الطالباني يلقي كلمة العراق امام الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها السادسة والستين
24/09/2011شبكة أخبار نركال/NNN/
ألقى فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني صباح يوم الجمعة 23-9-2011، بتوقيت نيويورك كلمة العراق أمام الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها السادسة والستين، وفي ما يأتي نص الكلمة:
"السيد الرئيس ،
اسمحوا لي أولا ان اتقدم بالتهاني لكم ولشعب قطر الشقيق بمناسبة ترؤسكم الجمعية العامة في دورتها السادسة والستين، وسيكون وفدنا عونا لكم في اداء مهامكم ، واننا على يقين من ان الخبرة والحكمة التي تتمتعون بها ستكون عاملا مهما في انجاح اعمال الجمعية العامة . والشكر موصول أيضاً لسلفكم السيد جوزيف دايس لرئاسته للجمعية العامة في دورتها السابقة .كما أتقدم بالتهنئة الحارة للأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون بمناسبة إعادة إنتخابه كأمين عام لدورة ثانية وأتمنى له التوفيق في عمله.
السيد الرئيس ،
يشرفني ان اقف امامكم مرة اخرى ، لأوجزكم بأبرز التطورات التي يشهدها العراق وهو يعمل على بناء دولة عصرية تعيش بأمن وسلام مع شعبها ومع جيرانها، ويبني وطنا يعيش فيه الجميع بأمن واستقرار، بغض النظر عن الانتماءات المذهبية والاثنية والطائفية، في نظام تسود فيه دولة القانون وتحترم فيه حقوق الانسان، نظام قائم على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. هذا هو اساس منهجنا الذي نسير عليه ونعمل على ترسيخه باستمرار. ولقد اثبتت الاحداث التي تجري في المنطقة العربية حاليا، صحة النهج الذي سرنا ونسير عليه، واصبحت قيم التغيير والاصلاح، التي كان وما يزال العراق ينادي بها، جزءا اساسيا من طموحات الشعوب العربية نحو الحرية ونحو اختيار نظامها السياسي بكامل ارادتها على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد قطعنا شوطا مهما في بناء نظامنا السياسي القائم على حكومة الشراكة الوطنية، وبدأ العراق يستعيد عناصر قوته التي افتقدها منذ اكثر من ثلاثة عقود بسبب الحروب الداخلية والخارجية التي كان يشنها الحكم الدكتاتوري، وبسبب العزلة التي كان يعيشها والعقوبات التي كانت مفروضة عليه، فضلا عما عاني منه البلد بعد انهيار النظام الدكاتاتوري من تفكك وانهيار لمؤسساته الامنية واشتعال الفتنة الطائفية التي كادت ان تعصف بوجوده الوطني. كل هذه السلبيات بدأنا بتجاوزها، واصبحت جزءا من الماضي، وذلك بقوة ارادتنا وصمودنا، وبمعونة ومؤازرة المجتمع الدولي لنا.
وفي مجال التنمية، وبعد ان شهد الوضع الامني في العراق تحسنا كبيرا، ما زلنا نعوّل على الخطة الخمسية للاعوام 2010- 2014 التي اعلنت عنها حكومة العراق في 4/نيسان/2010، وعلى جولات التراخيص التي عقدها العراق مع شركات كبرى في مجال الاستثمار في النفط والغاز لتطوير صناعتنا النفطية، وذلك من اجل دفع عجلة الاقتصاد والتنمية الى خطوات متقدمة. هذا ومن المتوقع ان تتضمن الخطة الخمسية المباشرة بما يقارب 2700 مشروع استراتيجي في القطاعات المختلفة تبلغ تكلفتها 186 بليون دولار. وستوفر الخطة ما يقارب 4 ملايين فرصة عمل ستساهم بشكل ايجابي في معالجة مشكلة البطالة في العراق، ومن المؤمل ان يرتفع دخل الفرد العراقي في نهاية هذه الخطة الى 8 الاف دولار، وأن ترمي الى تخفيف الفقر بنسبة 16%.
