Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الانتخابات القادمة وحلم الشعب بعراق ديمقراطي متحرر و آمن

23/10/2009
الانتخابات المقرر أجراءها في 16 كانون الثاني القادم هي بلا أدنى شك تتسم بأهمية كبرى بالنسبة لمصير ومستقبل الشعب العراقي الذي ضاق ذرعاً من الأوضاع التي خلفتها الحرب التي قادتها الولايات المتحدة لإسقاط نظام الدكتاتور صدام حسين.
فالشعب العراقي الذي قاسى أهوال ثلاث عقود ونصف من حكم الطاغية صدام وحزبه الفاشي، وما مارسه ذلك النظام من قمع وحشي للحريات العامة وتصفية كافة الحقوق والحريات الديمقراطية، وزج العراق في حروب كارثية جاوزت ربع قرن من الزمان، والتي دفع الشعب خلالها ثمناً باهظاً جداً من دماء مئات الألوف من ابنائه، وتدمير بنية العراق التحتية، واستنفاذ كافة مدخراته، وإغراقه بمئات المليارات من الديون، وكأنما لم يكفِ الشعب العراقي كل تلك المعانات والآلام، فجاء الحصار الأمريكي الإجرامي الذي دام 13 عشر عاماً، ليكمل المأساة، حيث أوصل أغلبية الشعب العراقي إلى حافة الجوع.
كان حلم الشعب العراقي إن يشهد نهاية هذا النظام الذي أذاقه مر الحياة كي يستعيد حرياته المسلوبة، وحقه في الحياة الحرة الكريمة في ظل عراق ديمقراطي مستقل آمن.
لكن ذلك الحلم الذي راوده لسنين طويلة، والوعد الذي قطعه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأبن قبل الحرب بتحرير العراق، وتحقيق الديمقراطية وتأمين الحياة الكريمة التي تليق بالشعب العراقي، الذي يعاني شظف العيش في بلد من أغنى بلدان العالم، قد تلاشت منذ اليوم الأول لسقوط نظام صدام، حيث تحول التحرير إلى احتلال، وجرى استباحة العراق بكل ممتلكاته وآثاره التي لا تقدر بثمن، وحيث تركت قوات الاحتلال المجال واسعاً لعصابات الجريمة لتعيث في العراق خراباً ودماراً ونهباً وسلباً، ولا أخال أن أحداً اعتقد آنذاك أن الذي جرى كان خارج إرادة المحتلين، وبكل تأكيد كان كل ما جرى مخطط له سلفاً، ولو شاءت القوات الأمريكية لأعلنت منع التجول في البلاد وأمنت كافة مرافق الدولة ومؤسساتها بحماية قواتها العسكرية، لكنها تركت تلك المؤسسات، ومخازن الدولة والوزارات دون حماية لكي تعبث بها عصابات الجريمة، وينهبوا محتوياتها دون أي رد فعل أمريكي.
ولم ينته الحال عند هذا الحد بل أقام المحتلون حكماً طائفيا وعرقيا جلب للشعب العراق من الويلات والمصائب ما يعجز القلم عن وصفها، عندما أوصلوا البلاد إلى الحرب الطائفيه التي أزهقت أرواح مئات الألوف من المواطنين الأبرياء، وشردت أكثر من 4 ملايين عراقي في مختلف بقاع العالم وأكثر من مليونين من المهجرين داخل البلاد.
وفي ظل تلك الظروف الصعبة والخطيرة جرت الانتخابات البرلمانية التي لم يكن الشعب العراقي مهيأ لها لتسلم مقدرات البلاد لأحزاب الإسلام السياسي الطائفي بشقيه الشيعي والسني، والتي تحالفت مع الأحزاب القومية الكردية، وجاءت الحكومة التي جرى تشكيلها على اساس المحاصصة بين تلك الأحزاب دون إعارة أية أهمية للكفاءة والأمانة والقدرة على إدارة شؤون وزاراتهم، مما أدى إلى إضاعة العراق تلك السنوات التي تلت الحرب، وخسارة عشرات بل مئات المليارات من دخل العراق دون أن يتلمس الشعب العراق أي تحسن في أحواله المعيشية بسبب الفساد المستشري في جهاز السلطة من القمة حتى القاعدة، وكذلك البرلمان الذي ضم في صفوفه كل عجيب وغريب!!.
