Skip to main content
أصحاب الحق في كوتا الأقليات Facebook Twitter YouTube Telegram

أصحاب الحق في كوتا الأقليات

المصدر: صحيفة الزمان

لويس إقليمس

لا يخفى على أحد ما هي عليه تشكيلة المجتمع العراقي من تنوّع في الأديان والإثنيات والمذاهب والطوائف والقوميات على حدٍّ سواء، ما جعل العراق واحة تتلألأ فيها قناديل وأعاجيب المنتمين لهذه جميعًا، في حالة عيش الجميع في إطار القانون الذي يحمي ويحكم المجتمع بالعدل والإنصاف والمساواة. ولكنّ المعادلة الطبيعية في حالة اختلالها وخروجها عن المألوف في ضمان الحقوق الوطنية الطبيعية لكلّ فئة أو مكوّن أو جماعة، قد تقود إلى صراعات ونزاعات وخلافات لن تشهد خواتيمُها الوصولَ إلى برّ الأمان في مسألة احترام شكل الاختلاف في الرأي أو الدين أو المذهب أو التوجه الفكري عن المجموع، منفردًا أو مجتمعًا. والمعادلة الطبيعية لأقليات العراق أن يكون لكلٍّ منها خصوصياتُها في الحق بتداول ما يحقُّ لها من مصالح ومنافع وإدارة الشؤون اليومية حالها حال مَن يتعكّزُ على سمة الأغلبية العددية أو التبعية الحزبية أو الكتلة السياسية التي لا ولن تكون منصفة في مسألة تمتع أتباع أية أقلية بما يحق لها من حقوق، حالُها حال مجاميع الأغلبية.

قلناها مرارًا كما ردّدها ويردّدُها العديدون من المنصفين والباحثين في شؤون المكوّنات قليلة العدد التي أحالها الزمن الأغبر إلى جماعات متناثرة ومبعثرة في وجودها وتواجدها وعديدها في مناطق سكناها الأصلية، إنّ بقاء هذه السمة المُهينة سياسيًا واجتماعيًا ووطنيًا سوف تكون له تحصيلات كارثية على مستقبل أتباعها في المستقبل القريب والبعيد إذا لم يتمّ حسمُ إنصافها وطنيًا بالمساواة التشاركية والعدالة الاجتماعية مع سائر المواطنين على أساس الانتماء للوطن والجدارة في الأداء والكفاءة في تولّي الوظائف الحكومية والخاصة والمناصب التي لا ينبغي بقاؤُها حكرًا لأتباع الأحزاب السياسية والمنتمين إليها حصرًا لما لهذا السلوك الخاطئ من تدمير للسمة الوطنية والإنسانية معًا، وتعكيرٍ للأجواء المجتمعية وقتلٍ لأية مساعٍ لجمع الأضداد والمختلفين تحت ستر وطن البناء والسلام والرفاه الذي ينبغي أن يحتضن الجميع تحت خيمته الوارفة. فما في بلاد الرافدين من ثروات وفرص للعيش الرغيد ومن إيجابيات في الكينونة العراقية ومن جمال في لوحته الفسيفسائية يمكن أن يعيد البلاد والعباد إلى عصور التمدّن والحضارة والرقيّ كسائر مصافي الدول المتقدمة في كلّ شيء. وكلّ ما تحتاجُه البلاد مراجعة الذات، وتحييد فتنة غياب الانتماء للوطن، والانحياز لصالح مصالحه العليا على حساب غيرها من تلك المتسمة بالفئوية والطائفية والمذهبية والكتلوية غير المنتجة، وكبح جماح سيادة الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية العليا والالتزام الوطني الصحيح بالنية الصادقة بالحوار والتفاهم وتقاسم السلطة وتوزيع المهام والمناصب بموجب المبادئ أعلاه، ليس منّةً من أحد بل وفق استحقاق الحقوق الوطنية.

