
أكثر من 18 ألف نازح يعيشون في خيام الأوجاع
المصدر: جريدة الصباح
رغم مرور أكثر من عشر سنوات على نزوحهم، ما زال آلاف النازحين في إقليم كردستان عالقين في المخيمات، تحاصرهم ذكريات ديار هدمت بفعل الحرب، وأحلام مؤجلة بعودة قد لا تتحقق قريباً. ورغم تحرير مناطقهم في نينوى والأنبار وصلاح الدين، إلا أن غياب فرص العمل، وانعدام الخدمات الأساسية، وتهدم المنازل جعل العودة خياراً بعيد المنال لكثيرين.
وفي هذا الشهر الكريم، شهر رمضان، يزداد الحنين للديار، وتتضاعف معاناتهم في مخيمات النزوح، حيث يقضون أيامهم بين خيام لا تقي برد الشتاء ولا حر الصيف، تتردد الأسئلة ذاتها: متى نعود؟ وكيف؟ فالأمل بالرجوع إلى الديار يصطدم بواقعٍ قاسٍ، حيث البنية التحتية المدمرة، والظروف المعيشية الصعبة، وغياب الدعم الكافي لإعادة الإعمار.
"الصباح" تواصلت مع عدد من النازحين عن بعد، من بينهم (ب. غ) نازحة من الموصل، التي أكدت أن العودة إلى منزلها لم تعد مجرد قرار شخصي، بل تحد تفرضه الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
من جانبه، أوضح النازح (م. م) أن غياب منحة العودة وعدم تخصيص مبالغ لإعادة إعمار منزله في قضاء سنجار بمحافظة نينوى، يزيدان من فترة بقائه في المخيم. وأكد أن آلاف النازحين الذين يشاركونه المعاناة داخل المخيمات بحاجة إلى دعم حقيقي، خاصة مع اقتراب فصل الصيف، اذ تصبح الظروف المعيشية أكثر قسوة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وافتقار المخيمات إلى أبسط وسائل العيش.
وأشار إلى أن هذه المعاناة تتضاعف لأن غالبية قاطني المخيمات من كبار السن والأطفال، ممن يصعب عليهم تحمل قسوة العيش في ظل هذه الأوضاع المتردية، ما يجعل الحاجة إلى حلول عاجلة وفعالة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
في ظل استمرار معاناة النازحين، ما زالت الحلول المطروحة لإغلاق ملف النزوح تواجه تحديات كبيرة، أبرزها ضعف الدعم المالي وتأخر إعادة الإعمار، مما يعوق العودة الطوعية لآلاف العائلات، التي تعيش في ظروف قاسية منذ أكثر من عقد من الزمن.
في هذا السياق، أوضح عضو لجنة الهجرة والمصالحة المجتمعية النيابية شريف سليمان في تصريح لـ"الصباح" أن المبالغ المخصصة لمنحة العودة لا تكفي لتأمين احتياجات النازحين بعد عودتهم إلى ديارهم، حيث تعاني مناطقهم الأصلية من دمار واسع ونقص حاد في الخدمات الأساسية، مما يجعلها غير صالحة للعيش. وأكد سليمان أن تأخير إقرار موازنة 2025 أسهم هو الآخر في تعطيل إطلاق هذه المبالغ، مطالبا بزيادتها وصرفها بأسرع وقت ممكن.
وأشار سليمان إلى أن وزارة الهجرة تضع سنويا خططًا لإغلاق ملف النزوح، لكنها لم تحقق نتائج ملموسة، مؤكدا أن النازحين ما زالوا يعيشون في العراء، ويعانون قسوة الفصول دون استجابة حقيقية لمطالبهم. وأوضح أن استمرار وجود الآلاف من النازحين في مخيمات إقليم كردستان يمثل ضعفا في تنفيذ خطط العودة الطوعية، مما يستدعي تحركا جادًا لمعالجة هذه الأزمة.
وفيما يخص تحسين أوضاع المخيمات، شدد سليمان على ضرورة زيادة الدعم المالي والمساعدات الصحية والغذائية للنازحين، مع استمرار توزيع حصة النفط والسلال الغذائية لكل أسرة. كما أكد أهمية توفير فرص عمل وإعادة تأهيل الخدمات الأساسية في مناطق النزوح، لضمان عودة لا تكون مجرد حل مؤقت.
وأشار سليمان إلى أن العديد من المناطق المحررة غير مستقرة وتعاني من تدهور الخدمات، ما يجعل العودة إليها غير ممكنة في ظل الظروف الحالية، مضيفا أن التنافس السياسي يلعب دورا في تعطيل عمليات إعادة الإعمار.
