الحبر الجليل بولس فرج رحو مرة أخرى.
طغى نبأ اغتيال الحبر الجليل بولس فرج رحو على كل نبأ في وسائل الاعلام سواء المسموعة او المرئية او المقروءة ولفترة طويلة،حتى جاءت أنباء محاولة الحكومة وبمساندة قوات الاحتلال وضع الحد لممارسات ما يسمى بجيش المهدي.
لقد قيل في اختطاف المطران رحو الكثير واكثر منه حول اغتياله،وبين هذا وذاك كانت تنقل لنا الانباء ما يدور في الاقبية المظلمة بين الفينة والاخرى بعض من الاخبار المقتضبة جدا حول المفاوضات التي جرت بين الخاطفين والجهة المخولة بالتحدث اليهم،وقد خرجنا نحن ابناء الشعب العراقي من كل هذه المعمعة كمن فقد القدرة على لملمة احزانه وهمومه لاسباب سوف احاول ان اتطرق الى اهمها في السطور التالية.
سوف لن اتحدث عن خصال الرجل الحميدة وما امتاز به من خلق بشهادة كل الذين عرفوه وشهادة كل الجهات التي استنكرت ما تعرض اليه،فقد تكفلت بذلك مئات الاقلام الخيرة طواعية،انما سوف اعيد إثارة بعض الاسئلة التي اثارها الكثيرون، لاني اخشى لئلا تمر الايام بسرعة فيخبو وهج طيف ذكرى مأسات الحبر الجليل بولس فرج رحو الى الابد، وتصير واحدة من ذكريات الاف القديسين التي نستذكرها لماما في مناسبات خاصة جدا لمجرد اكرامهم في يوم ذكراهم،أجل اخشى ما اخشاه هو ان تفعل الايام فعلتها وتنسينا ما تعرض له هذا الرجل البار بوطنه وامته،الرجل الذي دفع حياته ثمنا لما كان يؤمن به على طريقة الابطال، دون ان نحصل ولو على بعض الاجوبة على تلك الاسئلة التي احتار امامها الكثير من العراقيين:
1- من إختطف المطران بولس فرج رحو ولماذا؟
2- ما مدى صحة ما قيل عن المفاوضات مع الخاطفين وما دور الاجهزة الامنية في تلك المفاوضات التي تضاربت فيها الاقوال والتصريحات؟
3- لحساب من تمت تصفية الحبر الجليل بولس فرج رحو؟
4- ما مدى صحة ما قيل في مسك رأس الخيط الذي يوصل الى معرفة الجهة التي ارتكبت جريمة اغتيال الاسقف بولس فرج رحو؟
5- لمصلحة من تطوع البعض متهما هذه الجهة او تلك بأرتكاب هذه الجهة الجريمة البشعة،وما هو الاساس المنطقي الذي بنى عليه إتهامه؟
6- لمصلحة من جند البعض أنفسهم للدفاع عن بعض الجهات التي أشارت اليها اغلب الدلالات المنطقية التي تقول بأتهامها الصريح؟
7- لماذا مثل هكذا جريمة كان يجب ان تقع في الموصل،وفي الموصل بالذات،وفي هذا التوقيت؟
8- ما العبرة التي يجب ان يعتبر بها المسيحيون العراقيون،خاصة وان الظرف الذي خلفته جريمة اغتيال الحبر الجليل بولس فرج رحو خلقت عند الكثيرين شعورا بالتعاطف مع قضيتهم العادلة بعد ان كانت شبه مهمشة؟
