البرلمانيون بين تراكم وتزاحم الأسبقيات ومعضلة النصاب!
البرلمان الوطني العراقي وهو يدخل فصله الجديد بعد عطلته الصيفية وفي مرحلة حرجة تمر بها التجربة العراقية الجديدة. ومنعطف محفوف بالمخاطر وتداعيات لم تتعرض لها شعوب العالم على مر العصور، سيتحمل أعضاؤه وزر كل ما وقع على أرض العراق المعطاء، وتبعات ما تعرضت له الجماهير الوفية التي جازفت بحياتها لايصالهم تحت قبة البرلمان والتي لم تشهد أو تلمس أقل القليل ما كانت تحلم به وتنتظر تحقيقه تعويضا عن نكد وحرمان سني القهر. نعم لم يلمس المواطن العراقي الصابر قرارات ناجحة تعالج جراحه النازفة وتضع حدا لمعاناته الأزلية، لم يشهد ولو تغيرا بسيطا على مستوى الخدمات أو تحسين وضعه المعيشي ناهيك عن أوضاعه الأمنية التي ازدادت سوءا يوما بعد يوم حتى اذا انقضى الفصل الاول في سفرات استجمام سياحية ورحلات سندبادية. عذرنا نوابنا المخلصين واختلقنا لهم المعاذير- وإن كانت ضعيفة- بأن تلك السفرات تندرج ضمن متطلبات العمل البرلماني الذي يستوجب تنشيط وتفعيل العلاقات الخارجية وفق مقتضيات المصلحة الوطنية العليا وكون العراق يخرج من مرحلة سقوط دكتاتورية مقيتة، ويدخل في معالجة تداعيات تركتها الثقيلة. وقلنا الخير فيما اختاروه. ولا بد ان الفصل التشريعي الثاني سيكون الفصل الحاسم الذي سيقضي على جميع الأزمات ويحل كل الاشكالات خاصة وان نوابنا قد اكتسبوا خبرات جمة، وتسلحوا بمعارف كثيرة من تجارب الشعوب التي زاروها، والبرلمانات التي احتكوا بها. حتى اذا بدأ الفصل الثاني وباشر نوابنا الحريصون جلساتهم الساخنة التي كانت أنظار المواطن تترقبها بصبر نافد واعصاب مشدودة وآمال مؤطرة بعسى ولعل جاءت هي الاخرى بنتائج محبطة لينكفئ المواطن البسيط عائدا لممارسة دوره الأزلي- "ضحية كل الظروف"- نادما متحسرا. لم يكن الفصل الثاني التشريعي للمجلس الوطني العراقي بأفضل من سابقه سواء من حيث النتائج الشافية لقرارات هامة، والتنفيذ الفوري لالتزامات مقطوعة، أو من حيث تماسك الكتل التي شكلت البرلمان أو حتى الحضور واكتمال النصاب!.لقد تبرم المواطن البسيط- فضلا عن السياسي المتتبع- واستاء مستهجنا الاداء المتواضع لأعضاء البرلمان، والتساهل المفرط في التغيب الطويل المتكرر لبعض الاعضاء، والبرود الواضح في معالجة القضايا الساخنة، والتهاون المستمر في مسألة تنفيذ المقررات المتخذة والتباطؤ المستغرب في التصدي للأزمات وردع التجاوزات وحسم النزاعات. على ان ما سجله المواطن العراقي من مؤاخذات على برلمانه الوطني لا يندرج في خانة الانتقاص من هذا البرلمان المنتخب من قبل شرائح العراق المختلفة، ولا يأتي من حالة تتبع عثرات واقتناص هفوات وتعداد مثالب بل يأتي من حرص كل الجماهير العراقية وقلقها على مستقبل برلمانها الذي ولد من مخاض عسير ونشأ على أسس ديمقراطية وانتخب بممارسة شعبية حرة لم تشهدها برلمانات أكثر الدول حرية وديمقراطية فضلا عن برلمانات المنطقة. اذ حصل على دعم شعبي منقطع النظير وحاز أعضاؤه على امتيازات لم تتوفر لنظرائهم في العالم على الإطلاق.
