Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

التداول السلمي للسلطة والمصالحة في العراق

أن الانقسام الذي يظهر بين فترة وأخرى بين المكونات السياسية والطوائف في العراق تحول إلى مصدر للشر ومحرك للنزاعات بدلا من ان يستثمر كتجربة وعِبرة فيما بعد للتخلص من مخاطر التفكك.

وباعتبار النزاعات السياسية والطائفية هي من أبرز أوجه الخلاف بين مكونات الشارع العراقي فان الحرب تسير على هذين المصطلحين حاليا بنحو جيد، فالكثير من التوجهات الحكومية والشعبية تشير الى انها تسير في الاتجاه الصحيح، وما يزال لدينا الوقت الكافي لتكملة المسيرة وتحديث أفكارنا والسير قدما بالحوار الهادىء، من خلال قيام واستمرار الحكومة العراقية بمشروع المصالحة الوطنية، وهذا ما أكده الناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ الذي قال أن مجلس الوزراء خصص 65 مليون دولار لدعم المشروع، ضمن الموازنة العامة للعام 2009.

لذلك فأن العديد من الخطط التي وضعت لعقد مصالحة وطنية سوف تتحقق بصورة تدريجية لفترة ليست بالقصيرة جدا. لكن خطط النجاح سيكون لها عناصر عديدة كل عنصر منها يحتاج مزيدا من التفكير.

العنصر الأول:

مواجهة الارهاب ضمن خطط مدروسة، فبالرغم من النجاح الكبير الذي حققه الجيش العراقي فأن القوات العراقية لا تزال تعتمد على أساليب تكتيكية كلاسيكية، فالعراق بلد يمتاز بأراضي صحراوية واسعة وأخرى زراعية و طرق فرعية تحتاج للحماية، وقد بدأت القوات العراقية من فترة قصيرة الاهتمام بهذا الموضوع فالعمليات الارهابية التي تحصل في بعض المناطق في الموصل وديالى وجنوب بغداد ما هي الا دليل على عدم دحر الارهاب بشكل نهائي، حيث يجب ان تكون هناك قوات كافية لتنفيذ نسخة محدثة من الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الإرهاب.

العنصر الثاني:

جعل الحكومة العراقية أكثر مصداقية، بدلا من أن ينظر إليها على أنها عاجزة ولا تؤدي واجبها بشكل صحيح والفساد مستشري فيها بشكل كبير، ولسوء الحظ فإن العديد من السياسيين في الحكومة هم فاسدون ويمتلكون الحصانة. حيث أصبح للعراقيين قناعة بأن مثل هؤلاء الاشخاص يُعيقون حركة المصالحة التي تسير بالاتجاه الصحيح مما يتوجب على السياسيين أن يرتبوا البيت السياسي العراقي.

العنصر الثالث:

مما لا شك فيه أن الحوار بين الكتل السياسية ووجهاء العشائر العراقية يبدو في هذا الحوار شيء من الغموض، حيث لم تنتهي مؤتمرات المصالحة إلى نقطة بعينها يلتف حولها أغلبية الشعب العراقي لتكون منطلقا لحلول موضوعية لمشاكل البلاد العالقة. فلذا يجب أن تكون هناك ملتقيات وزيارات متكررة بين ابناء المحافظات العراقية. فما يجري من مفاوضات هنا وهناك أنما تعبر عن أن الكل يريد أن يقدم رؤى يشهد لها التاريخ لانجاز مشروع الوحدة الوطنية. واذا وصلت هذه المشاريع القائمة الآن إلى مبتغاها المنشود يكون للعراق صورة جديدة يفرضها الواقع وليس أطراف بحد ذاتها.

العنصر الرابع:

كذلك فان الفهم المشترك للمشاكل العالقة له الدور الأكبر في فتح الباب أمام الوحدة والبناء والتماسك. وعندئذ يكون العراقيون في مرتبة تضاهي الشعوب المتقدمة عندما تكون هناك علاقة حميمة بين أبناء الشعب الواحد، ويكون الشعب قد وصل نقطة اللاعودة الى الطائفية وينتج ذلك توازنا سياسيا يجني العراقيون منه الفائدة لهم ولمستقبل أبنائهم.

العنصر الخامس:

إن كانت سياسة المصالحة الوطنية قد أثبتت نجاحها في إعادة نوع من السلم المدني للمجتمع العراقي الذي عانى كثيرا من القتل والتهجير، إلا أن الجهود تبقى ناقصة ما دام باب المشاركة السياسية للكثير من التيارات، ولا سيما المُعارضِة منها، لا يزال موصداًً. وهي القضية التي اعتبرت أساس المشكلة.

العنصر السادس:

يجب أن يكون ميثاق سلم ومصالحة يخفف من حدة الملاحقة القانونية للمتورطين بأعمال العنف، باستثناء المجرمين الذين انتهكوا حرمة المواطنين، كذلك تعويض عوائل ضحايا الارهاب.

لقد أسهم قسم ممن طرح مشروع المصالحة، بمكوناتهم الإيديولوجية والسياسية، في ترسيخ أفكار التعايش و تطبيق القوانين، مما ساعد ذلك على دحر الجماعات التكفيرية وجعلها منبوذة.

غير أن مرحلة السبات التي دخل بها القائمون على المشروع، أخر مسيرة التقدم، مما ادى الى عزوف الكثير عن تكملة المسيرة وبقاء مشروع المصالحة غير مكتمل، وبالتالي أبتعد العراق عن اكمال انجاز موقف تاريخي سيشهد له العالم فيما بعد.

ومن هنا كانت محصلة الجهود التي بذلت والخسائر الجسيمة التي تعرض لها العراقيون تبدو تحت ظل المصالحة مشروعا هزيلا في حال عدم انجاز ذلك الموقف التاريخي.

ان مصير الاجيال القادمة بين ايدينا ونحن نقرره من خلال ترجمة أقوالنا على الساحة، عبر تكريس مشروع المشاركة من خلال تحقيق ثقافة التعددية والتنوع والتعايش والتداول السلمي، واعتماد تلك القيم الانسانية مشروعا استراتيجيا ثابتا لإدارة شؤون الحياة واعتبارها الهدف الأكبر لتلك الأجيال.

* مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام

http://annabaa.org

Opinions