التحفًظ على مشروع أغاجان لايعني التصفيق لنوايا حنين القدًو
تبقى العواصف الترابية احدى الميزات الشائعة لطقس الصيف الجاف في العراق , وينسحب هذا ايضا على الواقع السياسي العراقي حيث الضبابية , وخلط الاوراق , وبالتالي تداخل الخنادق , قد بات عناوينا لهذا الواقع , مما يستوجب من اصحاب المواقف والأراء , سياسيون كانوا أم كتابا ومهتمين بهذا الشأن , عملا وجهدا مواضبا ليس في اعلان مواقفهم وأرائهم في نظرة عامة فقط , بل في التأشير بالتفصيل الى تلك الاراء والمواقف , فلايكفي هنا ان ترفع سارية عالية تعارض او تتحفظ فيها على برنامج ما , بل ينبغي على رافع السارية ان يحدد ارتفاعها وتفاصيل الوانها ويحرص دوما على تمييزها , ارتفاعا والوانا , عن السواري الاخرى . وهكذا يضمن في هذه الحالة ضرب عصفورين بائسين بحجرة واحدة , الاول هو حرمان بعض الاطراف المعارضة لذلك المشروع لاهدافها واجندتها الخاصة من الاستفادة من هذا الجهد في تحقيق تلك الاجندة والاهداف , واما العصفور الاخر فهو تفويت الفرصة على من يستسيغ ويستسهل تخوين الاخر المختلف معه في الرأي , ويرى في رميه في خنادق اصحاب تلك الاجندة المشبوهة فرصة ذهبية للنيل منه وتسقيطه شعبيا .مما لاشكً فيه ان هنالك في داخل شعبنا من يعارض او يتحفظ او ينظر بقلق الى المشروع الذي التصق بالسيد سركيس أغاجان كونه الاب الروحي له , وهو مشروع الحكم الذاتي . نرجو ان يكون واضحا ان المقصود بالمعارضة والتحفظ والقلق لايعني الحكم الذاتي , كمطلب ينبغي تثبيته في الدستور الفدرالي ودستور الاقليم , بل المقصود بذلك اليات التثبيت ومايكتنفها ضمنا من عوامل شرطية. من جهة اخرى فان هنالك جهات اخرى خارج شعبنا يمثل بعضها المكونات السكانية الاخرى لسهل نينوى , او محافظة نينوى بشكل عام , تعارض المشروع , ليس حُبا بشعبنا , بل تماشيا مع مصالحها وتنفيذا لاجندة موكلة اليها . وهكذا فعلى كلا الطرفين في شعبنا , المتحمسون للمشروع ومعارضوه , مسؤولية جسيمة في اعادة تعيير مواقفهم استجابة للظروف , ليس بمعنى التنازل عن المبادئ , ولكن بما يكفل ان لايدفع المؤيدون للمشروع المعارضون له الى تلك الزاوية الضيقة التي يحلو للبعض ان يدفع خصومه اليها ليصنٍفهم ويضعهم ضمن قائمته كخونة لقضية شعبهم , او على احسن تصنيف كحجر عثرة امام طريقه . كذلك يجب على المعارضين او المتحفٍظين على المشروع ان يكونوا واعين لذلك الخيط الناعم الفاصل مابين الموقف من اجل مصلحة شعبنا وبين الانزلاق , بسبب التزمت او الخلاف الشخصي , الى معارضة تكون اكثر سلبية في نتائجها من تأييد المشروع , كونها تذهب الى خدمة اجندة واهداف اخرى لاتقل خطورة , بل اكثر كارثية , من اجندة واهداف الاطراف التي تقف خلف مشروع الحكم الذاتي. فعلى اساس أخر الدواء الكي , يكون افضل لبرطلة مثلا ان تكون سريانية تحت نظام علماني منفتح , من ان تكون شبكية تحت نظرة تحكمها قوانين اهل الذمة , ونؤكد هنا مرة اخرى ان هذا يصح فقط عندما تُغلق الابواب حقا امام كل الخيارات الاخرى , ويُصبح كما قلنا اخر الدواء الكي , وليس شماعة لصفقة مُعدًة سلفا .