ان الذي يدفعنا- ومعنا كل المخلصين والتواقين لعراق آمن مستقر- للقلق والعتب في آن واحد هو ما نراه في جلسات البرلمان المتعاقبة- والتي صارت تشبه بعضها- من سعة الجفوة بين ممثلي الكتل المكونة للبرلمان، وعمق الفجوة بين الأخوة والتي أقرب ماتكون من العداوة والتربص والجدل العقيم الذي ما ان تخبو ناره الا لتتقد مستعرة بلهيب أشد. ناهيك عن الغياب المتكرر غير المبرر، واتخاذ منابر الفضائيات بدل قبة البرلمان مقرا للعمل ومكتبا للتداول في أمور غاية في الحساسية.
ان النواب العراقيين مدعوون- بعدما أفرزته الفصول السابقة من تداعيات- الى اتخاذ القرارات التي تجعلهم بمستوى المسؤولية التي وضعهم شعبهم فيها والقيادة والثقة التي حملهم امانتها، باذلين قصارى جهودهم في احباط ما تبقى من مخططات خائبة تحاول النيل من التجربة العراقية الجديدة. واضعين تجربة الفصلين السابقين نصب أعينهم متجاوزين هفوات وأخطاء ما حصل جاعلين مصلحة العراق وشعبه الجريح فوق كل اعتبار. وهذا لا يتحقق الا باخلاص النوايا وتوحيد الصفوف وقوة القرارات والحرص والالتزام بما عاهدوا شعبهم عليه واقسموا الايمان المغلضة، وقطعوا المواثيق المبرمة.
ومع اطلالتهم الجديدة والتي نتمنى ان تكون محملة بالعبر وطافحة بالنشاط نربأ بممثلي الشعب وكتلهم وقادتها ان يدركوا بحرص ومسؤولية بأن هذه المرحلة أخطر بكثير من المراحل السابقة وأشد حساسية ما يوجب على البرلمان الوطني الارتقاء الى مستوى المرحلة وما تتطلبه من استحقاقات وفي كافة المجالات اداء فاعلا بناءا يثمر قرارات وقوانين وتشريعات تتناسب مع اولويات الشعب العراقي الصابر. وكذلك تفعيل المجمد والمعطل والمركون من القوانين التي صدرت في الفصلين السابقين. واذا كان للفترة السابقة بفصليها التشريعيين- وما رافقهما من عثرات وسلبيات واخطاء كبيرة- معاذير وغض نظر، فإن الفصل الجديد من الخطورة ما لا يحتمل اخطاءً ولا يتقبل تراخيا أو تهاونا او تأجيلا، بعدما عرف الجميع ادوارهم وصارت مطالب الجماهير واستحقاقاتهم على المحك. وعليه فلا بد من اتخاذ الإجراءات الحازمة من قبل الهيئة الرئاسية الموقرة للبرلمان العراقي الوطني بحق المقصرين والمصرين على الاستمرار في التغيب ومقاطعة الجلسات طالما تنصلوا من مسؤولياتهم وتنكروا للجماهير التي أوصلتهم الى قبة البرلمان. كذلك لا بد من التشديد على تنفيذ القرارات والقوانين التي صدرت بالتعاون مع الهيئات التنفيذية والقضائية. وفي حالة حصول أي تلكؤ أو تباطؤ مقصود يناقش الأمر علنا لإطلاع الجماهير وكشف كل الاوراق علنا.
ان الجماهير التي احتضنت قادتها الوطنيين وساندتهم واستمرت بوفائها المعهود برغم ما دفعته من تضحيات جسام ما زالت عند وفائها وصبرها وترقبها. فليكن المسؤولون عند حسن ظن جماهيرهم. فمرور أكثر من أربع سنوات على التجربة الديمقراطية زمن طويل وفرص مضاعة في حسابات الشعوب المتحضرة كان المفروض ان يتحقق فيها أروع الانجازات واعظم المشاريع في بلد تغطي ميزانيته نفقات أكثر من سبع دول متوسطة الدخل القومي. وفي وقت تعاني فيه الجماهير الصابرة من أبسط مقومات الحياة الحرة الكريمة من قبيل تدني مستويات الخدمات والفقر والعوز والفاقة والحرمان نتيجة تراكمات استبداد السلطات المتعاقبة وتنكرها لشعبها واهدار حقوقه الطبيعية.