اجتثاث البعث ... مؤتمر السيد رئيس الجمهورية
في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم امس السيد رئيس الجمهورية مام جلال وبثته القناة العراقية تناول العديد من القضايا التي يجب النظر في بعضها وامعان الرأي فيها من أجل رؤية أوسع وتقييم جاد لتلك الاراء التي تتيح لنا فسحة في مناقشة ما يشغل بال المواطن والساحة السياسية العراقية لتحقيق أفضل النتائج المرجوة في دفع عجلة العملية السياسية الى أمام .واولى تلك القضايا التي تستحق النقاش ما طرحه مام جلال من عدم ممانعته في مشاركة البعث / تنظيم قطر العراق في العملية السياسية .
ولما كان حزب البعث يحتفظ باسوأ سجل سياسي ملئ بالجرائم في العراق ، لذلك لن يستسيغ المواطن العراقي مثل هذا الطرح المباشر دون مقدمات ، واولى تلك المقدمات هي تخلي اتباع حزب البعث عن منظومة المفاهيم الفاشية التي تتحكم بحزبهم منذ اليوم الذي وضع فيه ميتشيل عفلق أسس هذا الحزب التي اعتمد فيها على التعاليم النازية واطروحتها في كتاب هتلر كفاحي .
وقد اشار السيد مام جلال الى ان صدام حسين هو الذي اجتث حزب البعث ولذلك يجب اعطاء حزب البعث فرصة المشاركة في الانتخابات على اساس انه غير صدام حسين . او ان حزب البعث هو حزب يختلف عن صدام حسين .
والحقيقة التي غابت عن السيد مام جلال ، هي ان صدام حسين نتاج طبيعي ، والابن الشرعي لحزب البعث الذي رضع من مبادئه منذ عام 1959 ، منذ عملية اغتيال الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم .
وان سجل حزب البعث مثقل بالجرائم منذ عام 1963 يوم عاثت قطعان الحرس اللاقومي فسادا وقتلا في العراق ، وهو ما كان قبل ان يتسلم صدام السلطة باكثر من عشرين عاما .
فليس من المعقول ان نعتبر صدام هو الشر وان حزب البعث هو الخير الذي اجتثه صدام ، بل ان صدام والبعث وجهان لعملة واحدة .
نحن نقدر رغبة السيد رئيس الجمهورية مام جلال في انهاء الخلافات السياسية الحادة في العراق ، وهو ما تعمل عليه معظم القوى الوطنية وقد اشار السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في مقابلة له ايضا بثتها القناة الفضائية العراقية يوم امس انه لايوجد هناك اي شخص اتهم وسجن لانه بعثي ، بالعكس ان البعثيين يعملون في الجيش والشرطة ودوائر الدولة ، وان المطلوب محاسبة البعثيين المجرمين .
وهنا اود ان اتساءل : هل يجوز للبعثي ان يرتكب الجرائم دون ان يقدم الى محاكمة، بل يرشح للانتخابات ويصبح عضوا في البرلمان وله الحصانة حتى لو تعاون مع الارهاب الدولي ومن حقه الفرار خارج العراق؟ اذا لماذا يحاكم النازيون متى ما قبض عليهم حتى بعد ستين عاما من دحر النازية !!
لابد من القول ان محاولة زج القوى الوطنية العراقية في منافسة مع بقايا فلول حزب البعث ليس بصالح العراق والنظام الديمقراطي المنشود ، خاصة وان بقايا تنظيم حزب البعث لايتوانى من الخضوع لمتطلبات دول الجوار التي تضخ لهم الاموال الطائلة والمساعدات المحرمة التي دخلت العراق على شكل مفخخات وارهابيين من اجل اخضاع وكسر شوكة المواطن العراقي وجعله امام الامر الواقع ومعادلة لايوجد خلاص الا بتسليم رقابهم الى البعثيين لكي يعملوا فيها سكاكينهم كما يرغبون .
ان تدخل دول الجوار معروف لابسط مواطن عراقي بله للسياسيين ، واذا كان تدخل الجوار العراقي العربي يحتج بالتدخل الايراني فعلى جميع القوى السياسية ان تنأى بنفسها عن الارتماء باحضان دول الجوار والابتعاد عن الخضوع لمخططات اقليمية قد لاتنفع شعبنا ووطننا .