يتكلم اهلنا , في سهل نينوى , وفي قضاء الحمدانية على وجه الخصوص , عن مخاوف جدية من محاولة بعض ممثلي الاطراف الاخرى الذي يشاركون شعبنا العيش في المنطقة , وتحديدا الاخوة الشبك عبر ممثلهم في البرلمان العراقي ومرشح الائتلاف الموحد الدكتور( حنين القدو) , الى تغيير الخصائص السكانية للمنطقة وتغيير الخارطة الديموغرافية لها عبر شراء الاراضي والبيوت ومحاولة السيطرة على المفاتيح الاقتصادية والادارية للمنطقة وفرض واقع جديد . اننا نؤكد هنا ومن خلال تجربة المعايشة الحياتية ان شعبنا والمكونات الاخرى , والاخوة الشبك في مقدمتهم , قد كانوا دائما مثالا في التعايش والإخاء , حتى انني اتذكر في الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي كيف كان الاخوة الشبك الذين يسكنون محلتنا القديمة يتكلمون لهجتنا السورث بطلاقة كما نتكلمها نحن , يحضرون افراحنا ونحضر افراحهم , ويشاركوننا احزاننا ونقاسمهم احزانهم . والى حد اليوم فالعلاقات الاجتماعية المتينة والمبنية على الاحترام المتبادل تربط بين كثير من ابناء شعبنا وكثير من الاخوة الشبك .
ان اية نظرة تستهين بهذه المخاوف او اية علامات فرح بها كونها رد فعل يهدف الى إجهاض مشروع الحكم الذاتي , انما يدفع صاحب تلك النظرة او العلامات الى خانة التوريط في مخطط يستهدف شعبنا في وجوده , حاضرا ومستقبلا . من حق الدكتور ( القدو ) ان يسعى الى تنفيذ الاهداف التي يراها تخدم من يمثلٍهم , كما من حقٍه ايضا ان يعمل على تنفيذ اجندة من هو ضمن دائرتهم , ولكن من حق شعبنا ايضا ان يرى ان تلك الاهداف والاجندة لاتنسجم , بأي حال من الاحوال , مع سماته وخصوصيته وطموحاته . كذلك الحال مع اطراف اخرى في محافظة نينوى يبدو انها اختارت ان يكون سهل نينوى ساحة لتصفية حساباتها الخاصة مع الجانب الكردي . وهكذا اصبح شعبنا يعيش مأزقا حقيقيا , حائرا , دائخا كما يقول ابنائه ( موجة تجيبه وموجة توًديه ) لانه يجد نفسه امام خيارات مريرة وهو يبحث عن الاقل مرارة فيها فيراه مريرا ايضا !.
لقد ادركت اغلب القوى السياسية العراقية شروط اللعبة السياسية في العراق بعد الاحتلال وتغيير النظام, فانتقلت منذ وقت مبكر الى اللعب في الشطر الثاني من المثل العراقي الشهير حيث ( انا وإبن عمًي على الغريب ) , في حين لازالت قوى شعبنا السياسية لحد الان تُبدع في تجسيد الشطر الاول ( انا وأخي على إبن عمًي ). تُرى , أليست هذه المرحلة الحساسة والحرجة دافعا لكي تنتقل هذه القوى فورا , حالها حال الاخرين , الى الشطر الثاني ( قبل ان يفكر البعض جهرا بقلب المثل الى صورة مرعبة فيكون , لاسمح الله , مغ الغريب على إبن عمٍه ) , خاصة وان الواقع يشير الى انه ليس بمقدور ( ذلك مع اخيه او إبن عمٍهما ) , كل بمفرده , من الوقوف والتصدي لمخططات ( الغريب ) واجندته !. ان الحركة الديموقراطية الاشورية ( زوعا ) تتحمل هنا مسؤولية تاريخية جسيمة في الارتقاء في الأداء بما ينسجم ومتطلبات المرحلة , ليس بمعنى التنازل عن الثوابت بالرغم من ان التحجر في المواقف ظاهرة مرضية , ولكن من اجل إجهاد النفس في البحث عن اية قواسم مشتركة , حتى ولو كانت هذه القواسم مرحلية , لمواجهة الموجة والتصدي لها بعمل جماعي مع الاخرين , حيث بهذا تحتاط الحركة لنفسها من خطر الانزلاق , ربما بدون قصد , من ان تكون جهدا يصب في مصلحة اجندة الاخرين , كما تترفًع بذلك عن كل انتقادات الاصدقاء واتهامات المتصيدين بانها , اي الحركة , افتقرت الجرأة للتضحية , على غير عادتها , في زمن صعب من اجل شعبها. ذات الشئ مطلوب من الجهد المقابل , ونقصد به السيد سركيس أغاجان والتشكيلات المتحالفة تحت لوائه , في الجرأةعلى بسط مشروعه واهدافه من جديد امام الاخرين على طاولة البحث خاليا من ( الأيات ذات الحكم القاطع ).
