Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

إلى متى تبقى الأزمات الراهنة تطحن المجتمع العراقي؟

عادت القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحافة العالمية, وعاد المراسلون المحليون والعالميون والمعلقون السياسيون ينقلون إلينا يومياً وفي كل ساعة , أنباء حزينة ومرعبة تذكرنا بما كان عليه العراق في العامين 2006 و2007, عن الموت اليومي للإنسان العراقي, أنباء تفجيرات متلاحقة ومتزامنة ومنظمة ومنسقة لتشمل مراكز للشرطة في العديد من المدن العراقية, أو مراكز التطوع للجيش العراقي أو مراكز تسلم مجموعات المتقاعدين لرواتبهم أو في الأحياء السكنية أو العمارات ...الخ, ولكي تعطي الانطباع عن القدرة الفعلية التي تمتلكها قوى القاعدة وبقية القوى الإرهابية والمليشيات الطائفية المسلحة عن خلاياها النائمة التي أيقظها نوم الحكومة العراقية وسباتها العميق الذي يمكن تصويره بسبات أهل الكهف الذين لا يعرفون ما يجري في العراق ولا يسمعون أخبار الموت اليومي الذي تنشره الصحافة العالمية أو قناة الحرة أو قناة الشرقية الملتبس وضعها وغيرها. أمس في كربلاء وبغداد وبعقوبة والفلوجة, واليوم في واسط وبغداد والموصل وغيرها من مدن العراق التي تفاقمت فيها صور "المحرومية" العامة والظالمة والمتنوعة وسادت فيها البطالة القاهرة للإنسان إلى جانب الإرهاب الدموي.

حين شاهدت قنوات التلفزة لهذا اليوم واستمعت إلى غضب الناس الذين يواجهون الموت يومياً والذي لم يكن بعيداً عنهم كثيراً, أدركت عمق الفجوة الكبيرة الفاصلة بين النخب السياسية الحاكمة والساعية للحكم وبين بنات وأبناء هذا الشعب الذي ينزف يومياً دماً ودموعاً, أدركت أن الشعب في وادٍ والحكام في وادٍ أخر, وكأني اسمع بالحكام القابعين في بيوتهم والخائفين على أبنائهم من أصوات التفجيرات البعيدة عن حي الخضراء, يقولون "إنا لله وإنا إليه راجعون, هذا هو القدر المقدر من الله سبحانه وتعالى, والموت حق على هؤلاء الناس, وأن الله قد استدعى أمانته, ونحن الحكام غير مسؤولين عن أمر الله, ويرددون مع أنفسهم: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!!!

غريب حين تقرأ نداء تصدره هذه القائمة أو الكتلة البرلمانية أو تلك لتدين فيه التفجيرات والقتلة وتترحم على أرواح الموتى, ولكن لا تجد في قلوب هؤلاء جميعاً الرحمة على هذا الشعب الذي تزهق أرواحه يومياً بسبب هذه الرغبة القاتلة في الاستحواذ على السلطة.

خرج علينا السيد وكيل وزير الداخلية عبر شاشة قناة الحرة ليتحدث لنا عن أجهزة وزارة الداخلية "العملاقة" التي يبلغ تعدادها 600 ألف شخص, ولكن مع ذلك وفي يوم واحد ورغم الإنذارات تقع عشرات التفجيرات والاغتيالات والحوادث المضنية في جميع أرجاء محافظات الوسط والجنوب والموصل وكركوك ونسى هذا المسؤول أن هذه الوزارة قد ملئت بأعداد غفيرة من أعضاء عدد من المليشيات الطائفية المسلحة في زمن الطبيب إبراهيم الجعفري ووزير داخليته حينذاك باقر الزبيدي, وأن التنظيف "ربما" لم يشمل هؤلاء الناس, بل هم "ربما" لا زالوا في مواقع حساسة, ولهذا لا بد من وجود اختراقات أمنية مهمة وفي مواقع كثيرة, وإلا لما حصل ما يحصل اليوم وما سيحصل غداً إن استمرت هذه الأزمات الطاحنة في العراق.

وينقل لنا تلفزيون الحرة أيضاً خبراً مفاده إطلاق سراح جميع المعتقلين الذين شاركوا بـ "مظاهرات الشغب!" في ذي قار. تصوروا, إذلا بد وإنكم انتبهتم أيها القراء والقارئات إلى صياغة الخبر الحكومي, أطلقت الحكومة سراح "المشاغبين!" الذين تظاهروا مطالبين بالكهرباء! هل يعقل أن تعتقل حكومة تدعي خدمة مصالح الشعب اعتقال أبناء الشعب لأنهم تظاهروا من اجل الكهرباء؟ وهل يعقل أن يبقى هؤلاء الناس هذه الفترة الطويلة في المعتقل لأنهم طالبوا بالكهرباء, وربما عذبوا أيضاً! وربما المعتقلون في البصرة لا زالوا في المعتقل, إذ لا خبر عن إطلاق سراحهم والاعتذار لهم. هذه كلها نتاج منطقي للأزمة الطائفية الخانقة في البلاد.

