Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

التعليم السرياني – روح وحياة في حرف وشعب

wadeebatti@hotmail.com
اثناء الحملة الدعائية لإنتخابات البرلمان الاوربي الاخيرة , كان لنا موعد بعد صلاة القداس الالهي مع احد المرشحين من ابناء شعبنا في السويد لشغل احد مقاعد عضوية البرلمان الاوربي ممثلا للحزب الديموقراطي المسيحي السويدي , وحقا كان الرجل رائعا في بسط ارائه ونشاطاته ومشروعه , مستخدما اللغتين السويدية والسريانية , كان قلب مشروعه يكمن في تعريف الرأي العام الاوربي و بالتالي الدولي بالمذابح التي تعرض لها شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في بدايات القرن الماضي على يد الدولة العثمانية , ( الرجل ) الذي كان قد اصبح حينذاك ( مريضا ) مع الجميع و ( عنترا ) فقط على شعبنا المسالم بشموخ ! , و عرًج المرشح على جهوده وجهود الاخرين في العمل المتواصل لانتزاع قرار اوربي يفضي الى اعتراف رسمي من الحكومة التركية في مسؤولية تركيا الحالية , كوريثة للدولة العثمانية السابقة , عن تلك الجرائم والمذابح ومحاكاة الجهد الذي قطعه اشقائنا الارمن في هذا المجال والذي بلغ شوطا كبيرا . عندما لاحظ المرشح على بعض الوجوه صورة من اليأس وعدم الاقتناع , في جدوى المقارنة مع جهد الاشقاء الارمن بعد هذه النوبة من السبات العميق , عمد الى تأكيد افكاره , واستنهاض همم سامعيه , في مزحة طريفة تركت في الحضور حالة من النشوة والامل , فروى كيف ان رجلا سريانيا كان واقفا على شرفة شقته في احدى العمارات السكنية , فوقع نظره على رجل يهودي يخطو في الشارع , مرتديا قلنسوته , اسرع السرياني خارجا من بيته ليلحق باليهودي ويوجه له لكمة مفاجئة , استغرب اليهودي الفعل فقال للسرياني : ويحك ماذا دهاك ايها السرياني المجنون ؟! , اجاب الاخير : ألست يهوديا , قال نعم , اضاف السرياني : ألم تصلبوا المسيح ؟ , اجابه اليهودي : ولكن ذلك حدث قبل الفي عام , قال السرياني له وبثقة بالنفس : انني عرفت بالامر اليوم ! . صفق جميع الحضور بقوة لهذه النكتة الطريفة , ودعاهم المرشح الى الاندماج بالجهد اقتداءً بذلك السرياني الغيور البسيط , والايمان بان رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.



تلقيت اثناء تواجدي في الوطن في الاسابيع الماضية دعوة كريمة لحضور احتفال تخرج صف التعليم باللغة السريانية في احدى مدارس برطلة , وبينما كنت استمع الى الكلمات والاناشيد والفعاليات التي تضمنها الاحتفال ذهبت الذاكرة بي الى قصة الندوة الانتخابية السابقة الذكر والنكتة الطريفة الحكيمة فيها , حيث اننا امام برعم فتي ينبغي لنا جميعا ان نرعاه بالماء , ونحميه من العواصف , ولانبخل عليه بالسهرفلا تمتد يد الشر اليه , كما يجب ايضا ان ننتقده ونوبخه بلطف , و أن يكون هنالك انتباه دائم لتنقية وتنظيف الارض المحيطة بالبرعم فلا تكون , فقط , عالة عليه , بل تعطي له بكل سخاء وبالتالي يكون حلالا ما تناله منه .



ان المعلم والتلميذ والبيئة التعليمية ( المدرسة بادواتها والبيت كجهد ساند ) , هؤلاء جميعا هم اذرع العملية التعليمية التي بتعاونها وتكافلها يمكن ان نصل الى الهدف المرتجى من التعليم , وعندما يتعلق الامر بالتعليم السرياني فان على المعلم والمدرسة والبيت مسؤولية اخلاقية اضافية , كون التعليم هذا هو احد العوامل الاساسية في المحافظة على وجود هذا الشعب ومستقبله واماله وطموحاته , وتتجسد هذه المسؤولية في ايصال التلميذ الى حالة من الشعور بالحب والزهو من تعلمه لغة شعبه , فتكون اللغة السريانية , لمن يتعلمها كلغة الى جانب اللغات الاخرى , هي فعلا مادة اساسية لاتقل اهمية عن اللغات والمواد الاخرى . لقد علمت ان التلاميذ في المراحل الدراسية المبكرة قد قطعوا شوطا طيبا في تعلم اللغة السريانية مقارنة باقرانهم في الصفوف المتقدمة بسبب قابلية الطفل المتميزة في سرعة قبول المعلومة , وهكذا ربما يكون مفيدا في المستقبل المطالبة بادخال مادة اللغة السريانية كمادة اساسية في امتحانات ( البكلوريا ), فتأخذ هذه اللغة موقعها الذي تستحقه ضمن المناهج والمواد الدراسية , كما قد يؤدي هذا الى حصول ابنائنا على مكاسب ذاتية شخصية في المعدل النهائي العام , كما يحقق اقرانهم في الوطن ذات المكاسب من خلال مواد اخرى كالدين واللغة الكردية مثلا .



ان مؤسساستنا الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية مدعوة الى جهد مشترك , يترفع عن كل التجاذبات المذهبية والسياسية والمناطقية الضيقة , يضمن الوصول الى مادة دراسية ومنهج وكتب تكون قاعدة اساسية لوحدة شعبنا وتحترم في الوقت ذاته كل الخصوصيات بالوانها المتعددة , كما ان على هذه المؤسسات القيام بحملة كبرى ومتواصلة لتطوير الكوادر التعليمية التي تم اختيارها للقيام بمهمة التعليم السرياني , لتُصبح مؤهلة للقيام بواجباتها , بعد ان رافق هذا الاختيار بعض السرعة والتغاضي عن الشروط بسبب ضرورات الانطلاق في التجربة . تجدر الاشارة الى ضرورة ان يجتاز معلم ومدرس اللغة السريانية في المستقبل القريب مراحل الدراسة الاكاديمية المطلوبة ليتمكن من اداء رسالته بنجاح , وهنا يكون ربما ايضا مفيدا ان تُسخٍر ممثلياتنا السياسية والدينية في الحكومة الاتحادية والبرلمان الاتحادي و حكومة وبرلمان الاقليم كل طاقاتها بما يؤدي الى العمل على افتتاح قسم جديد للغة السريانية في جامعة الموصل او جامعة صلاح الدين , في اربيل , على غرار القسم الموجود في جامعة بغداد , فيلبي حاجة الثقل السكاني الكبير لشعبنا في الموصل و سهل نينوى واقليم كردستان . وتبقى كلمة الحق التي يجب ان تُقال , بل يُصبح من الإجحاد خنقها , هي تحية التقدير والعرفان للجميع باسمائهم , احزابا ومؤسسات وشخوص , لكل من ساهم في وضع لبنة واساس هذه التجربة , ولكل من يساهم اليوم في اغنائها وتطويرها , وقطع على نفسه عهد التزامها , مشروعا قوميا و وطنيا عظيما ينفض الغبار عن حرف مجيد مقدس على الرفوف , ويُسلط الضوء وجرعة من الحياة على شعب اصيل , نبيل . . .
Opinions