أيّ جــُرم ٍ سيقع لو أوكـِلـَت إحدى الرئاسات للصابئي او الكلدواشوري أو الشبكي او اليزيدي؟
الذي يشاء إستحضار حقيقة تاريخ وحجم معاناة العراقيين بشكل دقيق , عليه الإستعانة بجهازباروميتر يؤشر لنا ويحصي مصائب المكونات العراقية الأصيلة , فهو بمثابة المقياس النوعي لمعرفة درجة كارثية المآسي التي تعددت صورها البشعه في الغزوات والمذابح وتعمقت في ديمومة الصراعات الداخلية وأدوار الأنظمة وأحزابها التي كان ديدنها وما يزال كالداء الطفيلي تسخر كل ما لديها من أجل فرض سلطانها العشائري او نشر معتقدها الديني والمذهبي أوإسباغ صبغة قومية أحادية , كل هذه أدت الى تغيير ديمغرافية الأرض وإستشراء مظاهر القمع والكبت أمام مرأى الحلفاء الإقليميين ومباركة مصالح ألقوى الدولية المتجددة.اليوم , مصيبتنا الكبرى هي خشيتنا من أن تجد ميكروبات هذا الداء حاضنات لها في أدمغة وأجندات حاكمي عراق اليوم بعد قرون من الإقتتالات و عقود مريرة من الديكتاتوريات التي فتكت بالوطن وبشعبه ,نخشى الذين يتخمونا بشعاراتهم الوطنية البراقة في عشية الإنتخابات ثم سرعان ما يعودوا لينبروا علينا مدججون بكل ما أوتي لهم من سلطان أقليمي و بدعم دولي يهلهل لتأزيم الوضع ثم يفرض الحل في إعادة رسم خارطةلجغرافية أثنية ومذهبية يتسابق ابطالها بإتجاه تحويل الوطن الى كانتونات مبعثرة ويقذف بأبنائه الاصلاء أشلاء تتقاسمها الكتل الدينية والقومية المتنفذه .
مشكلتنا الحقيقية , اننا إن كنــّا نعيش في وطن تحكمه دساتير وقوانين يصوغها الساسة والعساكرالمنتصرون وترسم سياسته ومستقبله مصالح دول أخرى أمام تنصل المعنيين عن مسؤولياتهم الوطنية , فمن الصعب أن يكون لأبنائه هذا البلد فسحة إعادة الحياة والعيش حيث الجميع يؤدي واجباتهم وعلى أساسها تضمن حقوق المواطن كاملة في وطنهم التاريخي .
لو صدق حكواتيوا هذا الزمن ومعهم ساسة العراق الجديد في دعوتهم لدمقرطة الحياة في بلد قاسى الويلات جراء أحلام أسلاف وأخلاف المشاريع القومية الضيقة و فتوات المراجع الدينية والمذهبية الطائفية ,فعلى عاتق دعاة الديمقراطية هؤلاء تقع مهمة حفظ الأمانة وإعادة عافيتها بعد سبع سنين عجاف مليئة من العبر والتجارب الكافيه .
ولو كانت الديمقراطية بحق , كما يفترض ,هي نهج الفائزين في بناء وطنا للجميع او كما يدعي حاملوا ألويتها , فلنسأل المجلسييون ونستحلفهم بعلمهم وبدستورهم ومقدساتهم ان يجيبوا بكل جرأة على تساؤلات الشارع العراقي ويستفتوا بنزاهة عما يدور في أذهان العراقيين وعن بؤسهم بعد تجربة السبع العجاف , لنسأل ساستنا الأكارم : اين الخلل لو بادر رئيس كتلة دولة القانون (السيد المالكي) وقلب طاولة المراهنات وتجرأ مطالبا بفرض شرط تكليف عراقي شبكي لنيابة رئاسة الوزراء؟ أو نتساءل :اي كفر سيحصل لو بادر السيد علاوي راعي قائمة العراقية واشترط على الكتل الأخرى تعيين عراقي كلدواشوري مسيحي في منصب نيابة رئاسة الجمهورية؟ أم أن ديمقراطيتنا تحرّم هذا الشرف على حفيد باني مجد وحضارة العراق وتسوّف إخلاصه و تهمل تفانيه و وتسّخف حبه لوطنه لمجرد أنه ذمــّي ٌ ؟.
