الراعي
في قرية صغيرة، كان راع شاب في الثلاثين من عمره. يمتلك قطيعاً مكوناً من مائة خروف.. وكان ينهض كل يوم في الصباح الباكر، ليرعى خرافه ويسير أمامهم، ويحدثهم عن المحبة، والفرح، والسعادة الحقيقية. وكانت الخراف تسمع وتصغي إلى كلامه وتتبعه، لأنها كانت تعرف صوته من بين ملايين الأصوات التي كانت تصدر في هذا العالم الساخن والمضطرب، الزائل والمليء بالأنانية، والحقد والكراهية..وكان الراعي الشاب يقود خرافه إلى حيث السهول والجبال الشاهقة، ذات الحقول والمراعي الخضراء الخصبة، حيث وفرة الأعشاب والأشجار الباسقة الوارفة الظلال، التي تعشش على أغصانها طيور السماء، التي تشدو ألحاناً جذابة.
في تلك الأودية المليئة بينابيع المياه الغزيرة، حيث الأزهار والزنابق المتنوعة الألوان والجميلة، ذات الروائح الذكية.
كانت الخراف تتجول بحرية وهي آمنة في تلك الأماكن الطبيعية الخلابة الساحرة، لأنها كانت تثق براعيها الشاب، الذي كان يحبها، وقلبه متسع ومليء بالحب والحنان، وصبره واناته كبيران تجاه خرافه، فكان يحافظ عليها من تقلبات المناخ، من الأمطار والعواصف، ويقيها من برد الشتاء وحر الصيف، ويحرسها ويسهر عليها طوال الليل من الذئاب الخاطفة التي كانت تعوي من حولها وتنتظر الفرصة السانحة لكي تفترسها، ولكن الراعي كان يقظاً وحريصاً على سلامة قطيعه.
وفي يوم من الأيام، خرج أحد الخراف من الحظيرة، وانفصل عن بقية الخراف، وذهب إلى مكان بعيد، حيث ضلّ.. ولم يعد..
ترى ماذا حدث للخروف ؟
أمور كثيرة حدثت وتداخلت، جعلت الخروف يعدو سريعاً.. سريعاً، وإلى أقصى وأبعد مكان، وعلم الراعي بأن أحد خراف قطيعه قد ضلّ وتاه في مكان مجهول. حزن عليه وانكسر قلبه وانهمرت الدموع الغزيرة من عينيه. كان الراعي فعلاً يحب خروفه الذي ضلّ، وقرر أن يخرج ليبحث عنه، ويعود به إلى الحظيرة..
اكتشف الراعي بان الخروف الآن هو على الجانب الآخر من الوادي، والطريق إلى هناك وعر.. وعر جداً، والوحوش المفترسة كثيرة !!!, ولم يقدر الراعي أن يقاوم إلحاح قلبه الحنون.
ذهب يفتش ويبحث عنه غير مكترث للأخطار. جرحت أشواك الطريق الحادة قدميه وسالت منهما الدماء، ولكن الراعي لم يتراجع، أصر أن يواصل البحث حتى يجد خروفه.
اقترب الراعي من مكان الخروف، بيد أنه لا بد أن يمر ويجوز الآن في أكمة مظلمة ومخيفة ثم يتسلق رابية. صممت الوحوش على أن تقتل الراعي، ولكن الراعي لم يخشِ وحشيتهم، ومرّ في البستان، ثم صعد بعدها إلى الرابية.
وأخيراً وجده . فرح به جداً.. جداً، فكم كان محبته. انحنى الراعي على الأرض وحمل الخروف. لان الراعي لم يقدر أن يطلب من الخروف أن يسير ورائه. لم تعد للخروف قدرة أن يرى، أو أن يسير، فقد أتلف البعد والغربة عن الحظيرة عينيه وأوهنت عضلاته. لذا حمله الراعي، ورفعه من الطين على يديه القويتين، وغسله من القذارة ، وضعه على منكبيه. لم يمانع الخروف لأنه ملّ الأرض البعيدة، والغربة خنقته وأتعبته هموم ملذاته. أسره حب الراعي له، أسرته على نحو خاص آثار الآلام الباقية على جسد الراعي، حين عرف الخروف إنها بسببه، نفذ حب الراعي إلى أعماقه، إلى أعمق أعماقه..
وأخيراً عاد الخروف إلى الحظيرة نظيفاً، عاد ليبدأ صفحة جديدة. إذ كان ميتاً فعاش.
ما أحن قلب هذا الراعي، قلبه فسيح، متسع وممتلئ بحب عجيب إلى أقصى حد، لكل إنسان في كل مكان وفي أي زمان ..
ابن الرافدين
الراهب آشور ياقو البازي
للمزيد انقر على هذا الرابط
http://albazi2009.ba7r.org
منتدى البازيين
منتدى أحفاد سومر وأكد وبابل وآشور