Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أزمة المركزي: من يتبنى "حرية السوق"، يتخلى عن حريته


24 تشرين الأول 2012

رغم أنه من الصعب على المواطن العراقي أن يفهم التعقيدات الإقتصادية المتعلقة بقضية البنك المركزي لكنه يستطيع أن يلاحظ بدهشه، مدى الإهتمام بل والدفاع المستميت عن محافظ البنك سنان الشبيبي، الذي سحبت يده أثناء تواجده في اليابان حيث يمثل البنك المركزي العراقي لاجتماع صندوق النقد الدولي.  ويبدو لي أن عملية "سحب اليد" كانت الطريقة التي وجدها رئيس الحكومة المالكي للإفلات من قانون كتب بشكل متقن لحماية "إستقلال" البنك المركزي من تدخل الحكومة وشل قدرتها على محاسبته. كذلك لا تفسير لإصدار هذا القرار أثناء تواجد الشبيبي في اليابان، سوى ان المالكي كان يأمل أن يبقى المحافظ في الخارج ويعفيه من مواجهة الإشكالات القانونية وأيضاً الجهات المالية الدولية التي ستدافع عنه لو أنه حكم عليه بالسجن مثلاً وتم التنفيذ.
ذكر عبد العباس الشياع عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار، أن مجلس النواب شكل لجنة تحقيقية التقت بمجلس إدارة البنك المركزي، بالمحافظ ونائبه وموظفين آخرين، وحصلت على معلومات بأن المزاد العلني شهد تفضيلا لمصارف على غيرها، ووجدت "تلاعب واضح في خلق فارق بسعر صرف الدينار بين السعر الرسمي والتجاري"، وقال أن اللجنة قدمت ادلتها للقضاء".منوها أن "اللجنة ستترك الأمر للقضاء". وأشار الشياع إلى فواتير وهمية بملايين الدولارات تم صرفها من البنك دون أن يطلب المصادقة عليها من الجهة المعنية، كما يفترض. وتحدث عن شركات عدة وكبار الصيارفة ومصارف اهلية تركت عملها المصرفي واتجهت للاستفادة من بيع الدولار والحوالات، وحصلت على مبالغ بملايين الدولارات بدون جهد أو مقابل، نتيجة لسوء الإدارة وسوء التنظيم لدى البنك المركزي، ونتيجة غسيل الاموال ايضا". (1)
وقال النائب عن كتلة الاحرار يوسف الطائي "ان مقارنة السلع الداخلة الى العراق بالدولار المصروف من البنك المركزي لم تغط ما نسبته 10% من الدولات المباعة" واعتبرها "صفقات مشبوهة".(2)
وقال عمار الشبلي عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب : "مقابل الرقم الكبير المهول الذي قام البنك المركزي ببيعه وهو 220 مليار دولار فلم يتم إدخال مقابل هذا الرقم الى العراق إلا 22 مليار دولار من البضائع والبقية لم تكن سوى كشوفات مزورة  ، وأن لجنة الاقتصاد البرلمانية أخذت عينة من تلك الكشوفات وهي ( 90 ) كشفا ولم تجد إلا كشفا واحدا حقيقيا والباقي مزورة.
