الإرهابيون وحكومة بغداد!
حصل نوري المالكي على تأييد شعبي واسع حين استطاع توجيه ضربات قوية للميلشيات الطائفية المسلحة في البصرة وفي بغداد, وحين تعاون مع القوات الأمريكية في التزام قوى الصحوات في الأنبار وصلاح الدين بشكل خاص التي استطاعت توجيه ضربات قاسية لقوى القاعدة الإرهابية. واستناداً إلى شعار سيادة واحترام دولة القانون الذي رفعه المالكي وشكل به قائمة دولة القانون, حقق نجاحاً كبيراً في انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات العامة لسنة 2010 وليس بقائمة حزب الدعوة الإسلامية. هذه النجاحات أصبحت بعد ثلاث سنوات في خبر كان, إذ أن الإرهاب الدموي عاد إلى بغداد ومحافظات أخرى من العراق بقوة ملموسة ومدمرة لثقة الناس بالوضع القائم. فخلال فترة وجيزة تعرضت بغداد وتكريت وديالى وكربلاء إلى ضربات انتحارية وعبوات ناسفة إدت إلى وقوع مجازر دموية راح ضحيتها المئات من الناس الأبرياء قتلى وجرحى. وهذا التأييد السابق أصبح منذ الآن في خبر كان أيضاً بعد أن مر الآن أكثر من عشرة شهور على الانتخابات العامة ولم ينته رئيس الوزراء من تشكيل الحكومة بكامل قوامها والنسبة المقررة للنساء. إذ أن اقطاب الأحزاب الفائزة في الانتخابات تمارس صراعاً مرهقاً للمجتمع على الوزارات الأمنية التي تراجَعَ نشاطها وقدرتها على ملاحقة الإرهابيين واستطاعت هذه القوى تحريك خلاياها النائمة في وزارات الداخلية والأمن الداخلي والدفاع لتجهز على مزيد من البشر وتدفع بهم إلى طاحونة الموت أو الإصابات البالغة.وبدلاً من زيادة النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والبيئي المخرب لمواجهة أوضاع البلاد الشاذة وملاحقة قوى الإرهاب الدموية من جانب أجهزة الأمن والشرطة, راحت بعض قوى الأمن ومجالس المحافظات تتوجه بعملياتها القمعية ضد أتباع الديانة المسيحية, كما حصل في مهاجمة جميعة أشور بانيبال الثقافية بصورة همجية, أو اغتيال أشخاص من أتباع الديانة المندائية وكذلك الاعتداء الغاشم لمرتين متتاليتين من جانب الأجهزة الأمنية على الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق والذي يحتل موقعاً خاصاً في قلوب وعقول كل مثقفات ومثقفي العراق الديمقراطيين من مختلف القوميات وأتباع الأديان والمذاهب الدينية المتنورين الذين يدركون أهمية ودور هذا الاتحاد ومنتسبيه في النضال ضد الدكتاتوريات الغاشمة وضد نظام صدام حسين الدموي ومقارعة التخلف والعنف والعدوانية, والذي قدم التضحيات الغالية من بين أعضائه على هذا الطريق النبيل, طريق النضال في سبيل حرية الشعب وحياته وثقافته الديمقراطية.
