Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أطوار بهجت.. "عروس" تزف إلى القبر بدلا من عريسها

أجهضت أصابع الإرهاب، آمال الشهيدة الزميلة أطوار بهجت في أن تستكمل تحضيراتها لزفافها الذي كان مرتقبا. ولم يعد بوسع "العروس" الشابة، أن تمشي بين صفوف الفتيات وأصابعها مشبوكة في أصابع عريسها، باتجاه سرادق العرس. ولم يعد بإمكانها أن تبكي من الفرح، حين تزغرد أمها في حضرة ليلة العمر. هكذا سريعا، وقبل أن تستكنه غوايات الشعر أيضا، وتجرب كتابة قصائد جديدة، في شأن الوطن، أوفي الحب، أغواها الموت، فأغمضت عينيها على قصيدة أخيرة، معجونة بدمائها، وهي متوسدة ثرى العراق. في الظلام، تماما كما صرخ بدر شاكر السياب، "حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق"، لم تتمكن من التملص من الحب الكبير الذي يعمر قلبها. إنه العراق، حتى في الظلام يكون جميلا، وحتى لو أدى عشقه إلى الموت. قلق في بغداد كانت الساعة تشير إلى حوالي 6:30 مساء (بتوقيت بغداد) حين علم الصحافيون والموظفون في مكتب "العربية" هناك باختطاف زميلتهم أطوار بهجت، وزميلين آخرين هما المصور عدنان عبد الله ومهندس الصوت خالد محسن في سامراء (غرب العراق) حيث كان ثلاثتهم - على الأرض - يطلعون العالم على ما يجري هناك. زحف الخوف إلى قلوب زملائها وزميلاتها في بغداد، فامتدت أياديهم إلى هواتفهم لأجل التحدث إلى مكتب رئيسي الجمهورية والوزراء، ووزيري الداخلية والدفاع، وعدد من شيوخ القبائل في تكريت وسامراء، أملا في نجدتها، وإنقاذها من الموت في بلد صار "مقبرة" للصحافيين. وتقول الزميلة هدير الربيعي، مراسلة قناة "العربية" في العراق، لـ"العربية.نت"، إنها وزملاؤها لم يبارحوا المكتب طوال الليل أملا في مكالمة هاتفية تأتي من سامراء ببشارة إنقاذها، وبقائها على قيد الحياة. وفي السابعة صباحا تقريبا، كان على فريق قناة "العربية" في بغداد، كما هو الحال بالنسبة لنظرائهم في غرفة التحرير المركزية في دبي، مواجهة موقف مؤلم وعصيب آخر، عرفوه سابقا حين استشهد الزملاء علي الخطيب وعلي عبد العزيز ثم مازن الطميزي وعدد من موظفي مكتب القناة في بغداد حين جرى تفجيره. قتلت أطوار بهجت ورفيقيها. كان حال مكتب قناة "العربية" في بغداد حسب وصف الزميلة هدير الربيعي، صباح اليوم غاية في الكآبة. انخرط الجميع في البكاء، وانهار بعضهم. فـ"أطوار" فضلا عن أنها زميلة، كانت إلى مساء اليوم السابق، تطل على مشاهدي القناة، هي فتاة ودودة في علاقتها بزملائها، وتتمتع بحب الجميع. عروس لم تكحل عينيها بالزفاف وما يشعر هدير بحزن أكبر، هو أن أطوار بهجت كانت تستعد لإعلان خطبتها لأحد الزملاء في حقل الإعلام، ثم زفافها مباشرة في الأشهر المقبلة. لم تقدر هدير حسب إفاداتها لـ"العربية.