وأشار الشبلي  إلى أن ما يحصل في البنك المركزي هو تزوير الأختام حيث يتم من خلالها بيع العملة الصعبة، وهذا ما أدى إلى حصول عجز اقتصادي في البلد ، مؤكدا أن مزادات البنك المركزي يشوبها الكثيرمن عمليات الفساد.(3)
وقال بهاء الأعرجي، رئيس لجنة النزاهة النيابية أن إقالة الشبيبي لم تكن على أرضية الفساد والمزادات وإنما لإصداره تعليمات تسببت في انخفاض قيمة الدينار.(4)
ولكي يضمن حق الشبيبي وعدالة محاسبته فقد تم تشكيل اللجنة التحقيقية البرلمانية من جميع الكتل الساسية!! (5) وأكد عضو اللجنة القانونية البرلمانية حسون الفتلاوي أنه "لا يجوز قانونياً التشهير بمحافظ البنك المركزي" (6)
يبدو لنا أن في الإتهام نقاط محددة يفترض أن يطالب المحافظ بالإجابة عنها، وهي تبدو مستندة إلى مصداقية كافية لتوجيه تهم خطيرة للغاية، ويبدو أن العراق مهدد بخسائر هائلة بسبب سياسة المصرف، سواء كانت لأسباب ضمن قانونه أو لتلاعب جرمي بأمواله. ولذا نجد أن من حقنا أن نتساءل: لماذا ثارت كل هذه الضجة للدفاع عنه؟ ولماذا ياترى لا يوزع هذا "الحرص الشديد على العدل" على الجميع وهل يشكل البرلمان مثل هذه اللجنة لكل وزير يتم التحقيق معه؟ أو ليس المفروض أن يقول حسون الفتلاوي: "لا يجوز التشهير بأي متهم" وهو يعلم أن التشهير بالمتهم كان الأسلوب المتبع حكومياً بامتياز حتى الآن فلماذا يمتنع الجواز على محافظ البنك دون غيره؟ ولماذا أثار التشهير ضده دون غيره، انتباه النائب؟ هل احتوت قصة إبعاد الوزير رعد شلال على أي عنصر غير التشهير الإعلامي الذي خلط بعض الحقائق بالكثير من القصص الكاذبة وأطلق عنان الإعلام لينهشه دون تحقيق لأكثر من أسبوع، ومازال مستمراً، رغم إثبات البراءة ورغم أن موضوعه لم يكن يحتوي أي عنصر فساد مالي، وعلى العكس تماماً من قضية الشبيبي، ودون أن يثير ذلك أي احتجاج من حسن الفتلاوي أو غيره؟
هذه مثلاً مذكرة رفعتها الى رئيس الجمهورية مجموعة تصف نفسها بـ "كفاءات عراقية مهنية معروفة بنزاهتها وحبها للوطن الغالي"  (7) ، وتتحدث عن "الحملات التشهيرية والتطهيرية والتي صارت تذكرنا بما قام به نظام صدام الفاشي من تشويه لسمعة مواطنين ومسؤولين كبار في الدولة" مستدعية للذاكرة أمثلة من الستينات لوزير مالية ومحافظ للبنك المركزي "اتهم ظلما بالجاسوسية".
منطق هذه المجموعة أنه مادام هناك في لحظة من تاريخ البلاد، محافظ بنك اتهم ظلماً، فيجب أن لا يتهم اي محافظ بنك بعد الآن، لأنه سيكون ظلم بالتأكيد! إنني أشفق على العراق من منطق "كافاءاته المعروفة بنزاهتها وحبها للوطن الغالي"، حتى إن اتفقنا مع تلك النزاهة والحب.
ويجد الدكتور كاظم حبيب أن محاسبة الشبيبي "لغز كبير حقاً!" ويلقي باللائمة في ذلك "اللغز" على "الأصول الفكرية والسياسة الأساسية التي ينحدر منها ويتبناها رئيس الوزراء" ويتحدث عن "محاولات الهيمنة على البنك المركزي من جانب رئيس الوزراء وإخضاع سياسة البنك لإرادة الحاكم بأمره ورغباته وسياساته الحزبية والشخصية"والتي اصطدمت بـ "إرادة محافظ البنك المركزي" الذي "التزم بقانون البنك والدستور العراقي واتسم بالأمانة التامة لشعبه وأموال هذا الشعب" وامتنع عن "الاستجابة لإرادة رئيس الوزراء المخالفة لقانون البنك والدستور العراقي بمنحه ما يريد من أموال هذا الشعب" ليصف ذلك بـ "إنه الخطر الفعلي الداهم الذي يواجه المجتمع العراقي والذي لا يريد أن يراه البعض الكثير, وخاصة حين تكون الدولة الحليفة للعراق هي إيران"، ولا ينسى بطريقه انتقاد موقف العراق (المحايد) من سوريا!
لا أعرف إن كان الدكتور حبيب قد اطلع على التهم أعلاه، وإن كان فكيف اعتبرها كلها بضربة واحدة، لا اساس لها؟ من الصعب فعلاً وصف هذا الخطاب ومغالطاته بكلمات...فأولاً لا بد أن الشبيبي نبي ليكون اتهامه لغز كبير، وثانياً اعتبر ألتهم كاذبة مسبقاً بل حلل أسباب تزييفها وأرجعها إلى "الأصول الفكرية والسياسية التي ينحدر منها" رئيس الوزراء! التحقيق يتحدث عن حالات تزوير وغسيل أموال وتلاعب بالمزاد، ورغم ذلك لا يجد حبيب من خطر يهدد العراق سوى أن يكون حليفاً لإيران وأن لا يشارك حلف الناتو وإسرائيل هجومهم على سوريا!