وفي ظل هذه الظروف البالغة التعقيد يستعد الشعب العراقي اليوم لخوض الانتخابات الجديدة في السادس عشر من كانون الثاني 2010، أي بعد شهرين ونصف من الآن، وتتسم هذه الانتخابات بأهمية كبرى حيث يشهد الشارع السياسي العراقي استقطاب لقوى سياسية في قوائم انتخابية على أساس طائفي أو قومي يتنافى والمصلحة الوطنية التي تتطلب توحيد القوى الوطنية على أساس برنامج وطني ديمقراطي يضمن الحقوق والحريات الديمقراطية لسائر مكونات الشعب القومية والدينية .
إن القوى السياسية الديمقراطية والعلمانية واليسارية مدعوة في هذه المرحلة الخطيرة من حياة شعبنا أن تعي خطورة المرحلة، وتوحد صفوفها في جبهة عريضة، وتضع مصلحة الشعب في المقدمة من مصالحها الحزبية، وتتقدم بمشروع برنامج متفق عليه من قبل سائر الأطراف يركز على تحقيق أهداف شعبنا في عراق ديمقراطي متحرر يسوده الأمن والسلام، ويستعيد حريته واستقلاله، وتحقيق الجلاء الكامل لقوات الاحتلال، والشروع في إعادة بناء البنية التحتية المهدمة، من أجل تحقيق حياة كريمة تليق بالمواطن العراقي بعد تلك السنوات العجاف من حكم طاغية العصر صدام حسين وحزبه الفاشي الدموي، ومن العملية السياسية التي أقامها المحتلون على أساس المحاصصة الطائفية، والتي لم تجلب للشعب العراقي سوى الخراب والدمار.
إن قوى اليسار والديمقراطية والعلمانية لن تستطع أن تحقق ما تصبو إليه، وتلعب دوراً فاعلاً في تقرير مصائر الشعب والوطن إذا ما بقيت على انقسامها وتشرذمها، وإن عليها أن تتعلم الدرس من الانتخابات السابقة!
لقد كنا قد دعونا آنذاك إلى قيام جبهة عريضة تضم سائر القوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية واللبرالية لخوض تلك الانتخابات على أساس برنامج سياسي علماني يهدف إلى قيام نظام حكم ديمقراطي متحرر يضمن الحقوق والحريات العامة للشعب بكل قومياته وأديانه وطوائفه.
لكن المؤسف أن تلك القوى لم تكن في مستوى الأحداث، وأخذ بعضها الغرور، وظنت أنها قادرة على تحقيق نتائج باهرة في الانتخابات، وفضلت دخول الانتخابات بصورة منفردة في الوقت الذي تكتلت فيه معظم أحزاب الإسلام السياسي في قائمة واحدة، واستطاعت استغلال اسم المرجعية، واستخدمت الدين والطائفة في دعايتها الانتخابية، واستغلت بشكل واسع الوضع الاجتماعي السائد، والمتسم بالجهل والتخلف، والذي كان نتاج نظام الفاشية وطغيان نظام صدام، فجاءت نتائج الانتخابات مخيبة لآمال تلك القوى التي كنا نتوسم بها تحقيق أماني شعبنا في الديمقراطية، وتحقيق الحياة الحرة الكريمة للشعب، واكتسحت الأحزاب الإسلامية أكثر من نصف مقاعد الجمعية الوطنية، في حين لم تحصل القوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية ما كانت تحلم به ولم نتل سوى الفتات إن صح القول. . وفي الوقت الذي باتت الانتخابات البرلمانية على الأبواب، بعد أقل من ثلاثة أشهر، فإننا لم نشهد لغاية هذا اليوم أية نتائج حاسمة من جانب القوى العلمانية واليسارية والليبرالية لمعالجة الخلل الذي أوصلها إلى تلك النتائج المحزنة في الانتخابات السابقة، والعمل على لملمة الصفوف، وتجميع كل القوى التي تناضل حقاً وصدقاً من أجل بناء عراق ديمقراطي متحرر في جبهة عريضة استعداداً لخوض الانتخابات القادمة، لكي تشكل في البرلمان الجديد قوة مؤثرة في تحديد مستقبل العراق .
