انسجاما مع اعدادهم.
حسنا يا اعضاء البرلمان العراقي،ليكن كما تريدون وكما يحلو في عيونكم ولكن شريط ان تشخصوا لنا الاسباب الحقيقية التي دفعت بمئات الاف من المسيحيين الى مغادرة هذه المدن وشريطة ان تقنعونا بأنكم وفرتم اسباب عودة هؤلاء الى مساكنهم التي هجروا منها تحت سلاح الاجبار على اعتناق الاسلام ،ان عشرات الاف من سكان منطقة الدورة مثلا لم يسمح لهم حتى بأرتداء ملابس لائقة بدعوى ان كل ما تحويه الدار صار سلبا من اسلاب الحرب المقدسة والجهاد في سبيل الله،وكان احد الدوافع الرئيسية لهذا السلوك تجاه المسيحيين هو كتعبير للانتقام من المحتل الامريكي وكأن جورج بوش كان قد رضع من ثدي راهبة مسيحية عراقية،ويوم اراد البعض خلط الاوراق على المسيحيين ليتسنى له التمدد الافقي على تراب العراق إختبأ هو الاخر خلف المجموعات العاملة تحت مسميات اسلامية عرفت بتشددها بالتمسك بطروحات السئ الذكر ابن تيمية وغيره من رسل الشر.
ما العمل اذن؟ متى سيتسنى للمسيحيين العيش بسلام في الوطن الذي كان لاجدادهم شرف وضع حجارة اساساته؟
لا اريد ان اعلق على موقف الكتلة الكردية والكتلة الصدرية من التصويت يوم الاثنين الماضي(سوف افرد لذلك مقالة خاصة اناقش فيها الموقف الكردي المتناقض جدا حيال هذه المسألة كما سوف ابرهن بالدليل ان موقف النواب الاكراد لم يكن سوى محاولة حفظ ماء الوجه بعد ان اثبتت الاحداث تورط ضباط الفرقة الثانية الاكراد بجرائم الموصل الاخيرة) ولكني اود فقط ان اذكر الاخرين بتصريحاتهم الكاذبة ووعودهم الزائفة وخاصة جماعة المجلس الاسلامي وجماعة رئيس الوزراء.
الحل لكل مشاكل الوطن كما نعتقد نحن الديمقراطيون العراقيون هو:1- ان نعيد صياغة دستور عراقي جديد يقوم على مفهوم المواطنة فقط والغاء كل لفظ او تعبير يعطي الاحقية الاضافية لفلان او فلان افرادا او جماعات.2- ان نروج لمفهوم المواطنة المتجردة من عنصري الدين والقومية،اي انت عراقي بغض النظر عن دينك وقوميتك اذن عليك من الواجبات كما على الغير ولك من الحقوق ما للغير،اي الفصل التام بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية.
اجل يوم نعرف ان نبني عراقا وفق هذه المفاهيم سيعرف الجميع كيف يتفاخرون بولائهم للوطن وسوف تتقلص اعداد الذين يترحمون على ايام صدام حسين رغم الجرائم الكثيرة التي يتهمونه بها.