وقد بلغت التجاوزات على حرية المواطنات والمواطنين حداً الزمت السيد رئيس الجمهورية إلى إصدار بيان رئاسي جاء فيه "ان رئيس الجمهورية يتابع بمزيد من القلق والاستياء استمرار تعرض المواطنين المسيحيين ومحلات عملهم وتجمّعهم إلى اعتداءات أثمة تشكل مخالفة صريحة للدستور والقوانين المرعية وانتهاكا للحريات الفردية المكفولة بنصوص دستورية واضحة .. فضلا عن ان ديننا الاسلامي الحنيف، دين التسامح والمحبة يعارض العنف المنفلت ويتعارض مع اي اعتداء على ارواح الناس وممتلكاتهم". واضاف "ان الاعتداءات الأخيرة تأتي إثر سلسلة من التجاوزات على الحقوق والحريات في بغداد ومدن أخرى ما يثير قلقاً لدى أوساط الرأي العام. واوضح البيان" ان الرئيس، بحكم التزاماته الدستورية واحترامه لنصوص القانون الاساسي، يدعو الحكومة العراقية، حكومة الوحدة الوطنية والشراكة الوطنية، الى اصدار أوامرها الى الجهات المختصة بالشروع في التحقيق واتخاذ الاجراءات اللازمة لصون الحريات والحقوق وحماية ارواح وممتلكات المواطنين عامة والمسيحيين خاصة وحقهم في العمل وفق ما نص عليه الدستور والتشريعات وانزال العقاب بكل من ارتكب مخالفة او جرما في هذا السياق". ودعا البيان الى" التآزر والتضامن مع الاشقاء المسيحيين والدفاع عنهم واحترام حقوقهم بوصفهم مواطنين اصلاء واخوة في الوطن ..العراق الجديد.. عراق الديمقراطية والتعددية والحريات العامة والخاصة". (موقع وكالة الأنباء القطرية في 16/1/2011). ومع ذلك, وبعد صدور هذا البيان, قامت عناصر من مجلس محافظة بغداد وثلة من الشرطة المحلية بتدنيس مقر اتحاد الأدباء ثانية وتفتيشه رغم احتجاج مسؤولي الاتحاد. وهو تحدٍ كبير لبيان رئاسة الجمهورية العراقية وتجاوز أخطر على الدستور العراقي وحرمة المؤسسات الثقاية ومنظمات المجتمع المدني.
إننا إذ ندين هذه التصرفات الفظة غير القانونية والمخلة بالأمن العام التي مارسها رئيس مجلس محافظة بغداد ضد اتحاد الأدباء والكتاب والتهم الموجهة إلى عناصره بالاعتداء على جمعية أشور بانيبال الثقافية بتوجيه وتنظيم منه, نشارك رئاسة الجمهورية بضرورة إجراء التحقيقات الجدية والصارمة ونشر نتائج التحقيق وتقديم المسؤولين إلى العدالة لينالوا الجزاء العادل من جهة, وإلغاء كافة الإجراءات غير المشروعة المتخذة من قبل رئيس مجلس محافظة بغداد ووزارة التربية ضد النوادي والجمعيات الثقافية وضد أكاديمية ومعهد الفنون الجميلة من جهة أخرى, إذ إنها تندرج ضمن التجاوز الفظ والقمعي على حقوق الإنسان والثقافة الديمقراطية وحرية الفرد والشعب وحرية المعاهد والكليات العراقية في وضع المناهج التدريسية وضد الدستور العراقي.
إن على رئيس الوزراء أن يدرك بأن المجتمع العراقي يتكون من قوميات وأديان ومذاهب واتجاهات فكرية وسياسية كثيرة لا يجوز فرض اتجاه ديني واحد عليه, كما أن الدين الإسلامي لا يحرم الغناء والموسيقى أو الطرب, إذ أن ذلك يشكل جزءاً من الغذاء الروحي للإنسان والذي يفترض أن يحترم وأن تساهم الدولة في تطوير هذه الفنون الإنسانية العريقة التي نشأت مع نشأة الإنسان وتطورت بتطوره. وإذا كان الدستور يتحدث عن أن العراق دولة إسلامية وهو خطأ فادح في الدستور, فأن هذا لا يعني باي حال مصادرة حقوق الإنسان التي كرسها الدستور ذاته أو مصادرة حقوق أتباع الديانات الأخرى بأي حال. إن ما تمارسه بعض قوى الإسلام السياسية في العراق تتقاطع مع الحياة الدستورية ومع المجتمع المدني الذي يراد إقامته في العراق ومع الديمقراطية التي هي أساس المجتمع المدني وقاعدته الفكرية والسياسية. إن على رئيس الوزراء أن يعي ذلك ويدرك فداحة ما يمارس اليوم من بعض أجهزة الدولة ومؤسساته الإدارية ضد الإنسان العراقي وضد حقوقه المشروعة. وأن تأييده للإجراءات المخلة بدستور العراق من جانب رؤساء مجالس بغداد والبصرة وبابل بحديثه عن بناء مجتمع إسلامي أو سكوته على تلك الإجراءات سيقود إلى محاسبته لاحقاً, وأرجو أن لا يحصل ذلك, كما يحاسب اليوم شعب تونس رئيس الجمهورية الهارب من وجه العدالة زين الدين بن علي.
21/1/2011 كاظم حبيب