واقع المستجدات

 لا نريد في هذه السطور القليلة إثارة مواجع أسباب الهجرة التي أصابت أبناء هذه الجماعات، أو التي يحلو لبعض ساسة الصدفة بعد الغزو الأمريكي الغبي للبلاد تسميتَها بالمكوّنات وفق مبدأ تقاسم السلطات بين الأفرقاء، أصدقاءً تسموّا أم أعداءً وفق واقع المستجدّات وحسم الصراعات وتبادل المواقع وتناغم المصالح أو اختلافها من حينٍ لآخر. ولكني أقول، كفى تلاعبًا بحقوقها والتدخّل في شؤونها على أيدي مَن يُعدّون غرباء ودخلاء على أصالتها وواقعها المرّ بسبب تدخل أحزاب السلطة، ولاسيّما الولائية منها لخارج الحدود، وبعض زعاماتها في الانحياز لفئة دون أخرى أو فرض شأن أو واقعٍ بغير رغبتها وإرادتها. فهذا من شأنه أن يؤدّي إلى نقض مصالحها الوضعية وتلفيق حقوقها الطبيعية والخوف من تعرّضها لنكبات واهتزازات غير مرحَّب بها بحصول تغيير في ديمغرافية سكناها ومواقع تواجدها الأصلية وتعرضها لفقدان أو اندثار تراث الآباء والأجداد. فالحفاظ على شيءٍ من هذه الخصوصية "المقدسة" لدى معظمها إن لم أقل لجميعها، جزءٌ من المحافظة على الهوية الوطنية التي تجمع مختلف الهويات الفرعية، كلّ ضمن واقعها المعاش الذي يُعدّ من ضمن حقوقها المهدّدة، تهجيرًا لدول الاغتراب القاسي، أو خضوعًا للأقوى على الساحة وضياع الوجود على أيدي جماعات استغلالية مشاركة في السلطة أو عصابات مسلحة تأتمر بأحزاب وكتل سياسية أو أشخاص يدينون بالولاء لدول وطوائف وأديان ومذاهب. فلا أحد ينكر ما شهدته الساحة السياسية في العراق من استغلالٍ للسلطات وتدخلٍ في شؤون هذه الجماعات المهزوزة الهشّة أصلاً بعد تآكلها وإحالتها إلى هذا الواقع المرير بسبب تداعيات الصراع السياسي في البلد والمنطقة.

دعوا الكوتا لأصحابها

نحن اليوم على أعتاب ممارسة ديمقراطية انتخابية بعد أشهر من الآن. فبعد أن صادق البرلمان العراقي على نسخة القانون الانتخابي مثير الجدل الذي صاغه ساسةُ أحزاب السلطة وفق مقاساتهم لضمان بقاء وجودهم على راس السلطة بعد شعورهم باهتزاز مواقعهم وتراجع سمعتهم وقرب محاسبتهم على أيدي ناخبيهم وعامة الشعب الغاضب على أدائهم وإيغالهم في الفساد والظن بهم سوءًا من جانب المجتمع الدولي ومَن أتى بهم إلى السلطة خاصةً، كان لا بدّ من الاعتراض عليه والمطالبة الدولية للجهات المتنفذة بالعدول عنه لكونه يوسع الهوّة بين مطالب الشعب "الديمقراطية" وأطماع أصحاب النفوذ بالبقاء في السلطة ما يحلو لهم على مبدأ "ما ننطيها". والعتب هنا على نواب الشعب ممّن انساقوا وراء فرض الواقع على أيدي أحزاب السلطة والزعامات التي ضربت مصالح البلاد والعباد وفق رؤيتها وتوجيهاتها من خارج الحدود. فوفق هذا القانون المفروض بقوة كلمة أحزاب السلطة ورفضها أصوات المعارضة المناهضة لسياسة الاحتفاظ بالسلطة بأيّ ثمن، تكون حقوق الأقليات قد تعرّضت مرةً أخرى للاغتصاب ولسلب حرية أتباعها في أداء واجبهم الانتخابي بفقرة واضحة بعدم الموافقة على حصر التصويت بهم حصرًا حينما فتحت الأبواب مرة أخرى لكلّ شاردٍ وواردٍ بالتصويت لمرشحيهم سعيًا لخنق حقوق أصحاب الحق المشروع. كما أن طريقة احتساب تقاسم مقاعد الكوتا عبر تقسيم العراق إلى دوائر محددة ومتعددة لن يضمن حقوق عموم المكوّن المسيحي المنتشر في مدن وقصبات وقرى التواجد المسيحي في عموم البلاد، مهما كانت أعدادُهم بالرغم من شدّة المطالب من أحزاب مسيحية وجهات دينية وفعاليات ثقافية واجتماعية بتصحيح المسار واحترام إرادة أبناء هذا المكوّن. وهذه دعوة أخرى لفتح باب التصويت ليكون العراق دائرة انتخابية واحدة بحيث يحق للمسيحي المتواجد في أية مدينة أو منطقة أو مركز انتخابي التصويت للمرشح الذي يرتئيه لتمثيله في المؤسسة التشريعية. وهذا حقٌ مكفولٌ له. وذات المطلب ينطبق على أتباع المكوّنات الأقلية الأخرى. فليس من المعقول حرمان صوت أو سلب حق مواطن في مدينة ليس فيها دائرة انتخابية.

