الانتخابات العراقية لتطبيق الديمقراطية ؟ أم لشرعنة الخطأ ؟
إن الغرض الأساسي الذي من اجله تقوم الدول المتحضرة والمتقدمة بإجراء الانتخابات هو لتطبيق الديمقراطية على ارض الواقع مجتهدين للوصول إلى العدل والمساواة , ولإعطاء الحرية والحقوق الكاملة لأبناء شعوبهم ليصلوا بهم إلى الرقي والأمان المطلوبين انطلاقا من العمل الحثيث لحماية حقوق الأفراد ليخدموا بالنهاية أمتهم وأوطانهم معتمدين على أساس أن لكل فرد حرية الاختيار ولكل فرد الدور الفعال في تقدم مسيرة بلده مؤكدين بان له الحق بإبداء رأيه والتمتع بالحرية التي تكفلها له حقوق الإنسان من دون الخروج عن الأطر الأخلاقية والضمير والعرفوالتقاليد الاجتماعي لذلك فان اختيار القادة والإداريين من قبل الشعب لهو فرصة حقيقة للشعب كي يحدد مصيره وهي فرصة تعطي الشعب الإحساس بأنه هو من يقود نفسه فيختارون من يعلمون بأنه سيحمي حقوقهم ومصالحهم القومية او الدينية او الوطنية ويكون اختيارهم هذا مبني على معرفة ودراية وفهم مسبق بالانتخابات والحقوق والديمقراطية كما ويكون لهم معلومات وافية وكافية بماضي الشخص او المؤسسة او الحزب المرشح ليختاروه معتمدين على مدى خدمته لبلده او قوميته او دينه ومدى بياض صفحات حياته وضميره .
إن كل ما ذكر أعلاه هو التصرف الصحيح الذي تطبقه ما نسميهم بأهل الغرب أو الدول المتقدمة (عقليا ) والسؤال هنا هل أن انتخاباتنا وجدت لنفس الغرض الذي وجدت من اجله في الغرب ؟ وهل تحقق نفس الغايات والأهداف التي تحققها في الدول المتحررة ؟ هذا ما يجب أن يجيبه كل واحد منا لنفسه أولا قبل أن يعطيه لغيره فتجربتنا في الانتخابات هي قصيرة جدا لكن رغم قصرها فهي تعتبر تجربة مخيبة للآمال لكوننا أصبحنا ضحية لظروف وضغوط حاكتها لنا طبيعة حياتنا الشرقية وارتباطنا بأعراف وتقاليد وجدت لخدمتنا فأصبحنا اليوم خداما لها والتي كان من المفروض أن تكون دعما
لنا لتحافظ على طبيعتنا وتراثنا وتاريخنا وديننا لكنها تستغل اليوم كنقطة ضعف فينا من قبل الكثير من الأطراف سياسية كانت ام دينية ليسيرونا وفق ما تشتهي مصالحهم فاخذوا يرفعونها كشعارات براقة ولامعة تسير نحوها عقولنا البسيطة مخدرة بالدين ومنومة بالتقاليد فاخذ كل طرف يرمي للفوز بالانتخابات برفع شعارات دينية وإيمانية ليظهر بأنه الرجل البار الذي أرسله الله لحماية الناموس والشريعة وكتبه السماوية او يتشدق بعضهم بالقومية وحقوقها وهو بالحقيقة لا يعتبرها إلا سلما للحصول على مقعده المطلوب وهناك من يدعي بإحياء التراث القومي للبعض
وتثبيته في الدستور وهو ليس إلا أجيرا وضيعا لهذا الطرف او ذاك او للذي يدفع أكثر أوجده الغريب لإضعاف صفوف قوميته وتفتيتها وتشتيتها كي تتبعثر أصواتهم وتتلاشى , وهناك من يرفع شعارات وطنية تثير فينا الحماسة وتغلي دمنا في عروقنا فيدفعنا حسنا الوطني إلى التوقيع لهم لمجرد كلمة قالوها في حب الوطن فنصبح نحن الشعوب وسيلة لتحقيق غايات المرشحين كما ونصبح بعدها خداما لمن انتخبناه ليكون خادما لمصالحنا وحقوقنا
لقد شهدنا نحن كعراقيين وكمسيحيين كلدان سريان آشوريين انتخابات عام 2004 عندما انتخبنا مجلس الحكم الانتقالي في وقت بول بريمر وبعدها صوتنا على الدستور الدائم والذي اعتبر الركيزة الأساسية للعراق الديمقراطي الجديد رغم عيوبه وميلان كفة ميزانه ومن ثم خضنا انتخابات أخرى من اجل اختيار ممثلينا في مجلس النواب العراقي وذلك في العام 2005 ومن خلال المراحل الثلاث هذه أيقن الشعب العراقي بأنه بعيد كل البعد عن الديمقراطية وبان الانتخابات العراقية هي خير يراد منها شر وقد تأكد الشعب بأنه ليس إلا مجرد وسيلة يستغلها النافذين من رجال الدين او بعض
