Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أحمد القبانجي للطيف: لا أمل في رجال الدين والمشايخ في إجراء عملية التغيير لأنهم يعيشون الإنغلاق الفكري والجمود

26/11/2010

شبكة أخبار نركال/NNN/
أحمد حسن علي القبانجي، مفكر إسلامي عراقي ولد في مدينة النجف في 2 يناير 1958.. يسعى القبانجي إلى صياغة إسلام مدني يتوافق مع العدالة وحقوق الإنسان ويجيب، حسب رأيه، عن إشكاليات الفكر الاسلامي التقليدي، حيث يعتقد أن التمسك الحرفي بالنصوص يعني عدم قدرة الإسلام على مواكبة التقدم المعرفي للانسان، وبالتالي عدم قدرة الدين على الاستمرار دون أن يؤدي إلى تأخر المسلمين، ويرى أن كل فكر ديني هو لا يمثل سوى قراءة للدين وأن النصوص الإسلامية كانت ملائمة للمجتمع الذي جاء فيه لذا لا يمكن الالتزام بها حرفيا ويجب إعادة قراءة النصوص بما يلائم المتغيرات الحالية، حيث يرى أن الشريعة متغيرة بينما الدين ثابت؛ ولذلك أدلة منها وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن,.وفقاً لما يقول.. ألف القبانجي عديدا من الكتب، كما ترجم عددا من الكتب للمفكر الإيراني عبد الكريم سروش.. صحيفة الطيف أجرت لقاءً مع السيد أحمد القبانجي المفكر الإسلامي المعروف، وكان لها معه حواراً تأمل أن ينعكس بالفائد القراء الكرام.

القبانجي للطيف:

- هنالك من المجددين من يتردد في الإفصاح عما يدور بداخله خوفا من رجال الدين وسطوتهم.

- ما يقال عنه " ثوابت "أصبح كذلك لأنه بعض ما اعتاده الناس بسبب ما تُلي على آذنهم صباح مساء.

- لا أمل في رجال الدين والمشايخ واتباع المدرسة الدينية في إجراء عملية التغيير لأنهم يعيشون الإنغلاق الفكري والجمود على القديم وعدم قبولهم للأفكار الجديدة وعدم إطلاعهم عليها.

- الدين الصحيح هو الذي يقوي القيم الأخلاقية في الإنسان ويدعم حقوق الإنسان ويقوي غرائزه المختلفة كغريزة العبادة والإنسانية ويهتم بالبعد الأجتماعي.

- لا نرى بأس من إطلاق الحريات خاصة حرية المعتقد وحرية التعبير وحرية تغيير الدين لان ذلك لا يمس أصل الإيمان بالله بل أن الإيمان بالله يستلزم ويقترن مع الحرية لأن لا إيمان بلا حرية.

- الحداثة هي إنفجار في جميع أبعاد الإنسان الوجودية.

- من واجب المثقف أن يبادر إلى العمل بمسؤلياته الإنسانية والدينية في تنوير أذهان الناس وتثقيفها وعدم إنتظار الأذن من الفقهاء ورجال الدين.

- الواقع الذي نعيشه يؤكد ان رجال الدين في الغالب يعتمدون في خطابهم للناس على الأمور الغيبية والاسطورية والبعيدة عن المنطق والعقل.

حاوره : معد الشمري

الطيف: بداية .. ماهو الجديد الذي يسعى السيد القبانجي، لإضافته إلى الكم الهائل من المعلومات التي سبق وطرح في الفكر الإسلامي المتجدد، لتوضيح ما أختلف عليه الناس، وللخروج من بوتقة التقييد والالتزام بالنص؟ وتحديداً.. بماذا يختلف السيد القبانجي عن سابقيه من المفكرين؟