ان المصالحة بين القوى السياسية مطلوبة وقد ضرب مام جلال مثلا بالمصالحة في كوردستان والعفو الذي اصدرته القيادة الكوردية عن الجحوش واتباع النظام السابق مما سهل استباب الاوضاع في اقليم كوردستان ، ونحن بدورنا نؤكد على صحة ما طرحه السيد رئيس الجمهورية ، ولكن الامر مختلف مع حزب البعث الذي تشحن بطارياته دول الجوار ، ولا اعتقد ستنفع فيه اية اجراءات من قبيل العفو او التسامح او المصالحة ، ان الحل الوحيد امام العراق هو منع انتشار منظومة الافكار الفاشية التي دأب حزب البعث على نشرها في العراق منذ اواسط الستينات ، وغذاها ميتشيل عفلق وتلامذته بمختلف الطروحات الشوفينية وهي التي كانت السبب في تعرض ابناء الشعب العراقي الى مختلف اشكال الاجتثاث من تهجير للكورد الفيليين الى الانفال واجتثاث البرزانيين واجتثاث شيعة الجنوب وتهجير ابناء الاهوار واجتثاث رجال الدين الشيعة وقصف المراقد الدينية المقدسة والقائمة طويلة ولا اظن سيادة رئيس الجمهورية يجهلها.
العدالة لاتتحقق بكثرة الدماء ولكن
طرح السيد رئيس الجمهورية يوم امس في مؤتمره ايضا رأيا بشأن عدم وجود صلاحية لديه لتوقيع اعدام المدانين من قبل المحكمة الجنائية العليا وسبق واثار جدلا واسعا حين امتنع عن توقيع حكم القضاء في المجرمين امثال علي كيمياوي ، وكانت حجته انه وقع على وثيقة دولية على عدم شرعية حكم الاعدام ، ورغم ان هذا الامر شخصي ولا علاقة له بوظيفة رئيس الجمهورية ، لانه لو كان السيد مام جلال وهو رجل قانون منذ الستينات عمل قاضيا او اشتغل بوظيفة قاض في الحكومة الجديدة بدلا من وظيفة رئيس ، وادى قسم القضاة فهل كان سيرفض تطبيق القانون العراقي على المجرمين بسبب توقيعه وثيقة دولية !! لا اعتقد ان حجة السيد مام جلال منطقية ولكن مع ذلك اقدر له رغبته في عدم تطبيق احكام الاعدام ، لاني اعتقد ان العدالة لاتتحقق بكثرة الدماء ، والعراق بحاجة الى وقف نزيف الدم والبحث عن طرق جديدة لمعالجة المشاكل العويصة التي تضرب اسس بناء المجتمع العراقي المدني وتهدد كيانه الهش ، وان ثقافة الثأر البدوية يجب ان تعالج وان نبحث عن سلام اجتماعي يساعدنا في دفع البلاد نحو منظومة البلدان المتطورة والمتحضرة لا ان نعود الى حضيرة البلدان الهمجية والمتخلفة .
ان العفو والتسامح يجب أن يسودا ، ولن يسودا دون ثمن ، وكما قالوا لابد دون الشهد من ابر النحل ، فاذا اعدم علي كيمياوي او لم يعدم ، لا يمثل ذلك امرا مهما مادام اصبح خلف القضبان والقي في مزبلة التاريخ وهو حي ، ولكن المجتمع العراقي سيجني بايقاف سيل الدماء امتيازا اخر ، هو الحد من العنف الذي له وجوه متعددة تبرز بحجج مختلفة ، احداها هي تحقيق العدالة ، ومن جديد ارى ان العدالة لاتتحقق بكثرة الدماء ، وانما بكشف المجرم ومنع قيامه بالجريمة وايقافه عن المضي قدما في طريق الجريمة . وسبقنا الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم في مقولته عفا الله عما سلف التي كان يتمثل بها.
لا شك ان طلب العفو والتسامح من ابناء المقابر الجماعية والمغدورين وابناء حلبجة والانفال وشهداء الانتفاضة والكورد الفيليين والبرزانيين والملايين من العراقيين ضحايا النظام السابق ليس بالامر السهل ، ولكن اذا كان ولا بد فلنحصر احكام الاعدام باضيق الامور ونحاول ايجاد حلول اخرى للمشاكل التي تلف مجتمعنا بعيدا عن قتل بعضنا البعض ، واعتقد ان الفرصة اليوم مواتية خاصة اذا استطعنا الاستعانة بالمجتمع الدولي والاستفادة من المجتمعات التي سبقتنا الى معالجة هذه المشاكل مثل جنوب افريقيا والهند و اقليم كوردستان .