وكتبت جريدة المؤتمر أكثر من مقالة، أحدها " دفاعا عن سنان الشبيبي"، يقول كاتبها ان ما جرى " امر لا يشرف العراق بحال من الاحوال، ولا يدفع من سمعته باوساط المال العالمية".
فـ "شرف العراق" وسمعته يقررهما حسب هذا الكاتب "أوساط المال العالمية"، علماَ أن الصحيفة تعود لحزب اتهم مؤسسه بسرقة عظمى من قبل بعض "أوساط المال العالمية".
ويستمر الكاتب: "ان للدكتور سنان الشبيبي افضالاً كثيرة على الواقع المالي في العراق، ففي عهده بنى البنك المركزي العراقي احتياطي للعراق يزيد على (76) مليار دولار امريكي، بعد ان كان العراق لا يملك اي احتياط (فإحتياطي العراق لم يأت من النفط كما يبدو، وإنما من فضل وعبقرية الدكتور سنان الشبيبي! كما أن كلمة "عهده" تذكرنا بالملوك الذين يرجعون فضل حياة الشعوب لهم في "عهدهم"). وبعد أن أثنى على الإستقرار الذي حققه الشبيبي لقيمة العملة، يعود للقول أن "التذبذبات" الأخيرة "ليست من صنع الشبيبي"! فالإستقرار من خيره ، "وأما التذبذبات فمن أنفسكم"!
وأخيراً يعترف في النهاية: "ان مما لاشك فيه ان جزءا من الدولارات المشترات من البنك المركزي فيها شبهة غسيل اموال" ولكن مدير المصرف يجب أن لا يحاسب وفق هذا! أما لماذا لا يجب ذلك، فلأنه حسب الكاتب "بشخصه عالم ومهني، وهو ابن الشيخ محمد رضا الشبيبي الرمز الكبير من رموز العراق الوطنيين، وهو شقيق الشهيد اسعد الشبيبي "....الخ (8)
وتكرر مقالة أخرى في "المؤتمر" ما جاء في المقالة الأولى على وجه العموم لتؤكد أن الشبيبي "طوال السنوات الثمان استطاع أن يعزز وضع الدينار العراقي ويعيد هيبته"  (9)

الخبير المالي ماجد الصوري أيضاً يحذرنا من المس بالمقدسات والمقدسين أو التجرؤ على التحقيق معهم لأن تداعيات هذا الاتهام، ستؤدي إلى "تاثيرات سلبية"  على ثقة الاوساط الدولية في البنك، و "اضطراب في سوق العملة وفي العلاقات بين العراق والمؤسسات المالية الدولية، وإلى عدم الثقة بالاقتصاد العراقي ومؤسساته"! ،
وأكدت نجيبة نجيب عضو اللجنة المالية النيابية، نفس منطق هذا التحذير باعتبار أن "مؤسسة البنك المركزي تعكس سيادة العراق". (5)
وأكدت عضو اللجنة الاقتصادية والاستثمارية في البرلمان نورة سالم البجاري أن «توقيت الموضوع خطير جداً لأننا في طور توجيه الدعوات للاستثمار والبدء بمشاريع إعادة البنية التحتية، والاتهام يبعث رسائل خطيرة للمستثمرين بعدم التعامل مع العراق، وسيخلق نوعاً من انعدام الثقة بقوانينه خصوصاً أن المركزي يمثل واجهة البلاد النقدية في العالم». ووصفت قرار تعيين محافظ جديد من قبل مجلس الوزراء تجاوزاً للصلاحيات لأن قانون «المركزي» جعله هيئة منفصلة عن السلطة التنفيذية ويحق لمجلس النواب فقط الرقابة عليه. وأكد خبير الاقتصاد حيدر حسين داود أن «هذا الإجراء من شأنه خلق أزمة في السوق لأن أسعار الدينار ستتراجع بشدة متأثرة بتصريحات مسؤولين بحق محافظ المركزي».(10)
ويتحسف عضو اللجنة المالية النائب عن التحالف الوطني عبد الحسين الياسري لأن الحكومة ستضيع فرصة عظيمة للثقة بعد أن وضع البنك الدولي العراق تحت "الفجوة الايجابية"! (11) وينعى النائب الصدري أمير الكناني سقوط "آخر معقل صمد أمام نفوذ الحكومة" (12) دون أن يقول لنا لدى من كان هذا المعقل، ومن كان "صامداً" فيه بوجه الحكومة، ويعمل لحساب من وبشرعية من.