ثم يا ترى!! اي إجحاف سيقع بحق العراقيين لو ناشد السيد عمار الحكيم وطالب بتكليف العراقي اليزيدي خديده أو الصابئي يحيى بمنصب نائب لرئيس مجلس النواب؟ أوَ ليس الصابئي واليزيدي والكلدواشوري والشبكي عراقييون وعمر أفراحهم ومآسيهم هو عمق عراق بلاد بيث نهرين ؟ ألم يكن الضحية الوطنية العراقية المندائية المناضلة(عبدالجبار عبدالله) تحفه من مجوهرات العقول العلمية المبدعة التي قتلها الديكتاتور كما فعل بحق الكثيرين من الشرائح الاصيله الأخرى ؟
إن الذي يضحك على ذقوننا بالكلام عن بناء عراق جديد ديمقراطي ثم يختزل شعاره بشماعة إحترام النسب الأغلبية و فرض رغباتها كي بالنتيجة تصبح الأقلية المعذبة مجرد مظاهر للزينة والتلميع او توابع رقميه للتوقيع على تقاسم وتوزيع المناصب بين الحزب السني و الحزب الشيعي والحزب الكردي طبقا لما تفرزه الإصطفافات الطائفية التي اوهمت وتوهم الشعب لأكثر من مره وهو يدفع الثمن باهظا ,ليعلم هؤلاء الضاحكون على عقولنا بأن إسطوانة حكم الأغلبية ومخادعات تفسير فقرات الدستورحسبما يريد السياسي , بات حتى الطفل العراقي يدرك مشروخية هذه القوانة بعد أن عاشها وإكتوى بنتائجها المخيبة وبما خلّفته من قتل للأب وفساد الدولة ومن جوع الأرامل و تهجير المساكين وتفخيخ الحياة , إذن يا ترى متى سيصحو شعبنا ليفهم كيف يتصرف ولمن يصوّت ؟ ومتى سيتعظ ساستنا الديمقراطيون البالغون ؟ ومتى سيرتقي الراشدون لمرتبة فهم هذا الطفل العراقي المحروم بسبب أحلام الكبار وأوهام الراكضين وراء هذه الأجندات ؟
نعم, نبقى نتساءل: متى سيخلص البرلمانيون لشعبهم ويكفوا عن خداعه ,لماذا لا يجازوه خيرا على اصواته التي منحها لهم , كيف سيثبتوا للشعب قليلا من نكران الذات ,و ما دواعي إشتراط ان تكون المناصب الرئاسية والوزارات حكرا على الكتل البرلمانية الفائزة؟ ,على البرلمانيين الجدد و في زحمة هذا الإقتتال المسعور على المناصب ان ينزلوا اليوم الى الشارع ويسرعوا في تشكيل لجان برلمانية مشتركة وجواله تجوب الشوارع و تكون مهمتها الإستماع الى مطالب الذين جازفوا بدمائهم و صوتوا في الإنتخابات, ليرىالسادة البرلمانيون حينها بأعينهم ويسمعوا بآذانهم ويتعرفوا على صبرهذا الشعب الذي فاق حدود صبر أيوب, نعم سيصرخ الشعب بوجوههم ويقول بأنه اليوم هو بحاجة الى عقول أكاديمية متفتحه و تكنوقراطية مستقلة من خارج قبب المحاصصات الطائفية و السياسية, العقول الأكاديمية فقط تستطيع إدارة شؤون الوطن وتلبية إحتياجات شعبه الذي بات ينبذ فكرة الجحافل والتجحفل ويمقت فقه المناصرة ونصرة مذهب على مذهب أو كبح صوت قوم لصالح غلبة قوم آخر.
الوطن والشعب وراء القصد