الاقالة والاستقالة
لا يكمن الفرق بين الاقالة والاستقالة بثلاثة حروف في مجال رسم الكلمات، ولا يعني ذلك ان المستقيل يحصل على حقوق التقاعد والامتيازات وحسب، بينما المقال "يخرج من المورد بلا حمص". فهناك فروق اخرى اوجدها نظام المحاصصة في العراق الجديد!يقدم الوزير استقالته في النظم السياسية التي يحترم فيها الرأي العام، بسبب قضايا لو اتخذ وزراؤنا منها الموقف ذاته، لاصبح من المتعذر مكوث وزير ما في موقعه شهرا واحدا! والانتهاك الذي يحمل وزير على الاستقالة هناك، حيث يحتسب لمواطنيه ويحترم التزاماته امامهم، هو امر لا يتم التوقف عنده هنا برهة، والاخطاء التي يقترفها الوزير في بلدان المواطنة والقانون، ويستقيل بسببها، لا يتوقف عندها برلماننا بمجرد مساءلة سريعة ليس الا!.
كثير ما سمعنا عن استقالة وزير ما في البلدان الديمقراطية، بسبب خطأ او سوء تدبير لم يكن هو المسؤول المباشر بارتكابه. لكن مسؤوليته المعنوية تحتم عليه تحمل ذلك الخطأ. لكننا في العراق اليوم لم نشهد مبادرة اي وزير لتقديم استقالته، رغم المسؤلية المباشرة في قضايا الفساد وسوء الادارة. اما استقالات وزيري الكهرباء والتجارة، فيبدو انها تمت كما اشيع، عبر صفقة "التقاعد مقابل انهاء الملف".
اخطبوط الفساد، يحتاط من المساءلة، ويستنفر كل قواه لمجابهة كل من يقدم على إجرائها، تحسبا لعدم رؤية مشهد سقوط حجرات الدومينو!، ذلك لسعة الشراكة في صفقات الفساد!. ومن هنا تاتي الاستقالة بدلا عن الاقالة تسترا على القضايا الفاضحة، التي اجبر الوزراء بسببها على تقديم استقالتهم، وبمسرحية سقيمة تجلب الغثيان لتكرارها، حيث يعلن عن تشكيل لجنة تحقيقية، يتزامن معها صفقة مساومة لحفظ ماء الوجه. وهكذا يتم طي القضية في دهاليز لجنة تحقيق لا نعلم عنها سوى تاريخ تشكيلها.
هناك من يعيد انتاج اداء النظام الدكتاتوري السابق بالاستخفاف بالمواطن وذاكرته، ذلك النظام الذي بز غوبلز صاحب المقولة المشهورة " اكذب اكذب حتى يصدقوك" بمقولته " لو اقدم على تهديم الكعبة فالناس تنسى ذلك في غضون شهر واحد".
اما مجلس النواب الذي يفترض به ان يكون هو سلطة الرقابة الاساسية في البلد ويتحمل مسؤوليات وطنية وادبية في شأن مراقبة اداء السلطة التنفيذية، لم يؤد هذا الدور للاسف الشديد كون فكرة "حكومة الشراكة" التي تعني فيما تعنية "حكومة المحاصصة" هي التي تتحكم في جدول اعمالة واهتماماته. يبدو ان مؤسسة الفساد هي من القوة المادية والمعنوية بحيث لا تقوى اي مؤسسة سيادية ان تتجاوزها.
ان الرهان على نسيان المواطنين لفضائح الفساد وعدم تنفيذ الوعود وسوء الادارة، هو رهان خاسر. فالمواطن وهو مشغول بهمومه المعيشية والحياتية، وينظر الى صراع المتنفذين بشأن السلطة والمال والنفوذ، هو يعيش لحظات ربيع العرب ويتفاعل معها، حيث اعطى دروسا منها، ان الناس حينما تمهل حكامها وقتا طويلا لا يعني ذلك انه هو اهمال منها لحقوقها، وان سكتت دهرا فانها تنفجر سخطا عارما يطيح بالعروش، هذه العروش التي ظلمت شعبوها وسامتها العذاب.
الشعب العراقي وهو يخطو ببطء في تبني الديمقراطية مع كل نواقصها امامه فرص كثيرة للتعبير عن غضبه وسخطه، من بينها الانخراط في حركة الاحتجاج والمساهمة بقول كلمة "لا" امام كل عمل مشين، وهذا حق ممكن القيام به، هو الواجب بحد ذاته.