Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الشغب الكوميدي

يكثر الحديث في المجالس الرمضانية عما تقدمه محطات التلفزيون العربية في هذا الشهر الفضيل من برامج لا تليق بالضرورة بكرامته وخصوصيته , بعد ان جرت العادة بحشو اماسي رمضان بتدفق برامجي كثيف يمتد من المنوعات الراقصة الى الدراما التاريخية والعصرية ثم صار التوجه الى الكوميديا ، بعد ان استطاع المنتجون في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي اقناع ادارات محطات التلفزيون بهذا النهج البرامجي الباذخ – من حيث الكم – كي يبيعوا انتاجهم بغزارة بعد ان امنوا للعديد من المسؤولين في التلفزيونات العربية مصالح مادية تدفع مباشرة او عن طريق وسطاء !

وتحاول بعض الفضائيات العراقية – التي جاءت الى الساحة التلفزيونية متأخرة زمنيا – ان تنهج هذا المنهج الانفعالي في شهر رمضان ، وقد توفرت عند القليل منها امكانيات مالية لممارسة الانتاج في شهر رمضان بالذات ، وقد روجت وطبلت لبرامجها الرمضانية كثيرا بما في ذلك عرض تفاصيل ما يجري خلف كواليس العملية الانتاجية واستجوبت فنانيها المستركين في تلك الاعمال امام الكاميرات ليتحدثوا عن انجازتهم فانطبق عليهم المثل الشعبي ( يجشئ ويقول لنفسه عوافي ) !!
واستبق هنا فاقول ان تلك الاعمال وجدت اقبالا جماهيريا ملحوظا وان اختلفت فيها الاراء الى حد التنافض الحاد ، فها نحن نقرأ على موقع واحد على الانترنيت موضوعين متجاورين احدها يعتبر تلك الاعمال الهزلية نتاج عبقرية فذة وتعبيرا بارعا عن هموم الناس والمقال الثاني يعتبرها اسفافا وتهريجا وشغبا !!
ومنذ ايام وكلما ضمنا مجلس رمضاني يوجه لي بعض الحاضرين لوما شديدا لعرض تلك الاعمال التي يقدمها اصحابها على انها من صنف الكوميديا الانتقادية اوالترفيه والفكاهة والتي يبالغ فيها ممثلوها باظهار خفة ظل هي اقرب الى السماجة والاسفاف ! يعتب علي الحاضرون وكأنني المسؤول عن كل ما يعرض على الفضائيات العراقية من زين وشين كوني من اعلام التلفزيون !! ويعتبرون وجودي بينهم فرصة لابداء اراءهم او انزعاجهم امام شخص من نفس كار التلفزيون !!
وفي جلسة الامس التي ضمت مجموعة من العوائل العراقية حاولت ان ابين لهم انني لست مسؤولا الا عن قناة الديار التي نحافظ فيها على منهج برامجي متوازن يحرص على احترام شهر رمضان واحترام الاسرة العراقية ، اما القنوات العراقي الاخرى فان اصحابها مسؤولون عن مضامينها ولهم فلسفتهم البرامجية وان كل اناء ينضح بما فيه !
ومع ذلك اصر الحاضرون على اسماعي – يصفتي من زمرة اصحاب الفضائيات - ارائهم الغاضبة غالبا , من بعض ما يعرض في شهر رمضان المبارك ، مصرين على تحميلي وزر ما اعتبروه تفاهة غرضها – في رأيهم - التشهير السياسي أكثر من أن يكون ترفيهي !! وقد وصفها بعضهم بالشغب الكوميدي الذي مارسته بعض الفضائيات العراقية مع بداية انطلاقها رافضة كل شيء بصورة عدمية ( وهو مذهب فاسفي عبثي يرفض الموجود ويحطمه دون ان يقدم بديلا نافعا ) على نمط برنامج ( حوار الطرشان ) لداود الفرحان الذي لا يضاهيه في سماجة نكته غير مسامير جاسم المطير التي يصر على كتابتها منذ سنوات من لاهاي في هولندا وقد تجاوزت 1370 مسمار !!!


وقد راى بعض الحاضرين ان تلك الاعمال التي يبدو ظاهرها الاضحاك والتسلية تركز من خلال مشاهد تتسم بالفوضى والعدوانية بحجة النقد , تركز على تسفيه االاحداث في العراق ، وتسطيح هموم الانسان العراقي واضحاك الناس علينا !!
وكان الحاضرون ينتظرون مني – وكأني انا مسؤول عن كل ما يعرض على الشاشات - جوابا وتفسيرا لذلك ، وكيف انه حتى القناة التي تعتبر نفسها قناة الدولة تحاول ان تنافس القنوات المستقلة في هذا النوع من الانتاج ( الهزلي !) .. ولكنني تهربت من الجواب !
وقال احد الحاضرين – وهو غير العراقي الوحيد الذي كان بيننا - ان الكثير من شعوب الارض مرت بمحن واحوال صعبة ولكن ذلك لم يكن يوما ما مدعاة للسخرية من اوجاع الناس والضحك على هموم المواطنين وتسفيه مشاكلهم والطعن في اخلاق العامة !! واستشهد بامثلة كوميدية كثيرة في الوطن العربي مع كل ما فيها من نقد للسلبيات ، لم يكن اي منها يسخر من الوطن والمواطنين ولم تقدم صورا مشوهة من المجتمع مثلا اعمال دريد لحام الانتقادية او مسرحيات وافلام عادل امام ، او مسرحيات شوشو في لبنان او مرايا ياسر العظمة ، او مسلسلات الكوميدي القطري غانم السيلطي !! وقد قرأت له مؤخرا رايا حول بعض ما يعرض في رمضان هذا العام قائلا (.. انا مندهش وفي حالة ذعر مما أرى على الشاشات التلفزيونية من كمية الإسفاف والوقاحة في بعض الأعمال.. لايجوز أن تصل بنا الأمور إلى هذا الحد.. هذا حرام... هناك فرق ما بين الجرأة في الطرح ، وما بين الوقاحة!! ))
ومما يثير الدهشة هو ان بعض منتقدي تلك الاعمال المذمومة هم من الممثلين المشاركين فيها مبررين اشتراكهم فيها بالرغم من ادراكهم لعيوبها ، بحاجتهم للمال ولشحة فرص العمل امام الفنان العراقي مما جعله يقبل بكل ما يعرض عليه وحتى باجور متدنية !! Opinions