السيد محمد مندلاوي لا تهين الكورد من حيث تجهل
نزولا عند رغبة بعض الإخوة والأصدقاء اكتب هذا المقال.لا أدري لماذا أختار السيد محمد مندلاوي من بين الآلاف المواضيع التي يمكن أن يخدم بها الشعب الكوردي موضوعا يهين فيه الشعب الكوردي من حيث يجهل. إنها إهانة كبرى لشعب ناضل كثيرا وضحى كثيرا، ووقع ضحية مؤامرات كبرى في التاريخ الحديث والقديم.
ولم يجد السيد مندلاوي خصما إلا من بين أحفاد من كتبوا التاريخ عبر العصور . ولماذا اختار منهج أحمد سوسة المؤرخ العراقي اليهودي الأصل، والذي إعتنق الإسلام من أجل تشويه تاريخ العراق، ولم تنطلي الخدعة حتى على بعض المتعصبين العرب. فهذا الكاتب قبلك يا سيد مندلاوي وبالتفاصيل الساذجة التي وردت في مقالتك. نسب النساطرة الى اليهود المسبيون من أورشليم على يد الملك الأشوري سنحاريب. ولكن الفرق بينك وبين أحمد سوسة. إن أفكاره تبناها العنصريون العرب، واليوم تريد أنت أن يتبنى أفكارك بعضٌ من العنصريين الكورد.
وأنا اكتب هذه السطور لا ردا عليك بل وفاءً للعشرات من أصدقائي الكورد. سواء من هم بين الأحياء أو من هم بين الشهداء.
وهذه ستكون المقالة الأولى والأخيرة في هذا الموضوع. لأن ما تكتبه يا سيد محمد مندلاوي هو أتفه من أن يستحق الرد.
إن كنت تعتبر نفسك كاتبا كورديا فإنك تهين الكورد والشعب الكوردي قبل غيره. فإن اليوم هو يوم العلم وليس عصر البكوات، والأغوات الذين تشقعر أبداننا من سماع قصصهم الشعبية، والتي تروى وتغنى في الفلكلور الشعبي الكوردي والأرمني والآشوري. ومنها (شاب يعشق فتاة يأبى أهلها تزويجا له يخطفها ويلتجأ الى الآغا طلبا للحماية، يرحب الآغا به، ويطلب أن يرى الفتاة، بعد أن يرى الفتاة جميلة يأمر جلاوزته بقتل الشاب ويأخذ الفتاة لنفسه) هذه القصص في التاريخ الكوردي ما زال الكورد المثقفون يشعرون بالخجل منها. وإن ما تكتبه أنت سيكون مخجلا لأجيال الإنترنت والكومبيوتر والهندسة الجينية، أكثر من هذه القصص التي حصلت في عصور الظلام من الأيام الغابرة، وفي قصور الأغوات الفاسقين.
إنه عصر العلم وليس عصر المهاترات الكلامية. العلم يقول الحقيقة شئت أم أبيت. إنك في مقالتك تشبه ذلك الفارس الذي يتسلح بسيف عربي ودرع من الجلد ويحاول أن يواجه خصما يتسلح بكلاشينكوف وفي مخزنها 30 طلقة من نوع حارق خارق. فمهما تمشدقت بالفروسية والشجاعة فأنك ستقع صريعا لا محال. لآن سلاحك المتخلف لن يتغلب على سلاح العصر.
إنك بأفكارك هذه تقول للعالم بأن الكورد مازالوا يعيشون في العصور المظلمة، وهم من الجهل والتخلف والسذاجة الى درجة التي يمكن أن تنطلي عليهم أي فكرة مهما كانت ساذجة.
وإن كنت تجهل التاريخ فهذا ليس عيبا. يمكنك أن تقرأه في مئات آلاف من المصادر. ومنها المصادر الكنسية. أما بخصوص العرق والنسب فالعملية سهلة وبسيطة لا تستحق أن توجع دماغك بها، ولا تهدر كثيراً من الوقت في معرفة أصول من يدعون اليوم أنهم آشوريون أو آرمن أو كورد أو يزيديون أو عرب أو تركمان أو غيرهم.