و بالاضافة الى ذلك، فقد استطعنا ان نتخلص من العقوبات والقيود التي فرضت على العراق على اثر اجتياح الكويت. و استنادا الى قرارات مجلس الامن 1956 و 1957 و1958 التي صدرت في 15/12/2010، تحرر العراق نهائيا من جميع القيود التي فرضت عليه والتي كانت تحرمه من الاستفادة من التقدم التكنولوجي والعلمي، واستعاد العراق سيادته على موارده المالية. وبعد هذا الشوط المهّم من بناء الدولة، نشعر اننا تقدمنا بخطوات راسخة اكثر على طريق الديمقراطية والتنمية، واننا بتنا في حاجة أكبر الى فتح ابواب العراق للاستثمار، ولهذا فأن سياسة العراق الاقتصادية تقوم في جانب حيوي منها على تشجيع الاستثمار وتوفير البيئة التشريعية المناسبة التي تحمي المستثمرين ورؤس الأموال، بحيث يكون العراق بيئة استثمارية آمنة وخصبة في العديد من المجالات الحيوية كقطاع الصناعة النفطية والغاز والكهرباء والبناء واعادة الاعمار والبنى التحتية وغيرها من القطاعات الاقتصادية، ومن هذا المنبر ادعو جميع الدول إلى فتح قنوات للتعاون مع العراق في مجال الاستثمار، والاستفادة من الفرص المتاحة في هذا الجانب.
وقد شهدت كردستان العراق تطورات هامة في مجالات العمران والاقتصاد والثقافة وغيرها فقد تم إعادة بناء آلاف القرى التي هدمتها الدكتاتورية وتحدثت المدن والقصبات وطرق المواصلات وتملك منطقة الإقليم كمثل الآن أكثر من خمسة عشر جامعة حكومية وأهلية تجاوز عدد طلابها مئة ألف في حين كانت توجد فيها جامعة واحدة لا يتجاوز عدد طلابها آلاف عدة.
وفي نهاية هذا العام سيتم انسحاب قوات الولايات المتحدة الامريكية استنادا الى الاتفاق الموقع بين البلدين في عام 2008، ولقد اثبتت قواتنا الامنية خلال هذا العام 2011 قدرة كبيرة على مكافحة الارهاب وتوفير الامن، وانها قادرة وبكفاءة عالية على ملء الفراغ الذي سيخلفه انسحاب القوات الامريكية من العراق، وهذا ما سيعزز قدرات العراق الوطنية في الحفاظ على المكتسبات التي تحققت في العراق الجديد، بيد ان الحاجة ستدفع بحكومة العراق الى الاحتفاظ بأعداد من الخبراء الامريكيين وغيرهم للاستفادة من خبراتهم في مجال التدريب وبناء القدرات وحسب حاجة العراق الى ذلك. وفي هذه المناسبة اقدم باسم حكومة وشعب العراق شكرنا وتقديرنا للمساعدة والدعم الذي قدّمه شعب وحكومة الولايات المتحدة والدول الصديقة الاخرى والامم المتحدة من اجل تعزيز الديمقراطية في العراق واعادة اعماره. وانتهز فرصة وجودي هنا في نيويورك لاعرب مجددا لسكانها ولكل الشعب الامريكي عن مشاعر التعاطف والتضامن في مناسبة الذكرى العاشرة للاعتداءات الارهابية في الحادي عشر من ايلول.