القبانجي:
نحن لا نحتاج إلى تجديد الفكر الديني، بل نحتاج إلى تغييره، لان التجديد هو مجرد إجراء عملية ترميم ظاهري لبعض الأفكار الدينية وجعلها منسجمة مع الواقع والحداثة ومتطلبات العقل، صحيح أن عملية التجديد استغرقت حتى هذا الوقت عقودا من الزمن وهناك الكثير من المجددين إلا أن عملية التجديد التي قام بها هؤلاء كانت على نحوين، فأما أن يجتهدوا ويجددوا بعض الجزئيات والفتاوى ويتركوا الأصول والمباني والثوابت كما نرى في بعض مراجع الدين كالسيد محمد حسين فضل الله وآخرون، أو أن ينبري مجددون من المثقفين الذين درسوا العلوم الجديدة ووجدوا أن هناك حاجة ماسة إلى نهضة في الجوانب التي تؤثر في حياة الناس وتمنع من تقدمهم.. لكن هناك من يراوح في مكانه ويتردد في الإفصاح عما يدور بداخله أما خوفا من العامة ورجال الدين وسطوتهم أو للتشويش الذهني الذي يعتريهم ، فينادون بضرورة الرجوع إلى القرآن والسنة ويلتزمون بحجية النصوص ولكن مع إجراء بعض التأويلات، لكنني أرى أن عملية التأويل لا تجدي نفعا بل التخلف الفكري والتعصب والجهل يمتد إلى عمق الثقافة الدينية ومن هنا كانت الانطلاقة بعيدا عن التعقيد أو الخطاب النخبوي الخالص كما يفعل الكثير من النخب حينما يكون خطابهم نخبوي ولا يفهمهم إلا النخبة من المثقفين وأصحاب الفكر لما يمتاز به خطابهم من غموض واستخدام مصطلحات غامضة وعبارات مشوشة، ومن هنا أرى أن الفكر الذي أطرحه يتميز عن غيره من الخطاب الحداثي بأنه واضح ويستوعب كافة المعارف الدينية وبالأخص العقائد وما يقال عنه إنه من الثوابت فهذه الثوابت أصبحت ثوابت لأنها بعض ما اعتاده الناس بسبب ما تُلي على آذنهم صباح مساء فنجد مثلاً: مسألة التوحيد لا يمكن أن تكون ثابتة لأن الفكر البشري يتطور وهناك ثمة رؤى وقراءات جديدة للتوحيد والنبوة تختلف كليا عما هو سائد.
الطيف: كيف ينظر السيد القبانجي إلى كل من حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي، وحرية المعتقد، وحرية تغيير الدين، وحقوق المرأة في الارث وعدم مساواتها مع الرجل؟

القبانجي:

علماء الدين من المجددين يرون ضرورة توافق النصوص والفتاوى مع العقلانية الجديدة وحقوق الإنسان، ولكن يبذلون جهودا كثيرة في عملية تأويل النصوص، مثلا في مسألة حرية المعتقد فالثابت وما عليه إجماع علماء الإسلام فإن المرتد يقتل لما ورد في الحديث الشريف(من بدل دينه فأقتلوه) وهناك روايات وردت في المصادر السنية والشيعية في هذا الخصوص تؤكد على أهمية قتل المرتد، طبعا مع الأستتابة في المرتد الملّي وهو ما كان مثلا غير مسلم سابقا وقتله بدون أستتابة في المرتد الفطري الذي ولد على الإسلام، هناك تأويلات عديدة تقوم بها هذه الفئة من العلماء المجددون من قبيل القول بأن الإرتداد هنا يراد به الخروج على ثوابت الدين ومحاربة المسلمين مما يدخله في عنوان المحاربة ولا بأس إذا بقي أستبدال العقيدة طي الكتمان دون أن يبوح به للأخرين.

