Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أضغاث أحلام العرب في عهد أوباما

قبل موعد الانتخابات الأمريكية، كان الحماس لانتخاب وفوز أوباماً في العالم العربي والإسلامي شديداً. وقد شهد على هذا الحماس الكثير من وسائل الإعلام الأمريكية خاصة. فكتبت فريدة جيتس الكاتبة المتخصصة بالشئون العالمية في صحيفة "ميامي هيرالد"، في مقالها "مفاجأة لأوباما في الشرق الأوسط" تقول، أن أعلى نسبة تأييد جاءت لأوباما كانت من السعودية، إذ وصل التأييد إلى نسبة 50%. وأعلن 33% من الفلسطينيين، و32 % من الكويتيين أنهم يفضلون أوباما. وهذا يزيد ثلاثة أضعاف تأييدهم لجون ماكين. ومن المفارقات العجيبة، أن أوباما يحقق نجاحاً أفضل بين اليهود في الولايات المتحدة بشكل أكبر، مما هو حاله بين المسلمين في منطقة الشرق الأوسط.

ولكن فتُر الحماس العربي – الإسلامي بعد الانتخابات مباشرة. ففي اللحظات الأولى للإعلان عن فوز أوباما في الانتخابات الأمريكية، هلّل الشارع العربي وكبّر لفوز أمريكي من أصل أفريقي مسلم، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ولكن ما أن أعلن أوباما بعد يومين من فوزه، عن تعيين رام عمانويل - القيادي في الحزب الديمقراطي، وعضو مجلس النواب في الكونجرس الأمريكي، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية والأمريكية معاً، وهو ابن زعيم منظمة "الأرجون" الصهيونية الأصولية المتطرفة - في منصب "رئيس طاقم البيت الأبيض"، حتى انتُزعت الصفحة البيضاء العربية من سجل أوباما، وبدا أوباماً صهيونياً خالصاً في أنظار العرب، وانقطع الأمل في "إنصاف"، القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى العالقة والشائكة. فالمنظار الذي ينظر من خلاله العرب إلى رام عمانويل كعدو إسرائيلي، يختلف عن المنظار الذي ينظر من خلاله أوباما، باعتباره عمانويل شخصية أمريكية له قدرات متفوقة في التنظيم والإدارة.

-2-



ما هو المطلب العربي من أمريكا الآن، في عهد أوباما الجديد؟

العرب يطلبون من أمريكا العدل.. كل العدالة.

والعدالة الأمريكية في القاموس السياسي العربي تعني:

1- أن تقوم أمريكا بدعم قيام الدولة الفلسطينية ومساندتها، رغم أن الفلسطينيين أنفسهم مختلفون فيما بينهم، وفريق كبير منهم (حركة حماس) غير متفق على قيام هذه الدولة، ولا يعترف بالدولة الإسرائيلية، ويرفض التفاوض معها. و"فتح" تريد الدولة الفلسطينية دولة علمانية، في حين أن "حماس" تريدها خلافة إسلامية، كما فعلت في غزة، وكما هو الحال في قطاع غزة الآن. أما إسرائيل فهي سعيدة جداً بهذا الخلاف، وهذا الصراع بين الفلسطينيين، الذي يُبعد عنها شبح إقامة الدولة الفلسطينية.

2- التخلّي عن التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل، وقيام تحالف استراتيجي مع الدول العربية. ولا أدري ما هي الدولة العربية التي يمكن أن تتحالف معها أمريكا استراتيجياً.

3- عدم التدخل في شؤون الدول الديكتاتورية الحزبية، أو الديكتاتورية العسكرية أو الديكتاتورية القبلية؛ أي كافة الدول العربية.

4- عدم المطالبة بإخلاء سبيل المعتقلين المعارضين السياسيين المسجونين في سجون العالم العربي، وخاصة في مصر وسوريا.

5- عدم المطالبة بتغيير المناهج الدراسية العربية، وخاصة المناهج الدينية التي تحضُّ على محاربة وقتل أهل الكتاب.

6- عدم العمل على خلع أي ديكتاتور أو حاكم عربي. فهذا شأن عربي داخلي، يجب على أمريكا أو أية دولة أجنبية أخرى عدم القيام به.

