Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أوضاع العراق والدعاية الانتخابية

الشعب العراقي في واد وأغلب القوى السياسية العراقية في وادٍ آخر. فالشعب يواجه مصائب التهديد والقتل اليومي, رغم تقلص عدد العمليات الإجرامية التي تمارسها القوى الإرهابية المتنوعة وعدد القتلى, ومصاعب الحياة اليومية, ومنها نقص الخدمات في عز الصيف العراقي, وخاصة الكهرباء والماء, وأكوام القمامة التي تملأ شوارع المدن العراقية في الوسط والجنوب (راجع مقال الشاعرة المبدعة والكاتبة بلقيس حسن حول سفرتها الأخيرة إلى الناصرية وغيرها في موقع صوت العراق) والمناطق الشعبية في بغداد وليس منطقة الخضراء والقادسية بشطريها وليس شارع الأميرات في المنصور .., بل مدينة الثورة والشعلة والطالبية وبعض أجزاء الرصافة والكرخ, ومنها البتاويين وشارع فلسطين وبغداد الجديدة وغيرها. والشعب يعاني من البطالة والبطالة المقنعة بكل مشكلاتها السياسية والاجتماعية والإدارية وتخلف سير معاملات الناس. كما يواجه الشعب استمرار الفساد المالي والإداري والحزبي بكل قسوته وتخريبه للحياة اليومية, في حين تقف القوى السياسية في واد أخر, خاصة وأن جمهرة كبيرة من كوادر وأعضاء هذه الأحزاب تحتل مواقعها في أجهزة الدولة وهي التي تمارس الفساد المالي والإداري, إضافة إلى آخرين, إذ أن أغلب المراكز المهمة في الدولة موزعة على ممثلي تلك الأحزاب الحاكمة. والأحزاب السياسية منشغلة بحملة انتخابية مبكرة للوصول إلى مجلس النواب وإلى تحقيق الأكثرية في المجلس وتشكيل الحكومة القادمة دون أن تقدم لهذا الشعب ما يفترض تقديمه, وكأن ما مارسته في الآونة الأخيرة في مجلس النواب ضد وزير الداخلية أو اعتقال البعض القليل هو الشكل السليم لمكافحة الفساد المالي وليس تغيير النظم والقوانين والحياة الثقافة في المجتمع وإبعاد الكثير جداً من أهل العمائم ومن يماثلهم من الذين يربطون الحكم بالدين ويمارسون الفساد وهم في الحكم وحوله ثم يغطى كل ذلك باسم الدين, والدين منهم براء. ليس هؤلاء وحدهم من يسلب الشعب قوته, بل هناك من العلمانيين من يمارس ذلك أيضاً.

نحن أمام محاولات مستمرة لتحقيق تحالفات جديدة دون أن تبذل غالبية الأحزاب السياسية الجهد الضروري لوضع برامج جديدة وأهداف جديدة واقعية ودون أن تسعى لإشراك قوى الشعب بما يفترض أن يكون جديداً ومحركاً للواقع الراهن في العراق. إن الواقع الاجتماعي والسياسي يستوجب تشكيل تحالفات جديدة على صعيد العراق كله, ويستوجب التخلص من القوائم الطائفية أو القومية الشوفينية أو القومية الضيقة, بل يستوجب الانفتاح على العراق كله على القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية, ومنها قوى إسلامية ديمقراطية ليبرالية ترفض الربط بين الدين والدولة, كما يستوجب الابتعاد عن تلك التحالفات التي ألحقت أضراراً فادحة بالعراق وخاصة تلك التحالفات التي تسببت في التوزيع الطائفي للحكم ومقاعد مجلس النواب والقضاء العراقي أيضاً وكل وزارات العراق, وهي التي تحولت إلى حصون محكمة ومغلقة لهذا التحالف الإسلامي السياسي أو الحزب الديني أو القومي أو ذاك. وهي المسئولة عن الخسائر الهائلة في الأرواح والدماء التي هدرت في العراق والدموع التي سكبت فيه.

الشعب يعاني ويواجه المشكلات وأغلب القوى السياسية لا تريد أن ترى ذلك بعينين مفتوحتين وسليمتين. حين تتحدث منظمات حقوق الإنسان الدولية, ومنها منظمة العفو الدولية التي كنا نحتمي بها ونطالبها بدعم ضحايا الإرهاب الصدامي, عن التجاوزات الفظة على حقوق الإنسان الجارية حالياً في العراق, ينبري السيد رئيس الوزراء ويرد على منظمات حقوق الإنسان التي تطالب بحماية حقوق الإنسان المهدورة أن لا تبالغ بذلك وأن لا تسيَّس حقوق الإنسان ظلماً وبهتاناً, في حين هو يعرف قبل غيره أن حقوق الإنسان مغدورة ومهدورة في العراق, ومنها حقوق المرأة. وأقرب حالة هي ما اكتشف في المؤسسات السجنية التابعة لوزارة الداخلية. وحين يتحدث الناس عن المشكلات الكبيرة والفعلية القائمة في العراق, ينبري السيد رئيس الوزراء أيضاً وكأنه لا يعرف بما يجري في العراق ويقول بأن العراقيين يسيَّسون كل شيء, وكأن الأشياء غير مسيَّسة في العراق والناس يريدون قسراً تسييسها. وحين تُحمل صورته من عسكريين في مسيرة عسكرية ويقال له "تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي" بكل صدق وحرص من جانب رسام الكاريكاتير المبدع والناقد الاجتماعي والسياسي المميز سلمان عبد لكي تذكره بأن الشعب لا يريد العودة لما ساد في ظل حكم صدام حسين وطغمته الفاسدة والجائرة, يخشى الإنسان مكن أن "يزعل" السيد رئيس الوزراء وأتباعه مثلاً, ويمكن أن تتوجه مفرزة أمن جديدة لاعتقاله في كربلاء كما حاولت قبل ذاك بسبب معرضه في كربلاء!