وفي مجال علاقات العراق الإقليمية والدولية، فلقد حدد دستور العراق والبرنامج الوطني للحكومة العراقية الحالية الاسس العامة لسياستنا الخارجية التي تنص على ان العراق عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها وهو جزء من العالم الاسلامي، وعلى هذا الاساس، يعمل العراق على استضافة القمة العربية في نهاية آذار من عام 2012. كما يراعي العراق مبادىء حسن الجوار ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على اساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل ويحترم التزاماته الدولية، وعلى هذا الاساس فاننا ندعو الجارتين العزيزتين تركيا وجمهورية ايران الاسلامية الى اللجوء الى الدبلوماسية والحوار الهادف لحل المشاكل ووقف قصفها للاراضي العراقية في منطقة كردستان الذي يذهب ضحيته العديد من المدنيين والابرياء.
وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم بالشكر الجزيل لقيادة الجمهورية الإسلامية وعلى رأسها سماحة المرشد آية الله العظمى السيد علي خامنئي على تفضلهم بإطلاق سراح الأمريكيين المعتقلين لدى إيران.
وفي مجال التزامنا بنزع السلاح وعدم انتشار الأسلحة النووية، فان دستور العراق كان واضحا في تحديد موقف العراق من هذه القضية اذ نصت المادة (9هـ) على ان حكومة العراق تحترم وتنفذ التزامات العراق الدولية الخاصة بمنع الانتشار وتطوير وانتاج واستخدام الاسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، ويمنع ما يتصل بتطويرها وتصنيعها وانتاجها واستخدامها من معدات ومواد وتكنولوجيا وانظمة اتصال. وعلى اساس هذا الموقف الواضح والتزام العراق بالمواثيق الدولية المتعلقة بنزع السلاح فقد اعتمد مجلس الامن في 15/12/2010 القرار 1957 الذي رفع بموجبه جميع القيود التي فرضت على العراق في هذا الجانب، وفي هذا الصدد نود ان نؤكد على حق الدول المشروع في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وحصولها على التقنيات المتعلقة بذلك استنادا الى احكام المعاهدات الدولية ذات الصلة، وبأن هذا الحق يشكل واحدة من الدعامات الاساسية لنظام نزع السلاح وعدم الانتشار. وضمن هذا التوجه، وقدر تعلق الامربالملف النووي لجمهورية ايران الاسلامية، فان العراق يؤمن بحق الدول المشروع في استخدامات الطاقة النووية للاغراض السلمية، وهو حق كفلته المواثيق الدولية وفي المقدمة منها معاهدة عدم الانتشار، ونؤكد على اهمية التوصل الى حل سلمي في التعامل مع هذا الملف، وان الحوار والعمل الدبلوماسي الهادىء هو انجح طريقة لتحقيق ذلك الهدف، وبالمقابل فان اي تصعيد سيضر بمصالح جميع الاطراف ويعرض امن المنطقة الى خطر كبير.
السيد الرئيس ،
إن العراق قلق إزاء الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني الشقيق نتيجة للممارسات الإسرائيلية التي تتنافى مع القوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الانساني، ويعمل بكل ما في وسعه لدعم نضال الشعب الفلسطيني لنيل جميع حقوقه غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حق اقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشريف، وفي هذا المجال فان العراق يؤيد ويساند توجه السلطة الوطنية الفلسطينية الى الامم المتحدة للحصول على الاعتراف الدولي الكامل بالدولة الفلسطينية التي أقرتها قرارات الأمم المتحدة ومنها قرار تقسيم فلسطين سنة 1947 وذلك خلال إجتماع هذه الدورة للجمعية العامة ويدعو المجتمع الدولي وجميع القوى المحبة للسلام في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لتحقيق أهدافه ومطالبة الحكومة الإسرائيلية بالإنسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وهذا من شأنه أن يساهم بشكل أساسي في تسوية النزاع العربي الإسرائيلي وإحلال السلام العادل والشامل في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
إن جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل يعتبر أمراً حيوياً لتحقيق السلام والأمن والاستقرار وهذا يستوجب إنضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر الإنتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية لنظام الضمانان التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أن دول العالم العربي تشهد تطورات مهمة واصلاحات وتغييرات سياسية غير مسبوقة ستنعكس اثارها على مستقبل المنطقة باسرها، وستمتد تأثيراتها الى مجالات ابعد، وان العراق باعتباره سبّاقا في احداث هذا التغيير، فإنه يؤيد نضال الشعوب العربية من اجل نيل حريتها واختيار نظامها السياسي وحقها في التظاهرات والاحتجاجات السلمية فيما يطلق عليه الربيع العربي. ونأمل ان تساهم هذه التغييرات في استقرار المنطقة وأمنها وتفادي كل ما من شأنه تهديد وحدة وسيادة دول المنطقة او اثارة الاحتراب والنزاعات الطائفية او الاثنية.
