(الازمة السورية والموقف العراقي الهزيل)
كان واضحا منذ اليوم الاول لاطلاق المبادرة العربية بغية انقاذ الموقف وتدارك الاوضاع المتفاقمة في سوريا ان نظام الاسد لن يستجيب لبنودها وشروطها اما قبوله بها فانما جاء في اطار منهج المماطلة والمراوغة والتسويف الذي عرفناه عنه لكسب المزيد من الوقت واتاحة المزيد من الفرص لالته العسكرية الجهنمية لاخماد الانتفاضة الشعبية المستمرة ضد نظامه منذ ثمانية اشهر واكثر، اما تذرعه المستمر بضرورة منحه وقتا كافيا لتنفيذ اصلاحاته المزعومة والوهمية فليس الا كذبة تضاف الى سلسلة اكاذيبه لانه لو كان جادا في ادعائه لبدء اصلاحه منذ اليوم الاول لتوليه السلطة قبل احدى عشر عاما بل منذ تولي الاسد الاب السلطة عام 1970فالامر لايحتاج الى سنوات من الانتظار وكلنا يعلم ان تعديل الدستور السوري فيما يخص سن تولي رئيس الجمهورية لمنصبه لم يستغرق لدى مجلس الدمى السوري (اقصد مجلس الشعب) سوى دقائق ليتم بعدها توريث السلطة ونقلها من الأسد الأب الى الأسد الابن في جلسة هزلية مثيرة للضحك عام 2000،وحتى الثمانية اشهر الاخيرة من عهد هذا النظام وهي عمر الانتفاضة السورية الشريفة كانت كافية ليشرع هذا النظام بالاصلاح الموعود لو كان هذا النظام جادا وصادقا وحسن النية تجاه شعبه ويقرن القول بالفعل.ان المراقب لسلوك النظام السوري بعهديه منذ استيلائه على السلطة في سورية قبل اكثر من اربعة عقود وحتى اليوم يدرك ان هذا النظام ليس مؤمنا بالمبادىء الديمقراطية في حكم البلاد ومنها مبدا التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات الحرة والتعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والاعلام واحترام حقوق الانسان وغيرها من القيم والمفاهيم الليبرالية والانسانية،فهو نظام قمعي مخابراتي احادي الفكر لايعترف الا بقانون بقائه ونهجه المستبد المتجسد في القمع وتكميم الافواه الحرة ومصادرة الراي الاخر ورمي الاحرار في غياهب السجون من المعارضين له بل والتصفية الجسدية لهم ما امكن له ذلك، بل ان يده الاثمة تجاوزت حدود سوريا لتعيث فسادا هنا وهناك بين دول المنطقة وشعوبها مسترخصة دماء ابنائها وكلنا يتذكر الدور القذر لهذا النظام في لبنان وهيمنته ووصايته على القرار السياسي لهذا البلد وعبثه بمقدرات ومصير شعبه وخياره الوطني الى حد التحكم بسياساته وتوجهاته من خلال التدخل العسكري والامني المباشر لعقود في هذا البلد او بشكل غير مباشر من خلال ادواته وصنائعه ودماه التي امدها بالمال والسلاح والدعم السياسي تحت غطاء دعم المقاومة اللبنانية حتى وصل الامر الى حد التدخل في تنصيب رؤساء الجمهورية فيه وتشكيل واسقاط الوزارات ومصادرة القرار الوطني اللبناني ودوره في سلسلة موجات الاغتيال التي طالت ا لشخصيات السياسية والرموز الوطنية اللبنانية واحرار الفكر.