لنقارن بين التهم والدفاعات: التهم محددة بالأرقام والأسباب عن مزادات ثبت فسادها وتحيزها، و220 مليار دولار بيع 90% منها بخلاف الضوابط المطلوبة وغسيل أموال وأخطاء يعترف بها الشبيبي نفسه، أما الدفاعات فتستند إلى ثلاث محاور: الأول هو تاريخ عائلة الشبيبي العريق، وبالتالي فلا يجوز أن يتم التحقيق مع "ذوي الأصل والفصل"، وهو المحور الذي اختارته جريدة المؤتمر، والمحور الثاني هو "خطورة التهم وتأثيرها السلبي على الوضع المالي العراقي، وثقة المؤسسات المالية العالمية به" والقائلون بها يقولون بشكل غير مباشر أن التستر على المخالفات والفساد وغسيل الأموال هو الطريق الصحي للوضع المالي العراقي وسمعته الدولية، وقد كان من ابطال هذا الخط النائبة نورة سالم البجاري والنائب عن التحالف الوطني عبد الحسين الياسري و ماجد الصوري و خبير الاقتصاد حيدر حسين داود وغيرهم.
أما المحور الثالث الذي اتبعته مجموعة "الكفاءات العراقية" وكاظم حبيب، فلا يستند إلى أي شيء يستحق الذكر، فالمجموعة تشير إلى حدث في التاريخ كـ "دليل"، وأما الدكتور كاظم حبيب فيستند إلى رأيه بالمالكي وإيران وسوريا، ولا يجد أي داع لمناقشة التهم نفسها التي يرفضها بكل شدة!
الشبيبي نفسه لم يدافع عن نفسه وعن سياسة البنك بالحماس الذي تطوع به المدافعون عنه فقال:
"لا أنفي ولا أؤكد احتمال وقوع موظف او اثنين في بعض الأخطاء، لكن في السياق العملي العام لأداء البنك أشدد على أن عملنا جيد، ونحن واثقون من سلامته ومهنيته بما يخدم العراق" (13)
وكذلك كان موقف نائب الشبيبي الدكتور مظهر محمد صالح الذي قال ان هذا الامر يعد  شيئا طبيعيا شرط أن تكون دوافعها حسنة، وقال "لا نعتبره تدخلا في عمل البنك، فلا أحد يتدخل في عمل البنك الذي له قانون خاص به، هذه اللجان رقابية وليست إجرائية، ما دامت هناك حسن نية وخدمة المصلحة العامة فنحن مع هذه القرارات بشرط أن لا تكون هناك نوايا مبيتة".وأرجع صالح  ان أسباب حدوث تباين في أسعار صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية خلال الأشهر الماضية إلى الانسحاب الأميركي من العراق، ومشاكل الدول الإقليمية وتمويل التجارة معها، بالإضافة إلى حجم الإنفاق العام. (14)

ويمكننا إضافة محور هام رابع للهجوم على قرار المالكي يشير إلى أن المصرف مؤسسة مستقلة، وأن المالكي ليس مصرح له أن يحاسبها، وأنها مسؤولة أمام مجلس النواب فقط. ولعل أهم من شرح هذه النقطة وفند حق المالكي في "إقالة" الشبيبي أو "سحب يده" هو الأستاذ اسماعيل علوان التميمي (15)
في مقالة خاصة حول الموضوع (16) ولكن بالعودة إلى مقالة أخرى لنفس الباحث القانوني نجد أن تبعية الهيئات المستقلة اعقد بكثير مما يتحدث به معارضوا الإجراء، وأن المحكمة الإتحادية سبق وأن حكمت "بأن ربط بعض الهيئات المستقلة ذات الطبيعة التنفيذية في عملها بمجلس النواب أمر لا يتفق مع اختصاص المجلس ويتعارض مع مبدأ فصل السلطات ولا يتفق مع ما جرى العمل عليه في برلمانات العالم ، كما تجد المحكمة الاتحادية أن ( ارتباط ) بعض الهيئات المستقلة بمجلس النواب لا يحول دون الإشراف على نشاطاتها من قبل مجلس الوزراء تطبيقا لاختصاصاته الواردة في الدستور ، باعتبارها جهات غير مرتبطة بوزارة ." (17)
