Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أدائنا الانتخابي والحاجة الى تقييم موضوعي

 

حيدر شيخ علي

تعد الانتخابات من الانشطة السياسية الاكثر ديناميكية والتي تعبر نتائجها بالارقام عن نفوذ هذا الحزب او ذاك بين المجتمع، والقناعة التي يوفرها للاوساط التي يمثلها، ويستهدفها في حملته الانتخابية. ومن هذا المنطلق جاءت النتائج التي حصلت عليها قائمتنا ("ازادي" قائمة الحزب الشيوعي الكوردستاني) في انتخابات برلمان اقليم كورستان التي جرت يوم 21 ايلول 2013، متواضعة ولا ترتقي لآمال رفاقنا واصدقائنا. وقد أثارت تلك النتائج المتواضعة العديد من الاسئلة، تقتضي المسؤولية منا الاجابة عليها، بجرأة وشجاعة ووضوح، بغض النظر عن مصدر هذه الاسئلة والغايات التي تقف خلفها، وذلك لان الحزب مؤسسة وطنية تعنى بالشأن العام، وهو بهذا المعنى ليس مُلك لأعضائه وحسب، بل لأصدقاءه ومريديه وجميع مواطني كوردستان والعراق، سيما من قوى اليسار بجميع اتجاهاته، الذين لهم الحق بمعرفة وجهات نظرنا حول ذلك. لذا نشعر بأهمية النقد والملاحظات التقويمية التي طرحها الأصدقاء وعليه لا بد من التوقف عند نتائج الانتخابات والتعرف على الاسباب التي تقف دون ان يحقق الحزب ما تتطلع اليه عيون وقلوب مؤيديه ورفاقه.

وانطلاقا من المنهج الجدلي الماركسي في البحث والتحليل، يتطلب التعرف على الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة بالحزب وتلك التي رافقت عمله، وانعكست على نشاطاته، وكذلك الاوضاع التي شهدتها ألانتخابات وإدارتها، والموارد البشرية والإمكانيات المادية، مرورا بالمنافسين وطبيعة نشاطهم.

وعند الحديث عن الظروف الموضوعية لا ينبغي تصور اننا نهرب من مواجهة الواقع، بل ان عدم طرح ذلك هو تهرب من التعرف بشكل علمي وعملي على ملابسات الواقع الذي ينشط به الحزب، فالتقييم الموضوعي يتطلب الاحاطة بالموضوع من جميع جوانبه، وعدم اغفال اي جانب منه. لذا لا يمكن تصور بحث النتائج وتقييمها، دون التوقف ولو ببضع كلمات حول ما أصاب الحركة الشيوعية من انتكاسة، تركت وستترك اثارا سلبية لفترات قادمة ايضا، كذلك تأثيرات الحروب والعدوان والحصار، والاقتتال الداخلي، واقتسام السلطة مناصفة بين الحزبين الحاكمين، وترسيخ سياسية المحاصصة، وما وفر ذلك لهم من امكانيات بشرية كبيرة ومالية واسعة، استثمروها في تقوية مواقعهم في المجتمع، وآثار السياسة الريعية على المجتمع، حيث ساهمت في حرف الصراع الاجتماعي في الاقليم وتشويهه، هذا الى جانب التغيرات التي طرأت على المجتمع الكوردستاني، وطبيعة الصراع السياسي- الاقتصادي - الاجتماعي الدائر وإدارته، والاستقطاب السياسي في المجتمع ، كل ذلك، وغيره، والذي لا يتسع المجال للاستطراد به عرضا وتحليلا، لكنه بالتأكيد قد أثر بهذا الشكل او ذاك، على مجمل الاوضاع العامة. 

ان التوقف عند تلك القضايا وتشابكها وترابطها مع اوضاعنا الداخلية والتي تكتنفها مصاعب ومشاكل خاصة بها اصلا، هو ضرورة لا بد منها بهدف التغلب على  الصعوبات والتحديات التي تواجه عملنا والتعقيدات التي تحيط بنشاطنا. وذلك من اجل تحقيق نتائج تليق بحزبنا وتاريخه المخضب بالكفاح، وعطائاته المتواصلة من اجل حقوق وحريات المواطنين وحاجاتهم المعيشية والحياتية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وان نحقق في قادم الايام نصرا يرسم الفرح في قلوب الطبقات والفئات الاجتماعية التي نمثلها. 