كما نتذكر الدور السلبي والمشبوه لهذا النظام وموقفه العدائي من عملية التغيير والتحول الديمقراطي في العراق بعد العام 2003 رغم ما اكتنف العملية من اخطاء وما اعترضها من عثرات ، وذلك بسبب ارتعابه وخشيته من امكانية وصول رياح التغيير اليه لذلك واصل سياسة تصدير القتل والقتلة عبر الحدود الى العراق لاعاقة مسيرته الجديدة داعما للمجاميع الارهابية التي فتكت بالعراقيين بذريعة محاربة الاحتلال وليس ببعيد عن ذاكرتنا تفجيرات الاحد والثلاثاء والاربعاء الدامية قبل عامين وماخلفته من ضحايا وخراب في بغداد وكيف ان الحكومة العراقية وجهت في حينه اتهاما مباشرا لهذا النظام بالوقوف خلف تلك التفجيرات الكارثية بل وصل الامر الى حد القطيعة الدبلوماسية وتبادل سحب السفراء بين البلدين وقبل ذلك اتهاماتها المستمرة له بايواء واحتضان رموز وقيادات النظام العراقي السابق ، كما لاننسى اصطفاف الاسد الاب مع ايران في حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي وقيامه بامداد ايران بكل انواع الدعم اضافة الى قيامه بقطع مياه الفرات ومنع مرور النفط العراقي عبر اراضيه الى الموانيء السورية على البحر المتوسط لخنق العراق اقتصاديا ومسيرة طويلة من المواقف الشائنة حفل بها تاريخه المخزي ضد العراق وشعبه.
نسوق هذه المقدمة مدعومة بهذه الحقائق والوقائع ليس للتعريف بهذا النظام وبمسيرة اربعة عقود من الكذب والتضليل وابتزاز المواقف والحكومات وامتهان كرامة الشعب السوري فهو غني عن التعريف لانه النظام الذي اتخذ الشعب رهينة لديه ولا امل في اصلاحه لانه ليس مؤمنا بشي سوى ايمانه باستمرار قبضته على الشعب حتى لو تطلب الامر التضحية بالاف وملايين الارواح، اما شعاراته القومية الصاخبة وادعاء حمل لواء المقاومة والتصدي لاسرائيل والامبريالية لافشال مخططاتها في المنطقة ووصف نظامه بانه نظام ممانعة وصمود والتي يرفعها منذ عقود فليست سوى شعارات رخيصة يقوم بتسويقها الى الشعب السوري للاستهلاك المحلي والتضليل الاعلامي لاغير والدليل على ذلك ان جبهة الجولان لم تنطلق منها رصاصة واحدة باتجاه اسرائيل منذ نهاية حرب تشرين عام 1973وحتى اليوم . واصبح الان واضحا ان جيشه الكبير وترسانته العسكرية الضخمة لم يعدهما لمحاربة اسرائيل واسترداد الجولان او للدفاع عن القضايا والحقوق القومية كما يدعي زورا وانما اعدهما لمحاربة الشعب السوري الرافض لهذا النظام المتهرئ والمتهالك الذي سام سوريا سوء العذاب لعقود مريرة ، فقد استخدم هذا الجيش في عهد الاسد الاب لقمع انتفاضة اهالي حماه عام 1982 ويستخدمه الاسد الابن لقمع الانتفاضة السورية الواسعة التي تعم مدن وبلدات سوريا اليوم اما ادعائه وجود مؤامرة على سوريا تعد وتنفذ من الدوائر المعادية فليس سوى ذر للرماد في العيون لان هذه المؤامرة لاوجود لها الا في مخيلته والا اذا ما تراءى له ان المنتفضين على نظامه من احرار الشعب السوري هم متامرين وخونة وهو يتبجح بذلك بلا حياء رغم ادراكه التام بان المستهدف الوحيد هو نظامه الدموي وليس الشعب السوري ودولته وقد اعتاد الطغاة كلما وجدوا انفسهم محاصرين امام شعوبهم ان يرفعوا شعار نظرية المؤامرة والاستهداف الخارجي لتضليل الشعوب المنتفضة وتوجيه انظارها الى خطر خارجي مزعوم مثلما بات مألوفا لديهم اختزال حياة شعوبهم في بقاء انظمتهم ووضع مصائر الشعوب رهن مصيرهم .