9- ما تأثير جريمة اغتيال المطران بولس فرج رحو على خضوع المسيحيين للقبول بالمشاريع المشبوهة التي يطرحها البعض ويروج لها اصحاب نظرية الامر الواقع خدمة لمشاريعهم الخاصة، والتي من المؤكد سوف تحصر المسيحيين في حالة قبولهم بهذه المشاريع في عنق زجاجة دواء صغيرة،وما هي الضمانات المستقبلية في حالة قبول هؤلاء بهذه المشاريع وفق نظرية:مكره اخاك لا بطل؟
10- ما هي الحكمة التي خلص اليها مدبروا الكنائس العراقية من هذه المأسات التي لا يستبعد تكرارها في اية لحظة وفي اية بقعة عراقية،خاصة والقادرون على تنفيذ مثل هكذا جرائم صاروا يمتلكون الادواة التي توصلهم حيث يشاؤون دون خوف او خشية من رادع ،لان الوطن اليوم لا يعدو عن كونه مجمعات بشرية منقسمة على نفسها من جهة وعلى بعضها البعض من جهة ثانية وتسبح في بحر من الفوضى القاتلة، والكلمة الاخيرة فيه صارت لمن يمتلك المال والسلاح؟
لقد سخى الكثيرون على مار بولس فرج رحو بدمع لم يسخوه على عزيز من صلبهم فارقهم الى حيث الراحة الابدية،فقد كانت مأسات الرجل طعنة نجلاء في خاصرة وحدة الوطن،ارضا وسماءً وشعبا،ولمن يشكك بما اقول ما عليه سوى مراجعة مواقف الشهيد التي ابرزتها وسائل الاعلام في جميع انحاء العالم وليس في العراق وحسب،تلك المواقف التي اؤمن شخصيا انه دفع حياته ثمنا لها،لقد اصر الرجل على اصالة عراقيته،واصر الرجل على عدم مغادرة المدينة التي ولد فيها،واصر الرجل على عدم شرعية الاحتلال،واصر الرجل على رفض المشاريع التي يطمح البعض الى تنفيذها محميا بحراب المحتل،لقد عبر الرجل عن فلسفة انتمائه الى الانسانية وليس العراق وحده حين قال:لسنا اعداء لأحد،وان كان هناك من صفنا الى جانب اعدائه فأننا سوف نصلي من اجله لكي يحنن الله قلبه،لاننا نعمل بالعقيدة التي عمل بها المسيح.كما لام الذين يفجرون الكنائس وبقية دور العبادة بقولته الوطنية:ليست افعالا مثل هذه مقاومة الاحتلال،انما تعبيرا عن تبرير الاحتلال وترسيخ قدمه في العراق،وهذا يعني، ان الفعلة التي اودت بحياة الرجل لم تكن سوى فعلة من كانت مثل هكذا مواقف حجر عثرة في طريق وصولهم الى ما يطمحون اليه،فرجل بحجم الشهيد مار بولس فرج رحو يجب ان يكمم فمه والى الابد،اي انها جهة ذات مطامح سياسية وليس دينية كما حاول بعض المأجورين ان يصوروها لنا عندما انبروا يدافعون عن القتلة بوقاحة ما بعدها وقاحة.
لقد تحققت تحليلاتي التي اوردتها في مقالة سابقة فيما يخص مقتل الرجل حتى قبل ان تنقل لنا الانباء اخبار المفاوضات المتناقضة مع الخاطفين،واشرت بصريح العبارة على ان عملية الاختطاف كانت مجرد رسالة الى مدبري الكنيسة المسيحية العراقية خصوصا ولبقية ابناء الشعب العراقي عموما،اراد الخاطف من خلال تلك الرسالة استعراض قوته في الموصل وهيمنته على المدينة،كما كانت انذارا بالويل والثبور لكل من تسول له نفسه الخروج على المشروع المرتهن بتحقيق اهداف المحتل.
