Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الضغط على الحكومة 2- الضغط الإستباقي وتأثيراته على المالكي في حكومتيه – ج2

3 آذار 2011
هذا هو الجزء الثاني من القسم الثاني من مقالة "الضغط على الحكومة" وكان القسم الأول بعنوان "إدارة الضغط على الحكومة وتوجيهه (1)
أمام هذه التهم الإستباقية والإنشغال بتبرئة الذات منها، نسي المالكي الأهداف الملحة التي كان العراق بحاجة إليها. وبالفعل أثير في الإعلام الأمريكي في البداية وتلقفه الإعلام العراقي لاحقاً ما يسمى بـ "تسجيل النقاط"، والمخصص لقياس تقدم المالكي لدى الحكومة الامريكية، وكان بترايوس قائد القوات الأمريكية في العراق في ذلك الحين يقدم لحكومته التقارير عن تسجيل المالكي لتلك النقاط ، والتي كانت تنشر إعلامياً، وكان المالكي يعامل كتلميذ صغير يعطى واجباً من قبل المعلم، دون أن يثير ذلك أي شعور بالإحتجاج والمهانة!
تحت ذلك "الضغط الإستباقي" بالطائفية والتبعية لإيران، صار المالكي يتصرف وكأنه مجرم متهم بالطائفية والعمالة لإيران، تم إخراجه من السجن مؤقتاً ليبرهن حسن سلوكه! وبالفعل كان خطابه الأول يهتف ""من الان وصاعدا سيكون جهدنا منصبا على الغاء كل هذه المفاهيم والعمل على أساس الهوية العراقية وعلى أساس الشراكة الوطنية". وهي عبارة مفهومة القصد، لكنها غير دقيقة لأنها توافق ضمنياً على إتهام بالطائفية للحكومة السابقة للجعفري.

وتم استغلال "الضغط الإستباقي" للتبعية لإيران للدفاع عن الإتفاقية العسكرية والإستراتيجية المشبوهة مع الإحتلال، حيث عزفت وسائل الإعلام والسياسيين التابعين للولايات المتحدة، على الأوتار الحساسة لتلك التهمة فكان شعارها "من لا يريد الإتفاقية هو إيران، إذن من يرفضها هو من عملائها". ونلاحظ هنا أن المعتاد في مثل هذه الحالات أن يتهم من يؤيد المعاهدات بالعمالة للأجنبي، لكن الضغط الإستباقي تمكن من تحويل إتجاه التهمة إلى العكس!

وفي ذلك الوقت (2007) كتبت مقالة ساخرة بعنوان "الوحي زار حاكم العراق في المنام"، وهي تشرح بشكل كوميدي وواضح حالة رئيس الحكومة الذي تم شله قبل أن يستلم السلطة، وتمثل سطورها سجلاً لتلك "الضغوط الإستباقية " التي كان على المالكي أن يعيش معها، وأقترح قراءتها لأخذ تصور عن الوضع في ذلك الوقت (وهو لا يختلف كثيراً عن الوقت الحاضر، لذلك أعدت نشر المقالة قبل اسابيع) وكمثال لما جاء فيها، بعد أن يأمر الوحي المالكي بأن يعامل الجميع بالعدل:

"ان تتجنب اعدام او سجن او محاسبة اي سني من شعبك وإلا كنت طائفياً ظالماً. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وكذلك يأمرك الله ان تتجنب اعدام او سجن او محاسبة اي شيعي وإلا كنت خائناً مشاركاً في المؤامرة الأموية للقضاء على آل البيت فاستحققت غضب الله ولعنته الى يوم القيامة. واجتنب كذلك محاسبة ومعاقبة المسيحيين واليزيديين والصابئة وإلا كنت متعصباً دينياً، فخالفت امره تعالى "لكم دينكم ولي ديني" وحق عليك حكم المخالفين.
ودع عنك محاسبة اي كردي او تركماني اواشوري أو ارمني وإلا كنت قومياً شوفينياً، والقومية والشوفينية بدع وكل بدعة ظلالة وكل ظلالة في النار.واجتنب محاسبة اي سياسي من الاحزاب الأخرى وإلا صرت متحزباً ضيقاً تعمل على "اقصاء الآخر" فإن انت فعلت عاقبك الله فملأ وجهك وجنبك بالخطوط الحمر يوم القيامة.
واياك اياك ان تكلم بعثياً ممن "لم يثبت عليه الجرم" ونخص بالذكر من كان اختصاصه في الأمن العامة فتقطع ارزاقه، فإن كنت فاعلاً كنت اجتثاثياً وكسبت ذنوبه، لا اراك الله اياها. فأن دعوةَ البعثي الذي لم تثبت عليه تهمة، ليس بينها وبين الله حجاب." (4)

