Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الطغاة وأساليب المساومة والتركيع

 

 

 

 

احمد جويد/

جرت العادة عند الملوك والحكام الطغاة بأن يكون كل شيء تحت سلطانهم وبإمرتهم ولا صوت يعلو على صوتهم، هذا الأمر جعلهم يبحثون عن كل شخص ممكن أن يكون مقرب ومحبب لدى الناس وبخاصة إذا كان هذا الشخص من الصالحين ويشارك عامة الناس همومهم ويساهم في حل مشاكلهم، فيكون البحث عن الصالحين ليس لغرض طلب المشورة والرأي أو المساهمة في بناء الدولة، وإنما لغرض التضييق عليهم وعزلهم عن محيطهم الاجتماعي لأن الحاكم لا يريد لأي أحد أن يلتف حوله الناس سوى شخصه، فيتبع بذلك عدة أساليب للتفريق بين الصالحين وعامة الناس في المجتمع ومن بين هذه الأساليب هي:

الاسلوب الأول: التخويف؛ ويتم عن طريق التهديد والوعيد والزج في السجون وهذا يستخدم مع الصالحين من عامة الناس والذين يخشون البطش وانتهاك حرمة العوائل.

الاسلوب الثاني: الإغراء بالأموال؛ ويأتي بعد مرحلة التلويح بالتخويف والتهديد أو بدونها، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسلوب الترغيب بالأموال والمنافع المادية، لمن يظن الحاكم أنه يشترى بالأموال، وهم وجهاء القوم ومن لديهم نفوذ اجتماعي.

الاسلوب الثالث: الإغراء بالمناصب؛ وهو حالة متقدمة على الإغراء بالأموال يتم التلويح بها لمن يظنه الحاكم أنه صاحب حق ولا يسكت عن حقه وذلك من أجل الاحتواء ثم الالتفاف عليه من بعد ذلك ليكون فريسة سهله بيد الطاغية إذا فكر هؤلاء بتقويض حكمه.

الاسلوب الرابع: وهو آخر شيء لدى الطغاة لكنه أسهل الأساليب الثلاثة المتقدمة وهو أسلوب التصفية الجسدية، ويستخدم أغلب الأحيان ضد الأشخاص الذين لا يأبهون بالأموال ولا يخشون الموت.

فالمنهج الذي تم إتباعه وعلى مدى التاريخ من قبل الطغاة لا يخرج عن أحد الأساليب الأربعة في التعامل مع من يعارض حكمهم ويدعو إلى الإصلاح في المجتمع، والمتتبع لهذه الأساليب بأجمعها يجدها قد استخدمت من قبل حكام بني أمية قبيل وأثناء موقعة كربلاء، فما كان ليزيد ابن معاوية أن يستخدم الأسلوب الأول مع الإمام الحسين(عليه السلام) لأنه يعرف جيداً أنه ليس ممن يخشى التهديد والوعيد، وما كان له أن يستخدم الأسلوب الثاني معه بإغرائه بالأموال لعلمه إن الحسين (عليه السلام) ليس ممن يطلب المال ولا حاجة له به لا من يزيد ولا من غير يزيد، لكنه فكر في الأسلوب الثالث وهو التلويح له بالمنصب أو توليته على بعض الأمصار مع سابق علمه إن الحسين (عليه السلام) لا يطمع بمنصب أو رئاسة، ولمعرفة يزيد بمنهج الإمام الحسين(عليه السلام) في الإصلاح جعله يعد العدة لإستخدام الأسلوب الرابع ليس فقط لإزاحته عن حقه في الخلافة، بل محاولة لتركيع أهل البيت (ع) أو أي شخص من آل النبي (ص) قد يفكر في تولي زمام أمور المسلمين مستقبلاً.

 وقد وضح الإمام الحسين(ع) لأصحابه هذا المعنى بالقول: "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا واني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر".

وقد أنتج ذلك الموقف الكبير الرعب داخل نفوس الطغاة في كل زمان ومكان يجمع فيه طاغية وذكر الحسين(ع)، وبذلك صار أتباع أهل البيت وعشاق الحسين (عليه السلام) هدفاً للطغاة ومطاردين من قبل السلطات الطاغية الحاكمة على مر العصور وبالخصوص ممن ينصبون العداوة والبغضاء لأهل هذا البيت إلى يومنا هذا بطرق وأساليب مختلفة كان ابسطها هدم البيوت ودور العبادة التي تروج لفكر الحسين(ع) ومنهجه ومشروعه الإصلاحي، فما حصل في العراق من هدم وتفجير واستهداف لأضرحة الأئمة وزوار العتبات المقدسة، وما يحصل اليوم في البحرين من هدم للحسينيات ومحاكم جائرة وفصل من الوظيفة وزج في السجون هي نفس الأساليب التي اتبعها بنو أمية في محاولاتهم لمساومة وتركيع أصحاب الحسين(ع) وثنيهم عن موقف الحق.

فحينما رأى الحسين بن علي (عليهما السلام) إن الرسالة السماوية سوف تتعرض إلى خطر الانحراف نتيجة حب السلطة والرياسة من قبل بني أمية، كان لزاماً عليه وانطلاقاً من واجبه الشرعي أن ينهض بالأمة للتصدي إلى مثل هكذا مشروع، وحقيقة تلك النهضة، هي طلب الإصلاح في امة تسلطت عليها أشرارها وأقصيت خيارها وسادها الباطل، وفهذا صراع مستمر بين الاستقامة والانحراف، بين الحق والباطل، بين المبدأ واللامبدأ، فعلينا أن نلتزم دائما جانب الحق والخير والفضيلة في هذا الصراع، مهما كانت الضغوط والأساليب التي يتبعها الحكام سواء كانت أساليب ترغيب أو ترهيب.

 ان خروجه ( عليه السلام) بأهل بيته الكرام (ع) جاء للوقوف بوجه أتباع العقيدة الأموية القائمة على تحويل الدين إلى سلعة ووسيلة للوصول إلى غايات دنيئة تأخذ في حسبانها سياسة الربح والخسارة من دون إقامة أي وزن للتعاليم الروحية وللمبادئ الأخلاقية السامية التي جاءت بها الرسالة السماوية وأرادت أن يتحلى بها كل إنسان على وجه البسيطة، لقد أراد الإمام الحسين(ع) كما يقول المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي(قدس سره): أن ينتشل الأمة من الحضيض الذي اركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، المتمثل بالخمول، والركون إلى الدنيا، والسكوت على الظلم، وتسلط الظالمين من أمثال يزيد وأبيه واضرابه، فأراد الإمام الحسين( ع) أن يبث روح الإيمان والحق فيها لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله(ص).

 

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

 

 

 

Opinions