Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الاعتدال السياسي في الإسلام

 

د. خالد عليوي العرداوي/

مقدمة

يشهد العالم في مطلع القرن الحادي والعشرين ظاهرة فريدة من نوعها تتمثل في تنامي مشاعر التدين لدى جميع المجتمعات ومن كل الثقافات كرد فعل على ما تشهده الهويات الثقافية والحضارية من تحديات خطيرة أفرزتها العولمة بمختلف مظاهرها لاسيما الثقافية منها، فأصبح التدين يمثل مظهرا من مظاهر الاحتماء الذاتي للمجتمعات تحافظ من خلاله على هويتها المستقلة، باكتسابها الشعور الجمعي الرابط بين أبناء الدين الواحد.

 إن تنامي نزعات الانشقاق والتململ الثقافي في مناطق العالم ذات الهويات الثقافية المتنوعة ما هي إلا دليل على هذه الظاهرة التي سوف تتصاعد مدياتها كما ونوعا في المستقبل لتتخذ أحيانا صورا منتظمة تثري العلاقات الإنسانية عندما تسود قيم التعقل وقواعد الحوار البناء ونزعة الحفاظ على الوحدة الإنسانية، وفي أحيان أخرى قد تكون الصورة معكوسة عندما تسود القيم البربرية والثقافة البدائية فتحكم العلاقة بين التنوعات الثقافية وتكون النتيجة صراعات دموية شديدة الخطورة تصدم المجتمعات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.

ونحن في عالمنا الإسلامي بدأنا منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي نتلمس ظاهرة التدين المتنامية في أوساطنا الاجتماعية، لكن وتيرة هذه الظاهرة تسارعت في السنوات الأخيرة لاسيما بعد إفلاس المشروع القومي العربي، وعدم تحقيق نهاية مقنعة للصراع العربي - الإسرائيلي، وتحول أنظمة الاستقلال وما بعد الاستقلال إلى أشكال مفزعة من الدكتاتورية الصارمة والدولة البوليسية الفاسدة، لتكون النتيجة (ثورات الربيع العربي) التي ركب الموجة فيها التيارات الإسلامية على اختلاف رؤاها الفكرية ومنطلقاتها الثقافية.

وقد أفرزت السنوات الأخيرة أشكالا مفزعة من العنف بين قوى الإسلام السياسي جعلت الكثير من الناس يتخوفون من مستقبل هذا الصراع وانعكاساته على الشعوب الإسلامية. وهذه المؤشرات تثير القلق وتقتضي استحضار الجانب المشرق والإنساني من ثقافتنا الإسلامية لتحكيمه في صراعاتنا الحالية والمستقبلية، وجعله أساسا مقدسا ترتكز عليه أحكامنا المستنبطة وفتاوانا الشرعية من اجل تخفيف حدة الصراع بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين غير المسلمين وبما يدفع موجة التغيير المتصاعدة بالاتجاه الصحيح الذي يقود لبناء دولة مدنية اسلامية في أطروحاتها ومبانيها الفكرية، وعصرية في استيعابها للتنوع الإنساني، والتطور الحضاري، والمخرجات التقنية الرائعة للألفية الثالثة.

أهمية البحث: تتجلى أهمية البحث في انه وحسب اطلاع الباحث من أول الجهود العلمية التي تركز على البعد السياسي للاعتدال في الإسلام، فقد كانت هناك جهود علمية خارج العراق ركزت على الاعتدال بمفهومه العام، كما هو الحال بالنسبة لدراسة الدكتور علي محمد الصلابي في ليبيا التي ركز فيها على الوسطية في القرآن، أو تلك الدراسات التي تمت الإشارة إلى بعضها في سياق البحث، أما فيما يتعلق بالدراسات ذات العلاقة داخل العراق، فتكاد تكون المكتبة العراقية فقيرة فيها بشكل ملحوظ، إذ لا توجد دراسة مركزة على الاعتدال سواء بشكله العام أو بشكله السياسي، نعم هناك الكثير من الدراسات التي تنشغل بمواضيع عدة تمس الاعتدال بشكل أو بآخر كدراسة الحقوق والحريات السياسية في الإسلام، وثقافة السلم والسلام، والتسامح، والعدالة الاجتماعية، والعدل، والموقف من المعارضة وغيرها، لكن لا توجد دراسة إسلامية عراقية مركزة تجعل من الاعتدال محور اهتمامها، لذا فان هذه الدراسة مهمة في مجالها لا لكونها تنشغل بموضوع الاعتدال فحسب، بل لأنها تنشغل بموضوع الاعتدال السياسي بشكل حصري، فما يهمنا كمسلمين اليوم ليس أن نكون معتدلين في عباداتنا وشهواتنا ونفقاتنا وطعامنا على الرغم من ضرورة الاعتدال في هذه الأمور، بل أن نكون معتدلين في حياتنا السياسية، لاسيما ما يتعلق منها بإدارة الحكم، وتنظيم الدولة، وتعزيز المشاركة السياسية، لبناء نظام الحكم الصالح والرشيد الذي يتسع لكل أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة، بعيدا عن الاستبداد والعنف والدكتاتورية.

وما يخيف قوى الاستبداد المحلي والدولي ليس اعتدال المسلمين في الجوانب الأربعة أعلاه، بل قد يكون هكذا اعتدال مفيدا لهذه القوى عندما تستغله لتخدير الشعوب الإسلامية بإشاعة ثقافة الزهد، والرجاء، وتقبل الأمر الواقع، والتقية غير المستحبة، لكن هذه القوى ترتعد فرائصها من الاعتدال الإسلامي بمظهره السياسي كونه سيعزز هوية الأمة، ويدفعها إلى الأمام بقوة لتكون نموذجا يحتذى، فلا تقبل الطغاة والمستبدين، ولا الفاسدين والمنحرفين. انطلاقا من هذه الحقائق تأتي أهمية هذا البحث الذي لا يعتقد الباحث أنه قد ألم بكل جوانبه، لكنه بذل الوسع والجهد والالتزام بالموضوعية لإخراجه بهذه الصورة على أمل أن يكون حافزا لدراسات أخرى معمقة في المستقبل.

 مشكلة البحث: في الوقت الذي وصلت فيه قوى الإسلام السياسي إلى السلطة في بعض البلدان، واقتربت من تحقيق هذا الهدف في بلدان أخرى، فالتساؤل المطروح هو: هل تمتلك هذه القوى أسس شرعية إنسانية تستند إليها لضبط علاقتها بغيرها من القوى المعارضة أو المخالفة وطنيا ودوليا، ومنع انحرافها عن مسارها الصحيح، وحمايتها من الانزلاق إلى هاوية الفوضى والعنف والاقتتال ؟ هذا التساؤل هو ما ستتم الإجابة عنه في سياق البحث.

فرضية البحث: ينطلق البحث من فرضية مفادها: يعزز الالتزام بمصادر التشريع الإسلامي الرئيسة منهج الاعتدال السياسي بشروطه الإسلامية، ليكون ضابطا وضامنا يمنع انحراف قوى الإسلام السياسي عن المسار الصحيح، ويوجهها لبناء نظام حكم صالح ورشيد.

منهجية البحث: اعتمد في البحث على منهجين علميين: الأول هو منهج تحليل المضمون عند دراسة النص القرآني والحديث الشريف، والآخر هو المنهج التاريخي عند تتبع سيرة الرسول،(صلى الله عليه وآله وسلم)، وسيرة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

هيكلية البحث: تم تقسيم البحث إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة، وقد انشغل المبحث الأول في تحديد مفهوم الاعتدال السياسي في الإسلام، بينما انشغل المبحث الثاني في البحث عن الأدلة الشرعية للاعتدال السياسي في الإسلام من خلال ثلاثة مطالب لكل مبحث.

المبحث الأول

مفهوم الاعتدال السياسي في الإسلام

يتطلب إدراك مفهوم الاعتدال السياسي في الإسلام تفكيك المصطلح لمعرفة الجذور اللغوية لمفردتي الاعتدال والسياسة، قبل تحديده من الناحية الاصطلاحية، وكما يلي:

المطلب الأول: ماهية الاعتدال لغة

 الاعتدال مصدر مشتق من الفعل عدلَ، والعدل هو "ما قام في النفوس إنه مستقيم، وهو ضد الجور.. وفي أسماء الله تعالى: العدل وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم.."(1). لذا يقول صاحب كتاب (معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن): إنه ".. بالعدل قامت السماوات والأرض تنبيها إنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائداً على الآخر أو ناقصاً عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظماً.."(2). أما الاعتدال فهو التوسط بين حالين في الكم أو الكيف وعدم الميل إلى المواقف الطرفية ".. وكل ما تناسب فقد اعتدل، وكل ما أقمته فقد عدلته.. وإذا مال شيء قلت عدلته أي أقمته، واعتدل أي استقام"(3). والاعتدال من "أمهات الفضائل"، فهو فضلاً عن الاستقامة والوسطية، يشير إلى "..الاتزان في الحكم والرأي"(4)، فيقترب معناه اللغوي من معنى السماحة بما فيها من يسر وسهولة واستواء وتجرد من العقد، لذا قيل إن الإسلام يمثل الحنيفية السمحاء(5).

 بناءاً على ما تقدم، فإن الاعتدال يشكل النقيض اللغوي للتطرف، حيث إن التطرف يشير إلى مجاوزة حد الاعتدال وعدم التوسط، وأخذ الأشياء من أطرافها، فالمتطرف من الناس والقوى يمثل العنيف المغالي في قوله أو فعله(6). فلا تراه إلا مُفرِطاً أو مُفَرِطاً.