خلال مراسيم تشييع الشهيد بولس فرج رحو التي أجريت تحت حراسة مشددة دون اي مبرر،وما تلا ذلك سمعنا تصريحات كافة السادة ممن يفترض انهم اصحاب الامر والنهي في العراق تتفق على ضرورة القاء القبض على الفعلة وتقديمهم الى العدالة لينالوا جزاءهم العادل،وما ان دارت الساعة حتى اعلن عن القاء القبض على كذا وكذا،في حين ان اولئك الاشاوز من المسؤولين فشلوا على الاتفاق على شكل واحد لموت الرجل،فمن قال ان الرجل مات مشنوقا،ومن قال ان الرجل مات متأثرا بجراحاته نتيجة اصابته بأطلاقات نارية،ومن قال ان الرجل مات بسبب ازمة قلبية حيث كان الرجل يعاني من مرض القلب،وكالعادة نسبت هذه الاقاويل جميعا الى الطب العدلي،لا بل ان البعض منا استبشر خيرا حين قرأ للبعض الذي يثق بأخبارهم لسبب من الاسباب، ما يؤكد على ارتباط الفعلة بجهة سماها بناء على ما تروج له الحكومة حين يعييها تعيين الفاعل او تردعها سطوته،أما البعض الاخر ممن عرف عنهم ولائهم المشبوه لجهات اثيرت حولها شبهة القيام بالفعل فقد ادرجوا لنا في مقالاتهم ما مل الناس قراءته لكثرة ما تكرر، الا ان محاولاتهم المقرفة تلك وظفت لسببين هما:اولا لدفع التهمة عن الجهة التي يعملون في خدمتها،وثانيا بغية تمييع ردة فعل المصاب في وجدان الناس،وكل هذا وغيره يؤكد ان ايدي المجموعات الاسلامية المتشددة نظيفة من دم الرجل،اللهم الا اذا كانت تلك المجموعات من المجاميع الوافدة الينا من خلال الانفاق التي تربط مدن شمال العراق بالاراضي الايرانية والتي تعمل في خدمة جهات معروفة جدا،وبناء عليه يتحقق لكل مراقب:ان الايدي التي تلوثت بدم الشهيد بولس فرج رحو لا يمكن مطلقا الا ان تكون قد احترفت الجرائم السياسية وليس تصفية حسابات دينية.
لماذا في الموصل؟ولماذا في الموصل فقط يقتل الكهنة؟هل تعجز فصائل الاسلام السياسي المتشدد من الوصول الى الكهنة في المدن الاخرى يا ترى؟(هذا على فرض ان الفاعل ينتسب الى هذه الفصائل فعلا).
تمثل مدينة الموصل في وجدان كل مسيحي عراقي رمزا يشده الى تاريخ الماضي السحيق،فالموصل بالنسبة الى الانسان الاشوري كناية عن مدينة نينوى العظيمة ،وبهذه النظرة ينظر كل عراقي واجنبي الى مدينة الموصل،ومهما قيل عن الموصل غير ذلك سوف لن يغير من واقعية وحقيقة هذه النظرة مطلقا،اي ان مدينة الموصل ينظر لها الانسان المسيحي خصوصا والعراقي عموما نظرة عاطفية تذكره بعزة هذا الوطن،هذا من جانب،اما الجانب الاخر،فهو كثافة المسيحيين العددية في هذه المدينة، لأننا حين نقول الموصل يمتد الخيط الى كل قصبات ومدن سهل نينوى التي يبذل البعض جهودا حثيثة من اجل سلخها عن خصوصيتها القومية لاسباب أظن ان الجميع يعرفها حق المعرفة،وتوجيه ضربة بحجم الضربة التي وجهت الى هؤلاء الناس بأغتيال رجل بقامة الشهيد رحو قد يسبب احباطا لبض البسطاء وتختلط عليهم الاوراق،ناهيك عن أجبارهم بالاحساس بقرب موعد أن يطرق الخطر ابوابهم جميعا،فسكان سهل نينوى عمليا مجرد سجناء في بلداتهم نتيجة الوضع الامني المزري الذي يعم المنطقة،ويعيشون واقعا اقتصاديا بائسا،اي ان ظروف المساومة على انتمائهم القومي تتأثر جدا بهكذا احداث جسام،اما سكان داخل مدينة الموصل فأن الضغط النفسي عليهم ليس اقل،فقد عانى هؤلاء منذ قرون طويلة النظرة الاسلامية الاستعلائية،وكانت افضل الفترات التي عاشوها هي أيام النظام السابق قبل ان ينحاز النظام الى بدعة الحملة الايمانية ويتخلى عن العلمانية،اي ان قلع كل من يتشبث بجذوره الاصيلة في نينوى على طريقة الشهيد رحو، بات امرا يقض مضاجع من يبغون توسيع امبراطورياتهم العشائرية،لان هذا التشبث يعيق تحقيق احلامهم التي زرعتها قوى شيطانية تجاهد من اجل تدمير العراق إنتقاما لتاريخ قديم جدا في اذهانهم.