إذن فقرار المالكي قد يكون مشكوك بدقته في أحسن الأحوال واللوم لا يقع عليه بل على ضعف صياغة الدستور واضطرار المحكمة الإتحادية لتحميل التفسير أكثر من وجه. لكن ما يثير اهتمامنا هو هذا الحماس والتأكد التام من البراءة والدفاع المسبق المستميت من قبل المدافعين عن الشبيبي وشرعية استقلاله ومؤسسته عن الحكومة! ومن أين اكتسب محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي شرعيته؟ أليس من بريمر؟ وهل هناك الكثير من الرجال في العالم من هم أكثر قذارة من بريمر وأشدهم أذى للعراق من شريك نيكروبونتي في تأسيس الإرهاب فيه وسرقة أمواله وتهريب لصوصه وفرض حثالاته على رأس سلطته لتدمير فرصه؟ فلماذا إذن ينتفض هؤلاء من اليمين واليسار دفاعاً عن هذه الشرعية المشبوهة، والمرتبكة قانونيا ودستورياً، بدلاً من المطالبة بتغييرها فوراً؟ نلاحظ أن الإحتجاج كان ضد مجرد التشكيك بتصرف الشبيبي وسياسة مصرفه، وتوجيه تهم إليهما. تهم من الواضح أن لها أسس منطقية لم ينكرها الشبيبي نفسه ولا أقرب معاونيه!  إنني أتساءل: لو أن الحكومة أو البرلمان لم يثيرا التساؤل عن ما وراء تلك التهم الخطيرة، ثم كشفت تلك الممارسات بطريقة ما، اما كان نفس هؤلاء الوعاظ سيملأون الدنيا ضجيجاً بفساد الحكومة وتسترها على اللصوص وقلة الحرص على المال العام؟
لا ينتهي الأمر عند هذه "النخبة" العراقية، بل هناك ما هو أشد إثارة للقلق..
دنيس ماكدونوف مستشار الأمن القومي الأميركي يرافقه سفير الولايات المتحدة الامريكية الجديد في العراق روبرت ستيفن بيكروفت، قاما على ما يبدو بجولة ضغط بين اروقة السياسة العراقية، فبحثا مع رئيس البرلمان النجيفي "الحفاظ على استقلالية البنك المركزي وعدم تسييسه بما يضمن اطمئنان الاسواق المالية والمصرفية والمؤسسات الدولية ذات الصلة" ويبدو أنهما حثا البرلمان على التدخل في الموضوع "من اجل تحقيق النتائج المرجوة في تثبيت ركائز الديمقراطية".(18)
ويبدو من خبر آخر أن هذه الجولة التهديدية شملت رئيس البلاد ورئيس الحكومة للتأكيد على "أن اي تحقيق حول البنك المركزي العراقي يجب ان يتسم بالشفافية والحرية وفي اطار القانون العراقي وعدم خضوعه لاي تاثير لنفوذ سياسي من اجل تجنب تقويض استقلالية المؤسسات العراقية وتاكيد ثقة المستثمر في العراق". ولتذهب ثقة العراقي بالعراق إلى الجحيم! (19)
بقي فقط أن يعلن مجلس الأمن أن رفع العراق من الفصل السابع يعتمد على موقفه من سنان الشبيبي!
هذه الضجة بحد ذاتها، يفترض أن تثير لدى أي شخص لديه إحساس بالسيادة أسئلة أكبر من سنان الشبيبي والبنوك ويعتبر ثقة الشعب بأن ممثليه يمثلون مصالحه، أهم بكثير من "ثقة المؤسسات الدولية"، لإنه يتعلق بعلاقة المواطن بنظامه السياسي ككل، واستقلاليته وقدرته على الدفاع عن مصالحه في وجه تلك "المؤسسات الدولية". فعندما لا تتمكن أعلى سلطة تنفيذية منتخبة من محاسبة موظف عراقي، مسؤول عن اموال عراقية، إلا بموافقة مستشار الأمن القومي الأمريكي ورضاه عن مستوى الشفافية التي يدار بها التحقيق، فإننا نجد أنفسنا أمام هول وعمق الهاوية التي وضعتنا أميركا فيها مقابل إزالة الدكتاتورية التي سبق أن فرضتها قبل عقود على رؤوسنا.