أنا في رأيي اننا لسنا بحاجة لمثل هذه التبريرات التعسفية لاننا سوف نواجه الكثير من التعقيدات والمشاكل الكلامية والفلسفية، أساسا نحن مع حقوق الإنسان كأصل ونعتقد بأن الدين الحق هو الذي لا يتقاطع مع أبعاد الإنسان الوجودية كالعقلانية وحقوق الإنسان والحرية والفنون وما إلى ذلك. فالدين الصحيح هو الذي يقوي القيم الأخلاقية في الإنسان ويدعم حقوق الإنسان ويقوي غرائزه المختلفة كغريزة العبادة والإنسانية ويهتم بالبعد الأجتماعي وغير ذلك. ونحن نرى في الفكر الديني السائد أن هناك تصدعات على مستوى المباني الفلسفية لهذا الفكر القديم وينبغي تشييد صرح الفكر الديني على اسس جديدة وخاصة في ما يتعلق بحقوق الإنسان وحريته وكذلك حقوق المرأة. فالفكر الديني السائد والتقليدي يقوم على أساس رؤية قديمة وأستطيع أن أقول عنها بأنها جاهلية لأن المجتمع الأول في صدر الإسلام كان يعيش ثقافة ذكورية ولهذا نجد التمييز بين حقوق المرأة والرجل وتفضيل وترجيح الرجل على المرأة في عدة مستويات،كالشهادة والإرث والديّة وغير ذلك، وكما نرى هذا المعنى هو السائد في الخطابات القرآنية حيث أنها تخاطب بالأصل الرجال دون النساء إلا في بعض الإستثناءات، ومن جملة المباني القديمة أيضا أن المجتمع الإسلامي القديم كان يقوم على إصالة العقيدة والأن تقوم المجتمعات الحديثة على إصالة الإنسان بغض النظر عن عقيدته أو مذهبه ولونه ولغته وقوميته، وهذا المبنى طبعا ينتج الكثير من الفروقات في الأحكام والتشريعات،حيث ان الأصل في نظرنا أننا يجب أن ننظر إلى الدين في مسألة حقوق الإنسان من خارجه لا من داخله،أي لا من النصوص بل من العقل ومقتضيات الواقع والثقافة الحديثة، لأن المرتكزات في الفكر الحديث وماتقوم عليه المجتمعات والحكومات الجديدة تختلف كليا عن المباني والمرتكزات التي قامت عليها المجتمعات القديمة في رؤيتها للإنسان والحياة والعالم.

الطيف: هل يتعارض الإسلام مع المجتمع المدني؟


القبانجي:

نعتقد بان هناك إسلام شريعة وهو الإسلام الفقهي المتداول وهناك إسلام الحقيقة أو إسلام أصولي، وهو الذي يؤكد على لزوم العودة 4إلى الأصول وهي القرآن والسنّة، والإسلام الأصيل الذي نعتقد به والذي يرى أن الأصل ليس هو القرآن والسنّة بل هو في الإيمان بالله كحالة وجودية وعاطفية وما ينتج عنها من حب الخير للناس،بالنسبة إلى سؤالكم حول تعارض الإسلام مع المجتمع المدني نقول ان الإسلام الأصولي أو إسلام الشريعة يتقاطع ويتعارض قطعا مع المجتمع المدني لاختلاف الرؤى والمفاهيم والمرتكزات فإن الإسلام الأصولي أو إسلام الشريعة ينبني على أصول تختلف كليا عن أصول المجتمع المدني كإصالة العقيدة كما قلنا انفا حيث يعتقدون ان قيمة الانسان وكرامته تكمن في عقيدته ودينه ولهذا افتوا بقتل المرتد لانه يمثل لهم لا انسان، اي الذي خرج عن مقتضيات فطرته وانسانيته بإرتداده عن الدين والإسلام، وهناك الكثير من الأختلاف والتمييز بالحقوق بين المسلم والمسيحي وبين الرجل والمراة وبين السيد والعبد في تراثنا الفقهي وهو ما لا يتوافق مع المباني للمجتمع المدني الذي يقوم على أساس المساواة والمواطنة والتساوي بالحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع الواحد، وبغض النظر عن إنتمائهم الديني أو الطائفي، ومن هنا نقول أن الإسلام الحقيقي او الأصيل الذي نراه وندعو إليه لا يتعارض مع المجتمع المدني لأنه يقوم على ركيزة الإيمان بالله وحب الخير والقيمة الأخلاقية، وهذه الأمور من المشتركات بين الناس جميعا وخاصة من اتباع الأديان الألهية، وإذا قلنا بأن الأصل هو الإيمان فلا مانع من التساوي في الحقوق في بناء مجتمع مدني يقوم على أساس حقوق الإنسان مع حفظ الإسلام الحقيقي وهو الإيمان بالله والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه والأرتباط بعالم الغيب وحب الخير للناس والألتزام بالقيم الاخلاقية، فهذه كلها مشتركات بين جميع افراد البشر، وحتى لو لم يعتقد شخص أو فئة بالله تعالى واختاروا الألحاد والشرك فليس هناك اي عائق أمام تساويهم في الحقوق والواجبات امام القانون لأن ذلك هو مقتضى القول بإصالة الإنسان، وهذا القول قد يتقاطع مع إصالة العقيدة التي يؤمن بها اتباع الإسلام الأصولي أو إسلام الشريعة، ولكننا في الإسلام الأصيل لا نرى مندوحة من التساوي في الحقوق والواجبات بين جميع أفراد البشر او بين المواطنين في بلد معين وكذلك لا نرى بأس من إطلاق الحريات خاصة حرية المعتقد وحرية التعبير وحرية تغيير الدين لان ذلك لا يمس أصل الإيمان بالله بل أن الإيمان بالله يستلزم ويقترن مع الحرية لان لا إيمان بلا حرية، يعني أن الإيمان يقتضي وجود طريقين أو ثلاثة والخيار بيد الإنسان، اما الإيمان المفروض على الإنسان فهو لا إيمان لان الإيمان من جملة الأخلاق يعني الحب للخير والأخلاق كما تعلمون مبنية على أساس الحرية فلا يوجد عمل أخلاقي إلا ويجب ان يكون الإنسان حراً فيه، فالعمل الاخلاقي الذي يفرض على الإنسان ويجد الإنسان نفسه مجبورا عليه فهذا العمل لا قيمة له وليس من الأخلاق بشيء، مثلاً ان يتبرع الشخص بمبلغ كبير من المال على الفقراء بالإكراه فلا يعد هذا عملا أخلاقيا، بينما لو تبرع بمبلغ زهيد على الفقير وبأختياره وبكل حرية فهذا العمل يعتبر عملا أخلاقيا وإنسانيا وهكذا مسألة الإيمان بالله.


الطيف: الحداثة اليوم تيار جارف، هل سيُغرق هذا التيار القديم والبالي ، وكم من الوقت نحتاج، خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لكي نفهم هذا التيار الجديد نوعاً ما على واقعنا؟

القبانجي:

نحن نعتبر أن تيار الحداثة ليس فقط تيارا جارفا بل هو إنفجار في جميع أبعاد الإنسان الوجودية، فالكثير من الحقوق والأفكار والمباني الفلسفية لدى الإنسان الحديث لم تكن موجودة في السابق ولذلك تزامنت الحداثة مع إنهيار الأفكار القديمة والمرجعيات القديمة التي تستقي روافدها المعرفية من الدين والثقافة القديمة، فنحن نعيش ثورة في كافة تفاصيل الحياة وفي الأفكار والمنظومات والقيم الأخلاقية والافكار الأقتصادية والسياسية والأجتماعية، ومن هنا لابد من إعادة صياغة رؤيتنا ونظرتنا للتراث ونجد أنفسنا مضطرين للحاق الدول المتقدمة والأخذ بمكتسبات الفكر البشري والمعارف الجديدة ولكن البعض من الإسلاميين يتصورون ان هذه الأفكار وضعية وبشرية وغربية ولهذا يتمسكون بالفكر الديني القديم على أساس أنه فكر ألهي وأحكام سماوية نابعة من صلب التراث والثقافة العربية ، فهناك حساسية تجاه هذا الوافد الجديد على أساس انه يمثل فكرا أستعماريا وبشريا ناقصا والحقيقة ان الحداثة والفكر الحداثوي ليست منتوج غربي خاص أو منتوج بلد معين أو ممن ينتمي إلى دين معين بل هو نتاج مجموعة كبيرة من المفكرين من مختلف بلدان العالم من الحقوقيين والفلاسفة وعلماء الأجتماع وعلم الأنسنة والقانون وأخرين غيرهم، وقد اثبت هذا الفكر الجديد وهذه المنظومة المتكاملة في الحداثة صحتها وقوتها وانها أفضل من الفكر القديم فيما يتصل بالعدالة الإنسانية وحرية الإنسان وكرامته وحقوقه ولكننا مع الأسف نرى صدودا من قبل مجتمعاتنا الإسلامية تجاه هذه الحضارة العملاقة وربما أخذوا منها فقط المظاهر والتقنية مثل الكهرباء والحاسوب والطائرات والعمارات الشاهقة وظنوا أنفسهم حداثيون ولكن هناك فرق بين الحداثة والحداثوية، والمطلوب ان نكون حداثويون، فالحداثوي هو الذي يحمل في فكره وفي روحه القيم الإنسانية وحقوق الإنسان بما تتضمنه وبما يشاهده في المجتمعات المتحدثة لا أن نكون حداثويين في الظاهر فقط ونتقبل ظاهر الحداثة دون مضمونها.


الطيف: من يتبنى عملية الإصلاح والتجديد؟


القبانجي:

قلنا ان الإصلاح والتجديد لا يجديان نفعا مع الخراب والتخلف الذي نشاهده في مجتمعاتنا الإسلامية على جميع المستويات والصُعد سواء في السياسة والأقتصاد والثقافة الاجتماعية والفكر الديني وما إلى ذلك ما يستدعي التغيير في كافة المستويات ومن أهمها التغيير في الفكر الديني، وطبعا الذي يتبنى عملية الإصلاح والتجديد هم المثقفون والمستنيرون لانه لا أمل في رجال الدين والمشايخ واتباع المدرسة الدينية في إجراء هذه العملية لأنهم يعيشون الإنغلاق الفكري والجمود على القديم وعدم قبولهم للأفكار الجديدة وعدم إطلاعهم عليها لأنهم يعيشون الدوغمائية والجزمية إلى حد كبير ويرون ان كما قال القرآن الكريم(وفرحوا بما لديهم من العلم) المقتبس من القرآن والسنّة وما لديهم من أراء على أن الإسلام هو العلم الحقيقي وهو الذي ينفع الإنسان في الدنيا والأخرة، ولا يابهون للمستجدات الكبيرة والمتغيرات العظيمة التي نشاهدها في هذا العصر، ولكن مما يؤسف له أن المثقفين قلة وربما هناك الكثير من أنصاف المثقفين الذين أطلعوا ودرسوا العلوم الجديدة لكنهم مع ذلك يراودهم الحنين إلى الفكر القديم ويلتزمون بالفكر الديني القديم مع إجراء بعض التعديلات عليه، فهؤلاء لا نعتبرهم من المثقفين الحقيقيين لان المثقف الحقيقي هو العقلاني الذي لا يرى في التراث حجية وهيمنة على عقله بل ينظر إلى التراث من خارجه ويسعى إلى غربلته والحفر فيه وتفكيكه والاقتباس منه ما يتلائم مع الإنسان وحاجاته في العصر الحديث وترك ما لا يتلائم مع مقتضيات العصر.