المطلب الثاني: ماهية السياسة لغة

 السياسة لغة: هي ".. الرياسة، يقال ساسوهم سوساً، وإذا رأسوه قيل سوَّسوه وأساسوه، وساس الأمر سياسة: قام به، ورجل ساس من قوم ساسة وسَّواس.. وسوَّسه القوم: جعلوه يسوسهم.. سست الرعية سياسة.. وسوس الرجل أمور الناس.. إذا ملك أمرهم.. والسياسة: القيام على الشيء بما يصلحه، والسياسة فعل السائس، يقال: هو يسوس الدوابَّ إذا قام عليها وراضها، والوالي يسوس رعيته.."(7)، كما قيل عن السياسة، بأنها: ".. تولي الرئاسة والقيادة والإدارة.. ساسة البلاد قادتها، الذين يديرون شؤون البلاد والعباد... سياسي متعلق بإدارة الشؤون العامة وتنظيمها.."(8).

ويفهم من هذا التحديد اللغوي لمفردة السياسة، إنها تنطوي على معنيين:

الأول: ضيق، ينحصر في إطار السلوك الفردي عندما يقوم الإنسان بترويض دابته لتحسين سلوكها ومنع جماحها وعنفها، ويدخل في هذا المعنى ترويض الإنسان نفسه لحملها على الأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن، وإبعادها عما خالف ذلك.

الثاني: واسع، يجعل السياسة فعلاً إنسانياً شاملاً للمجتمع بكل مستوياته من خلال قيادته، وإدارته، والتولي عليه، وتنظيم أموره.

والمعنيان كلاهما، يجعل السياسة فعلاً إصلاحياً، سواء في إصلاح النفس والدابة وما يدخل في بابها، أو في إصلاح المجتمع –قيادة وإدارة وتنظيماً- وهذه النزعة الإصلاحية للسياسة سيجري تأكيدها والارتكاز عليها في مباني هذا البحث، تمييزاً لها عن النزعة الميكافيلية التي تجعلها عبارة عن ".. نشاط.. مراوغ، بواعثه الوحيدة هي الطموح، وتذوق الربح وإرادة القوة"(9)، وتنظر إليها كفعل قائم على الحيلة والخداع، منطلقه الأساس مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، خدمة لمصلحة الحاكم –فرداً أو جماعة- على حساب مصلحة المحكوم – إنساناً واجتماعاً.

المطلب الثالث: الماهية الاصطلاحية للاعتدال السياسي في الإسلام

 طالما أن السياسة كعلم تعرف على إنها:".. العلم الذي يدرس الدولة.."(10)، أو ".. علم إدارة الدولة.."(11)، أو العلم الذي ".. يدرس الناس من حيث هم حاكمين ومحكومين، ومن حيث هم جماعات سياسية متغيرة المصالح والأهداف"(12). أما السياسة كفن فهي: "فن ممارسة النشاط السياسي.."(13)، أو "فن ممارسة القيادة والحكم وعلم السلطة أو الدولة، وأوجه العلاقة بين الحاكم والمحكوم"(14)، أو هي على رأي أحد الباحثين الإسلاميين ذلك الفعل الذي ".. يكون معه الناس اقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وان لم يضعه الرسول (ص) ولا نزل به وحي.. (أو) هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي"(15).

 فإن نطاق السياسة هو من الاتساع والخطورة بحيث يجعلها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً –تأثيراً وتأثراً- بحياة الناس على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم واعتقاداتهم سواء داخل الدولة التي يحملون جنسيتها أو خارجها. وإذا كان الإسلام قد حض على ممارسة الاعتدال من قبل المسلم في إطاره الفردي: الأكل والشرب، الإنفاق، إشباع الغرائز.. فإنه من باب أولى، استناداً إلى قاعدة المهم والأهم، أن يعطي للاعتدال في ميدان السياسة اهتماماً أكبر لعلاقة الأمر بمجموع الناس، وتأثير ذلك على مقدار قبول النظام السياسي الإسلامي من قبل الخاضعين له، وطبيعة تصوره من قبل الآخرين الذين يعيشون خارج العالم الإسلامي، لاسيما أن الاعتدال –كما مر بنا آنفاً- يعد من أمهات الفضائل، وإذا كان الاعتدال السياسي يمثل: ".. تلك الفضيلة التي تترك يمينها ويسارها يميلان نحو الرذيلة والتطرف، وتقيم ميزاناً للعدل في الحكم، والخلق الرفيع في السلوك.."(16). فإن الاعتدال السياسي في الإسلام يعني: ".. التزام المنهج العدل الأقوم، والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين هما: الإفراط والتفريط، والاعتدال هو الاستقامة والتزكية والتوسط والخيرية.."(17).

 إن فهم الاعتدال السياسي في الإسلام بشكل واضح يتطلب تحديد المرتكزات الشرعية التي يرتكز عليها، وهذه المرتكزات تستند إلى ركنين مهمين هما:

الركن الأول: الاستقامة:-

 ويقصد بها الاستقامة في الموقف والسلوك الدنيوي مع الطبيعة والمجتمع، والتزام تحقيق "الدنيا المحمودة" التي تقوم على أمرين هما:(18)

الأول: توحيد الله ورؤية قدرته تعالى وربوبيته في الطبيعة وخيراتها، ووعي العناية الإلهية في تيسيرها للإنسان، وتمكين الإنسان منها بتزويده بالقدرات العقلية والجسدية المناسبة.

الثاني: مراعاة التوازن والاتزان، والعدل.. في الأخذ من الدنيا والاستمتاع بها، والتعامل مع الطبيعة، فضلا عن ضرورة مراعاة الرفق، والتسامح، والعفو، والمعرفة، وقبول الآخر واحترام قناعاته الفكرية والأعتقادية والسياسية، وأهلية تحمل المسؤولية، والحفاظ على الكيان السياسي للدولة الإسلامية، وعدم تمزيق وحدة المجتمع، والابتعاد عن الطغيان والبغي والعدوان في العلاقة مع الناس – مجتمعاً وأفراداً.

وتظهر أهمية هذا الركن في ميدان الحكم والإدارة –ميدان السياسة- من حقيقة أن الناس كما يقول أحد الباحثين: تبحث في الحاكم عن عدله الذي يرسخ الثقة بينه وبين المحكومين(19). ولا يمكن للعدل أن يسود بدون استقامة الحاكم، والتزامه بمنهج الاعتدال السياسي.

الركن الثاني: الوسطية والشهادة:-

 إن "الأمة الإسلامية بما هي حاملة لرسالة الإسلام عقيدة، وشريعة، وحضارة، وتجسيد لها، تقف في المركز الوسط المتوازن، ويتمثل التوازن في المسيرة البشرية بين الإفراط والتفريط، وبين الإسراف من هنا، والإسراف من هناك"(20)، وهذه الوسطية أهلت الأمة الإسلامية لتمتاز إلى جانب وسطيتها بميزة الشهادة، ".. فإن الشاهد يجب أن يكون منفصلاً ومتمايزاً عن المشهود عليه (بقية الأمم) ولكن لا يجوز أن يكون منغلقاً عنه، بل يجب أن يكون منفتحاً عليه، متواصلاً معه في آن واحد"(21). لذا تجد إنه في الوقت الذي يقول سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً..)(22)، فإنه سبحانه وتعالى يقول: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..)(23). فوسطية الأمة وشهادتها، مقترنة في الآن نفسه بخيريتها وصلاحها، يؤيد هذا الكلام، الفهم اللغوي لمفردة "وسط" في معاجم اللغة العربية حيث أن وسط الشئ: أفضله وأقواه، كذلك وسط القوم أفضلهم وأشرفهم(24).

إن الاعتدال السياسي للمسلم –حاكماً ومحكوماً- لا يقصد به أن يكون في منتصف الطريق بين الخير والشر، أو بين الله سبحانه وتعالى والشيطان عليه اللعنة، بل هو دائماً وأبداً مع الله عز وجل، وفي مركز الحق والخير، ليؤهله ذلك لدور الشهادة. وعليه يكون الاعتدال السياسي الإسلامي هو رديف الأخذ بأفضل الأفكار والرؤى والمعتقدات، والسبل وأنماط السلوك والمواقف السياسية، لإدارة الدولة وإصلاح شؤون الناس، تعزيزاً للثقة بين السلطة والشعب.

 بناءاً على ما تقدم، يمكن تعريف الاعتدال السياسي في الإسلام بأنه: المنهج السياسي الإسلامي الذي يكون مرتكزا على الاستقامة والوسطية والشهادة في الدين والدنيا، ومعتمدا النزعة الإصلاحية للسياسة في القيادة، والحكم، والإدارة، بعيداً عن الغلو والتطرف من جهة، وعن الابتذال والتقصير من جهة أخرى، لبناء نظام حكم صالح يؤهل المسلمين ليكونوا الأمة الأكثر خيرية وسموا بين الأمم الأخرى.

المبحث الثاني

الأدلة الشرعية للاعتدال السياسي في الإسلام

يمكن الاستدلال على الاعتدال السياسي في الإسلام من خلال ما يلي:

المطلب الأول: دليل القرآن الكريم

 إن التحليل الإجمالي للنص القرآني، يكشف عن أدلة كثيرة تشير إلى الاعتدال بمعناه الواسع: كالتركيز على اليسر ورفع العسر والحرج في الدين(25)، والتخفيف عن الإنسان(26)، والحث على التوازن والاستقامة في جميع الأمور الدينية والدنيوية(27). لكن هذا المعنى لن يتم التعمق والتوسع فيه سواء في هذا المطلب أو المطالب الأخرى، لأن هدف البحث هو الاعتدال بمعناه السياسي المرتبط بإدارة الدولة، والمواقف السياسية المتباينة، والذي يجعله الإسلام مرتكزاً على الاستقامة: أي الإقرار بعبودية الله، والعدل، والإنصاف، والحكمة، والرحمة، والاتزان والتوازن.. من جانب، وعلى الوسطية والشهادة: أي الانطلاق من مركز الحق، والخير، والفضيلة، والإصلاح لبناء نظام حكم صالح، يمنح الأمة أهلية الشهادة على غيرها من الأمم من جانب آخر.