السيد رئيس الوزراء يدعو إلى الابتعاد عن الطائفية. وهو أمر جميل, ولكن اشرح لي أيها الأخ الفاضل, كيف يمكن مكافحة الطائفية السياسية وأنت تترأس حزب سياسي يقوم على المذهب الشيعي الجعفري الاثنا عشري, فحزب الدعوة قد تأسس على هذا الأساس, وهو حزب مذهبي طائفي سياسي ليس في عضويته أي إنسان عراقي منتسب إلى دين أو مذهب آخر ولا من قومية أخرى غير شيعية؟ كيف يمكنني أن أتصور بأنك غير مذهبي وغير طائفي ما دمت تقف على رأس هذا الحزب المذهبي.

السيد رئيس الوزراء يمارس عملية تنشيط العشائرية والأجواء العشائرية في العراق ليكسبها إلى جانبه في الانتخابات القادمة, فكيف يمكن أن يبني مجتمعاً مدنياً ديمقراطياً في العراق في ظل العشائرية والدور المتزايد للمؤسسة الدينية؟ كيف يمكن ممارسة الديمقراطية وممثل حزبه يدعو إلى الأخذ بالديمقراطية كأداة والابتعاد عنها كفلسفة, فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن الهدف هو استخدام الديمقراطية للوصول إلى الحكم وليس ممارسة الديمقراطية في الحكم وفي حياة المجتمع, كما عبر عن ذلك بوضوح كامل لا ريب فيه على الأديب, النائب الأول في حزب رئيس الوزراء وهو الرئيس الفعلي لهذا الحزب بسبب مشاغل رئيس الوزراء الحكومية.

يدعو السيد رئيس الوزراء إلى التحالف مع المجلس الإسلامي الأعلى, وهو الحزب المركزي الذي يتبنى الطائفية السياسية ويتبنى ولاية الفقيه ويدير منظمة بدر, كصنوه جيش المهدي, أي ولاية علي خامنئي على شيعة حزبه, كما يسعى لتكون ولاية الفقيه على كل شيعة العراق.

السيد رئيس الوزراء يتعاون بكثافة مع قوى حزب البعث في الموصل, إذ يريدها أن تكون ضد القوى الكردستانية, كما صرح بذلك محافظ الموصل الجديد, ولا يسعى إلى حل الخلافات مع القوى الكردستانية وفق المادة 140 من الدستور العراقي, بلي يعمد إلى التعاون مع قوى قادت العراق إلى الحضيض الذي عشنا فيه ولا يزال المجتمع لم يخرج من عواقبه, وهي مجموعة بعثية وقومية شوفينية مقيتة لا يمكن الركون إليها والتعاون معها أو القبول بها في حكم محافظة من محافظات البلاد.

السيد رئيس الوزراء, كما أرى, بحاجة إلى رؤية أكثر صفاء ونقاء لفهم تعقيدات الوضع في العراق من أجل عدم تعقيد الوضع, إذ تقع على عاتقه حل تلك المشكلات. ومن أجل أن تكون له رؤية أكثر موضوعية عليه حل حزبه وتشكيل حزب عراقي جديد لا يستند إلى عناصر طائفية سياسية أو لا تؤمن بالديمقراطية بل تعتبرها أداة لا غير, يستند إلى قوى علمانية وليبرالية وديمقراطية, وهي كثيرة ومستقلة في العراق, ويطرح برنامجاً جديداً يفصل بين الدين والدولة في الحكم ويتعامل بواقعية مع الواقع العراقي القومي, ويعمل وفق آليات ديمقراطية مجربة ويمارس الحكم على أسس جديدة تحارب كل ما هو خارج عن وعلى القانون, وخاصة ممارسة الطائفية والتمييز القومي والتمييز ضد المرأة ...الخ.

السيد رئيس الوزراء ليس بحاجة إلى خطب كثيرة, بل إلى برنامج واضح وتعبئة للمثقفات والمثقفين العراقيين وفق أسس ديمقراطية وعلمانية, وليس في إبعاد هؤلاء الذين يحملون في رؤوسهم وعلى أكتافهم ثروة العراق الثقافية والعلمية والأدبية وتقاليده الطيبة وتراثه الحضاري الجيد وينزعون بثقافتهم ونشاطهم من رؤوس الكثير والكثير جداً من الحكام والناس ثقافة العنف والقسوة والاستبداد في الحكم والحياة اليومية.

سيبقى الشعب يعيش في وادٍ والحكم والقوى السياسية في وادٍ آخر ما لم تتغير الحياة السياسية والحزبية في العراق, ما لم تتجدد تلك الأحزاب, ما لم يوضع الإنسان ومصالحه في مركز البرامج السياسية وما لم تتخلص البعض من هذه الأحزاب من طائفيتها وشوفينيتها أو قوميتها الضيقة وعشائريتها كهوية وما لم تتطلع نحو الجديد والحديث والهوية الوطنية العراقية.

13/7/2009 كاظم حبيب
Opinions