الطيف: حدد البعض للتجديد والاصلاح الديني، إطاراً جير للفقهاء فقط، في حين أنهم لا يمنحون دوراً للمفكرين والمثقفين والكتاب، ماهو رأيك أنت؟


القبانجي:
لا ينبغي ان نتوقع من رجال المؤسسة الدينية ان يمنحوا دورا للمفكرين والمثقفين في عملية الإصلاح الديني لأن ذلك يهدد هيمنتهم ويضعف مكانتهم في نظر العامة من الناس وبالتالي يقلل من أمتيازاتهم التي اكتسبوها من خلال تجهيل الناس والتمويه عليهم، ومن هنا نرى من الواجب على المثقفين أن يبادروا إلى العمل بمسؤلياتهم الإنسانية والدينية في تنوير أذهان الناس وتثقيفها وعدم إنتظار الأذن من الفقهاء ورجال الدين لان رجال الدين مضافا إلى خصومتهم فيما بينهم وجود حالة من الخصام والحسد في أنفسهم إلى المثقفين بأعتبار المناطق المتنازع عليها، كل واحد من رجل الدين والمثقف يريد التاثير في عقول الناس وجرهم إلى دائرته ولكن الذي يمتاز به المثقف أنه يريد جر الناس إلى الأمام بينما رجل الدين يريد جرهم إلى الوراء.

الذي نؤكد عليه هو أننا على الضد من هيمنة رجل الدين على الدين، يعني أن المشايخ يوحوا للناس بأنهم هم المسؤولون عن الدين وعن الشريعة والأحكام وهذا يعطيهم قداسة مزيفة بالإضافة إلى الأمتيازات المادية الكثيرة التي يحظون بها، فنحن نريد كسر هذا الإطار وتحرير الدين من رجال الدين ومن المشايخ الذين سجنوا الدين في دوائرهم الضيقة وأظهروا للناس بأنهم هم حماة الدين وشرطة العقيدة إلا ان الحقيقة هي كما يقول المسيح (هؤلاء لصوص العقيدة وقطاع طرق الإيمان) أو أنهم كما ورد في الأنجيل (لا يدخلون الجنة ولا يسمحون للأخرين بدخولها)..

الطيف: المعروف أن الثابت في الإسلام هي (المبادئ الكلية والأصول العامة) والمتغير يتحدد في دائرة المعاملات والحدود والديانات، أذن كيف يمكن أن نفهم اشكالية الثابت والمتغير في الإسلام ؟


القبانجي:
لقد كتب علماء الدين المتأخرون عن هذا الموضوع وطبعا لم يكن له سابقة في القديم إلا أن المستجدات وضغط التيارات الفكرية الجديدة والتحولات الكبيرة التي شهدتها المجتمعات البشرية أجبرت علماء الإسلام على إعادة النظر في الأحكام والشريعة ولهذا طرحوا مسألة الثابت والمتغير ليواكبوا مقتضيات العصر الحديث، ومن هنا نرى أن السيد الطباطبائي صاحب الميزان، والمطهري وكذلك محمد باقر الصدر من علماء الشيعة قد طرحوا هذه المسألة ولكل وجهة نظره في المعيار للثابت والمتغير، فمثلا يذهب السيد الطباطبائي وتبعه إلى ذلك المطهري أن الثابت في الإسلام هو الناظر إلى الحاجات الثابتة في الإسلام وفي الإنسان وان المتغير من الأحكام هو الناظر إلى الحاجات المتغيرة، ولكن هؤلاء العلماء لم يبينوا المعيار للحاجات الثابتة والحاجات المتغيرة.