العملية بسيطة جدا بفحص صغر للحامض الجيني (DNA) وبكمية من الدم لا تزيد عن 3 ملم مكعب، سيقول لك العلم الذي تجهله أنت ما هو أصلك وفصلك، وما هي جذورك العرقية.
أما الكلام الذي تكتبه فلن يقنع حتى السذج. ولا شك أن مثل هذا الكلام سيرد عليه الإخوة الكورد من المفكرين العلميين قبل غيرهم لأن هذا الكلام يسيئ الى الفكر الكوردي بشكل صارخ.
فما من عاقل بين الكورد يقبل أن يقنع نفسة، أن الكورد تخلوا عن لغتهم الأصلية وتبنوا لغة الطقوس التي يمارسونها في الأديرة والكنائس. وبعد أن اعتنقوا الإسلام الذي يفرض طقوسه بلغة القرآن عادوا للتحدث بالكوردية. فهل من نظرية اتفه من هذه ؟
هنا اذكر بعض الأسباب التي تدحض ما ذهب اليه.
1. المسيحية منذ بدايتها لم تتبنى لغة معينة في إنتشارها ولم تفرض أي لغة على الشعوب والدليل، وجود الإنجيل بكل اللغات العالم.
إن سلاح ثورة مارتن لوثر على روما كان ترجمة الإنجيل من لاتينية الى الألمانية والشعب لم يكن يعرف قراءة اللاتينية، فكان رجال الدين يفسرون الآيات على هواهم وهذا ما وقف مارتن لوثر ضده بترجمة الإنجيل الى اللغة الالمانية أما في الشرق فكان الإنجيل باللغات القومية للشعوب التي اعتنقت المسيحية. والسريانية القديمة كانت لغة الطقس والسريانية الحديثة بلهجتيها الشرقية والغربية كانت اللغة المحكية بين العامة. وما زال الحال على هذا المنوال الى يومنا هذا بالنسبة للكنيسة السريانية بفرعيها الكاثوليكي والأرثذوكسي في العراق
2. إن المفردات التي تستعملها كل الشعوب في المصطلحات الدينية والعبادة لا علاقة لها بالمفردات الحياة اليومية. وهذا موجود في كل الديانات.
3. الإنجيل ليس كتابا منزلا، بل كتاب مكتوب من قبل تلاميذ السيد المسيح وبلغات مختلفة. وترجم بحسب الشعوب التي إنتشرت فيها المسيحية. حيث أن الإنجيل ترجم الى لغات كل الشعوب، التي آمنت به. وليس مثل القرآن الذي يؤمن المسلمون أنه منزل باللغة العربية ولا يمكن ترجمته.
4. منذ أكثر من ألف سنة الكورد يعتنقون الإسلام ولم يتبنوا لغته الطقسية. فكيف تبنوا لغة الإنجيل المترجم؟ وماذا عن الفرس والأرمن واللأتراك والأفغان والبلقان، وغيرهم من الشعوب التي إعتنقت الإسلام. فرغم فرض العربية عليهم لم تتبدل لغاتهم المحكية. فهل كان الكورد دون هذه الشعوب في العالم. تغيرت لغتهم عندما اعتنقوا المسيحية. وعادوا إليها بعد أن اعتنقوا الإسلام.
السيد مندلاوي. قل كلاما تقنع به نفسك قبل غيرك.
5. من قال أن اللهجة التي تبنتها الكنيسة في طقوسها هي نفس اللغة المحكية، ولأنك تجهل كلا اللهجتين، تنسج في خيالك قصص لا تدخل حتى رؤوس العصافير. لعلمك أن لغة الطقس الى اليوم هي غير اللغة المحكية في كثير من المناطق الأشورية الكلدانية السريانية. لأن الطقوس المسيحية أنتشرت في بلاد الرافدين باللهجة السريانية الغربية.