لذا يتطلب منا الاجوبة على الأسئلة التي طرحها اصدقائنا ورفاقنا بكل جرأة وبدون مواربة، عن اسباب التراجع ومكامن الخلل، هل هي في السياسة التي نتبناها؟ ام بأداؤنا في تنفيذ تلك السياسة؟ أم في كليهما؟ ومن هي الجهة المسؤولة عن ذلك؟ وما هي الخلاصات التي تساعدنا في تحويل التحديات الى امكانيات؟ وكيف لنا ان نوقف هذا التراجع ونحوله الى تقدم  باتجاه تعزيز قوانا؟

بطبيعة الحال هناك عوامل عديدة تقف خلف هذه النتيجة المتواضعة التي حصلنا عليها، ولا يمكن حصر ذلك بعامل واحد فقط. ومن بين اهم العوامل هو العامل السياسي، ويبدو ان سياستنا تشوبها الثغرات، لذا يتطلب الأمر إجراء مراجعة شاملة لمواقفنا. والأمر الآخر علينا التوقف امام تحالفاتنا والتي يجب ان تضيف امكانيات لنا لا ان تثقل كاهلنا، وكذا الامر في موضوعة اشتراكنا في الحكومة هل استطعنا من خلالها التعبير عن برنامجنا، وهل لبينا من خلالها مصالح الناس الذين منحونا الثقة، وهنا علينا عمل جرد حساب شامل وبتجرد وبعيد عن الشخصنة.

 لا بد من تحديد رؤيتنا العامة والهدف الذي نسعى للوصول اليه، فهل الهدف هو الحصول على مقعد واحد، ام وضع رؤية واقعية لما يهدف له حزبنا في هذا الظرف الملموس، ينطلق من الامكانيات الواقعية التي بأيدينا؟ وإذ أطرح هذه الاسئلة والتي تبحث عن اجابات دقيقة وملموسة وموضوعية ابتغي من ذلك هدف واحد أساسي هو اجراء تقييم شامل يساعد الحزب على الخروج من هذه الخسائر التي لا تليق بتاريخه وعطاءاته، ومن اجل حزب حيوي نابض بالنشاط مدافع عن الناس متبني لقضاياهم بشجاعة وبقوة. ومن اجل تجنب الخطأ، لا يمكن حصر التقييم بفترة الحملة الانتخابية، وما رافقها من خطاب انتخابي، انما الصحيح هو ان يشمل التقييم ليمتد للسنوات التي سبقت ألانتخابات، لان الانتخابات هي تتويج وحصيلة جهد الحزب ونشاطاته للسنوات الماضية. وهنا يجدر بنا استحضار تقييماتنا السابقة، سيما ونحن خرجنا قبل سنة تقريبا من مؤتمر ولازالت تقييماته ماثلة امامنا، والسؤال هو كم من هذه التقييمات وجدت حضورها في حملتنا الانتخابية؟ ومنها التحدي الذي وضعناه امامنا والقاضي بتحويل حزبنا الى حزب انتخابي. 

من الخطأ خوض الانتخابات بحصر الهدف بالحصول على مقعد واحد فقط، بينما عمل الحزب هو أوسع من حصول المقعد، رغم اهمية ذلك. اعتقد اننا نحتاج الى  وضع رؤية واقعية لما يهدف له حزبنا في هذا الظرف الملموس، ينطلق من الامكاينات الواقعية التي بأيدينا. ويتطلب الامر بحث مدى قدرتنا على اختيار مفردات برنامجنا بدقة، فهل كان يلامس حاجات الناس ويعبر عن مصالحهم؟ وهل عبرنا عن البرنامج بلغة بسيطة ومفهومة للناس؟ وكذا الامر عن رسالتنا الانتخابية ماذا اردنا ان نوصل من خلالها؟ هل امتازت بالوضوح والترابط؟ وما مدى مقبوليتها من الناخبين؟ وتجدر الاشارة الى ما يمكن ان تعبر عنه الانتخابات، ليس كاتجاهات سياسية وحسب، وانما كاتجاهات فكرية كذلك، وسط اتساع الهوة بين شريحة صغيرة اغتنت بشكل ملفت وهناك فئات وشرائح لا زالت في وضع معاشي وحياتي لا يحسد عليه، ما انتج مشاعر القلق والسخط وعدم الرضا من الاوضاع، التي لخصها الصراع الانتخابي، وقد جندت لاجله الاحزاب كل امكانياتها الساعية لتمثيل اوسع قطاعات المجتمع. كما ويتطلب مراجعة الخطاب السياسي للحزب وقدرته على التعبير عن الفئات الاجتماعية التي نمثل مصالحها،  ارى ان خطابنا لا زال بعيدا في مستواه عن عقول وقلوب الكادحين من شعبنا، اذ لم نقترب الى تناول متطلباتهم وحاجاتهم، بصورة جريئة كما هو المطلوب، كذلك لم نركز على القضايا التي يئن منها المجتمع الكوردستاني، ومنها الفساد والمفسدين، وخلل حصر القرار السياسي للاقليم بيد الحزبين دون مشاركة حقيقية. فهل يا ترى يكمن الخطأ في خطابنا السياسي، ام بعدم وضوحه، ام بعدم قدرتنا على إيصاله، ام في كل ذلك. وتشخيص اي حالة من هذه الحالات، تتطلب طريقة خاصة للحل، فربما سياسيتنا صحيحة، لكن الخطاب ونبرته التي نعبر من خلالها عنه غير ملائمة، ام ربما سياستنا صحيحة، وخطابنا مناسب، لكن وسائلنا غير قادرة لإيصاله للناس.