7- استمرار منح الدول العربية الفقيرة (مصر مثالاً) المساعدات المالية الأمريكية السنوية، دون ربط هذه المساعدات بالإصلاح العام في هذه الدول، وخاصة الإصلاح السياسي، كما فعلت أمريكا مؤخراً مع مصر، بوحي من بعض النشطاء السياسيين كسعد الدين إبراهيم رئيس مركز أبن خلدون، والذي يعيش الآن خارج مصر، خوفاً من محاكمته وسجنه.

8- وأخيراً، على أمريكا أن لا تستمع إلى المعارضة السياسية العربية، وأن تكفَّ عن دعم هذه المعارضة بكل الوسائل الممكنة.

ولعل معظم هذه المطالب تبدو عاطفية وغير واقعية، ومن الصعب الالتزام بها من جانب أمريكا، التي ترى أن الاستجابة لهذه المصالح يضر بمصالحها في الشرق الأوسط.

-3-



يعتقد العرب والمسلمون – كما سبق أن اعتقدوا في انتخابات رئاسية أمريكية سابقة – أن الأحلام السياسية التي يحلمون فيها قبل كل انتخابات رئاسية أمريكية، سوف تتحقق. ولم يكتشفوا بعد، أن أحلامهم السياسية هي مجرد أضغاث أحلام، أي أحلاماً وهمية، بل هي كوابيس سياسية. وهذا ما فعلوه بالذات، في انتخابات رئاسية أمريكية ماضية عام 2004، عندما أُعيد انتخاب جورج بوش الإبن. فقد صوّت العرب لصالح بوش، دفعاً له لتحقيق الأحلام العربية، ولكن ما أن أصبح الصباح، حتى وجد العرب في أمريكا وخارجها، أن أملهم أبعد من أمل إبليس في الجنة. ولم يدركوا حتى هذه اللحظة، أن الرئيس الأمريكي الجمهوري أو الديمقراطي، لا يعمل ولا يُقدْم على أي قرار إلا إذا كانت هناك مصلحة لأمريكا فيه. وواقع العرب وحالهم في الماضي والحاضر، ليس من مصلحة أمريكا في الشرق الأوسط، أن تقف بجانبه وتناصره، أو حتى أن تكون عادلة فيه.



-4-

وقد كشفت عن هذا كله المحللة السياسية الأمريكية آن أبلبوم، في مقالها "الأساطير الخمس في الانتخابات الأمريكية". وقالت عن الأسطورة الرابعة:

"إذا فاز أوباما في الانتخابات، فإن وضعنا في العالم سيتحسن على الفور، فقط لأنه رئيس 'مختلف'. أنا متأكدة، بأنه سيكون هناك قدر كبير من الابتهاج لرحيل إدارة بوش المكروهة، غير أن الحقائق سوف تفرض نفسها بسرعة، عندما يكتشف الأجانب والناخبون الأميركيون أيضاً أن الرئيس الأميركي، ليس على هذه الدرجة من القوة التي يتخيلونها، وأنه لا يستطيع تغيير كل شيء فوراً، وأن هناك أشياء لن يتمكن من تغييرها على الإطلاق، خلال مدة ولايته، سواء كانت لفترة واحدة، أو اثنتين".

وتضيف آن أبلبوم قائلة:

"أوباما لن يتمكن من إنهاء القتال في العراق وأفغانستان، كما لن يتمكن من جعل مؤشر البورصة يرتفع، ولن يتمكن بالطبع من إنهاء بوادر الكساد الاقتصادي على الفور. هذه هي خيبة الأمل القصيرة الأجل التي سيحس بها العالم".

وتتابع آن أبلبوم قائلة في مقالها، عن "الأسطورة الرابعة للانتخابات الأمريكية":

"أما في الأجل الطويل، فإن خيبــة أمــل العالم الخارجي- والناخبين الأميركيين أيضاً- سوف تتمثل في اكتشافهم أن أميركا ليست في وارد التخلي عن الرأسمالية العولمية، ولا البدء فوراً في إعادة توزيع ثروة الأمة على الآخرين. والكينيون على وجه الخصوص سوف يكونون هم الأكثر إحساساً بخيبة الأمل هذه".

بل إن العرب – كما واضح الآن - سيكونون هم الأكثر إحساساً بالخيبة وليس الكينيين فقط، يا سيدتي.

Opinions