وما زالت كثير من كنائسنا تصلي بلهجة، وتتكلم بلهجة أخرى. وهذا إيضا تجهله؟. وإن الكنيسة النسطورية كما تسميها لم تنقل بعض من كتب الطقس الى اللغة المحكية إلا بعد إنتشار المطابع باللغة السريانية. وأنت تجهل أن هناك لهجتين سريانيتين. كما هو حال اللهجات الكوردية والعربية وغيرها.
بالاضافة الى أن بعد إنتشار اللغة العربية في القرن الماضي بين المسيحيين بسسب دخولهم المدارس العربية عمدت الكنائس الى تغيير الكثير من طقوسها الى اللغة العربية. لأنها اصبحت اللغة المحكية بين العامة.
6. اليوم يعتنق بعض الكورد المسيحية ولديهم كنيسة ولديهم إنجيل مكتوب بالكوردية. لو كان الكورد قد حافظوا على إعتناقهم المسيحية لكنت وجدت كتب لطقوس مسيحية باللغة والأبجدية الكوردية. حالهم حال كل الشعوب التي أعتنقت المسيحية. والأرمن والفرس أقرب مثال.
7. إنك تجهل الإضطهاد الأربعيني وكيف تحصن المسيحيون في الجبال بعد أن تركوا المدن الكبرى، فالكنيسة دونت كل التفاصيل. واليوم الآشوريين الكلدان السريان ممن هم سكان الجبال، وكل عشيرة تعرف من أين هجرت. وهناك عشائر إنقسم أبنائها بين من إعتنق الإسلام ومن بقي على المسيحية ولكنه ترك دياره. وعشيرة كاتب هذه السطور هي واحدة من هذه العشائر.
لا أدري من يحثك على كتابة بموضوع يخالف رأي القادة الكورد وحكومة اقليم كوردستان. وأفكار ورؤية احزابها الرئيسة. في دستور اقليم كوردستان هناك اعتراف واضح وصريح بحقوق الآشوريين الكلدان السريان. وهناك اقرار بحقوقهم السياسية والثقافية ومنها تعليم اللغة الام السريانية في المدارس الرسمية. يبدو أن السيد مندلاوي ليس راضيا على تجربة الديمقراطية والتعددية في اقليم كوردستان. ويريد أن ينسف هذه التجربة بأفكاره الساذجة المسيئة الى الكورد وتجربتهم في اقليم كوردستان؟
في أحد اجتماعات الاحزاب السياسية الكوردستانية في قلة جولان سنة 2002 اذكر حديث مام جلال (فخامة الرئيس جلال الطلباني)عن واقع اقليم وشعبه قال: (نعرف أن في يوم من الأيام كانت أربيل عاصمة الأشوريين ولكنها اليوم هي عاصمة كوردستان والأشوريين يعيشون معنا ويؤمنون بنفس الواقع). إذا فخامة الرئس جلال الطالباني يؤمن بأن من يطلقون على أنفسهم أشوريون هم آشوريون وليسوا كوردا تبنوا لغة الطقس ونسوا لغتهم وأصلهم.
وفي اربعينية المناضل ابراهيم أحمد كان الرئيس جلال الطالباني يتحدث عن مآثر المناضل إبراهيم أحمد وكنت من بين الحضور فمن جملة ما ذكره الرئيس جلال الطالباني (مع تأسيس حزب الديمقراطي الكوردستاني كان البعض يفكر في تسمية الحزب، بالحزب الديمقراطي الكوردي. لكن المناضل ابراهيم أحمد رفض تسمية الحزب بالديمقراطي الكوردي لأن كوردستان ليست وطن للكورد وحدهم بل هناك آشوريون وتركمان وأرمن ينتمون الى نفس الأرض).
إذا لصالح من تنشر افكارك المسمومة هل هي من أجل الإساءة الى العيش المشترك بين مواطنين في اقليم كوردستان؟
هنا ارغب في الاشارة الى بعض الخصائص من الموروث الثقافي والشعبي الذي يميز الشعوب حتى وإن عاشت متجاورة.
1. اللغة: تحفظ الشعوب لغتها شفاهية وتنقلها شفاهية لذلك عند تطور اللغات وإختلاطها مع دخولها الإعلام يضطر علماء اللغة الى دراسة جذور المفردات في المناطق الشعبية التي لم تتأثر بالمدارس ولغة الإعلام.