وعودا على بدأ نكرر القول ان هذا النظام ليس بحاجة للتعريف به او دراسته وتحليله فاوراقه باتت مكشوفة وسياسته مفضوحة من قضايا شعبه وامته والمنطقة لكن ماهو غير مفهوم وغير مقنع او منطقي وقوف الحكومة العراقية الى جانبه سياسيا ودعمها له وانفتاحها عليه اقتصاديا في الوقت الذي بدأ الخناق السياسي والاقتصادي يضيق عليه ويشتد بعد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من المجتمع الدولي وبعد المحاصرة السياسية له عربيا واقليميا ودوليا والتي توجت بالقرار الاخير لجامعة الدول العربية الصادر عن الاجتماع الوزاري المنعقد لها يوم 12/11/2011 والذي كرس لمناقشة الازمة السورية وخروجه بمقررات هامة وخصوصا قراره تعليق عضوية سوريا في انشطة وهيئات عمل الجامعة العربية والمباشرة بفتح حوار مع المجلس الوطني السوري واطراف المعارضة السورية ودعوته لها لتوحيد الصفوف والخطاب والاتفاق على برنامج عمل لمرحلة مابعد زوال هذا النظام ودعوة الامم المتحدة للتدخل لحماية المدنيين السوريين من بطش الالة العسكرية الاسدية .
ان قرار الجامعة العربية الاخيرماهوالا الخطوة ما قبل الاخيرة لسحب البساط ورفع غطاء الشرعية العربية عن هذا النظام بعد ان اسقط الشعب السوري شرعيته داخل سوريا مايعني في نهاية الامر فسح المجال لتدويل الازمة وفتح الباب على مصراعيه امام اشكال التدخل الخارجي ، ولا شك ان الايام القليلة القادمة ستكون حبلى بقرارات وتحركات دولية اقوى واكثر فاعلية تجاه هذا النظام تضع حدا لممارساته الدموية وتؤدي به الى عزلة اكبر وتدفعه الى مزيد من التخبط وتصيبه بمزيد من الوهن والترنح حتى يسقط ذليلا معفرا باقدام شعبه الثائر.اما المسيرات المليونية التي يخرجها هذا النظام الى شوارع المدن والبلدات السورية عنوة هذه الايام بضغط وترهيب مؤسساته الامنية وجهازه الحزبي تأييدا له وتنديدا بموقف وقرارات الجامعة العربية وبجملة المواقف الدولية والاقليمية المتصدية له فلن تسعفه ولن تنقذ عنقه وهي تذكرنا بالمظاهرات المليونية التي كان ينظمها ويخرجها النظام العراقي المقبور لتطوف شوارع المدن العراقية رغما عنها وليس طواعية زاعما تاييدها وولاءها له عقب كل ازمة يفتعلها مع المجتمع الدولي وقد اتضح زيف وبطلان ادعاءاته ومزاعمه خلال المواجهات التي خاضها ذلك النظام مع المجتمع الدولي ومنها حرب تحريرا الكويت والمواجهة الاخيرة الحاسمة له مع التحالف الدولي الذي تشكل ضده والتي عصفت بنظامه عام 2003،اذ سرعان ما انتفض الشعب والجيش عليه في اول فرصة تهيأت لهما فور المباشرة بالعمليات العسكرية ضده،وهذا السيناريو سيعيد نفسه مع النظام في سوريا وسيرى راس هذا النظام بام عينيه كيف ستنتفض وتقتص منه الملايين التي يخرجها اليوم لتهتف له وبحياته صاغرة ممتثلة مسلوبة الارادة،وكيف ستتحول الى سيوف ومعاول تهدم اركان نظامه وتنهي عهد طغيانه.
حقا لاندري بقدرة من وكيف ومتى تحول هذا النظام من وجهة نظر الحكومة العراقية من نظام قاتل وداعم وحاضن للارهاب ومعاد للعراق الجديد وتجربته الولودة الى حمل وديع وملاك طاهر بل الى حليف وشقيق ؟ مالذي تغير في سلوكه حتى يكون لحكومتنا راي اخر فيه وموقف اخر منه سوى ايغاله في المزيد من القتل وسفك الدماء ،ان ادعاء الحكومة العراقية بان تحفظها على القرار الوزاري للجامعة العربية بشان سوريا جاء من منطلق الحرص على سوريا والمنطقة ومن اجل تجنيبها ويلات التدخل الاجنبي وتداعياته على المنطقة برمتها ومنها العراق غير مسوغ على الاطلاق وهو يشكل طعنة لاماني وطموحات الشعب السوري المتطلع الى الانعتاق والخلاص من ربقة وعبودية نظامه المستبد ،فماهو واضح ومؤكد للجميع ان الانظمة القمعية والدكتاتوريات العتية يعجز الشعب بمفرده وبامكاناته المتواضعة عن ازاحتها والتخلص منها ولا ينفع معها الا التدخل الخارجي لانها انظمة باطشة مجرمة وقاسية وممسكة برقاب شعوبها بقبضة من حديد اما الشعوب فمغلوبة على امرها وقد نزع عنها الطغاة كل اسباب القوة والمجابهة وهي تحارب الجلادين باسنانها ، وحكومتنا تدرك كل هذا لانها خبرته بنفسها وعاشته تجربة مرة قاسية مع النظام العراقي المباد الذي ماكان ليسقط لولا الارادة الالهية والتدخل الدولي العسكري المباشر.