والاعتدال السياسي بهذا الفهم الإسلامي توجد له أدلة كثيرة في كتاب الله تعالى، إذ حارب النص القرآني التطرف، وعده انحرافاً من الأمة التي تقول به كما في قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ..)(28)، وقد اتفقت كتب التفسير على أن المقصود بالغلو في هذه الآية المباركة هو تجاوز الحد بالإفراط أو التفريط من خلال تجاوز الحق المبني على توحيد الله، وأنه سبحانه واحد أحد لا شريك له ولا ولد، فذهب بعض المفسرين إلى أن الخطاب موجه إلى النصارى فقط كونهم غالوا في المسيح عليه السلام عندما رفعوه إلى مقام الآلوهية متأثرين بالعقائد الوثنية(29). بينما ذهب آخرون إلى أن الخطاب موجه – أيضا – إلى اليهود الذين فرطوا في تقدير المسيح عليه السلام فانزلوه إلى مستوى الحضيض عندما أنكروا نبوته واتهموا أمه الطاهرة عليها السلام (30). ويتكرر هذا الانتقاد القرآني للغلو عند أهل الكتاب في قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ)(31).

وإذا كان الغلو في الدين (إفراطا وتفريطا) منهي عنه، فان البديل القرآني له هو الاعتدال بشكله العام والسياسي الذي يتمثل ركنه الأول بالاستقامة التي أكد عليها الخطاب القرآني في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)(32)، وقوله تعالى: (وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُون)(33)، وقوله تعالى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(34)، وقوله تعالى: (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(35). وتتفق كتب التفسير على أن المقصود بالطريق المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه وهو طريق توحيد الله وطاعته، فقال الطوسي في تفسيره أن المقصود به واحد من معان عدة هي: كتاب الله أو الإسلام أو دين الله أو النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (ع)، لكنه فضل حمل المعنى على العموم لتدخل كل هذه المعاني فيه، فيكون الصراط المستقيم هو طريق الحق القائم على عبودية الله وطاعته مما يجعل كل طريق من طرق الحق طريقا مستقيما طالما يحقق نفس الغاية، وهذا تفسير غاية في الروعة وسعة الأفق الفكري (36). وابن كثير أكد – أيضا -في تفسيره هذا المعنى عندما جعلا المقصود من الطريق المستقيم هو طريق توحيد الله تعالى وطاعته فيما أمر ونهى (37). أما الفيض الكاشاني فانه أعطى لتفسير الطريق المستقيم فهما إضافيا عندما قال: ".. الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام، وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة.. صراط الله، وهو صراط التوحيد والمعرفة والتوسط بين الأضداد في الأخلاق والتزام صوالح الأعمال.. "(38).

إن ربط معرفة الحق من الناحية القلبية والروحية بالاستقامة من الناحية العملية تجد التأكيد عليها في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(39)، وقوله تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ((40)، فالذين قالوا ربنا الله أي وحدوه تعالى بلسانهم واعتقدوا ذلك بقلوبهم، واستقاموا على ذلك أي لم يعدلوا (يميلوا) عنه في عملهم، والاستقامـة هنا منتهى العمل، فلا خـوف عليهم من العقاب في الآخـرة، ومن أهــــوال القيامة (41).

 إذا، فالاستقامة في القرآن شرطها الأساس هو التزام طريق الله تعالى –إقراراً وطاعة- أما مظاهرها فهي:

أولا: اعتماد العقل السليم والمعرفة واللين والرحمة والموعظة الحسنة في دعوة الناس إلى هذا الطريق، كما في قوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(42)، وقد بين محمد جواد مغنية أن هذه الآية ترشدنا إلى ما يلي:

- " إن الدعوة يجب أن تكون للحق خالصة من كل شائبة، فأي إنسان يدعو إلى غير الحق فدعوته فساد وضلال، وأعظم الناس جرما من اتخذ من الدعوة إلى الله والحق وسيلة لتدعيم جاهـه وكيانه، كما يفعـل طلاب الزعامة والرئاسة من رجال الدين والدنيا.

- أن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن الواضح أن قوام الحكمة العلم والعقل، فبالعقل يميز الداعي بين الحق والباطل، والخير والشر، وبالشر يعرف أحوال المخاطبين والطريقة التي ينبغي أن يخاطبهم بها من اللين والشدة، أما الموعظة الحسنة فمنها، بل أحسنها، أن يخاطب المرشد المخطئ بأسلوب يشعر منه تلقائيا أنه مخطئ، ومن الحمق أن يفاجئه بالتأنيب والتوبيخ، وقديما قيل: التلويح أبلغ من التصريح..

- الجدال بالتي هي أحسن، وذلك بأن يكون الغرض منه إظهار الحق، وإقناع المنكر، لا مجرد إفحامه والتغلب عليه " (43).

ومن أجمل ما قيل في تفسير هذه الآية هو قول الفيض الكاشاني عندما أشار إلى أن الآية تخاطب فئات مختلفة من الناس، وكل فئة بأسلوب مختلف في الدعوة إلى طريق الله وهذه الفئات هي:

- الخاصة، وتتم دعوتهم بالحكمة القائمة على البرهان والمقالة المحكمة، أي بالغـة الحجة.

- العامة، وتتم دعوتهم بالموعظة الحسنة القائمة على الخطابات المقنعة والعبر النافعة، التي لا يخفى عليهم أن الداعي ينصحهم بها وينفعهم فيها.

- أهل الجحود والمعاندين، وتتم دعوتهم بالجدال الحسن القائم على البرهان والحقائق الثابتة، كحقيقة البعث بعد الموت على سبيل المثال، والمعرفة العميقة لمن يجادل لا أن يكون جدالا خلافيا يجحد الحق ويضعفه ويثير الضغائن ويفرق الناس(44). وهذا ما لا يدركه الكثير من الدعاة والساسة في عالمنا الإسلامي في الوقت الحاضر، عندما يتوجهون إلى شعوبهم بخطاب واحد لا يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة المخاطب ومستوى وعيه وفهمه، وكيفية رد فعله على هذا الخطاب، فتكون نتائج خطاباتهم في أغلب الأحيان سلبية لا تصب في مصلحة بناء الدولة الإسلامية.

كما يتأكد هذا المنهج القرآني في قوله تعالى من سورة آل عمران: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(45)، إذ صحيح أن المخاطب هنا هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أن الخطاب يشمل كل حاكم ومسؤول يتولى أمور الناس، لذا ترى أن من مضامين هذه الآية الكريمة ما يلي(46):

- أن يكون الحاكم والمسؤول متصفا بالرحمة غير جاف ولا قاس في قوله وقلبه وما يصدر من فعله، فلا يضيق بجهل الناس وضعفهم ونقصهم، ويحمل همومهم، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء.

- أن تكون سياسته مستندة إلى العفو وطلب المغفرة للناس، إذ أن الآية نزلت بعد معركة أحد وما لحق فيها بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين من ألم نتيجة تخلف البعض عن أمره عليه السلام، لكن على الرغم من ذلك يخاطب سبحانه وتعالى نبيه الكريم ويدعوه إلى العفو عن المتخلفين وعدم معاقبتهم وطلب المغفرة لهم.

- أن يعتمد نظام الحكم سياسة الشورى ونشر منطق المشاورة بين الحاكم والمحكوم تطييبا للنفوس، وتأليفا للقلوب، ورفعا لقدر الناس، ليكون الحاكم قدوة لشعبه، وقائدا لهم إلى دروب الخير، علما أن ما تحققه الشورى من نتائج ستكون لمصلحة الجميع، مما يدل على أن مبدأ الشورى مبدأ أساسي لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه.

ثانيا: أداء الأمانة واعتماد العدل كأساس للقيادة والحكم والإدارة، كما في قوله تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(47)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)(48)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)(49)، وقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(50)، وقوله تعالى:(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(51).. والأحكام المستنبطة من هذه الآيات كثيرة منها:

- إن الدين يحكم حياة المسلمين أفرادا وجماعات، فعليهم أن يكونوا شهداء لله أمام الأمم الأخرى على عظمة هذا الدين من خلال التمسك بأحكامه وتعاليمه قولا وفعلا لا أن تلهج ألسنتهم بالدين قولا ويتبعون أهوائهم ومصالحهم الذاتية أو الأسرية أو الفئوية في أفعالهم (52).

- إن أداء الأمانة يمثل شرطا مهما من شروط الالتزام الديني وهي حق من الحقوق التي يجب على المسلم تأديتها – حاكما أو محكوما – سواء أكان هذا الحق مرتبط بالدين، أو العلم، أو الوطن، أو المجتمع، فالأمانة عصب الحياة وقوامها الذي لا يستقيم شئ بدونه، وقد نقل محمد جواد مغنية عن الإمام زين العابدين عليه السلام قوله: لو ائتمني قاتل أبي على السيف الذي ذبحه به لما خنته.. في إشارة إلى عظمة الأمانة وأهميتها، فكيف إذا كانت الأمانة مرتبطة بحكم الناس والسهر على حفظ حقوقهم وحرياتهم وضمــان مستقبــلهم ومستقبــل أجيالهم ؟ (53)، لابد أنها ستكون ثقيلة جدا وتحتاج إلى أهل جديرين بحملها.