2. الفن : يشمل الفن جوانب عديدة من الحياة: الموسيقى الرسم الأزياء الالوان المستعملة في الزي الشعبي، الحرف والمهن. لكل شعب اغنيته وموسيقاه الخاصة به ويدخل ضمن الموسيقى المقامات والإيقاع الذي يميز الغناء من شعب الى آخر. كما يميزه الزي الشعبي والمهن والحرف.
وحتى تختلف فنون صناعة الأدوات من شعب لآخر. كما أن لكل شعب طريقة خاصة في تصميم ملابسه الشعبية والالوان التي يرتديها والأشكال الهندسية التعبيرية في التطريز وتزيين الملابس بالرموز الموروثة.
3. المائدة: لكل شعب مائدته الخاصة وأطعمته الشعبية التي تميزه عن الأخر وهذا يمكن مشاهدته بجلاء في المناطق المختلطة حيث يكون لكل شعب وجباته الشعبية التي تميزه عن جيرانه.
4. الادب والشعر الشفاهي المنقول. القصص الشعبية المحكية والمغناة تختلف من شعب الى شعب في هيكليتها ونسيجها والموروث الادبي حيث ينقل بين الاجيال سواء وجدت الكتابة أم لا.
5. العادات والتقاليد الإجتماعية: من الزواج والإختلاط والمناسبات والأعياد الشعبية، وممارسات الجنازة ودفن الميت ، وغيرها.
فهل درس السيد مندلاوي هذه الخصائص، ووجدها متشابهة بين الكورد وجيرانهم الاشوريين الى درجة التطابق حتى توصل الى فكرته العبقرية ونسب الأشوريين الى الكورد . هذا ناهيك عن الفحص الجيني الذي هو الأساس في تحديد العرق. رغم أن فكرة العرق التي تبنى على التعصب كما في النازية. والفاشية اصبحت مرفوضة في العالم. واصبحت من الماضي المرفوض.
في الختام ارغب أن اوضح نقطة مهمة.
إن كان بعض الحاقدين على التاريخ الاشوري يحاولون طمس هذا التاريخ. اقول لهم أن مكتبات العالم ممتلئة بتفاصيل هذا التاريخ الذي لم يعد بإمكان أحد تغيره حتى لو كان يمتلك أكبر مؤسسات الإعلامية في العالم. وأقول للأخوة الإعزاء من الكورد. ليس شرطا أن يكون للكورد تاريخ مشابه لجيرانهم فلكل شعب ظروفه الخاصة. لم يكن للكورد تاريخ مميز ولكن واقعهم السياسي اليوم أفضل من الآشوريين بألف مرة وأن أجمل عواصم الأشوريين التاريخية هي عاصمة أقليم كوردستان. ليس لأميركا تاريخ اقدم وأجمل من يونان ولكن ما هو واقع اليونان وما هو واقع أميركا بل ليس لأميركا تاريخ أجمل من اليمن ولكن أين اليمن من اميركا. الكورد العقلانيون يتعاملون مع الواقع. وفعلا عرفوا كيف يتعاملون معه ولقد نجحوا. أما التاريخ فسيبقى في بواطن الكتب.
أعود الى السيد مندلاوي وأدعوه الى فحص دمه لمعرفة جذوره العرقية وبعد ذلك ليكتب شيئأ يقبله ويتقبلة العقل العلمي الحديث. ولا داعي أن يخوض في مهاترا ت كلامية ستجلب للإخوة الكورد كثيرا من الكلام الذي لا يستحقونه. فليذهب السيد محمد المندلاوي الى بواطن المكتبات ويدرس التاريخ جيدا. وإن كان فعلا يريد معرفة تاريخ كنيسة الآشوريين بكل طوائفهم ويتعلم لغتهم ويدرس كتبهم. فهذا ما يفعله كتّاب التاريخ.
مع خالص تحياتي وحبي وإعتزازي بصداقتي مع العشرات من كتاب الكورد