اتذكر في الثمانينات كيف إلتقى الرئيس الامريكي الراحل ( رونالد ريغان ) مع نظيره السوفيتي , أنذاك , ( ميخائيل غورباتشوف ) في منتجع جليدي في ( ريكيافيك ) واتفقوا على معاهدة تخفيض عدد الرؤوس في بعض الصواريخ البالستية , وكانت ( اوسلو ) محطة جمعت الفلسطينيون والاسرائيليون فأنجبوا منها بنجاح ( اتفاقية أوسلو ), بل وقبل اسابيع إجتمع الفرقاء اللبنانيون في ( قطر ) ونزعوا فتيل ازمة كادت تؤدي ببلدهم نحو الهاوية , وهاهم المفاوضون السوريون والإسرائيليون يواصلون مباحثاتهم بهدوء في ( تركيا ) أملا في الوصول الى حل توافقي . والامثلة على هذا المنوال لاتُعدًُ ولاتُحصى . هل ما تختلف عليه قوانا السياسية وممثليات شعبنا هو اعمق حقا , ومعقدا , وستعصيا , اكثر مما كان ولازال يختلف عليه اطراف الامثلة السابقة ؟! لانطلب الكثير , ولكن ألا يمكن ان تكون مشاريع ( حنين القدو ) وغيرها قاسما مشتركا يمكن ان نتفق عليه ؟!.
على ضوء الأمثلة اعلاه و استجابة للظرف الدقيق والقلق الذي يعيشه شعبنا وانطلاقا من النية الصادقة المترفعة عن كل مكسب شخصي , اتقدم بالدعوة الى الاستاذين الفاضلين ( سركيس أغاجان ) و (يونادم كنة ) للإلتقاء , هنا في مدينة إسكلستونا السويدية , وفي شقتي المتواضعة , حيث ستكون هادئة فارغة ( عداي شخصيا ) تقريبا خلال شهر أب , أغسطس , وسأقوم شخصيا , بسعادة بالغة , بكل واجبات الضيافة لضيوف اعزاء , أملا في ان يخرج اللقاء , ليس ببيان مشترك للوحدة او الاتفاق على كل نقاط الإختلاف , فلسنا طماًعون الى هذا الحد , والطمع فساد الدين , ولكن ببعض الإضاءات التي تتيح لشعبنا ان يرى خارطة طريقه في ضوء هذه التحديات فيستطيع مجابهتها موحدا , فلايتشتت في فروع ميسمية تكثر فيها بنات أوى و سيطرات قطاع الطرق. إنني واثق جدا في ان فكرة اللقاء وسماع الاخر هي لوحدها ذات فائدة كبيرة أيا كانت النتائج , على الاقل في إعادة تقييم المواقف مع النفس .
التاريخ لايرحم , ومباراة ابتلاع شعبنا حامية الوطيس , و (حنين القدو ) وغيره لاينتظرون , هل من مُجيب