- إن العدل هو دليل استقامة الإنسان المسلم سواء في تمسكه بمنهج الحق وعدم الانحراف عنه بتأثير الهوى، أو القرابة، أو البغض، أو الاختلاف في العقيدة الذي لا يشكل تهديدا للكيان السياسي الإسلامي. وفي ممارسته للحكم والقيادة وإدارة شؤون الناس، كون العدل خير كله. فعدل القاضي هو مساواته بين الخصمين في كل شئ، وإعطاء كل ذي حق حقه. أما عدل الوالي فهو باهتمامه بكل شؤون الناس كالصحة والثقافة والعيش الكريم والحرية والفرص المتكافئة للجميع، وحمايتهم من سيطرة الطامعين سواء أكانوا من داخل الوطن أو خارجه (54).

ثالثا: ثقافة الحوار كبديل لثقافة الغلو والتطرف، فالاستقامة كركن من أركان الاعتدال السياسي في الإسلام تهدف إلى ظهور مجتمع السلم كنقيض لمجتمع البغي والظلم والعدوان، والمجتمع الأخير من ملامحه الرئيسية الغلو والتطرف والانحراف عن الحق، ذلك الغلو والتطرف الذي جعل من إبليس لعنة الله عليه سيد الغلاة والمتطرفين، فهو في غلوه ذهب إلى معصية الخالق عز وجل بعدم السجود لآدم، وتوعد آدم ونسله بالغواية والانحراف، لكن الله عز وجل على عظمة قدرته لم ينتقم منه بمجرد معصيته، فيضرب بنفسه سبحانه وتعالى مثلاً في التعامل مع الرأي الآخر، عندما حاوره، وسمع منه، وأعطاه ما أراد من تأخير في عقابه، كما في قوله تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ · قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ · قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ · وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ · قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ · قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ · إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ · قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ · إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ · قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ · إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)(55).

إن هذا النص القرآني بدلالاته العميقة، يضرب مثلاً رائعاً في الاعتدال مع الرأي المعارض، ويشكل إدانة ربانية لكل الطغاة والمستبدين الذين يمتهنون كرامة شعوبهم بحجج شتى، ومهما اختلف الفقهاء في تفسير هذا النص القرآني، فهم لا يختلفون في انه حوار تم بين الخالق سبحانه وتعالى كخير مطلق وبين الشيطان كشر مطلق وفي ذلك عبرة عظيمة للبشر(56).

وعند تتبع سيرة الأنبياء والمرسلين في النص القرآني، تجد أن منهج الاعتدال السياسي بمظاهره المتقدمة، هو دائماً منهج الأنبياء والمرسلين، بينما يكون الغلو والتطرف الجامح سياسياً منهج أعدائهم ومخالفيهم، ففي قصة موسى عليه السلام وفرعون يقول الله تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى · فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(57). وتفسير الآية الأولى يظهر أن طغى بمعنى تجاوز الحد وتطرف في طغيانه ومعاصيه، وهذا ما لا يرضاه الله لعباده، أما القول اللين في الآية الثانية فيشير إلى دعوة فرعون إلى طريق الله على أساس الرجاء والطمع في فلاحه لا على أساس اليأس من ذلك، وبأسلوب ينطوي على التوقير والاحترام للمخاطب (بفتح الطاء) حتى يكون أقرب للاستجابة فلا تأخذه العزة بالإثم وينكر دعوة الحق، ولكي يوقظ ذلك قلبه فيتذكر ويخشى عاقبة الطغيان(58). لكن رد فرعون على هذه الدعوة السلمية الهادئة غير المتطرفة كان بالشكل الآتي: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)(59)، ويستفيض النص القرآني في ذكر مظاهر طغيان فرعون كما في قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)(60)، وقوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)(61)، وقوله تعالى: (.. فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ · فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ)(62)، ويؤذي فرعون من يؤمن بدعوة الله بأشد أنواع العذاب، كما هو الحال في تعامله مع السحرة الذين استجابوا لطريق الله، إذ يقول سبحانه وتعالى: (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى)(63).

 إن فرعون وأمته لا ينفردون في هذا الموقف السياسي المتطرف، بل إن مظاهر التطرف تظهر لدى أمم أخرى انحرفت عن طريق الله وحاربت أنبياء الله، منها: قوم لوط عليه السلام، كما في قوله تعالى: (وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ · قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ)(64). والعادي في الآية الأولى نظير الظالم والجائر، أي أنهم خارجون عن الحق ومتجاوزون للحد، أما كلمة مخرجين في الآية الثانية فهي تهديد للوط عليه السلام بالنفي والأبعاد من وطنه وقومه(65).

كذلك قوم صالح عليه السلام، كما في قوله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ · وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ · الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ · قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ)(66). فالمسرف في الآية الكريمة هو الذي تجاوز الحد بالبعد عن الحق، فأصبح يفسد في الأرض ولا يصلح، ويتهم المصلحين من الأنبياء أو غيرهم الذين يريدون أعادته إلى جادة الصواب بأنهم مخبولون أو مجانين(67). وقوم نوح عليه السلام، إذ ردوا على نبيهم بالقول: (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ)(68). وقوم هود عليه السلام إذ ردوا على نبيهم بالقول: (قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ ·‏ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ · وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)(69). وقوم إبراهيم عليه السلام، إذ ردوا على نبيهم بالقول: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(70).

 أن تأكيد النص القرآني على منهج الاعتدال السياسي ورفض الغلو والتطرف يظهر جليا – أيضا - من خلال المدح الضمني لملكة سبأ قبل إيمانها، عندما اعتمدت هذا المنهج سواء في مشورتها لقومها بعد أن وصلها كتاب سليمان عليه السلام وعدم إنفرادها بالرأي دونهم، وفي ذلك ملاطفة منها لقومها. أو في إرسالها الهدية إلى سليمان عليه السلام لتختبر صدق نبوته من جهة، وكتعبير عن حسن النية وعدم الانسياق الأعمى وراء ما تتمتع به من منعة وقوة عسكرية من جهة أخرى، لأنها رأت أن دخول الحكام إلى البلدان عنوة سيفسدها، ويقود إلى استعباد أهلها، وقد صدقها النص القرآني عندما انتهى بقوله تعالى:" وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " (71)، ويمكن أن يستنبط من هذه القصة القرآنية أحكاما رائعة سواء في علاقة الحاكم بالمحكوم أو في ميدان العلاقات الدولية، فضلا عن دلالتها التي يستفاد منها في هذا البحث.

 من خلال ما تقدم، ترى أن الاستقامة بمظاهرها المختلفة كالثبات على الحق واعتماد طريق الله، واللين والرحمة، والعلم والمعرفة، والحكمة والموعظة الحسنة، والعدل وأداء الأمانة، والعفو والشورى، والمجتمع الآمن المتعايش بسلام من خلال اعتماد ثقافة الحوار، هي الركائز التي يبنى عليها منهج الاعتدال السياسي في القرآن. بينما الغلو والتطرف، والجمود الفكري، والتعذيب والنفي، والقتل، والسجن، والتشريد، وتمزيق وحدة المجتمع، واستعباد البشر، وامتهان كرامة الإنسان هو المنهج الذي تقوم عليه الحكومات والمجتمعات المتطرفة التي تنحرف عن طريق الحق.

والاعتدال السياسي بشروطه القرآنية هو الذي أعطى الأمة الإسلامية صفة الوسطية والشهادة، كركن ثان يبنى عليه اعتدالها السياسي كما في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)..(72)، فوسطية الأمة، وشهادتها نتجت من الخيرية والأفضلية التي منحها لها التزامها بطريق الله تعالى، كما يؤكد ذلك قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..)(73).

المطلب الثاني: دليل السنة النبوية الشريفة

 إن رسول الله صلى الله عليه وآله هو القدوة والأسوة الحسنة لعموم المسلمين في كل زمان ومكان استناداً إلى قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)(74). وعند دراسة سيرته عليه السلام، تكتشف أنها تضرب مثلاً رائعاً في الاعتدال بإطاره العام والسياسي، فهو عليه السلام يحذر من اعتماد منهج التطرف والعصبية بكل أشكاله من خلال أحاديثه الشريفة، فقد ورد عنه قوله: "من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه"(75)، وقوله: "من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية"(76)، وقوله: "يا أيها الناس إياكم والغلوَّ في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"(77).. وهذا المنهج النبوي الرافض للتطرف بكل مظاهره وصوره، جعله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحث المسلمين على الرفق في الدعوة إلى الدين، والتزام منهج الاعتدال في العبادة، كما في قوله: "إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغضن إلى نفسك عباده الله.."(78)، وأن يكونوا دعاة خير ميسرين ومبشرين، كما في قوله عليه السلام: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"(79)، وقوله: "إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلماً ميسراً"(80)، وقوله: "ما من عمل أحب إلى الله تعالى وإلى رسوله من الإيمان بالله والرفق بعباده، وما من عمل أبغض إلى الله تعالى من الإشراك بالله والعنف على عباده"(81)..

