الشعب الكردي هو الذي خلّد زعيمه ملا مصطفى البارزاني
بقلم : حبيب تومي / اوسلوhabeebtomi@yahoo.com
شخصية المرحوم ملا مصطفى البارزاني دخلت التاريخ من اوسع ابوابها ، ومرد ذلك ان الرجل كرّس حياته لشعبه فكان الوفاء من هذا الشعب لقائده . البديهي في عالم السياسة ان يكون لقضية كل شعب مناصرين ومعارضين وأعداء لتك القضية ، والشعب الكردي واحد من هذه الشعوب أراد ان يقرر مصيره بنفسه ، لكن كان ولا زال الى اليوم من يسعى الى وضع العصا في دولاب تطور الحركة التحررية للشعب الكردي والذي يبلغ تعداده السكاني عشرات الملايين .
الراهب في صومعته يهب حياته للتعبد فينسى الدنيا وهمومها ويتفرغ لعبادة ربه وليس له اهتمام آخر يعلو تلك النزعة التعبدية التي اختارها لنفسه . والمرحوم ملا مصطفى البارزاني قد اختار قضية شعبه لتكون البوصلة التي يهتدي بها في مسيرة حياته النضالية ، وكل ما يحيط به يضعه في ميزان المعادلة التي احد طرفيها مصلحة الشعب الكردي ، فأعداء القضية الكردية هم أعدائه وأصدقاء شعبه هم اصدقائه ، وهي معادلة بسيطة لا تحتاج الى بعد فلسفي ولا تقبل التأويل .
لقد أجمع معظم الصحفيين الأجانب إن لم يكن جميعهم على سمات قيادية يتسم بها ملا مصطفى البارزاني وأجمعوا على تواضعه وبساطة عيشه ، ولم يتنصل من المسؤولية يوماً ، ولم يدعي العصمة وإنما اثناء العمل الطويل الدؤوب كانت احتمالات الخطأ والصواب واردة ، لقد قاد نضال شعبه في طريق شائك وكان ينتصر يوماً ويخفق آخر وبمرور السنين استطاعت هذه الشخصية الكارزمية ان تحتل مكانة سامية في قلوب الشعب الكردي ، وأصبح رمزاً خالداً للملايين من الأمة الكردية . وكان ينبغي علي ان احترم مشاعر هذا القوم فسميت المرحوم ملا مصطفى الزعيم الكردي الخالد . لكن خرج علينا السيد ياقو بلو ليعطينا دروساً في الوطنية ، ودروساً أخرى عن ماهية الثورة الكردية ..
يقول السيد ياقو بلو:
((اننا نجد انفسنا مضطرين امام اصرار حبيب تومي وامثاله على تسمية ملا مصطفى البرزاني بالزعيم الخالد الى تحديهم كي يبرزوا لنا ولو مثالا واحدا وحيدا يبرهن على موقف وطني وقفه البرزاني))
ويستمر:
((ثورة ايلول، يا للعار، ويا لقبح من لا يستحي، تمرد عشائري مسلح شجبه الاكراد جميعا صغيرهم وكبيرهم ويصر الكاتب الملهم حبيب تومي الذي يتغنى بماضيه الماركسي على تسميته ثورة الى اي منزلق عفن يريد امثال هذا الكاتب الكلداني بالعراقيين يا ترى؟))
ويختتم:
((وهل هناك على وجه الكرة الارضية من يتجرأ ويسمي تمردا عشائريا مسلحا ثورة؟ انها حقا ازمة اخلاق حقيقية، طالما بيننا من يصر ان يمضي بالبسطاء الى الدرك الاسفل.))
في الحقيقة احب الحوارات والمجادلات الثقافية على الا يخرج الحوار من تخوم الأحترام المتبادل وأخلاقية الكتابة والأسلوب المؤدب الحضاري المطلوب . لقد ناشدني عدداً من الزملاء ان أرد على هذا الرجل لأنه كتب مقالات أخرى وأقحم أسمي وكأن حبيب تومي يعمل خادماً لأهل بيته ، وأخبرت زملائي بأنني لا أرد على من يمتهن مهنة الوصاية والتخوين وكيل التهم ، وهذا الرجل بالذات كان له اسلوب سوقي مبتذل ورخيص ، لايمكن ان أرد عليه، وهو يستطيع شتمي شخصياً ما يشاء وسوف لا أرد على شتائمه الواطئة .