من الأحزاب الكبيرة والقوية لتحقيق غايات معينة تخدم شخصهم بالدرجة الأولى ومن ثم أحزابهم ومنهجهم السياسي بالدرجة الثانية وبعدها يفكروا بالشعب والوطن (إن كان هناك درجة متبقية في مقياسهم ) فما شهدناه هو ان حكومتنا أصبحت مقسمة وفق نظام طائفي ديني وقومي فسيطرت الأحزاب الدينية المدعومة من قبل بعض الدول المجاورة كما سيطرت بعض الأحزاب القومية المدعومة من قبل أمريكا ليكون العراق الجديد عراق (هذا على حساب ذاك ) وخيراته أصبحت مقسمة على ( كلمن وايدو ) أما أرضه فقد أصبحت كقطعة كارتون تقطع من هنا لتوصل من هناك فتناحر الشعب لان هذا ليس من
مذهب ذاك ورجال دين هؤلاء ليسوا مثل رجال دين ألائك وما حدث بين السنة والشيعة من ناحية وبين الإسلام المتشددين والديانات الأخرى كالمسيحية واليزيدية من ناحية أخرى خير دليل على ان الطائفية والتعصب الديني هما من يسيران العراق الحديث كما وتقاتل أبناء الأرض الواحدة على أرضهم وهمش الأصلاء فيها وأغروهم بالقشور لكسر اسمهم كما هو حال الآشوريين فمن كان يملك القليل أصبح يحلم بالكثير فلطالما هناك من يحميهم ويدعمهم فلما لا يأخذ قدر ما ترى عينه وتصل يده وهذا ما يعمل به الأكراد لتوسيع إقليمهم غير آبهين بأحقية باقي القوميات بأرض العراق
الجديد , أما مؤسسات الدولة ووزاراتها فهي الوليمة التي يتقاتلوا عليها غير آبهين بمن سيديرها او مدى كفاءتهم بإدارتها فالمهم والاهم هو الحصول عليها . كل هذه الأمور تحدث على ارض ما بين النهرين وغيرها من السيئ الكثير والكثير وفي حال لو تجرا احدهم ووقف في وجه الخطأ الحاصل بحق العراق وأرضه وشعبه فانه سيجابه بالقانون الذي شرعوه بسذاجة الشعب ليخدم مصالح بعض الأطراف على حساب أطراف أخرى فإذا ما تحدث احدهم عن أخطاء شخصية سياسية او حزب او تكتل سياسي معين فسيقولون بان الشعب هو الذي اختاره وفق نظام الانتخابات وإذا ما انتقد احدهم الدستور
والكثير من فقراته التي فيها هضم لحقوق أطراف معينة لحساب أطراف أخرى فسيقولون انتم من صوت عليه ونحن نسير وفق ما خولتمونا انتم به لكنهم لا يتذكرون وقتها كم من الأكاذيب باعوا لنا وكم وعدا وعدوا ولم ينفذوا منها شيئا لم لا يتحدثون عن استغلالهم لبساطة الشعب ليصلوا إلى مبتغاهم لم لا يتذكروا كيف عزفوا على الوتر الديني مستغلين إيمان الشعب بربه وبمذهبه ليحصلوا على مقاعدهم لكن في حالهم تلك ينسون السلم الذي أوصلهم للأعالي ويبحثون عن الذي سيرفعهم أكثر.
نعم هذا هو حال بلدنا وهذا هو حال شعبنا فالشعب يفتقر إلى الوعي والدراية بالانتخابات وبالديمقراطية وبشخصية المرشحين, والسياسيين يستغلون هذا الجهل ليشَرعوا بتواقيع الشعب قوانينهم الخاصة فبشعاراتهم وأجنداتهم الوهمية المطروحة يحصلون على مناصبهم المرموقة كي يسًيروا العراق لمنفعتهم الشخصية لهذه الأسباب على الشعب ان يعي جيدا ما هو المطلوب منه فالمطلوب هو الرقي بالوطن والأمة وليس رفع أشخاص وأحزاب وشخصيات دينية. المطلوب منه هو ان يعد حتى الألف قبل أن يوقع في الانتخابات فنحن وحدنا كشعب سيتحمل مساوئ من سنرفعه في الانتخابات ونحن
وحدنا من سيدفع ثمن أخطائهم بعد الانتخابات لان من سنختاره اليوم قد يخدمنا بالغد وبكل بساطة او قد يضرنا بالغد وبكل بساطة أيضا لكن حينها لن ينفعنا اللوم ولا الشكوى لأنهم سيقولون لنا انتم من انتخبنا وانتم من واختارنا .
جوني خوشابا الريكاني
22/1/2009
تلكيف