 وستترك هذه الوصايا والأحاديث النبوية المعتدلة انعكاساتها على العمل السياسي الإسلامي سواء في الدعوة إلى الإسلام، أو إدارة الحكم والدولة الإسلامية تحت قيادته (صلى الله عليه واله وسلم)، عندما جعل الانطلاق من الحق (قبول طريق الله) والحرص على الإنصاف والعدل فيه الأساس المتين للحكم والأسبقية والأفضلية، كما ترى ذلك في قوله عليه السلام: "السابقون إلى ظل العرش طوبى لهم. قلنا يا رسول الله ومن هم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الذين يقبلون الحق إذا سمعوه ويبذلونه إذا سألوه، ويحكمون للناس كحكمهم لأنفسهم. هم السابقون إلى ظل العرش"(82)، وقوله عليه السلام: "اللهم من ولي من أمر أُمتي شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أُمتي شيئا فرفق بهم فأرفق به"(83).

والولاية هنا عامة تبدأ من ولاية الإنسان على نفسه وأسرته لتنتهي بولاية الحكم والإدارة العامة للدولة، فوجود الرفق في هذه الولايات هو العنصر المهم لخلق القبول المتبادل بين أطرافها، وإذا كان الرفق مهما في الولاية الأسرية الضيقة والمحدودة، فهو في ولاية الحكم والإدارة العامة ألزم وأكثر توكيداً، وقد مارسه الرسول (صلى الله وعليه وآله وسلم) بأجمل صوره، فقد كان عليه الصلاة والسلام وهو رسول رب العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وحاكم الدولة الإسلامية الأولى، يتقبل الرأي السياسي المعارض لدعوته والمشكك بالشرعية السياسية للدولة، ويتعامل معه بحكمة واتزان ورفق من خلال الحوار، ومقارعة الحجة بالحجة، وصولا إلى الحق, فقد روي عنه عليه السلام أنه حاور في مجلس واحد ممثلي خمسة أديان: اليهود، والنصارى، والدهرية، والثنوية، ومشركوا العرب، وكان حواره بلا عنف، أو سخرية، أو تنازل عن الحق الذي جاء به الإسلام(84).

وهذا الاعتدال السياسي النبوي هو الذي سمح لطرف سياسي - عقائدي معارض كيهود بني قينقاع أن يحاوروه بكل حرية قبل غزوهم من قبل المسلمين، بل ويتطاولون عليه بالكلام وهم يعلمون انه سوف يسمع قولهم، ويرد عليهم بالحق قائلاً: "يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا فقد عرفتم إني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم.."(85)، كما يظهر اعتداله السياسي عليه السلام مع نصارى نجران في حادثة المباهلة المشهورة، فبعد أن امتنع النصارى عن المباهلة لم يكن رده عليهم بالعنف والإقصاء والتطرف، بل حاورهم وحاوروه بالقول: "يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرك على دينك، ونثبت على ديننا، قال: فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم، فأبوا، قال: فإني أناجزكم، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحكم على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة: ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعا عادية من حديد.. فصالحهم على ذلك.."(86).

 ويتكرر الاعتدال السياسي النبوي في قصص أخرى كثيرة منها: قصة مربع بن قيظي، وهو رجل منافق ضرير البصر يمر به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أصحابه، فيقوم يحث التراب في وجوههم، ويقول: "إن كنت رسول الله، فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي، وقد ذكر.. إنه أخذ حفنه من تراب في يده ثم قال: والله لو أعلم إني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر"(87).

وقصته (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عبد الله بن أبي سلول زعيم المنافقين في المدينة معروفة، فعندما تطاول هذا المنافق على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان رد الرسول وهو حاكم دولة المدينة الناشئة على من أراد قتل أبن أبي سلول إلا بالقول: "بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا"(88).

 كذلك قصته عليه السلام مع الإعرابي الذي وقف على رأسه الشريف شاهراً سيفه راغباً بقتله، فما كان منه عليه السلام بعد أن أخذ السيف من الإعرابي إلا أن قام بإطلاق سراحه، بعد أن قبل قوله في أن لا يقف مع عدو له، دون أن يجبره على اعتناق الإسلام، فكان هذا السلوك النبوي المعتدل سبباً في إصلاح الإعرابي ودخوله وقومه دين الإسلام(89). كما يتعامل عليه السلام بنفس الأسلوب مع عمير بن وهب قبل إسلامه، فقد ذهب عمير هذا إلى المدينة لقتل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد علم الرسول بنيته، لكنه تعامل معه بالحسنى فحاوره، وحاججه بالرفق واللين فما كان منه إلا أن أشهر إسلامه(90).

 وفي السنة السادسة للهجرة النبوية، تتجلى عظمة النزعة الإصلاحية المعتدلة عند الرسول في صلح الحديبية، عندما قبل من سهيل بن عمرو أن يشطب من كتاب الصلح عبارة رسول الله، ويجعل الكتاب بالشكل الآتي: ".. هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو.."(91). فكانت نتيجة هذا الصلح هو دخول عدد كبير من الناس في الإسلام يفوق عدد من دخله بطريق الحرب والسيف.

 ومن مظاهر الاعتدال السياسي النبوي الأخرى، قصة ذو الخويصرة، وهو رجل من تميم يأتي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يوزع العطاء على الناس، فيقول: "يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أجل كيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلت؟.. فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: ويحك إذا لم يكن العدل عندي، فعند من يكون؟ فقال (احدهم): يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال: لا، دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء.."(92).

وفي السنة العاشرة للهجرة النبوية يدخل المسلمون إلى مكة منتصرين على مشركيها بعد طول صراع، فما كان من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أن حفظ كرامة خصومه وأعداءه أمام قومهم، فجعل لأبي سفيان عدو الإسلام الأول نصيباً من الكرامة عندما قال: ".. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.."(93). ويقبل عليه الصلاة والسلام إجارة أم هانئ بنت أبي طالب في أثنين من المشركين بعد أن دخلا دارها بالقول: "أجرنا من أجرت، وآمنا من آمنت.."(94). ولا يقهر صفوان بن أمية المشرك المعروف على اعتناق الإسلام، بل يعطيه أربعة أشهر ليقرر اعتناق دين الإسلام من عدمه(95).

 إن هذه الأحاديث والقصص، التي نجدها في سيرة سيد المرسلين لا تدع مجالاً للشك في أن الاعتدال السياسي هو المنهج المتين الذي قامت عليه الدعوة، ونظام الحكم في الإسلام، وكيف لا يكون الأمر كذلك، وقد سبق الحديث عن اعتداله عليه السلام ظهوره بوقت طويل، فقد قال عنه السيد المسيح عليه السلام ما نصه: "لذلك أقول لكم إن رسول الله بهاء ويسر كل ما صنع الله تقريباً لأنه مزدان بروح الفهم والمشورة، روح الحكمة والقوة، روح الخوف والمحبة، روح التبصر والاعتدال، مزدان بروح المحبة والرحمة، وروح العدل والتقوى، وروح اللطف والصبر التي أخذ منها من الله ثلاثة أضعاف ما أعطى لسائر خلقه.."(96). وهذه الصفات التي وصف بها هذا النص المقدس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تمثل جوهر منهج الاعتدال السياسي في الإسلام، إذ تجعل سيرته القولية والفعلية والتقريرية تتطابق مع ما تقدم من حديث عن الاعتدال السياسي في النص القرآني.

ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هذا المنهج له ضوابط معينة عند الرسول (صلى الله عليه وآله)، يجب مراعاتها عند العمل به تتمثل بما يلي:

- ضرورة الالتزام بطريق الحق وهو طريق الله بما فيه من أمر ونهي.

- اعتماد الرفق والتسامح والتيسير في دعوة الناس إلى هذا الطريق.

- جعل الحوار الهادئ البناء، والمقالة المحكمة، والحجة البالغة أساس التفاهم مع المخالفين من أهل الأديان المختلفة، مع التأكيد على احترام قناعاتهم طالما تأخذ الإطار السلمي، ولا تشكل تهديدا للكيان السياسي للدولة الإسلامية، ليكونوا شركاء فاعلين في المجتمع. أما عندما يتجاوز هؤلاء على هذه الضوابط فأنهم يصبحون متجاوزين للحد ومتطرفين في مواقفهم السياسية بحيث يتحتم على القيادة السياسية العليا للدولة أن تتخذ الوسائل الكفيلة بحفظ النظام العام، والدليل على ذلك تعامل الرسول (صلى الله عليه وآله) مع يهود المدينة على سبيل المثال بعد غدرهم بمجتمعهم السياسي.

- إن العفو عن الرأي المعارض هو السياسة الحكيمة التي من خلالها يتم تأليف القلوب وجمع الكلمة لبناء الدولة في الإسلام، لاسيما عندما لا يشكل هذا الرأي تهديدا مباشرا لكيان الدولة، ولحقوق وحريات مواطنيها.

- النزعة الصلاحية تتقدم على نزعة الانتقام والتعصب في المواقف السياسية، لأن لها نتائج ايجابية تصب في مصلحة السلم المجتمعي، والتعايش بين المكونات الاجتماعية المختلفة.

المطلب الثالث: الدليل من سيرة الإمام علي عليه السلام

 إن اختيار شخصية الإمام علي عليه السلام كمصدر ثالث يدل على الاعتدال السياسي في الإسلام يعود إلى الأسباب الآتية:

1. إنه أفضل صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسابقته وعلمه وجهاده.

2. إنه أقربهم إلى الرسول رحما لنسبه ومصاهرته ومؤاخاته.

3. أنه صاحب ممارسة سياسية طويلة، وقائد دولة إسلامية واسعة، شهد عصره مواقف سياسية متناقضة، وتيارات فكرية متصارعة.

4. التطابق الكامل بين مواقف الإمام عليه السلام العقائدية والسياسية، ومواقف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل لا نجد له مثيلا عند غيره.