من الواضح أن "جميع المواطنين متساوون أمام القانون، لكن بعضهم أكثر تساوياً من غيره"  كما يقول أورويل في "مزرعة الحيوانات" ومن الواضح أن محافظ البنك المركزي، لمنصبه "الدولي" وأهمية هذا المنصب لمص ثروة العراق "مساواة" تتعدى مساواة غيره، فلم يسبق لأحد أن منح لجنة تحقيقية "عابرة للطائفية" من جميع الكتل السياسية، أو تطوع للدفاع عن "مساواته" هذه  مجموعات من اليمين إلى اليسار، ومن العراق إلى خارجه وصولاً إلى "مستشار أمن قومي" أمريكي يطالب بالشفافية!!
تخيلوا لو أن المالكي،لا بل مجرد مسؤول في الأمن القومي العراقي، يجتمع مع أوباما وبضعة وزراء أمريكان وينبههم أن التحقيق في قضية البنك الفدرالي الأمريكي، أو قضية حول بنك جي بي موركان، يجب أن تكون "شفافة وحرة"! الن يصلح هذا أن يكون هذا جزء من فلم "اليس في بلاد العجائب"؟ هذا علماً أن لـ "جي بي موركان" تأثير مباشر على العراق، وليس هناك، كما يفترض من تأثير مباشر للبنك المركزي العراقي على أميركا، إلا إذا اعتبرنا سرقتها لثرواته وأطماعها بما تبقى منها، "تأثيراً". ثم يتحدث البعض عن السيادة والندية!
من يتابع مقالاتي يعلم إنني لست معجباً أبداً بسياسة المالكي الإقتصادية، بل أعتقد أنها ربما تسير بالبلاد إلى استنزاف ثروات الشعب وتحويلها إلى أسلحة أمريكية مع بقاء الشعب في فقر وتخلف. لكن هذا لاينفي أن المالكي يمثل في هذه اللحظة السلطة الشرعية المنتخبة في البلاد، حتى لو لم تكن الإنتخابات سليمة، وقد زورت تحت إشراف الأمريكان، ضده أكثر مما لصالحه على أية حال.
والحال هذا، فحينما يقف البعض ضد المالكي في صراعه مع الشبيبي، فإنما يقف كتحصيل حاصل، مع سلطة بريمر وضد سلطة الشعب! فالمنطق المستعمل للدفاع سوف يكون المنطق الذي يحدد الصراع بين تلك السلطتين الآن وفي المستقبل. أن هذا البنك الذي أسسه بريمر ووضع قانونه وعين رئيسه، تعود مرجعيته الحقيقية والعملية لا إلى الحكومة ولا إلى البرلمان ولا إلى القضاء أو أية جهة عراقية أخرى، بل إلى نفس العصابة المالية والسياسية العالمية والتي تنسق بقية الإبتزازات الغريبة القوة للعراق والمتمثلة بعلاقاته مع الأردن، وكردستان، وأميركا، (ومن أيضاً..؟)، فهذه كلها لا يستطيع العراق التعامل معها كما يتم التعامل عادة بين الدول والأقاليم، ولا تستطيع سلطته الشرعية أن تحاسب حتى المواطنين العراقيين الذين يمثلون هذه المجموعات أو يرتبطون بها بشكل ما.
إن "الهيئات المستقلة" اسطورة مشبوهة المقاصد وضعها الإحتلال انطلاقاً من مبادئ الليبرالية الجديدة التي تعبد حرية السوق بلا تفكير. فلا يفترض أن يعطى في الديمقراطية أي شخص سلطات مطلقة لا يمكن محاسبتها، دع عنك أن يكون هذا الشخص غير متمتع بأية شرعية انتخابية! 