حين استلم المالكي حكومته الأولى كتبت أنها "حكومة تولد في قفص الإتهام"، فقد كانت الإتهامات تحاصره، وليست كلها مزيفة، وكل اتهام يمثل "ضغطاً أستباقياً" يمنعه من التصرف بشكل ما، كما تبين سطور مقالتي الساخرة الأخرى. ومن الطبيعي أن من خلق تلك الضغوط كان يهدف إلى أن يحولها في النهاية إلى مكاسب سياسية واقتصادية محددة.
واليوم لا أجد إلا السيناريو يتكرر مع المالكي وهاهو يبدأ حكومته الثانية محاصراً بضغوط استباقية عن الفساد والعجز عن الإنجاز وإهمال مصالح الشعب والبلاد وتبذير الأموال والدكتاتورية والتشبث بالسلطة، وليست كل التهم بالتأكيد مزيفة. وقد ولدت تلك الضغوط التظاهرات الخطيرة في الإسبوع الماضي، والتي اصابت حكومته بالخوف الحقيقي والحيرة. ويلاحظ أن "الضغوط الإستباقية" شلت قدرة الحكومة على رد الفعل، فالإتهام بالدكتاتورية وقمع حرية التعبير مكّن وسائل إعلام خصومه أن تضخم من قسوة ردود أفعال حكومته وتفسر كلامه بشكل غير صحيح دون أن تخشى الإتهام بالكذب والمبالغة. فتحول قرار الحكومة بمنع سير المركبات إلى "منع تجول" وتلفظ مذيعة فضائية بغداد "القنابل الصوتية" وكأنها تقول "القنابل الذرية" وتتحدث عن "إشتباك بين المتظاهرين وقوات الشرطة" وتحاول عبثاً أن ترى أثراًَ لذلك الإشتباك، وكتبت صحف عن "ديمقراطية المروحيات" لأن مروحية حلقت بشكل منخفض قليلاً أثار غباراً بين المتظاهرين لبضعة ثوان! ووقعت حوادث عنف كلفت ضحايا غير معروفي العدد حتى الآن، ولكن يلاحظ أن كل تلك الحوادث حدثت في المدن التي يسيطر عليها المعارضين للحكومة، شعباً وحكومة محلية. هذا كله لا يقلل من الأساس الشعبي لتلك التظاهرات والمطالب الملحة التي كانت ترفعها، إلا أن توقيتها والمبالغة الإعلامية في تصوير ما حدث فيها يثير الريبة.

لم تنتج تلك التظاهرات ما كانت الحكومة تخشاه، لكنها خلقت "ضغطاً إستباقياً" هائلاً جعل الحكومة موضع اتهام شديد، ووضعها تحت المجهر. وقد قام المالكي بفعل ذلك الضغط بتقديم إجراءات ووعود طموحة وربما مستحيلة. لقد طلب إقالة المحافظين الذين طلبت التظاهرات إقالتهم، وهذه مسألة غير طبيعية، فالتظاهرات التي طالبت بإقالة محافظ البصرة مثلاً ليست حتى بالعدد الكافي لتبرير ذلك القرار، عدا كونها طريقة غير صحيحة. وأما الوعد بإجراء تقييم بعد 100 يوم وطرد الوزير المقصر، فهو قرار مشكوك به أيضاً، وإن كان ينقذ المالكي اليوم فهو يضعه في مأزق غداً. فلا يمكن إنجاز الكثير خلال 100 يوم، ولا مفر إذن من الغش في تلك الإنجازات، وهو ما يهدد بخسارة إقتصادية واجتماعية جديدة، كتلك التي كانت تنتج عن ضغط الدكتاتور لإنجاز الأمور بوقت غير طبيعي، فتأتي "الإنجازات" شكلية منخورة من الداخل، لايمض بعض الوقت حتى تتهاوى.