وهذه الأسباب تكاد تكون محل اتفاق أغلب علماء المسلمين وفقهاؤهم ومن كل المدارس الإسلامية، لذا تمثل سيرة الإمام علي عليه السلام الامتداد الشرعي الأمين لسنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي الأكثر أهلية لتكون مصدراً في الاستدلال على الاعتدال السياسي في الإسلام.

وفي حرب صفين يقتفي الإمام علي عليه السلام سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلح الحديبية عند عقد الصلح مع أهل الشام، إذ "عندما جيء بالكتاب (كتاب الصلح) قال علي: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ومعاوية بن أبي سفيان، فقال معاوية: علام قاتلناك إذا كنت أمير المؤمنين؟ أكتب: علي بن أبي طالب، فضحك علي، ثم قال:.. هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان.."(97).

فضلاً عما تقدم، فإن مواقف الإمام الكثيرة مع الخوارج تشير إلى مستوى متقدم من الاعتدال السياسي، فقد كانوا يجاهرون بعداوته بين المسلمين، لكنه وهو الحاكم الأعلى للدولة لا يقصيهم ولا يعاقبهم، بل يترفق بهم، ويحرص على تطبيق العدل والإنصاف معهم، فهذا الخريت بن راشد الناجي الخارجي المعروف، يقدم على الإمام عليه السلام، ويقول له: "والله يا علي لا أطيع أمرك، ولا أصلي خلفك، وإني غد لمفارقك.. (فيرد عليه الإمام قائلاً): ثكلتك أمك إذن تنقض عهدك، وتعصي ربك، ولا تضر إلا نفسك.. أخبرني لم تفعل ذلك؟ قال: لأنك حكمت في الكتاب، وضعفت عن الحق إذ جد الجد، وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم، فأنا عليك راد، وعليهم ناقم، ولكم جميعاً مباين.. (فقال له الإمام): ويحك هلم إلي أدارسك وأناظرك في السنن، وأفاتحك أموراً من الحق أنا أعلم بها منك، فلعلك تعرف ما أنت له منكر، وتبصر ما أنت الآن عنه عم وبه جاهل. فقال الخريت: فإني عاد عليك غداً، فقال الإمام: أعد ولا يستهوينك الشيطان، ولا يقحمن بك رأي السوء، ولا يستخفنك الجهلاء الذين لا يعلمون، فو الله أن استرشدتني وقبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد"(98)، وعلى الرغم من أن الخريت لم يرجع إلى الإمام لإتمام المناظرة والمحاورة، إلا إن روعة النص أعلاه تتجلى في أن الحوار لا يتم بين شخصين من مستوى واحد، بل بين خصمين سياسيين أحدهما هو خليفة المسلمين، والقائد الأعلى للدولة، والآخر هو معارض سياسي، وواحد من الرعية، لكن الحاكم يظهر مستوى متقدماً من الاعتدال السياسي والقبول بالرأي الآخر بحيث يتكلم المعارض بحرية تامة دون أن يشعر بالخوف من السلطة، ويتسع صدر الحاكم لرأيه دون أن يفكر بإقصائه أو الانتقام منه، وهذا المستوى من السلوك السياسي افتقرت له أغلب الحكومات الإسلامية التي حكمت العالم الإسلامي، وليس الخريت هو النموذج الوحيد للدلالة على اعتدال الإمام في الميدان السياسي، فقد جاءه خارجي آخر. وقال له: "أنا لا أتابعك، ولا أبايعك، ولا اخرج معك في وقت، ولا أصلي معك جمعة ولا جماعة، فرد عليه الإمام عليه السلام: وأنا لا أجبرك على شيء من ذلك، ولا أمنع عنك فيئك، وأسالمك ما سالمت المسلمين"(99). وفي يوم من الأيام يرفع الخوارج أصواتهم في المسجد قائلين: الحكم لله لا لك يا علي، فيرد عليهم الإمام عليه السلام بالقول: "كلمة حق يراد بها باطل.. إن لكم علينا أن لا نبدأكم بقتال، وأن لا نقطع عنكم الفيء، وأن لا نمنعكم مساجد الله"(100) وعندما يتجاوز عليه أحدهم بالقول: "قاتله الله كافر ما أفقهه، فوثب القوم ليقتلوه لسب الإمام وتكفيره، فمنعهم عليه السلام قائلاً: رويداً إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب"(101).

كما يظهر الاتزان والرشد السياسي وهما شرطان من شروط الاعتدال في رد الإمام على السائل الذي يسأله عن أصحاب الجمل: "أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا. قيل أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يدعون الله إلا قليلاً. قيل فما هم؟ قال: أخواننا بغوا علينا"(102).

إن هذه المواقف السياسية للإمام عليه السلام التي تنطوي على تقبل الآخر السياسي المعارض، والتسامح مع الرأي المخالف، والحفاظ على حقوق الجميع في الدولة أي كانت مواقفهم السياسية ما لم يعتدوا على حقوق الناس، والاتزان والرشد والحكمة، هي مواقف لابد لأي رجل دولة حقيقي أن يتحلى بها، لذا تجد التأكيد عليها في وصايا الإمام التي تحث على العدل والإنصاف والرحمة، ففي عهده لمالك بن الاشتر عندما ولاه مصر يقول عليه السلام ما نصه: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم. فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه.."(103)، ويضيف عليه السلام: "أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك ألا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان لله حربا حتى ينزع أو يتوب، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله، وتعجيل نقمته من أقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد"(104)، "وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها لرضى الرعية.."(105)، وفي موضع آخر يقول عليه السلام: ".. وسيهلك في صنفان: محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس في حالاً النمط الأوسط، فألزموه وألزموا السواد الأعظم فأن يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان كما إن الشاذ من الغنم للذئب.."(106).

هذا المنهج السياسي المعتدل للإمام عليه السلام، جعله يقف موقفاً صارماً من العصبية والتعصب (التطرف) بقوله: ".. فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية، وأحقاد الجاهلية، فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان، ونخواته، ونزعاته، ونفثاته، واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم، وإلقاء التعزز تحت أقدامكم، وخلع التكبر من أعناقكم.."(107). ويوجه الناس إلى الشكل المحمود من العصبية بقوله: "فإن كان لابد من العصبية، فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء، والنجداء من بيوتات العرب، ويعاسيب القبائل، بالأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة، والآثار المحمودة، فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار، والوفاء بالذمام، والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والكف عن البغي، والإعظام للقتل، والإنصاف للخلق، والكظم للغيظ، واجتناب الفساد في الأرض. واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال، وذميم الأعمال، فتذكروا في الخير والشر أحوالهم، واحذروا أن تكونوا أمثالهم.."(108).

أما ضوابط الاعتدال السياسي كما طبقها الإمام عليه السلام، فستجد أنها ذاتها ضوابط الاعتدال عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن يمكن أن تضيف إليها ما يلي:

- الحرص على الحفاظ على وحدة المجتمع الإسلامي، وعدم تمزيق كيان الدولة.

- الاعتراف بالحقوق السياسية للناس.

- احترام الرأي السياسي المعارض، وضمان حقوق أفراده: السياسية، والاقتصادية، والأعتقادية، وممارسة الحوار السلمي للتوصل إلى تفاهمات وقواسم مشتركة معه، على أن لا يشكل هذا الرأي تهديدا لأمن الدولة، ولحقوق وحريات مواطنيها. لذا ترى عندما تجاوزت المعارضة السياسية هذا القيد وهددت حقوق الناس وأمن الدولة وقف الإمام عليه السلام منها موقفا صارما معروفا وهو موقفه من الخوارج على سبيل المثال.

- عدم إتباع سياسة الانتقام والتنكيل من قبل السلطة اتجاه طرف سياسي بعد خسارته في صراعه معها، وهذا ما تراه في موقف الإمام عليه السلام من أصحاب الجمل، وما لن تراه في مواقف اغلب أنظمة الحكم في البلدان الإسلامية في مطلع القرن الحادي والعشرين!!

- الانطلاق من معايير إنسانية عادلة في التعامل مع الناس تستند إلى منهج الاعتدال السياسي في الإسلام.

 إن الأدلة الشرعية المتقدمة (كتاب الله تعالى، سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرة الإمام علي عليه السلام) لا تدع مجالاً للشك في أن منهج الاعتدال السياسي هو المنهج القويم الذي يقوم عليه بناء نظام الحكم في الإسلام، وإنه الأصل الأولي الذي قامت عليه السياسة الإسلامية، وهذا المنهج يترسخ كلما اقترب المسلمون من مصادر التشريع الصافية والطاهرة، وحاولوا السير على هداها، والعكس صحيح –أيضاً- كلما ابتعدوا عن هذه المصادر، واحتكموا في بناء دولهم لنماذج أخرى سيرها الهوى والرغبة في السلطة أو انعدام المعرفة والجهل، كلما سقطوا في مستنقع التطرف سواء أكان تفريطاً أو إفراطاً. كما تبين أن هذا المنهج له أركان، ومظاهر، وشروط، وضوابط معينة في الإسلام لا بد من مراعاتها عند التطبيق لعزل المواقف السياسية الإسلامية المعتدلة عن تلك المواقف المعتدية (المتطرفة) أو المواقف المتخاذلة والمستسلمة(المفرطة).

الخاتمة

أن السياسة في الإسلام بما فيها من قيادة عامة، وتنظيم، ونظريات، وأفكار، ومواقف، وسلوك، وعلاقات بين الحاكم والمحكوم تقوم على منهج الاعتدال الذي يجعل منها فعلا إصلاحيا يوحد المجتمعات على اختلاف تنوعاتها الثقافية، ويسمح لها بالارتقاء في إنسانيتها من خلال ما يرسخه فيها من مبادئ وقيم تقوم على العدل، والإنصاف، والتوازن، والاتزان، والحكمة، والرحمة، والتسامح، والرفق، والعفو، والثبات على الحق في أطار العبودية لله والعمل لمنفعة عباده.