وأكد سليمان أن خطة العودة الطوعية لعام 2024 لم يكتب لها النجاح، اذ كان من المفترض إغلاق ملف النزوح بحلول 30 حزيران من العام الماضي، لكن ذلك لم يتحقق. وأشار إلى أن الحكومة تبنّت خطة بديلة للعام الجاري، على أمل أن تؤدي إلى نتائج إيجابية، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة حول مدى فعاليتها.
وتابع سليمان أن دعم المنظمات الدولية لملف النازحين تراجع بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية، مما يزيد من صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية للنازحين، ويضع عبئا أكبر على الحكومة الاتحادية في إيجاد حلول جذرية تنهي معاناتهم المستمرة.
ما زال ملف النزوح يشكل تحديا إنسانيا كبيرا، رغم الجهود المبذولة لإنهائه، حيث تعيش أكثر من 18 ألف أسرة نازحة في مخيمات إقليم كردستان، وفق آخر إحصائية صادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين.
وفي هذا الصدد، أكد الوكيل الإداري في وزارة الهجرة والمهجرين، الدكتور كريم النوري، في تصريح لـ"الصباح"، أن عدد النازحين القاطنين في مخيمات الإقليم بلغ 18,520 أسرة، موزعين بواقع 16,450 أسرة في دهوك يتخذون من 15 مخيما سكناً لهم.
وأضاف ان هناك ستة مخيمات أخرى في أربيل تضم 2,070 أسرة نازحة، مشيرا إلى أن مخيمات السليمانية أُغلقت بالكامل، ولم يتبقَ سوى المخيمات في دهوك وأربيل، مما يعكس جهود الحكومة في تقليل عدد المخيمات، رغم استمرار التحديات التي تواجه النازحين.
وأوضح النوري أن التحديات التي كانت تواجه النازحين تراجعت بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية، وهو ما دفع الحكومة إلى تشكيل لجنة جديدة لإدارة ملف العودة الطوعية لهذا العام، وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وحكومة إقليم كردستان، إضافة الى مستشارية الأمن القومي
وأردف بالقول: إن هذه اللجنة تهدف إلى وضع حلول عملية تضمن الاستقرار الدائم للنازحين، من خلال تأمين متطلبات العيش الكريم في مناطقهم الأصلية، بما يشجعهم على العودة الطوعية.
وأكد النوري أن الوزارة تسعى جاهدةً لاستئناف عمل المنظمات الدولية التي تعنى بملف النازحين، بعد أن تراجع دعمها بشكل كبير خلال العام الماضي. وأكد أن هذا الدعم يعد ضروريًا لتوفير المساعدات الإنسانية، وتحقيق استقرار دائم للعائدين، في ظل استمرار التحديات الأمنية والخدمية التي تعرقل العودة الطوعية.
كما أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي جهاكير، استمرار الوزارة في تنفيذ برنامج العودة الطوعية ضمن الخطة الحكومية، مشيراً في حديثه لـ"الصباح" إلى أن هناك عودة فعلية للنازحين، لكنها محدودة مقارنة بالسنوات السابقة. وأضاف أن الوزارة تعمل وفق توجيهات الأمانة العامة لمجلس الوزراء لضمان تسهيل العودة وتقديم الدعم اللازم للعائدين.
وأوضح جهاكير أن الوزارة سبق أن وزعت منحة مالية بقيمة أربعة ملايين دينار لكل أسرة عائدة خلال العام الماضي، إلى جانب توزيع السلع المعمرة. كما تم إطلاق المشاريع المدرة للدخل لدعم الأسر النازحة وفق شروط محددة، مما يساعدهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي بعد عودتهم.
ونوه جهاكير إلى أن الوزارة تركز على دعم المشاريع الاقتصادية للعائدين، كونها أساس نجاح العودة الطوعية، مبينا أن المشاريع التي تم تنفيذها خلال العام الماضي أثبتت فاعليتها في رفع المستوى المعيشي للعائدين، حيث يتم اختيارها وفقًا لحاجة السوق والمردود المالي المتوقع لكل مشروع.
وأكد جهاكير أن الوزارة تسعى إلى توسيع نطاق هذه المشاريع من خلال دعم أفكار جديدة تتناسب مع متطلبات السوق، مع توفير التسهيلات للأسر العائدة التي لم تحصل على دعم سابق.