ودعونا أيضاً نصدق الواعدين بالويل والثبور على الإقتصاد العراقي وسمعته وهبوط أسهمه وخسارة "الفجوة الإيجابية" وغيرها من التعبيرات الإستعراضية الرنانة، إن تمت محاسبة محافظ البنك فيه، ولنسأل أنفسنا: هل نريد حقاً نظاماً مثل هذا؟ هل نريد نظاماً يخيرنا بين السكوت عن مؤشرات الفساد وبين خسارة السمعة الإقتصادية أو تعتمد فيه قيمة عملة البلد على التغاضي عن الغش في المزاد؟ وأية سمعة هي تلك التي تعتمد على الغش وإخفاء السرقات؟ هل نريد نظاماً تقرر فيه نزاهة شخص واحد عينه أحد أسوأ لصوص الإحتلال، بول بريمر، مدى استقرار عملة البلد؟ نظام يستطيع شخص واحد أن يكلف البلد مليارات الدولارات في ضربة واحدة، ودون أن تكون لك سلطة عليه لمحاسبته؟ وأن نصلي بعد ذلك لعل هذا الشخص يكون نبياً يختلف عن كل البشر فلا يتأثر بإغراء أو تهديد و "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"؟
لماذا علينا أن نلتزم "حرية السوق" إن كانت تتطلب المعجزات لتعمل، وتضع إقتصاد البلاد ومستقبل أجياله في كف عفريت، كما يستنتج من ضرورة الثقة المطلقة بمحافظ البنك؟ هل للشعب العراقي خيار في نظامه الإقتصادي، أم أنه تابو مثل الإبتزازات الغريبة التي فرضت على البلاد وتلزم الحكومة عنها الصمت، كابتزاز دعم الأردن وابتزاز حصة كردستان؟
ليس لي أن أقول كلمة في الحكم على تصرف الشبيبي، فلا أستطيع من موقعي رؤية التفاصيل، ولا أحكم بدونها كما فعل المدافعون عنه بلا تردد، رغم رؤيتي مؤشرات خطيرة عديدة ضده، وتبرر بلا شك التحرك الحكومي والبرلماني والقضائي للتحقيق بشأنه ومحاسبته كأي شخص آخر، ودون أن تتعرض لأي ضغط لا من الداخل ولا من رجال الأمن القومي الأمريكان.
لكن ما نستطيع أن نراه بوضوح هو إن الحال غير هذا، وأن قضية محافظ البنك المركزي العراقي وتداعياتها الدولية، ليست سوى دليل على أن "حرية السوق" تتناقض مع السيادة والديمقراطية لأنها تضع فوق شرعية الشعب، شرعية سلطات المال العالمية وشخوص الإحتلال. فـ "حرية السوق" ليست سوى تعبير تظليلي لا علاقة له بالحرية كما يفهمها الناس، بل تقف وراءه أعتى مؤسسات وقوى التسلط العالمي وشرطتها السرية وجيوشها، ومن يمثل تلك المؤسسات من مواطني البلاد. تلك السلطات التي في لحظة ظالمة من الزمن، فرضت تلك القوانين على بلدان لامصلحة لها بهذا النظام، بل وفرضت عليها من يقوم على تنفيذه لحسابها. ولا بد لتلك السلطات من حماية ممثليها بما يردع الحكومات المنتخبة ومؤسسات الشعب عن محاسبتهم وهم يقومون بمهمتهم – التي لا أستطيع اعتبارها مشرفة. ولهذا السبب لا غير، نرى ونسمع كل تلك الهستيريا من أجل حماية هؤلاء من المحاسبة. إنه ببساطة برهان ساطع آخر لحقيقة واضحة: أن من يتبنى "حرية السوق"، لا يتخلى فقط عن سيادته على ثرواته وحريته في التصرف بها، ولكن أيضاً حقه حتى في الحفاظ عليها!

(1) http://www.albadeeliraq.com/article21854.html
(2)
http://www.uragency.net/2012-03-11-16-31-52/2012-03-11-16-33-57/11565-2012-10-19-15-30-46.html
(3)
http://www.ipairaq.com/index.php?name=inner&t=economy&id=61736
(4)
http://www.alkufanews.com/news.php?action=view&id=8277
(5)
http://www.albadeeliraq.com/article21854.html
(6)
http://www.alestiqama.com/news.php?cat=siasy&id=4890
(7)
http://www.shaabparty.com/index.php/component/content/article/5-iraqi/292-2012-10-18-17-15-41.html
(8)
http://www.almutmar.com/index.php?id=201215992
(9) 
http://www.almutmar.com/index.php?id=201215818
(10) 
http://www.iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/25354--lr-.html
(11)
http://www.iraqdirectory.com/DisplayNewsAr.aspx?id=21277
(12)
http://www.alliraqnews.com/index.php?option=com_content&view=article&id=55220
(13)
http://www.alqabas.com.kw/node/236140
(14)
http://www.aliraqnews.com/index.php?option=com_content&view=article&id=4520
(15)
http://www.ahewar.org/m.asp?i=2983
(16)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=329347
(17)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=309267
(18) 
http://www.4.hathalyoum.net/iraqnews.php?action=sit&cd=5&sid=76251
(19)
http://www.albadeeliraq.com/article21904.html
 

Opinions