وهذا المنهج الإصلاحي المعتدل هو ما تحتاج إليه المجتمعات الإسلامية وهي تخطو خطواتها الأولى في بداية الألفية الثالثة إذا ما أرادت أن تكون بمستوى التحديات الخطيرة التي تواجهها، فهو الذي سيعطيها ميزتها التنافسية التي تجعلها متفوقة في محيطها الدولي، فعالم اليوم لن تتقدم فيه إلا الأمم التي أعدت نفسها لتكون الأكثر حيوية وفعالية سواء على مستوى بناء الإنسان والقيادة والتنظيم والفكر أو على مستوى استغلال الثروة والدخل، بما يضمن توزيعها العادل الذي يحفظ كرامة الناس وحقوقهم.

وقد أكد على هذا المنهج الخطاب القرآني في كثير من نصوصه، والسنة النبوية الشريفة، ومارسه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقرب المقربين إليه وأكثرهم فهما واستيعابا لمقاصد الشريعة ألا وهو أمير المؤمنين على ابن أبي طالب عليه السلام، لذا فان مظاهر العنف والتطرف والتعصب الأعمى والابتذال والانحلال والسير وراء الهوى، مظاهر غريبة على الإسلام، وقد وقع في شركها الكثير من المسلمين في تجربتهم التاريخية وفي وقتنا الحاضر، فعليهم اليوم العودة إلى جوهر شريعتهم، لبناء دولهم بشكل عصري يقطع الطريق على التطرف بحديه (الإفراط أو التفريط).

لكن يحتاج ترسيخ منهج الاعتدال السياسي في الواقع الإسلامي إلى ضمانات كثيرة: سياسية، وفقهية، واقتصادية، واجتماعية تتطلب بذل جهد كبير من اجل أن تأخذ دورها في خدمة هذه الغاية، وقد تكون هذه الضمانات موضوع بحث مستقل في المستقبل لتسليط الضوء عليها.

* مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

www.fcdrs.com

khalidchyad@yahoo.com

...........................................

هوامش البحث

(1) أبن منظور، لسان العرب، ج9، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بلا تاريخ نشر، ص83.

وللمزيد انظر:

 محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1981، ص ص417-418.

 إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، ط2، استانبول – تركيا، دار الدعوة، 1989، ص588.

 الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، ط1، بيروت، مكتبة ناشرون، 2004، ص ص521-522.

(2) سميح عاطف الزين، معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن، بيروت، الدار الأفريقية – العربية، 2001، ص ص583-584.

(3) أبن منظور، مصدر سابق، ص85.

(4) أنطوان نعمة وآخرون، المنجد في اللغة العربية المعاصرة، ط1، بيروت، دار المشرق، 2000، ص ص 954-956.

(5) للمزيد أنظر:

 إبراهيم مصطفى وآخرون، مصدر سابق، ص447.

 أنطوان نعمة وآخرون، مصدر سابق، ص697.

(6) للمزيد أنظر:

 إبراهيم مصطفى وآخرون، مصدر سابق، ص345.

 أنطوان نعمة وآخرون، مصدر سابق، ص721.

(7) أبن منظور، لسان العرب، ج6، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بلا تاريخ نشر، ص ص 429 – 430. وللمزيد أنظر:

 الخليل بن أحمد الفراهيدي، مصدر سابق، ص345.

 (8) أنطوان نعمة وآخرون، مصدر سابق، ص721.

 

(9) جان ماري دانكان، علم السياسة، ترجمة محمد عرب صاصيلا، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1997، ص 24.

(10) صايل زكي الخطايبة، مدخل إلى علم السياسة، ط1، الأردن، دار وائل للنشر والتوزيع، 2010، ص37.

(11) ناجي عبد النور، منهجية البحث السياسي، الأردن، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2010، ص 26.

(12) المصدر نفسه، ص28.

(13) صايل زكي الخطايبة، مصدر سابق، ص36.

(14) سلوى السعيد فراج وريمان أحمد عبد العال، مقدمة في العلوم السياسية، القاهرة، جامعة قناة السويس، بلا تاريخ نشر، ص10.

(15) باقر شريف القرشي، النظام السياسي في الإسلام، ط4، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1987، ص 51.

(16) عبد الستار قاسم، الاعتدال السياسي العربي، مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.masress.com

(17) ناصر بن عبد الكريم العقل، مفهوم الوسطية والاعتدال، بحث منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.assakina.com

(18) للمزيد انظر:

 محمد مهدي شمس الدين، في الاجتماع السياسي الإسلامي، ط2، بيروت، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، 1999، ص ص 51-57.

(19) للمزيد انظر:

 جعفر البناوي، التعايش في المجتمع الإسلامي: دراسة في العلاقات الإنسانية للمجتمع الواحد، ط1، بيروت، دار الخليج العربي للطباعة والنشر، 1999، ص ص 13-14.

(20) محمد مهدي شمس الدين، مصدر سابق، ص93.

(21) المصدر نفسه، نفس الصفحة.

(22) سورة البقرة: 143.

(23) سورة آل عمران: 110.

(24) للمزيد انظر:

 أنطوان نعمة وآخرون، مصدر سابق، ص ص 1525 - 1526.

 إبراهيم مصطفى وآخرون، مصدر سابق، ص 1031.

 معتز الخطيب، في نقد القول بالوسطية والاعتدال، مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.altasamoh.net

(25) انظر في ذلك:

 سورة البقرة: 185، 286.

 سورة الأعلى: 8

 سورة المائدة: 6

 سورة القمر: 17

 سورة الليل: 7

 سورة الأعراف: 157

(26) انظر في ذلك:

 سورة النساء: 28.

(27) انظر في ذلك:

 سورة الفرقان:67.

 سورة الإسراء: 29 و 110.

 سورة الأعراف: 31-33.

 سورة القصص: 77.

(28) سورة النساء: 171.

 (29) انظر في ذلك:

محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق احمد حبيب قصير ألعاملي، المجلد الثالث، ط1، طهران، مكتب الإعلام الإسلامي،(1987)، ص 399.

سيد قطب، في ظلال القرآن،ط15، المجلد الثاني، بيروت، دار الشروق، 1988، ص ص 815-816.

إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير ابن كثير، المجلد الأول، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1986، ص ص 590- 591.

(30) انظر في ذلك:

محمد بن المرتضى الملقب بالفيض الكاشاني، الصافي في تفسير القرآن، المجلد الأول، طهران، المكتبة الإسلامية، بلا تاريخ نشر، ص 414.

محمد جواد مغنية، التفسير الكاشف، المجلد الثاني، ط1، بيروت، دار العلم للملايين،1968، ص ص 498-500.

(31) سورة المائدة: 77.

(32) سورة الفاتحة: 6.

(33) سورة الأنعام: 126.

(34) سورة الأنعام: 153.

(35) سورة يونس: 25.

(36) انظر في ذلك:

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد الأول، ص ص 40 – 43.

 المصدر نفسه، المجلد الرابع، ص ص 270 – 271، و ص ص 319 – 320.

(37) انظر في ذلك:

 إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، مصدر سابق، ص ص 27 – 29.

 نفس المؤلف، نفس المصدر، المجلد الثاني، ص ص 176 – 177 و ص ص 191 – 192.

 (38) محمد بن المرتضى الملقب بالفيض الكاشاني، مصدر سابق، ص 54.

(39) سورة الاحقاف: 13.

(40) سورة فصلت: 30.

(41) انظر في ذلك:

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد التاسع، ص 274.

 محمد بن المرتضى الملقب بالفيض الكاشاني، مصدر سابق، المجلد الثاني، ص 555.

(42) سورة النحل: 125.

(43) محمد جواد مغنية، مصدر سابق، المجلد الرابع، ص ص 564 – 565.

(44) انظر في ذلك:

 محمد بن المرتضى الملقب بالفيض الكاشاني، مصدر سابق، المجلد الأول، ص ص 945 – 946.

(45) سورة آل عمران: 159. وانظر أيضا سورة التوبة: 128.

(46) انظر في ذلك:

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد الثالث، ص ص 30 – 32.

 إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، مصدر سابق، المجلد الأول، ص ص 420 – 421.

 (47) سورة الشورى: 15.

(48) سورة النساء: 58.

(49) سورة النساء: 135.

(50) سورة المائدة: 8.

(51) سورة الممتحنة: 8.

(52) انظر في ذلك:

 محمد جواد مغنية، مصدر سابق، المجلد الثاني، ص ص 458- 459.

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد التاسع، ص ص 151 – 152.

 كمال مصطفى شاكر، مختصر تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، بلا مكان نشر، بلا جهة نشر، بلا سنة نشر، ص 547.

(53) انظر في ذلك:

 محمد جواد مغنية، مصدر سابق، المجلد الثاني، ص ص 355 – 356.

(54) انظر في ذلك:

 المصدر نفسه، ص 357.

 محمد بن المرتضى الملقب بالفيض الكاشاني، مصدر سابق، المجلد الثاني، ص ص 690 – 691.

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد الثالث، ص ص 460 – 461.

(55) سورة الحجر: 32-42. وأنظر أيضاً:

 سورة الإسراء: 61- 65.

(56) انظر في ذلك:

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد السادس، ص ص 333 – 338.

 إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، مصدر سابق، المجلد الثاني، ص ص 551 – 552.

(57) سورة طه: 43-44.

(58) انظر في ذلك:

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد السابع، ص 175.