أما ما يتعلق بأمور لا تخصني شخصياً ، منها تتعلق بتطاوله على شخصيات وطنية ودينية فإنني سوف أقف له بالمرصاد فقد تطاول على البطريرك عمانوئيل الثاني وعلى الكاردينال عمانوئيل الثالث . وإني اليوم سأناقش هذا الشخص بكل هدوء حول الثورة الكردية وقائدها الخالد ملا مصطفى البارزاني .
أقول :
كانت الثورة الكردية حركة تحررية تريد لشعبها الكردي ان يكون له حق تقرير المصير . لقد كان منهاج ولسون للسلام العالمي 1918 يتضمن :
ان الأقليات غير التركية ضمن الأمبراطورية العثمانية يجب ان تتاح لها فرصة حقيقة لممارسة استقلالها بعيداً عن كل تدخل وتأثير ولا شك ان السيد ياقو بلو يعرف ان واحدة من هذه الأقليات في الدولة العثمانية هي القومية الكردية .
وكانت معاهدة سيفر التي أبرمت في آب أغسطس 1920 تنص المادة 62 منها ان تقوم لجنة خاصة وخلال ستة اشهر من توقيع الأتفاقية بتقديم خطة للحكم الذاتي المحلي للمناطق التي تقطنها اغلبية كردية من شرق نهر الفرات وجنوب الحدود الأرمنية ، التي يمكن تحديدها فيما بعد ، وشمال الحدود بين تركيا وبين سوريا والعراق .. ، لكن جاءت معاهدة لوزان في تموز 1923 لتبطل مفعول معاهدة سيفر ..
أما ثورة أيلول التي يقول عنها ( بلو ) انها تمرد عشائري ، فيكفي ان شعارها كان (( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان )) . فاية عشيرة ترفع مثل هذا الشعار ؟
في 5 آذار 1963 قدمت الثورة مطاليبها الى القيادة الجديدة التي تزعمت انقلاب 8 شباط . وتضمت هذه المطاليب الأعتراف بالحكم الذاتي لكردستان ، والأعتراف بحدود الجغرافية لكردستان شمالاً تركيا وشرقاً أيران وغرباً سورية وجنوباً سلسلة جبال حمرين ، تكون اللغة الكردية لغة رسمية في كردستان وغير ذلك من المطاليب التي تمس الشعب الكردي عموماً وقضيته العادلة ، فأين وجه العشائرية في هذه المطاليب .
إن التركيبة الأجتماعية للشعب الكردي ، لاسيما في القرية ـ هي تركيبة عشائرية ، وعندما تساهم العشيرة في الدفاع عن الثورة لعموم الشعب الكردي لا يعني ذلك ان الثورة اصبحت عشائرية ، لقد ساهمت الأحزاب الكردية والحزب الشيوعي العراقي وعناصر كثيرة من الجيش العراقي التحقت بالثورة الكردية . لقد ساهمنا نحن الكلدانيين بهذه الثورة كما ساهم بها الأشوريون وسقط منهم شهداء ابطال وفي مقدمتهم الشهيد هرمز ملك جكو ، فأي نوازع عشائرية لهذا الخليط البشري ، إنها طروحات ساذجة وسطحية التي طرحها ياقو بلو ويبدو ان هذه الطروحات تحمل وجه واحد فقط وهو الحقد الأعمى ويدعو بكل صراحة الى الكراهية والحقد بين مكوناة النسيج المجتمعي في أقليم كردستان خصوصاً وفي العراق عموماً .
