الصحَافيون العِراقِيون .. لِماذا يُقتَلون ؟
إنها واحدة من أقسى ما عرفه العصر الحديث، وواحدة من أخطر الظواهر التي عرفها العراق منذ خمس سنوات، أي منذ السيطرة الأميركية عليه حتى اليوم.. ظاهرة تتمثّل بقتل الصحافيين والمراسلين والإعلاميين الذين ينقلون الحقائق المكتوبة والمقروءة إلى كل العالم، أو حتى أولئك الذين يعملون محليا من مصورين وحرفيين وسائقين.إنها في الحقيقة، من أكبر جرائم هذا العصر الذي كلما تقدم الزمن به نحو الأمام، كلما ازدادت أهمية الصحافيين والإعلاميين المحترفين والمبتدئين، خصوصا أولئك الذين ينتشرون على كلّ الأرض الخطيرة ويصلون الخطوط الحمراء عند أبواب النار، ويدخلون قلب الحدث فينقلونه تسجيليا عبر الكاميرات إلى الشاشات التلفزيونية..
لقد وجدنا من خلال تقرير لجنة حماية الصحافيين، أن حصيلة من قتل منهم في العام 2007 ولأسباب مرتبطة مباشرة بعملهم الميداني، قد وصل إلى 64 صحافيا في العالم، بزيادة على حصيلة العام 2006 التي بلغت 56 صحافيا. ولم يزل التحقيق ساري المفعول ل22 حالة أخرى لم يرتبط قتل أصحابها بأسباب عملهم، بل لأسباب أخرى، واغلب تلك الحالات في العراق وللأسف الشديد! إذ بقي العراق وللسنة الخامسة ميدان قتل متعمد وإرهاب علني يمارس في الشوارع..
وعدّ العراق أيضا، البلد الأشد فتكا بالصحافيين في كل أنحاء العالم. لقد بلغ عدد الصحافيين الذين قتلوا على التراب العراقي أكثر من 31 صحافيا، أي أن العدد يقترب من نصف الخسائر لأرواح الصحافيين في العالم عام 2007. إن معظم الضحايا قتلوا غدرا، وقد استهدفهم القتلة بالترصد والقتل العمد، إذ بلغ عدد من قتل عمدا 24 صحافيا، وقتل 7 من الصحافيين وسط نيران متقاطعة أثناء المواجهات المسلحة. إن صحافيا واحدا من ال31 هو غير عراقي، أما بقية الثلاثين فكانوا من العراقيين.. وهذا عدد لا يمكن تخّيل حجم كثرته عالميا، بل انه الكارثة بحد ذاتها.
ومن المفجع أن دماء كل القتلى من الصحافيين ذهبت سدى، ومن دون أي حراك أمني أو إجراء قضائي بحق القتلة المجرمين. لقد نفّذت كل تلك العمليات مجموعات مسلحة مجهولة لم يعرف من تكون، ولا يدري أحد من خطّط لها وموّلها لأسباب شتى خارجية وداخلية. ولكن السؤال الذي يثار دوما: لماذا يستهدف كل هذا العدد من الصحافيين العراقيين بالذات؟
من له مصلحة في قتلهم وإفراغ الساحة الداخلية منهم؟ من له خطة مبيّتة ودقيقة من اجل عدم نشر الحقائق العراقية على العالم؟ وهل تريد بعض الأطراف الإقليمية والداخلية التي يشار إليها بالاتهام، فرض أجندتها وخططها في مناطق عراقية معينة، من وراء التعتيم الإعلامي بالقوة والاضطهاد والقتل؟ وهل يطمع القتلة في فرض التعتيم الإعلامي في الداخل على العراقيين أنفسهم، أم يشملون كل الخارج معا؟
إذا أدركنا أن معظم الصحافيين العراقيين الذين سقطوا، وهم ضحايا أبرياء من المدنيين، يعملون في مؤسسات إعلامية محلية عراقية، وان تسعة منهم فقط يعملون لدى مؤسسات إخبارية دولية.. أدركنا بما لا يقبل مجالا للشك أن هناك أجندة معينة لحرمان العراقيين بالذات من معرفة ما يجري على الأرض، وخصوصا في مناطق معينة من العراق.
إن العمل الصحافي في العراق يبقى من أخطر الأعمال، كما قال جويل سايمون المدير التنفيذي للجنة حماية الصحافيين.. ونجد أن الخطر يزداد تفاقما مع مرور السنين، إذ وصل الأمر إلى قتل نقيب الصحافيين العراقيين قبل أربعة أشهر بعد أن تعّرض للملاحقة منذ أربع سنوات، وهو رجل كبير السن وليس له أعداء وخصوم شخصيون.. إن هذه الموجة القاتلة للصحافيين العراقيين شيبا وشبانا، نسوة ورجالا، تعمل كآلة منظمة ودقيقة بمنتهى الدقة المثيرة للقلق.
. إن أشكال القتل مؤلمة جدا، سواء برش الرصاص أو الاختطاف والتعذيب حتى الموت.. ولم ينج أي صحافي في أي مكان من ارض العراق، فالعنف ضد الصحافيين قد ازداد خطره مذ دخلنا العام 2008. ولم يعد يستهدف الصحافيين والمراسلين بحد ذاتهم، بل يشمل كل العمال الذين يسيرون معهم، والمصورين المرافقين لهم..
هنا أسأل: هل من معالجات ميدانية على الأرض لحماية هؤلاء الناس الذين خاطروا بأنفسهم وأرواحهم، وحملوا دماءهم فوق أكفهم من أجل نقل الحقائق، كما تجري إلى العالم؟
ليصرخ الجميع في وجه القتلة، وليعرف العالم من يقف وراء هذا الماراثون الدامي. علينا أن نناشد المجتمع الدولي برمته من أجل التحقيق في العراق، والإجابة عن التساؤل القائل: لماذا يقتل الصحافيون والأكاديميون؟ ومطلوب من المؤسسات الإعلامية والصحافية العربية أن تتنّبه إلى هذه «الظاهرة» المؤلمة في حياتنا اليوم، وأن تعيرها الأهمية القصوى من أجل حرية الرأي، واحترام العاملين لأجلها. وأخيرا، لا بد أن نقف لإلقاء التحية على كل الصحافيين والإعلاميين الذين ذهبوا ضحايا العنف، في بيئات ساخنة ومتخلفة لم تعد تصلح للحياة أصلا.
www.sayyaraljamil.com