فلماذا كان التدخل الخارجي لازالة نظام صدام عام 2003 مقبولا ومرحبا به ومباحا ومشروعا ومباركا من الكثير من رموز المعارضة العراقية يومها وهم اليوم في غالبيتهم على راس هرم السلطة في العراق ولم يفكر احدهم بعواقب وتداعيات ذلك التدخل على العراق والمنطقة ولماذا اصبح اليوم هذا التدخل بالنسبة للقضية السورية محرما وغير مقبول خاصة بعد افشال وعدم التزام هذا النظام بشروط المبادرة العربية وافتقار العرب للوسائل والامكانات العملية اللازمة لايقاف او منع مجازر النظام في سوريا بحق الابرياء والتي تحصد يوميا ارواح العشرات منهم ؟
اليست الظروف والاجواء والاسباب واحدة ومتماثلة بين الحالتين العراقية والسورية؟
اليس الهدف واحدا؟ وهو تحرير الوطن والشعب من عبودية الحاكم الجائر فلماذا الازدواجية في معايير التعامل مع الحالين ولما ذا الكيل بمكيالين ولمصلحة من يتم الاصطفاف مع جلاد اوغر في دماء شعبه وهومحاصر اليوم من شعبه والعالم وملطخة يداه بدماء العراقيين و السوريين على حد سواء ؟
ان موقف العراق بالتحفظ على مقررات الاجتماع الوزاري الاخير لجامعة الدول العربية كان مخجلا ومخيبا للامال ويمثل استهانة بارواح و دماء الشهداء السوريين وبالقيم الانسانية وبتطلعات الشعوب الظامئة الى الحرية وهو غير مبرر على الاطلاق ، فهذا النظام قد فقد شرعيته منذ ان اطلق الرصاص على شعبه ولن يوهم احد بعد الان باضاليله واباطيله وادعاءاته الزائفة في تحقيق الاصلاح المزعوم الذي لن يتحقق ابدا على يديه وفي عهده المظلم .
واخيرا نتمنى ان لايكون الموقف الاخير الغريب والمستهجن للحكومة العراقية بالتحفظ على قرار الجامعة العربية بشان سوريا ذو بعد طائفي او امتداد لاملاءات قوة اقليمية اصبح واضحا لكل متتبع مدى هيمنتها وتأثيرها على الكثير من قرارات وتوجهات وخيارات حكومتنا وان لايكون معدا ومبصوما في اروقة ودهاليز صناع سياساتها وان كان كذلك فانها الطامة الكبرى.
وفي جميع الاحوال فان هذه المواقف وغيرها لن تعين النظام السوري في بلواه ولن توقفه على قدميه مجددا او تطيل عمره اكثر لان سقوطه بات حتميا ومحسوما والمسألة مسألة وقت لا اكثر وقناعتنا في الامر مبنية على تواصل انتفاضة وصمود الشعب السوري واستعداده لتقديم المزيد من قوافل الشهداء على طريق الحرية والخلاص من جلاده وصنمه الذي لن يكون مصيره بافضل من مصير صدام والقذافي وكل العتاة الذين تجبروا على شعوبهم واستجلبوا الويلات والماسي لاوطانهم وامعنوا فيها قتلا وخرابا وترويعا ، فارادة الشعوب اقوى من بطش الطغاة ولها الغلبة والخلود وللانظمة العفنة الزوال وسوء المال وبئس المصير.