Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الزوج مستسلم حيناً وعنيف أحياناً ... الأسرة العراقية في مهبّ الحروب

22/12/2005

بغداد - هبة هاني- الحياة اعتادت شذى (ربة منزل) المشكلات التي يفتعلها زوجها علي لسبب او لآخر، طوال فترة زواجهما منذ 1996 وحتى قبل الحرب الأخيرة على العراق، أي بداية 2003. إلا أنّها وجدت هذا الزوج ينقلب من «وحش كاسر» – كما كانت تصفه – الى «حمل وديع». تقول شذى: «زوجي الضابط في الجيش العراقي السابق كان يعاملني وأطفالي كما كان يعامل جنوده في المعسكر. فكان يشتم ويضرب ويهدد ويصرخ إذا ما نسيت كيّ القميص أو تأخرت في إعداد العشاء ولو لدقائق. كما أنّه كان يضرب أطفالنا إذا ما ارتفع صوتهم أثناء اللعب وهو نائم، أو بكى أحدهم لسبب ما». وتضيف: «كل هذا تبدل كلياً بعد الحرب وتسريحه من الجيش فبات هادئاً كالحمل الوديع». وتعلل شذى هذا التحول في طباع زوجها بأنه فقد الإحساس بالسطوة بعدما فقد وظيفته وراتبه وأصبح عاطلاً متكلاً على راتبي. إذ اّني عدت إلى عملي كمعلمة بعدما كان يمنعني في السابق من العمل». وبعكس شذى، فإن امينة (30 عاماً) وهي ربة منزل ايضاً تؤكد ان زوجها المنفتح المتفهم انقلب الى شخص عنيف يهدد ويتوعّد اذا لم ينفذ طلبه ويأمر بقسوة اذا ما اراد شيئاً. وتقول أمينة: «لطالما عشت حياة زوجية هادئة قبل الحرب، لكن ما حدث بعدها من تداعيات أمنية وتدهور معيشي زاد من كآبة زوجي ومن شعوره المتأزم بعدم قدرته على حماية عائلته وتوفير العيش الكريم لأفرادها». وتضيف أمينة: «يعمل زوجي ثلاثة ارباع اليوم ويقضي الربع الباقي في توفير الوقود والماء والمواد الغذائية للمنزل فضلاً عن تصليح ما يصيبه العطل من مرافق المنزل فيما انا اطبخ وأنظف وأدرّس الاولاد. وهكذا نحن في دوامة مستمرة وروتينية تقطعها لحظات نقاش محتدمة بيننا لا ينفك ان ينساها في اليوم التالي الذي عادة ما يحمل همومه الجديدة». بين شذى وأمينة، تعيش غالبية الاسر العراقية عندما تجتمع تحت سقف المنزل وقد ألقت الحرب الاخيرة وما اعقبها من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية بظلالها على سلوك الافراد وبالتالي على حياة العائلة العراقية. فضلاً عن ظروف فردية خاصة يعاني منها فرد دون غيره، مع الاخذ في الاعتبار الجنس والمستوى الثقافي والمستوى الاقتصادي. ولكن – كما يشير اكثر من باحث اجتماعي – ينبغي الا يؤخذ هذا الأمر بمعزل عن الوضع الذي تعيشه العائلة العراقية في معظم حالاتها. فهي ترزح تحت وطأة ظروف صعبة، كالتدهور الأمني والبطالة والفقر... وكلها عوامل وأسباب تدفع الى التفكك الأسري وتغيير واضح في سلوك الاشخاص وأمزجتهم وطباعهم مع انعدام الانضباط الأخلاقي لدى الكثيرين. لذلك لا يفـاجئـنا ان ينقـلب احدهم من فـرد عـنـيف الى آخر هـادئ، والعـكس صحـيح أيـضاً، وذلك نـتيـجة تحـول الظـروف التي جعلته في هذا الوضـع او ذاك، اضـافــة الى تغيّر نظرة المجتمع اليه من شخص ذي مركز مرموق الى آخر لا اهمية له تذكر. تشير نادية، وهي ام لطفلين الى ان زوجها تغير بمقدار التغيرات السياسية التي مر بها العراق وتوضح ان زوجها كان مديناً وملتزماً فروض الاسلام، لكنه مع المد الديني الذي انتشر في المحيط الاجتماعي العراقي في ظل وجود احزاب دينية واحزاب مضادة لها، بات متطرفاً ففرض عليها ارتداء الحجاب ومنعها من الوظيفة. وتحكي نادية قصة جارتها ايضاً التي تخالف قصتها تماماً. وتقول نادية: «صديقتي ام نور انفصلت عن زوجها قبل شهرين لأنه أرغمها على العمل خادمة في البيوت كونه عاطلاً من العمل وأجبر الاولاد على ترك الدراسة بسبب عدم قدرته على تحمل مصاريفها فضلاً عن لجوئه الى الخمر والتدخين». «بين التطرف والاعتدال قيد انملة». هذا ما أكدته أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد الدكتورة فوزية العطية التي قالت «ان العائلة العراقية تواجه ظروفاً صعبة» منبهة الى «ان الخلل الأسري في العراق ينذر بكارثة إنسانية مع ارتفاع جرائم العنف وزيادة أعداد الأرامل والأيتام والعوانس والعاطلين والمتسرّبين من المدرسة والفقراء والمتشردين». وتؤكد العطية «ان سياسة النظام السابق في التهجير والتجهيل وما تبعها من آثار الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عام 1991 ادت مجتمعة الى توجّه الفرد العراقي نحو العنف الجسدي والنفسي. ووجد هذا السلوك متنفساً له مع الفلتان الأمني وانعدام الردع الأخلاقي بعد الحرب». وتشير العطية الى «ان هذا السلوك لن يجد طريقاً نحو التهدئة الا بقوانين تمنح حقوقاً وواجبات متساوية لجميع المواطنين وتكفل حرياتهم وممتلكاتهم وتضمن عيشاً يحقق مستويات الطموح الانساني، ولو بحد معقول». وتلفت خالدة سعدون، الناشطة في حقوق المرأة، الى ان «الوصول الى اسرة متماسكة في المجتمع لن يتحقق الا بضمان حقوق المرأة وحريتها لأنها نصف المجتمع»، مشيرة الى ان «كل ما يقع في البلد من ظروف سيئة يكون اثقل على كاهل المرأة. ما يلزم السلطات اتخاذ تدابير لحماية النساء وإعادة النظر في التشريعات التي تميزهن عن الرجال». وتضيف سعدون: «لا تحقّق العائلة في العراق شيئاً من طموحها في النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وهي تنتظر ما ستـؤول اليه الجـوانـب السيـاسيـة والأمنـيـة لتـبـدأ مشروعـاً اقتـصادياً ما أو لتزويج أحد أفرادها أو لشراء عـقار تقيم عليه بيتاً». Opinions