نت" على الذهاب إلى "أم مكلومة بوفاة ابنتها التي كانت تعد العدة لزفافها". عملت أطوار إثر تخرجها في الجامعة، في صحف ومجلات عدة، قبل أن تنقل إلى قناة "العراق" الفضائية كمذيعة ومقدمة برامج ثقافية، بحكم هواها الشعري، وذائقتها الأدبية. وبعد احتلال العراق، عملت لفائدة أقنية فضائية عربية، لتستقر أخيرا قبل 3 أسابيع في قناة "العربية" كمراسلة من العراق. وبحسب زميلتها هدير الربيعي، كانت أطوار "متيمة" بالعراق، وتمتلك حسا إنسانيا رفيعا. توفي والدها وهي في عمر الـ 16، وكان مديرا لإحدى المدارس في سامراء، لتتكفل بمعيشة أمها وأختها الوحيدة (إيثار)، التي ما تزال طفلة صغيرة بعد. وتقول هدير الربيعي لـ"العربية.نت" إن أطوار اضطرت للانتقال مع أسرتها الصغيرة من سامراء إلى بغداد من أجل العمل. وفي بغداد، لم تتمكن من العيش طويلا في منطقة العامرية (غرب) نظرا للاضطرابات الأمنية التي كانت تشهدها على الدوام، ففضلت الانتقال إلى منطقة الحارثية. أطوار الشاعرة ! هربت أطوار من الاضطرابات الأمنية في العامرية، ربما لعامل الأمان بالنسبة لأمها وأختها الصغيرة، لكنها لم تخش شيئا فيما يتعلق بحياتها هي. فقد كانت تتحمس للذهاب إلى أكثر الأماكن خطورة، وفي بالها التهديدات الجدية المحيطة بحياتها. وفي آخر مكالمة هاتفية جرت بينها وبين هدير الربيعي أمس الأربعاء 22-2-2006 وكانت الأخيرة تزمع الذهاب للنجف، قالت لها أطوار "لا تذهبي، يكفي مكتب بغداد خسارة واحدة" لكأنما شعرت بدنو أجلها، وأن رحلتها الصحافية إلى سامراء، ستكون خاتمة عملها في حقل الإعلام، ونقطة النهاية لحياتها. قبل أن تتوجه إلى سامراء، ألحت أطوار في الذهاب إلى كركوك بغية تسجيل حلقات لبرنامج "مهمة خاصة" الذي تبثه قناة "العربية". ولأن المدينة لم تكن آمنة تماما، كانت تضطر طوال 3 أيام إلى البيات في السليمانية القريبة، والتوجه صباحا لكركوك. وحين ناقشها بعض الزملاء في مكتب بغداد حيال عزمها التوجه إلى سامراء، ردت عليهم "نحن عراقيون ولابد أن نتحمل مسؤولية نقل صوت العراقيين إلى العالم". وكانت صحيفة "الوطن" العمانية أجرت حوارا في نهاية 2003 مع أطوار بهجت بوصفها صوتا شعريا عراقيا، قالت من خلاله إن "سقوط بغداد غير لهجتي في كتابة الشعر". وأشارت الشهيدة أطوار بهجت في ذلك الحوار إلى أن ديوانها الشعري الأول "غوايات البنفسج" صدر في 1999، وأنها تحضر لإصدار ثان. وقالت "كنت أكتب عن الحب فقط لكن بعد احتلال بغداد لم أكتب سوى عن الوطن الذي أشعر أنه سرق في وضح النهار". أما أمنياتها حسب إفاداتها في الحوار، فقد كانت أن "يبقى العراق عراقا، واحتاج عراقا لكي أبكي على صدره والأهم أن يعرف الجميع أن العراق هو العراق وفي كل الظروف". وعن هواياتها، اكتفت بالقول إنها "بلا هوايات سوى القراءة وخصوصا كتب الروايات والشعر". تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولي التي يقتل فيها إعلاميين من قناة العربية في العراق حيث قتل سابقا الزميلين علي الخطيب وعلي عبد العزيز على يد القوات الأمريكية، وتعرض الزميل كاظم جواد لمحاولة اغتيال، كما تعرض مكتب القناة في بغداد في العام المنصرم لعملية تفجير قضى خلاله عدد من العاملين في المكتب. Opinions