قلنا أن "الضغط الإستباقي" على الحكومة المالكية السابقة قد أسهم في تحقيق عدد من المشاريع الأمريكية ومنها إدخال أكبر عدد ممكن من بقايا صدام إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، وتمكن من حماية منظمة مجاهدي خلق وبعض اللصوص الكبار وعرقل بدون شك تطور العلاقات مع إيران إلى ما يمكن أن تكون عليه، وقبل ذلك أقام مذبحة لميليشيات جيش المهدي محققاً حلما أمريكياً هاماً، فما الذي ينتظر أن ينجزه "الضغط الإستباقي" الذي تتوج بالتظاهرات الأخيرة؟
في تصوري أن أهم الأهداف الأمريكية التي يأملون إنجازها في هذا العام بالذات هو تمديد بقاء قواتهم في العراق. وما استماتتهم في تزوير الإنتخابات الأخيرة لصالح قائمة العراقية إلا دليل على ذلك. فمن المعروف أن علاوي ينسجم تماماً مع خططهم خاصة في السيطرة على الأمن من خلال بقايا الصداميين، وكان هو الذي اتاح لهم في فترة حكمه القصيرة وضع العراق تحت سيطرتهم بشكل كبير. أما طارق الهاشمي فقد صرح علنا وبدون مناسبة أنه من الضروري مراجعة جدول انسحاب القوات إثر عودته من الولايات المتحدة. وإضافة إلى هدف تمديد القوات هناك أهداف أخرى تتعلق بقانون النفط مثلاً والذي يضغط الأكراد لإقراره.

هل يستطيع المالكي الإفلات من "الضغط الإستباقي" الشديد الذي سلط عليه، أم سيضطر في النهاية لتوقيع تمديد القوات؟ حتى الآن تقول تصريحات المالكي بأنه لن يمدد الإتفاقية، لكن المفاجآت ليست غريبة على شخصية المالكي، فقد كان يرفض المعاهدة حتى آخر أسبوع قبل توقيعها، ثم انقلب فجأة.
لكن ما لا أشك فيه هو أن ذلك التمديد ليس في صالح العراق، ولا هو في صالح حكومة المالكي. فقد رأى المالكي بوضوح أن أي تواجد للأمريكان في العراق هو تدخل سافر وعميق في كل المقدرات والسيادة العراقية، من تزوير انتخابات إلى تدخل في الإقتصاد إلى الضغط على السياسيين وابتزازهم، وأهم من ذلك أن الإحتلال هو المتهم الأكبر بإدارة الإرهاب. ويدرك المالكي أيضاً أنه لم يكن ولن يكون الشخص المفضل أمريكيا لحكم البلاد. لكل هذه الأسباب أعتقد أن المالكي لا يريد التمديد بل يخشاه، فكيف سيفلت منه؟

لا أحد يدري ما الذي يخبئه الأمريكان للأشهر القادمة، لكن هناك طريقة واحدة لتقليص فرص الضغط على الحكومة إلى أدنى حد حول التمديد، بإعلان المالكي فوراً أنه لن يقبل بتمديد القوات تحت أية ظروف، وأنه سيستقيل إن أجبر على ذلك ويدعو لإنتخابات مبكرة!
بهذه الطريقة سوف يسلط المالكي "ضغطاً إستباقياً" مضاداً لأية خطة أمريكية لتمرير التمديد. أية محاولة لإزاحة المالكي واستبداله بآخر من أجل التمديد ستكون مكشوفة تماماً، وستكون فضيحة ليس من السهل على الأمريكان تسويقها داخل أميركا نفسها. كذلك فلن يكون سهلاً على اميركا أن تجد من يقوم بتنفيذ الخطة لها، وإن وجدت فأن هذا الشخص سوف يحرق أوراقه تماماً، ويتسبب للإحتلال ولنفسه بإشكالات كبيرة ربما تكون فوق طاقة الإحتلال نفسه.

أن أي تساهل أو إشارة باحتمال تمديد القوات، تحت أية ظروف، سوف يشجع الإحتلال على الضغط على الحكومة من أجل التمديد، وسنجد تلك "الظروف" قد حدثت أو خلقت فجأة لتستدعي التمديد. اما الشعب العراقي فلن يصدق على الإطلاق أية حجة لذلك التمديد حتى لو مرت البلاد بأية ظروف أمنية قاسية، فسوف يفسر العراقيون أن الإحتلال وأعوانه قد خلقوا تلك الظروف خلقاً من أجل التمدديد، وبالتالي فسوف يحكم على أية حكومة توقع التمديد بأنها حكومة عميلة.
المالكي مسؤول بشكل خاص عن تخليص العراق من آثار تلك المعاهدة، أو على الأقل الجزء العلني العسكري منها وبأي ثمن، فهو الذي وقعها وورط البلاد بها، في ظرف كان يمكن رفضها دون مشكلة كبيرة. لذلك على المالكي أن يضع هذا الهدف نصب عينينه، وخير ما يبدأ به حملته للتخلص من القوات، هو أن يعلن فوراً، وقبل أن يهيء له الأمريكان مفاجأة جديدة، أنه لن يمدد المعاهدة بأي شكل من الأشكال. كل تأخير لذلك التصريح يحمل مخاطرة، وكثيراً ما يكون الحسم السريع أقل الطرق كلفة وخطورة.

(1) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=44513

Opinions