إن على هذه القوى أن تدرك مسؤوليتها تجاه مصير الشعب والوطن ، فلم يعد هناك متسع من الوقت للانتظار، وأن استمرار الوضع على ما هو عليه الآن لا يعني إلا تهميش القوى الديمقراطية، وإخراجها من الساحة التي ستخلو مرة أخرى لأحزاب الإسلام السياسي، لتمضي في تنفيذ أجندتها المرسومة سلفاً لإقامة دولة تتحكم فيها دكتاتورية دينية وطائفية لفترة زمنية قد تدوم عقوداً عديدة، مما يهدد في فقدان الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، ونشوب الصراعات العرقية والدينية والطائفية وحتى الحرب الأهلية. . إن على القوى العلمانية أن تستثمر كل إمكانياتها في توجهها نحو أبناء شعبنا لإقناعه بأهمية التصويت للقوى الديمقراطية، وبشكل خاص التوجه نحو المرأة العراقية التي ستكون المستفيد الأكبر في قيام عراق ديمقراطي متحرر يحقق لها كل طموحاتها في الحرية والعدالة والمساواة .
كما أن على هذه القوى أن تتقدم بمرشحين مشهود لهم بالوطنية الصادقة، والتاريخ النضالي المشهود، والكفاءة التي تؤهلهم للقيام بهذه المهمة الخطيرة التي تتعلق بمستقبل البلاد، ومصير الشعب، لا كما جرى ذلك في الانتخابات السابقة حيث كانت الأسماء المرشحة في معظمها غير معروفة لدى أبناء شعبنا، وهذه مسألة مهمة جداً وحساسة لا يمكن تجاوزها في موضوع الدعاية الانتخابية وكسب الجماهير.
إن شعبنا ينتظر أن يشهد ميلاد الجبهة الديمقراطية العريضة التي يمكن أن تتقدم إليه ببرنامج عمل مستقبلي قادر على معالجة الوضع الأمني المتدهور فيه، وإعادة الأمن والسلام في ربوع البلاد، ووضع خطة علمية مدروسة بدقة لمعالجة مشكلة البطالة، وتوفير الخدمات العامة للمواطنين، وفي المقدمة منها الماء الصالح للشرب والكهرباء والصرف الصحي والخدمات الصحية، وتهيئة الظروف اللازمة للاستثمار في مختلف المشاريع الصناعية والزراعية، وبشكل خاص في المشاريع النفطية من أجل تأمين الموارد المالية اللازمة لإعادة بناء البنية التحية للاقتصاد العراقي المهدم، والنهوض به في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية، وتأمين الحياة الحرة المرفهة لشعبنا بعد طول عناء.
إن أي طريق آخر غير هذا الطريق لن يقودنا إلا إلى المزيد من الصراع وحتى الاحتراب بين سائر القوى الوطنية، مما يضعف بكل تأكيد قدرة هذه القوى على الصمود والتصدي ودحر قوى الردة الفاشية التي تحلم بعودة عقارب الساعة إلى الوراء، وعودة نظام المقابر الجماعية والسجون، وقمع الحريات كما كانت الحال خلال العقود الأربعة الأخيرة من حكم الطغيان البعثي الفاشي .
أن حلم الشعب العراقي يتمثل بقيام حكم ديمقراطي علماني يحترم الأديان كافة وحق ممارسة الإنسان العراقي لشعائره الدينية بكل حرية شرط عدم التجاوز على حقوق وحريات الطوائف الدينية الأخرى، والحرص على ضمان حقوق القوميات من مكونات شعبنا، وبكل تأكيد تبقى الديمقراطية هي الحارس الأمين والضمانة الأكيدة لحقوق وحريات الشعب التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتوطيد عرى الأخوة والتضامن بين مكونات شعبنا في سعيها لبناء عراق جديد، عراق الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، العراق الذي ناضل شعبنا من أجله عقوداً عديدة، وقدم من أجله التضحيات الجسام . .
وأخيراً أتوجه بندائي لكل القوى السياسية الوطنية داعياً إياها لتوحيد الصفوف بأسرع وقت ممكن، ووضع مصلحة الشعب فوق كل المصالح، والاتفاق على قواسم مشتركة تلبي طموحات شعبنا من جهة، وتعزز قدراتها في مواجهة قوى الإرهاب والفاشية والظلامية، وقدراتها على فرض إرادة الشعب على المحتلين في استعادة السيادة والاستقلال الناجزين، وتحقق حلم شعبنا الجميل بالعراق المتحرر الديمقراطي السعيد. Opinions