يمكن للسيد ياقو بلو ان يسافر الى القوش ويزور مقبرة الشهداء في دير الربان هرمز ، لكي يرى بأم عينه كم يحترم شعبنا الكلداني هؤلاء الشباب الذين ضحوا بحياتهم ، هل ان السيد بلو يستخف بهذه التضحيات ؟
لقد صدرت قرارت دولية لحماية الشعب الكردي بعد تعرضه لموجة من التطهير العرقي ولحملة ظالمة وتصفيات جسدية وتشريد وهدم آلاف القرى وحملات ( الأنفال البطولية ) ، ألا تحرك كل هذه المواقف ضمير السيد بلو ، ليقول عن الثورة الكردية أنها عبارة عن تمرد عشائري ؟
يقول الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد في مقاله في مجلة المجلة في 23 / 4 / 1991
" الشوفينية العربية في أحدث معاركها "
إن الكثير من اجهزة التلفزيون العربية أغلقت أعين المشاهدين عما يحدث في جبال الأكراد . الصور المرعبة لآلاف النازحين الذين مات منهم المئات حتى الآن ، تحرك أقسى القلوب . أعتقد انها أكثر صور مآسي البشر وضوحاً لم نر مثلها لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في الهند .. وإذا تجاوزنا تخاذل العرب عن دعم أخوانهم الأكراد ، وفهمنا مسألة الحفاظ على وحدة العراق كما يقولون ، فإنه يصعب ان نبرر ان يكال الى الناس الذين يموتون واقفين على أقدامهم المتجمدة ، صفات تخوينية وعبارات تآمرية . إن حق هؤلاء في العيش كمثل حق العرب الآخرين ومثل حق كل شعوب العالم . .ويضيف : لقد بلغت الشوفينية العربية مرحلة هذه الأيام تمثل أدنى الدرجات التي يمكن للأنسان ان ينزل اليها .. وهذا كاتب عربي ، ومن المؤكد ان السيد بلو سيكيل سيل التهم الى هذا الكاتب لأنه يقر بأحقية الشعب الكردي بتقرير مصيره .
أنا هنا لا أريد إقناع السيد بلو بهذه الحقائق ، فمن يتسلح بفكر اديولوجي منغلق ، لا يمكن ان يخرج من القوقعة التي يتخندق بها ولا يريد ان يتنفس الهواء الطلق ليفتح قلبه وصدره للمحبة والأخاء بين المكوناة الجميلة للشعب العراقي بعربه وكرده وكل مكنواته القومية والدينية ، لأنه يرى في نفسه فلتة من فلتات الزمن ، ويرى ان الحقيقة المطلقة بجانبة ولهذا يعطي الحق لنفسه بإصادر الأحكام على الناس ويجعل من نفسه وصياً عليهم وهو العليم الحكيم في كل الأمور ، ومن حقه ان يمنع الحرية عن الشعوب ويكيل التهم كما يشاء ولمن يشاء .
إن ثورة الشعب الكردي ستبقى شعلة وضاءة في تاريخ الشعب الكردي ، وقيادة ملا مصطفى البارزاني ستبقى قيادة خالدة في قلوب شعبه ، وإن الشعب الكردي اليوم يبني أقليمه الكردستاني ، وإن حكومة اقليم كردستان تجاهد وتعمل في سبيل تنمية وبناء وتطوير كردستان ، الى جانب البناء الديمقراطي الليبرالي العلماني في المجتمع الكردي ، وهي تقف على مسافات متساوية من الأقليات الدينية والأثنية التي تكون أقليم كردستان ، ولا أعتقد ان لأفكار بلو مكاناً في هذه البقعة ، ولا يمكن ان تعكر الصفاء والنقاء الذي يسود هذه البقعة الطيبة من الوطن العراقي .
اما ترديد بلو بكوني كاتب كلداني ، فأنا أعترف للسيد ياقو بلو بأنني كاتب كلداني ويشرفني وأعتز بقوميتي الكلدانية العراقية الأصيلة .
وملاحظة لأحد الزملاء وهو هفال محمد زاخولي إذ يدعي بوجود خلافات شخصية بيني وبين ياقو بلو ، فلا يوجد بيني وبين بلو أي خلافات شخصية لأن ليس لي معرفة شخصية سابقة بها الرجل ، وقد عرفته من خلال نصوص مقالاته فحسب .
حبيب تومي / اوسلو