لذا، فإنّ ما حصل بين بعض الكتل السياسية أثناء صياغة القانون الانتخابي الجديد من خلافات ومناوشات كلامية في دفاع كلّ جانب عن مواقع مصالحه وتثبيت حقه في امتلاك مقاعد الكوتا وتجييرها لصالحه بالسطوة على طريقة التصويت غير الصحيحة بشكلها الحالي، كان طبيعيًا وسط الفوضى في رفض حقوق هذا المكوّن الأصيل الذي تتهارشُ وتتناحر عليه كتل رئيسية وفرعية بغية كسب ودّه أو تحييده لجهتها. فيما كان صوت رجال الكنيسة واضحًا بترك أبناء هذا المكوّن يقرّر التصويت لممثليه من بين أوساط أتباعه حصرًا وعدم سحب أبناء المكوّن إلى مشاحنات جانبية في تأييد هذه الكتلة أو هذا الحزب أو تلك الجهة دون غيرها. كما جاءت مداخلات وتوجيهات الأحزاب المسيحية القومية "السريانية- الكلدانية- الآشورية" لتصبّ في ذات التوجّه رافضين إجحافًا جديدًا بحقهم، ما زاد من أدوات الاستهداف الأخرى التي تنغّص أسلوب حياتهم اليومية في العيش كما يستحقون من حرية التصرف في المأكل والمشرب والملبس والتملّك، ما يعني بلا أدنى شكّ وجود أجندات أيديولوجية دينية وطائفية تستهدفهم بين فترة وأخرى. وهذا ما حصل مؤخرًا في نشر قانون ضريبة واردات البلديات الخاص بتحريم ومنع الخمور بأنواعها، تصنيعًا واستيرادًا وتسويقًا وبيعًا وتناولاً، في هذا التوقيت بالذات بعد ترك موضوع إقراره قبل ست سنوات. والمقصود بالدرجة الأساس في مثل هذا القانون المجحف المناقض للحريات العامة والخاصة في مواد عديدة من الدستور هم أتباع الأقليات من مسيحيين وصابئة وإيزيديين، خاصة من الذين يتداولونها في مناسباتهم التي لا تحلو إلاّ بتوسطها موائدهم في مناسباتهم. ومثل هذا القانون لا يخرج عن لعبة التضييق التي تمارسها الأحزاب الدينية خاصة بالضدّ من أتباع أبناء هذه المكوّنات المتميّزة في كلّ شيء عن غيرها من الشرائح التي تدّعي الافتخار بكثرة العدد وملئ الشوارع في مناسباتها غير المتحضرة، فيما تحجم بعضُها أو تتغاضى عن انتقاد ما يقابل تداول الخمور من اجتياح آفة المخدرات الواسعة الدخيلة على البلاد هذه الأيام بعد أن كانت تُعالج في الأزمنة الماضية بكل شدة وقساوة. والسبب واضح من جهة ورودها والترويج لها وتسويقها بالسهولة في طرق إدخالها من الحدود الشرقية خاصة. 

جميع المكونات

لستُ هنا بصدد التطرق إلى هذا الموضوع في هذه السطور، بل جلّ ما يهمّني من الوطنيين الأصلاء بجميع مكوناتهم وتلاوينهم الدينية والإثنية والاجتماعية أن يسعوا جاهدين لتعزيز مكانة أتباع الأقليات وإبراز وجودهم الضروري على أرض الرفدين، موطن آبائهم وأجدادهم الأصلي كي يتقاسموا ويتشاركوا ويتعاضدوا من أجل بناء الوطن وعمل ما يزيد من تعزيز اللحمة الوطنية ويجمع الأضداد والاختلافات التي ينبغي أن تكون إيجابية لكونها غنى وثروة وطنية لا تُضاهى. فالعراق كفيلٌ بجمع هذه الأضداد والتناقضات والجماعات المختلفة جميعًا لأنّ أرض الرافدين قادرة تمامًا على احتواء أصحاب الأفكار المتناقضة والسلوكيات المعيشية المختلفة تحت راية العلَم الواحد والمصالح العليا الواحدة والمستقبل الواعد الواحد الذي يتأمّلُه الجميع باستثناء أصحاب الفكر المهزوز والمتاجرين بالدّين والمذهب والطائفة، ممّن قد أصبحوا معروفين لدى العامة والخاصة.

Opinions