الأزمة السياسية في العراق عميقة تلازمها أزمة اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية شاملة, تتجلى في الصراع الدائر بين الأحزاب الإسلامية السياسية السنية والشيعية على السلطة والمال والنفوذ وغياب الإستراتيجية التنموية ووضوح الرؤية الاقتصادية والاجتماعية والصراع حول وجهة التنمية ..الخ. وينتظر التحالف الكردستاني من يقبل بمطالبه وشروطه ليشارك معه في السلطة على أن لا يتخلى بهذا القدر أو ذاك عن مجلس الأعلى الإسلامي في العراق باعتبار أن هناك "تحالفاً إستراتيجياً قديماً بين الكُرد والشيعة لمظلوميتهم السابقة المشتركة!" حسب تعبير السيد رئيس الجمهورية في آخر لقاء له مع عمار الحكيم. نعم كان على رأس السلطة العراقية على مدى الفترة بين 1921-2003 جماعات من العرب من أتباع المذهب السني, ولكن ليس أهل السنة مسؤولون عن ذلك, حتى لو كانت جمهرة من أهل السنة مستفيدين من وجود النخبة السياسية السنية الباغية في الحكم. علينا جميعاً أن نعي ذلك وأن نبتعد عن تعميق اصطفاف الطوائف الدينية بصورة متعادية, إذ أنها المقتل الفعلي للعراق, ولكي لا تصبح النخبة السياسية الشيعية باغية في حكم العراق.

إن حل الأزمة من خلال الاستحقاق الانتخابي أمر ضروري, ولدي القناعة بأن القائمة العراقية التي لها الاستحقاق ستعجز عن تشكيل الحكومة عبر المجلس النيابي بأكثريته المعروفة, وبالتالي سينتقل هذا الحق لقائمة أو كتلة أخرى, وعليها البدء بتشكيل الحكومة وأن عجزت, لا بد من إيجاد خيار آخر يتم الاتفاق عليه. ولو كان السيد رئيس الوزراء المنتهية ولايته قد تخلى عن إصراره على البقاء في الحكم وتشكيل الحكومة لانتهت الأزمة منذ فترة غير قصيرة. ولكن إصراره يزيد من تعقيد اللوحة السياسية المعقدة أصلاً.

إن سلب مجلس النواب من صلاحياته وتعطيله أمر بالغ السوء, والمحكمة الاتحادية عاجزة عن اتخاذ الموقف الصحيح تشريعياً, لأنها تعاني من ضغوط سياسية كبيرة, وهو عيب كبير منها ومِن مَن يمارس الضغوط عليها.

واستمرار مثل هذه الأزمات, وخاصة السياسية, ستتفاقم منطقياً ست عواقب بشكل خاص:

1) استمرار الفراغ السياسي والأمني الفعلي؛ 2) تفاقم العمليات الإرهابية الدموية واتساع رقعتها وكثافتها؛ 3) استمرار الفساد المالي والإداري السائد في العراق في الدولة والمجتمع المغلوب على أمره؛ 4) استمرار تدهور حياة ومعيشة وأمن المواطنات والمواطنين وتفاقم البطالة في صفوفهم والبطالة المقنعة وزيادة الرواتب التي أصبحت ترهق ميزانية الدولة بما يقرب من 75-80% من دخله القومي وفق تقديرات السيد وزير التخطيط؛ 5) زيادة التدخل الإقليمي بشكل خاص في العراق, سواء أكان من إيران أم تركيا أم الدول العربية المجاورة والبعيدة في الشأن العراقي, كما سيستمر القصف الإيراني والتركي للأراضي العراقية في كردستان العراق ويعجز العراق عن ردها وإيقافها؛ 6) وأخيراً وليس أخراً احتمال استمرار بقاء قوات الاحتلال الأجنبية في العراق وتعديل الاتفاقية الأمريكية العراقية, هو ما تسعى إليه كل الجماعات التي تشارك في إرهاب الشعب العراقي وتشترك في تدمير الدولة العراقية وإخضاعها لإرادتها الإقليمية المتفاعلة مع قوى محلية خانعة. وعلينا أن نؤكد حقيقة إن ليس الإرهابيين وحدهم يساهمون في خلق هذه الأوضاع, بل الذين يواصلون تمديد الأزمة السياسية الراهنة, شاءوا ذلك أم أبوا!



26/8/2010 كاظم حبيب

Opinions