اعتقد جازما ان هناك امكانية خوض الانتخابات ضمن تحالف ديمقراطي ذو بعد اجتماعي يضم قوى منظمة  وشخصيات، سيما وان هذا التوجه هو من بين احد مقررات مؤتمر الحزب الاخير. وعندما تعذر وجوده في فترة الانتخابات، كان ممكن التعويض عنه بالانفتاح على شخصيات سياسية مستقلة ومفاتحتها وضمها الى قائمتنا، كي نضيف للقائمة قوة سياسية وبعد اجتماعي أوضح وجماهيري اكثر.

وهكذا أرى ان التقييم يجب ان يستند على خطتنا الانتخابية، ومدى تحقيقها الهدف المرسوم، واعتقد انه كان من بين الاهداف هو ظهورنا كمدافع حقيقي عن مصالح شغيلة اليد والفكر، نعمل ونتحرك وسط الجماهير نستمع الى مطالبها، ونتبنى حاجاتها وندافع عن مصالحها، بحيث نكون اقرب ما يمكن الى نبض الشارع، فهدفنا الاساسي هو زيادة ثقلنا السياسي في مراكز القرار، الى جانب توسيع دائرة التواصل الحي والمباشر مع الناس عبر مختلف الفعاليات والنشاطات، حيث نتواجد في محل العمل او مجال النشاط المدني والمهني والاجتماعي وفي الإحياء السكنية، ومع عوائلنا والأوساط القريبة منا.

ان تقييم أداء عمل الحزب وتحسين اداءه هو واجب كل الشيوعيين واصدقائهم، وكل الحريصين على التغيير الاجتماعي، والضامن لحقوق كادحي شعبنا، وهذا هدف كبير، عزيز ونبيل ومهم. ومن المؤكد ان مسؤولية التغيير والتجديد الاساسية تقع على كاهل اعضاء الحزب، فالمطلوب في نهاية المطاف إجراء تقييم دقيق هدفه الكشف عن الاسباب والعوامل الموضوعية والذاتية التي أدت الى هذه النتائج دون غيرها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب ان يتوج مثل هذا التقييم بخلاصات ودروس تتم الاستفادة منها في الحملات الانتخابية القادمة. وفي كل الاحوال يجب ان يتم التعامل مع آراء الرفاق بشأن نتائج الانتخابات ضمن الأطر الحزبية بعيدا عن التربص والمواقف المسبقة المعروفة الغاية والهدف، وان يدار الصراع الفكري بشكل صحيح، وبطريقة ليتغلب الحزب على مصاعبه وثغرات عمله وان يعود قويا وموحدا. وكل محاولات خارج هذه الأطر هي اضعاف للحزب وبالتالي تأبيد سيطرة "الكبار" على المشهد السياسي في كوردستان،  لذلك يتطلب الامر اتباع الوسائل الصحيحة والطرق الاصولية في تحقيق الاصلاح المطلوب، والتكاتف ورص الصفوف، وهذا اهم درس تعلمناه من التاريخ.

ليست النتيجة المتواضعة التي حصلنا عليها هي نهاية المطاف، لحزب تبنى التجديد والتحديث والتطوير، حزب يحمل موضوعة العدالة الاجتماعية كخيار انساني، يحقق من خلاله التوزان لبعدي الديمقراطية، السياسي منها والاجتماعي، حيث الحريات والحقوق والضمان الاجتماعي، وجميع الضمانات التي تحفظ الكرامة الانسانية، حزب يتجه نحو بناء الدولة المدنية العصرية، حزب التحديث والتجديد، حزب يرسم ملامح مستقبل عادل، ويعمل من أجل وطن حر وآمن وسعيد.

 

Opinions