لقد أثبتت الاحداث في مقتل الشهيد رحو،إن العراق برمته وقف ضد الجريمة،بأستثناء اولئك الذين خدمت هذه الجريمة مشاريعهم،ولو راجعنا مجموعة المقالات التي كتبت بعد الجريمة سنجد ان اصحابها جميعا كتبوا بنفس واحد،بأستثناء المرتزقة ومهرجي المناسبات ممن وظفوا الفرصة لاعادة تذكيرنا بالمشاريع المشبوهة التي يطمح الى تحقيقها اسيادهم، وكأن تلك المشاريع هي المنفذ الوحيد الذي علينا الدخول من خلاله حفاظا على سلامة رؤوسنا المهددة بالقطع،لا بل ان البعض تطوع ليرسم لنا خارطة تشتتنا وكأن تلك الخارطة خطيئة اتيناها بحر ارادتنا، وفاته ان يتذكر بأن الخطوط التي رسمها هي دليل ناصع على الكم الهائل من الجرائم التي ارتكبها اسياده بحق هذه الامة العراقية عربا كنا ام اشوريين ام تركمانا ام كردا ام غيرهم،
وفي خضم الرفض هذا تسنى لنا الاطلاع على البرقيات المتبادلة في هذه المناسبة التي سيطول حزننا فيها بين مدبري الكنائس العراقية،وقد حز في نفوسنا جميعا ان لا يتبادر هؤلاء المدبرون الى عقد مؤتمر عام يشتركون فيه مع العلمانيين الخيرين من اجل تدارس امور الامة،خاصة وان العديد من الخيرين وجدوا في هذه المناسبة فرصة ثمينة للمصالحة الحقيقية:ولأجله ادعوا كافة الخيرين الى الدعوة الى مثل هذا اللقاء،لانه لو كان دم الشهيد رحو علامة بارزة في سبيل وحدة ابناء الشعب العراقي كما قال الكثيرون،فكم بالحري لزاما على مدبري الكنيسة ان يحترموا هذا الدم ويعقدوا مجمعهم المقدس تحت رايته؟
طالب البعض بلجنة دولية للتحقيق في مصرع الشهيد الحبر الجليل بولس فرج رحو،وفي الوقت الذي اشد على ايدي هؤلاء الخيرين احس بالرثاء لحالهم وحالي،وأبشرهم بأن الجريمة قيدت ضد مجهول،لان من نطالبهم بتشكيل مثل هكذا لجنة غير قادرين على ضمان سلامتهم الا تحت حراب الذين نحروا الاب بولس اسكندر والاب رغيد كني والشهيد رحو،فالاحداث التي مرت بها البلاد في الايام الاخيرة اثبتت الاتي:اما ان العراق اضحى حارة كل من ايدة الة،واما ان اصحاب الامر والنهي ينفذون اجندة يصعب حتى على الراسخين في العلم معرفة خباباها وخفاياها الحقيقية،وفي كلتا الحالتين لابد من حطب لديمومة إستعار النار التي تحرق المواطن البريّ وفق نظرية:أشهد إنك بريّ ولكن في موتك صلاح مصلحتي.
اللهم اشهد انها دعوة حق براد بها حق.
ياقو بلو
yakoballo@yahoo.co.uk