وفي مجال التعاون الدولي، سيعمل العراق على تطوير تعاونه مع جميع الدول الذي وقفت معه وساندته في استقرار العملية السياسية الجارية في العراق وتعزيزها وفي اعادة الاعمار، ونشير هنا الى الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي. وعندما نذكر هذين الطرفين فليس لأنهما الوحيدان اللذان وقفا مع العراق، بل لأننا نرتبط بهما بآليات عمل ينبغي تنفيذها، فهناك اصدقاء كثر وقفوا معنا في الاوقات العصيبة التي مررنا بها، وسنحتفظ لهم جميعاً بهذا الجميل، وسنطور علاقات التعاون معهم. وبعد انسحاب قوات الولايات المتحدة الامريكية من العراق نهاية هذا العام سنعمل على تعزيز وتوسيع نطاق التعاون استنادا الى الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين البلدين في عام 2008، وستكون العلاقات في اطار هذا الاتفاق بعيدة المدى وستتناول جميع مرافق الحياة. وكذلك الحال مع الاتحاد الاوربي، فبعد الانتهاء من صياغة اتفاق الشراكة والتعاون بين العراق والاتحاد الاوربي، واحتمال التوقيع عليها خلال الفترة القريبة القادمة، والتوقيع على مذكرة تفاهم للشراكة الاستراتيجية في مجال الطاقة بين العراق والاتحاد الاوربي، فإن التعاون بين الطرفين سيأخذ مدى اوسع في المجالات المختلفة التي تغطيها هذه الاتفاقات.
وتتوسع علاقتنا الاقتصادية والتجارية والسياسية مع جمهورية الصين الشعبية وتتحسن باستمرار علاقاتنا مع جيراننا والدول العربية والهند وباكستان.
وفي مجال العلاقة مع الامم المتحدة، فسنستمر في نهج التعاون البنّاء مع جميع اجهزة الامم المتحدة وفي المقدمة منها مجلس الامن والامانة العامة وسنوفي بالالتزامات التي قطعناها على انفسنا، واغتنم هذه المناسبة، لأعبر، عن تقديري للجهود التي بذلها الممثل الخاص للامين العام السيد آد ميلكرت خلال فترة عمله في العراق واتمنى له الموفقية والنجاح وموفور الصحة له ولعائلته الكريمة، وارحب بممثل الامين العام الجديد، وسنستمر في تعاوننا معه على الوجه الذي يمكنه من القيام بمهامه استنادا الى المهام المنوطة به وفقا للقرار 1770 وما تلاه، وستحظى بعثة الامم المتحدة للمساعدة في العراق (يونامي) بكل اشكال الدعم والمساعدة وبشكل خاص خلال المرحلة القادمة، وسنعمل ما في وسعنا لتوفير الحماية اللازمة لموظفيها ومبانيها.
السيد الرئيس
اننا نتطلع بثقة وبتفاؤل الى المستقبل، ونعمل على ان يكون العراق، باعتباره واحدا من الديمقراطيات الناشئة وبما يمتلكه من غنى وموارد طبيعية وبشرية، عاملا مهما في استقرار المنطقة وأمنها وازدهارها. ونموذجاً حياً للديمقراطية والفيدرالية والتعايش الطوعي بين القوميات والطوائف العراقية المتعددة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وشكراً لكم جميعاً"