الشهيد الصدر ايضا طرح مسألة منطقة الفراغ لمعالجة هذه القضية وذكر أن الثابت هو ما فيه نص والمتغير هو ما يقع في منطقة الفراغ، أي المنطقة التي لا نص فيها، ولهذا يترك امرها للحاكم ليشخص الحكم الشرعي من خلال النظر إلى المصلحة، إلا أن هذه الرؤيا أيضا تواجه المأزق ذاته حيث أن المشكلة ليست في عدم وجود نصوص واحكام للمستجدات والحوادث الجديدة بل أنها تكمن في وجود النصوص التي كانت ناظرة إلى مجتمع بدائي وقديم وبسيط وأصبحت هذه النصوص الأن حجر عثرة أمام تشكيل المجتمع المدني الذي يبتني على أسس ومباني مخالفة أساسا لمباني المجتمع القديم من قبيل الجزية على أهل الكتاب او وجوب قتل المرتد أو التمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق، وهكذا مما ورد فيه نص، في رأينا أنه لا يوجد أي شيء ثابت في الفكر الديني فالفكر أساسا متغير ومن ذلك ما يدخل في دائرة العقائد أيضا، فحتى لو قلنا أن مسألة التوحيد والنبوة والمعاد من أصول الدين إلا أن هذه الأمور أيضا تحضع للمتغيرات ويمكن تطوير رؤيا في هذه المسائل تتناسب مع الفكر الجديد وحقوق الإنسان، اما في ذات المعاملات فهي بالأساس ليست شرعية وإسلامية بمعنى أنها ليست أحكام تأسيسية بل أحكام إرضائية كما يقول الفقهاء أي أنها كانت موجودة في عصر ما قبل الإسلام وفي المجتمعات البشرية من قِبل البيع والشراء والإجارة والمقاربة والمساقات والزواج والحكومة وأمثال ذلك.فهذه الأمور بالتأكيد تخضع للمتغيرات والزمان والمكان.



الطيف: هل تعتقد أن المجددين في الفكر الإسلامين قادرون على إدارة عجلة انتاج الفتوى لسنوات مقبلة، وهل سيكون لهم صدى بين الناس؟


القبانجي:
طبعا إصدار الفتوى خاضع للمدرسة التقليدية والإسلام الأرثوذكسي ولا يمت الى روح الدين بصلة .


الطيف: أغلب المتغيرات اليوم أصبحت بدعة، أو هكذا حُكم عليها من قبل البعض من رجال الدين المتعصبين، في حين أن الجديد مرحب به من قبل الناس، كيف السبيل للخروج من هذا المأزق؟


القبانجي:

مسألة البدعة مختلف فيها.



الطيف: شممت من خلال قراءاتي السابقة لما كتبته، رائحة ميل شديد من قبلكم للدولة العلمانية، فأنت ترى أن الدولة العلمانية، هي الأكثر صيانة للدين أي "الدين العقلاني"، هل يعني ذلك أن الدولة العلمانية هي دولة الناس جميعاً؟

القبانجي:
الصحيح أني أرى ضرورة تشكيل حكومة مدنية تقوم على أساس فصل الدين بمعنى الشريعة عن الدولة لا أن الدين بمعنى الإيمان ينفصل عن السياسة والدولة وكافة مناحي الحياة...


الطيف: أنا الحق والباقي باطل، جدلية يفرضها بعض رجال الدين المتعصبين على الآخرين، هل هنالك محاولات جادة لتغيير هذا الواقع، وهل هنالك استجابة لما يطرح؟

القبانجي:

هذا الكلام مبني على الرؤية الأرسطية القديمة في تعريف الحقيقة لانه وكما تعرفون أن أفلاطون وأرسطو عرّفوا الحقيقة بأنها كل ما طابق الواقع الخارجي ، فكل ما طابق الواقع فهو صادق وحق وكل ما خالفه فهو باطل، فبعد مسيرة الترجمة في بدايات نشوء الحضارة الإسلامية في العصر العباسي نقلت هذه الأفكار الفلسفية والمنطقية من اليونان إلى بلاد الإسلام وكذلك الكثير من ثقافة الفرس والهند حيث قام علماء الكلام بأقتباس هذا المفهوم عن الحقيقة من تلك الفلسفة وتصوروا أن الحقيقة الدينية أيضا في تعريفها أنها كل ما طابق الواقع الخارجي فهو حق، يعني هو قياس على الحقيقة العلمية والخقيقة الفيزيائية، فكلام أرسطو صحيح فأن الأرض أما تكون كروية أو تكون مسطحة أو تكون مربعة، واحدة من هذه النظريات الصحيحة والباقي باطلة، أما في القضية الدينية وبما أنها تمتد إلى واقع الإنسان وإلى ذاتياته ومزاجه وتربيته فكل هذه الأمور تؤثر على صياغة عقائد الإنسان فلا يصح فيها هذا التعريف، فالحقيقة هي ما طابق الواقع الخارجي، ولكن في القضية الدينية فأن الحقيقة تكون هي ما طابق الواقع النفساني وليس الواقع الخارجي ، وحينئذ لا معنى لأقول بالجزمية والدوغمائية التي يفرضها رجال الدين المتعصبين وذلك لأن لكل واحد منهم وحدة نظر في القضايا الفيزيائية والقضايا الموضوعية، يعني أن الجميع يقول ان هذه الشجرة خضراء وأن هذه نخلة ، وهذه سيارة فلا يختلفون في هذه القضايا المحسومة أو القضايا الرياضية مثل 1+1 = 2 أو القضايا المنطقية مثل الكل اكبر من الجزء، فمثل هذه القضايا لا يختلف عليها أثنان أما في القضايا الدينية فأختلاف الناس فيها يعني انها قضايا تمتد إلى المحتوى الداخلي للإنسان فإذا حصلت للإنسان قناعة بمذهب معين أو دين معين وتحدث به عن تلك القناعة فيكون حقا لنفسه والاخر أيضا يكون له الحق بأن يعتقد بما يراه حقا فالحق في مجال القضايا الدينية ذو أوجه متعددة ،كل من أفراد البشر ينظر إلى الحق الديني من زاويته ومن خلفياته وترسباته الذهنية والثقافية والتربوية فلا معنى لنقول أن الحق واحد والباقي باطل وإلى النار ، ومن هنا نطرح مسألة التعددية ، يعني أن هذه الرؤيا سوف تفتح أمامنا أفاق التعددية وأحترام الآخر المخالف في الدين ورؤيته وأعتباره حقا،ليس فقط التسامح بما يفرضه واقع التعايش بين المسلمين وغيرهم بل أحترام الإنسان وأحترام حريته في المعتقد وان ما يعتقده صحيحا لنفسه وليس باطلا، وربما يكون باطلا بالنسبة لي أما بالنسبة له فهو يعتقد بانه على حق وانا لست المعيار لتقييم الحق من الباطل ، هؤلاء رجال الدين ينصبون أنفسهم معيارا للحق والباطل ولهذا نراهم جزميون ودوغمائيون ومن هنا تنشأ الطائفية وتكفير الأخر.
الطيف: هل تعقتد أن رجال الدين، لا يتعاملون، اليوم، مع مكتسبات العقل ومنتجاته، التي بات من غير الممكن التغاضي عنها، في حال الانفتاح على الآخر مثلاً؟

القبانجي:

الواقع الذي نعيشه يؤكد ان رجال الدين في الغالب يعتمدون في خطابهم للناس على الأمور الغيبية والاسطورية والبعيدة عن المنطق والعقل ومن هنا نجد اهل الوعظ والمنابر غاصة بالخرافات وباخبار التاريخ والتأكيد على العنصر الغيبي في الخطاب الديني مما يبعدهم أكثر فأكثر عن العقل ولكن الإنسان المعصر وخاصة المثقفين باتوا لا يقبلون بالكثير من هذه الخطابات والفتاوى التي لا تنسجم مع العقلانية، ولذلك نحن بحاجة إلى صياغات جديدة وخطابات دينية عقلانية لأحراز القبول لدى الناس، بعد اليوم لا يجوز لرجل الدين أن يقبع في زاوية بيته ويصدر فتواه ويقول أنا يجب أن أستنبط الفتاوى من النصوص حتى لو كانت غير منسجمة مع العقل او لا تحظى بقبول من الناس، فالمقبولية في هذا العصر يجب أن تدخل في صناعة الفتوى لأحراز بقاء الدين في قلوب الناس وعدم نفورهم عنه.
الطيف: نشكرك على سعة صدرك وعلى هذه الاجابات الشافية والوافية، ونرجو ان تتكرر لقاءاتنا.
القبانجي: شكرا جزيلا لكم وبالتوفيق لصحيفتكم والقائمين عليها ..

Opinions