الشكر لمن حرَّرَنا!
احتفاء العالم بصنّاع التحرير في تونس ومصر وما سيليهما من بلدان ينتظر أهلها الخلاص التام إلى الحريّة، يدفع بالضرورة - العراقية- لاستذكار من حقّقوا خلاصنا؛ الشهداء حيث جعلهم العنف الباذخ للطغيان ينتشرون في خرائط واضحة ودقيقة، وبالامكان إحصاء أعدادهم وفق قوائم رسمية، وقضية تكريمهم متروكة للدولة، واستذكارهم حتمي عليها بحدود الإنصاف والتشريعات. والمنسيون الأحياء، أو المُتَجَاهَلون، ربما لا يأبهون بهذا الاستذكار الرسمي، ليكون واجب استذكارهم الشعبي هو الأهم.. المنسيون في هذه القضية هم من أود تحيتهم وشكرهم بشكل شخصي، سيواجه اعتراضات لا آبه بها، حين أشكرهم وبينهم أميركا كأول المُتجَاهَلين المدفوع فضلهم عنوّة للنسيان!.وحدهم أهل تونس ومصر كمتحرّرين جدد سيقدرون لهفتنا المتواصلة لعرفان أفضال من ضحوا وسعوا لترسيخ الحرية. ووحدهم سيقدرون محنتنا العراقية، حين يقارنوا وقوف غالبية سكان العالم معهم؛ شعوباً وحكومات، لأجل نيل خلاصهم من طغاتهم، في وقت شحّ فيه نصير خلاصنا. ووحدهم سيقدرون مأساة القمع واستماتة أركان النظام الديكتاتوري، في الدفاع عن مكتسباتهم الشخصية، حتى وإن تطلّب الأمر دهس سيارة أمن "الدولة" لمجموعة متظاهرين، أمام شاشات العالم، فما بالك بمن كانوا يدفنون الأحياء في مقابر جماعية. وحدهم من ذاقوا طعم الحريّة سيصدّقون بياض العظام المبثوث بين النهرين، ولن يظنّوا إن تلك العظام جاء بها "المحتلّ" الأميركي معه من دياره لينشرها في أرض العراق.
وحدهم صناع الحرية الجدد يفهمون بإصرارهم إن أسوء أنظمة العالم لم تستخدم مثل صدام حسين جيشها ليضرب بأعنف الأسلحة الفتاكة مدن آمنة، وحدهم وهم ينظرون إلى مواقف جيوشهم، سيقدرون حجم البطش لجيش يقدّر تعداده ب 350000 مقاتل مضاف إليهم نصف العدد لقوى أمن ومخابرات ورجال حزب حاكم، وكيف قسّم الطاغية البلد إلى مناطق حربية، بقادة من عسكره الخاص، رصد لهم ما يعادل 50 ألف مقاتل لكلّ مدينة. وحدهم وهم يلوذون بدبابات جيوشهم المحايدة طلباً للأمن أيام الاحتجاجات، سيدركون تحيتي لدبابتين أمريكيتين وقفتا على جسر بغداد لتكسرا حاجز الخوف والرهبة لدى جيش القمع. وليقارن أي محتجّ ظلم الغزاة المزعوم،وظلم ذوي القربى الأشد مضاضة.. ليقارنوا بين ما قدموه هم لنا من إنجاز، وما قدمه لنا أهل الشأن منا، قريبهم وبعيدهم.
استذكار صنّاع التحرير مهمة إنسانية، مثلها ما جعل وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) تضع اسم شهيدة الحرية المصرية "سالي زهران" على مركبة متجهة إلى المريخ، فالمركبة تسعى إلى الجديد المفيد للإنسانية، وتلك البطلة سعت وأنجزت نصراً يستحقّ العرفان والوفاء الإنساني. ووحدهم أهل مصر سيدركون قيمة هذا التثمين الإنساني لرموز حريتهم، بعمق ووعي. وحدهم من لا يستنكر عليّ الآن هذا الاستذكار الشخصي لمن قدموا التضحيات لأجل تحرير العراق.