 (59) سورة الشعراء: 29.

(60) سورة القصص: 38.

(61) سورة غافر: 26.

(62) سورة المؤمنون: 46-47.

(63) سورة طه: 71.

(64) سورة الشعراء: 166 – 167. وانظر أيضاً:

 سورة النمل: 56.

(65) انظر في ذلك:

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد الثامن، ص 54.

(66) سورة الشعراء: 150 – 153.

(67) انظر في ذلك:

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد الثامن، ص ص 50 – 51.

 إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، مصدر سابق، المجلد الثالث، ص ص 344 – 345.

(68) سورة الشعراء: 116.

(69) سورة الشعراء: 136 – 138.

(70) سورة العنكبوت: 24.

(71) أنظر في ذلك:

 سورة النمل: 29 - 35.

 وللإطلاع على تفسير هذه الآيات الكريمة أنظر:

 محمد بن الحسن الطوسي، مصدر سابق، المجلد الثامن، ص ص 91 – 94.

(72) سورة البقرة: 143.

(73) سورة آل عمران: 110.

(74) سورة الأحزاب: 21.

(75) نقلاً عن:

 محمد بن يعقوب الكليني، أصول الكافي، ط1، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 2005، ص491.

(76) نقلاً عن:

 المصدر نفسه: نفس الصفحة.

(77) نقلاً عن:

 صالح بن غانم السدلان، مفهوم الغلو في الكتاب والسنة، بحث منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني:

 www.assakina.com

(78) نقلاً عن:

 المصدر نفسه.

(79) نقلاً عن:

 عبد الرحمن بن زيد الزنيدي، سماحة الشريعة في التعامل مع الواقع للدول والأفراد، بحث منشور على الانترنيت على الموقع: www.assakina.com

(80) نقلاً عن: ناصر بن عبد الله الميمان، مفهوم السماحة واليسر في الكتاب والسنة وأدلتها، بحث منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني:

 www.assakina.com

(81) نقلاً عن:

 محمد الحسيني الشيرازي، فقه السلم والسلام، ط1، بيروت، مركز الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للتحقيق والنشر، 2004، ص531.

(82) المصدر نفسه، ص 613.

(83) نقلاً عن:

 سليمان بن إبراهيم العايد، مظاهر الوسطية في الإسلام، بحث منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني:

 www.assakina.com

(84) أنظر في ذلك:

 جعفر البناوي، مصدر سابق، ص ص 85-88.

 عبد الملك بن هشام ألمعافري، السيرة لنبوية، المجلد الأول، بيروت، الكتاب العالمي للنشر، 2008، ص130.

(85) المصدر نفسه، المجلد الثاني، ص5.

(86) أنظر في ذلك:

 حسن السعيد، الإسلام والرأي الآخر: تجربة الإمام علي نموذجاً، ط1، بيروت، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، 2003، ص ص92-93.

(87) نقلاً عن:

 عبد الملك بن هشام ألمعافري، المصدر السابق، المجلد الثاني، ص18.

(88) نقلاً عن: المصدر نفسه، ص ص 173- 175.

(89) انظر في ذلك:

 حسن الجمل، السلم في الرسالات السماوية، مقال منشور في كتاب السلم واللاعنف عند الإمام علي عليه السلام، ط1، دمشق، مركز الفردوس للثقافة والإعلام، 2008، ص 83.

(90) أنظر في ذلك:

 عبد الملك بن هشام ألمعافري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص208.

(91) المصدر نفسه، المجلد الثاني، ص ص 194- 195.

(92) المصدر نفسه، ص87.

(93) المصدر نفسه، ص25.

(94) المصدر نفسه، ص ص 30-31.

(95) المصدر نفسه، ص35.

(96) أنجيل برنابا، ترجمة خليل سعادة، (القاهرة)، مطبعة المنار، (1958) ص69.

 (97) أبن قتيبة الدينوري، مصدر سابق، ص126.

(98) نقلاً عن:

 حسن السعيد، مصدر سابق، ص ص 191- 192.

(99) نقلاً عن:

 زكي لطيف، الديمقراطية في ظل التشريع، ط1، دمشق، دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، 2003، ص123.

(100) نقلاً عن:

 جعفر البناوي، مصدر سابق، ص166.

(101) نقلاً عن:

 زكي لطيف، مصدر سابق، ص199.

(102) نقلاً عن:

 جعفر البناوي، مصدر سابق، ص146.

(103) نهج البلاغة، مصدر سابق، ص458.

(104) المصدر نفسه، ص 459.

(105) المصدر نفسه، ص 459- 460.

(106) المصدر نفسه، ص212.

(107) المصدر نفسه، ص ص 315- 316.

(108) المصدر نفسه، ص322.

..........................................

مصادر البحث

أولا:

- القرآن الكريم

- أنجيل برنابا، ترجمة خليل سعادة، (القاهرة)، مطبعة المنار، (1958).

ثانيا: الكتب.

- أبن منظور، لسان العرب، ج9، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بلا تاريخ نشر.

- أبن منظور، لسان العرب، ج6، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بلا تاريخ نشر.

- أبن قتيبة الدينوري، تاريخ الخلفاء أو الإمامة والسياسة، تحقيق إبراهيم شمس الدين، ط1، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 2006.

- إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، ط2، استانبول – تركيا، دار الدعوة، 1989.

- إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير ابن كثير، المجلد الأول، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1986.

- المصدر نفسه، المجلد الثاني.

- المصدر نفسه، المجلد الثالث.

- أنطوان نعمة وآخرون، المنجد في اللغة العربية المعاصرة، ط1، بيروت، دار المشرق، 2000.

- باقر شريف القرشي، النظام السياسي في الإسلام، ط4، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1987.

- حسن الجمل، السلم في الرسالات السماوية، مقال منشور في كتاب السلم واللاعنف عند الإمام علي عليه السلام، ط1، دمشق، مركز الفردوس للثقافة والإعلام، 2008.

- حسن السعيد، الإسلام والرأي الآخر: تجربة الإمام علي نموذجاً، ط1، بيروت، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، 2003.

- الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، ط1، بيروت، مكتبة ناشرون، 2004.

- جان ماري دانكان، علم السياسة، ترجمة محمد عرب صاصيلا، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1997.

- جعفر محمد بن يعقوب الكليني، أصول الكافي، ط1، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 2005.

- جعفر البناوي، التعايش في المجتمع الإسلامي: دراسة في العلاقات الإنسانية للمجتمع الواحد، ط1، بيروت، دار الخليج العربي للطباعة والنشر، 1999.

- زكي لطيف، الديمقراطية في ظل التشريع، ط1، دمشق، دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، 2003.

- كمال مصطفى شاكر، مختصر تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، بلا مكان نشر، بلا جهة نشر، بلا سنة نشر.

- سلوى السعيد فراج وريمان أحمد عبد العال، مقدمة في العلوم السياسية، القاهرة، جامعة قناة السويس، بلا تاريخ نشر.

- سميح عاطف الزين، معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن، بيروت، الدار الأفريقية – العربية، 2001.

- صايل زكي الخطايبة، مدخل إلى علم السياسة، ط1، الأردن، دار وائل للنشر والتوزيع، 2010.

- عبد الملك بن هشام ألمعافري، السيرة لنبوية، تحقيق أبو عبد الله محمد بن علي سمك، المجلد الأول، بيروت، الكتاب العالمي للنشر، 2008.

- المصدر نفسه، المجلد الثاني.

- محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1981.

- محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق احمد حبيب قصير ألعاملي، المجلد الأول، ط1، طهران، مكتب الإعلام الإسلامي،(1987).

- المصدر نفسه، المجلد الثالث.

- المصدر نفسه، المجلد الرابع.

- المصدر نفسه، المجلد السادس.

- المصدر نفسه، المجلد السابع.

- المصدر نفسه، المجلد الثامن.

- المصدر نفسه، المجلد التاسع.

- محمد بن المرتضى الملقب بالفيض الكاشاني، الصافي في تفسير القرآن، المجلد الأول، طهران، المكتبة الإسلامية، بلا تاريخ نشر.

- المصدر نفسه، المجلد الثاني.

- محمد جواد مغنية، التفسير الكاشف، المجلد الثاني، ط1، بيروت، دار العلم للملايين،1968.

- المصدر نفسه، المجلد الرابع.

- محمد الحسيني الشيرازي، فقه السلم والسلام، ط1، بيروت، مركز الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للتحقيق والنشر، 2004.

- محمد مهدي شمس الدين، في الاجتماع السياسي الإسلامي، ط2، بيروت، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، 1999.

- ناجي عبد النور، منهجية البحث السياسي، الأردن، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2010.

- نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ط1، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، بلا تاريخ نشر.

ثالثا: الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت).

- سليمان بن إبراهيم العايد، مظاهر الوسطية في الإسلام، بحث منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.assakina.com

- صالح بن غانم السدلان، مفهوم الغلو في الكتاب والسنة، بحث منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.assakina.com

- عبد الرحمن بن زيد الزنيدي، سماحة الشريعة في التعامل مع الواقع للدول والأفراد، بحث منشور على الانترنيت على الموقع: www.assakina.com

- عبد الستار قاسم، الاعتدال السياسي العربي، مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.masress.com

- ناصر بن عبد الله الميمان، مفهوم السماحة واليسر في الكتاب والسنة وأدلتها، بحث منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.assakina.com

- ناصر بن عبد الكريم العقل، مفهوم الوسطية والاعتدال، بحث منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.assakina.com

- معتز الخطيب، في نقد القول بالوسطية والاعتدال، مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني: www.altasamoh.net

 

 

Opinions