العراق أمة وليس مصبا لأنهار الشعوب
في أحيان كثيرة أتمنى الكتابة عن العراق كأمة واحدة منفصلة عن الأمم الأخرى تختلف عن الجميع بمكوناتها الشعبية وبتاريخها الخاص وجغرافيتها المتنوعة ولكن الخوف من الاتهامات يمنعني من الخوض كثيرا في هذا الموضوع باعتبار أن البعض يجد في العراق جزءا لا يتجزأ من الوطن العربي وغالبية أبنائه يمثلون امتدادا ديموغرافيا للشعب العربي في العراق وكذلك بالنسبة لأخوتنا الأكراد تجد فيهم الكثير من الأصوات تعتبر الكرد العراقيين جزء من الأمة الكردية التي تتوزع على مناطق مشتتة بين بضعة دول وسواء كان ذلك صحيحا أم لا سواء كان العراق أو شعبه جزءا من هذا أو ذاك أو لم يكن ألا يستحق العراق بكل مقوماته أن نعتبره أمة . أجل أمة تختلف عن سائر الشعوب المحيطة بها أو القريبة منها في كونها شعب واحد تكون من تراكمات تاريخية من الأقوام التي هاجرت إليه واستوطنت فيه ولطالما تلون الأقدمون بشتى الألوان القومية لكل من أنتصر على هذه الأرض وهنا أسمح لنفسي بالتساؤل .. من قال بان كل العرب الموجودين اليوم في العراق ينحدرون في أصولهم إلى القبائل العربية التي قدمت من شبه الجزيرة والشام وكذلك الحال بالنسبة لكل المكونات العراقية الأخرى قد يكون كل مكون أخذ تسميته وطابعه القومي من مرحلة معينة في تاريخ العراق فلا تنسى بأن العراق زخر بالكثير من الشعوب القديمة ومتى انتصرت فيه ثقافة أو قومية أو لغة معينة تلون بها البلد ككل وخير مثال على ذلك حضاراته الكثيرة والمتتالية ولكن يبقى القاسم الوحيد المشترك الذي يجمع بين كل أبنائه هو اتخاذهم لهذه الأرض المحصورة بين سلاسل جبلية وعرة وهضاب صحراوية والتي تخترقها أنهار كثيرة موطنا دائما البعض منذ ألف سنة والأخر منذ ألفين والباقون ربما بما يزيد عن هذه الأرقام واشتراك الجميع دون استثناء في استهدافهم دون تمييز أثناء الحروب وتقاسمهم المشترك لأتراح العراق قبل أفراحه . ألا يوجد الكثير من القواسم المشتركة التي تجمع بيني كأشوري وبين أي بدوي عربي في بادية السلمان أو كردي يعيش في أقصى حدود العراق الشرقية أليس العراق كافيا ليكون رابطا قويا يشد الجميع في أمة يقر ويعترف الجميع بوجود اختلافات شتى بين أبنائها وتنوعات كثيرة يمكن لأي إنسان اكتشافها بسهولة وليطلق عليها ما يشاء فسيفساء جميلة أو ألوان الطيف الرائعة أو غيرها من التسميات بشرط أن لا تخرج عن عنوان العراق الواحد والأمة القوية المتحدة وهذا لوحده يكفل لنا أهم ما نفتقده اليوم من تعزيز الثقة بالنفس العراقية وتزيد من ارتباطنا بالوطن وتشبثنا بمصلحته العليا وهذا جل ما نفتقر أليه اليوم في البلد فلا يضر وحدة الأمة أن تكون مجمعا للقوميات والأمثلة كثيرة ولكن لا يوجد دولة في العالم لها وزن وثقل كبير يعتبر مواطنوها أنفسهم جزءا من هذا الشعب وذاك . لا يمكن أن يكون العراق كما نعتبره اليوم مصبا لانهار الشعوب من كل لون شيء لا تجمع بين المكونات سوى الرغبة في البقاء ضمن التيار حتى لو كان الشرط الأساسي لذلك البقاء هو الصراع والاقتتال على كل شيء وكأننا لسنا جزء من منظومة سميها ما شئت يطلق عليها العراق فترانا نغار على هذه الجارة أكثر من غيرتنا على العراق لانتا نشعر بنوع من العلاقة غير السوية بيننا وبينها كان من المفروض أن تكون تلك العلاقة قائمة بيننا وبين الوطن .نحن اليوم بحاجة ماسة إلى تقوية الشعور الوطني والانتماء للعراق قبل التشديد على الشعور القومي خصوصا للأجيال القادمة لأنها الملعب القادم لكل من يهدف إلى غرس قيم جديدة. يجب أن تسنح لتلك الأجيال فرصة على الأقل سنوية واحدة لتزور وطنها وتتجول فيه بكل حرية لكي يكون لكل عراقي شعور بأمته الواحدة وبشعبه المتحد تحت أقواس هذا البلد أينما كان تواجده يجب أن يعلم أبناءنا وتترسخ لديهم حقيقة أكيدة بان تلك الربوع التي تعرفوا عليها سواء كانت في الجنوب أو الشمال كلها وطن حقيقي لهم لا يحق لأحد أن يسلب منهم ذلك الوطن وللأسف نحن لحد هذا اليوم لم نستطع تحقيق ذلك لم نستطع إلغاء ثقافة دولة المنطقة فالعراق ليس العوجة فقط أو تكريت وليس النجف الاشرف ولا بغداد لوحدها ولن يكون في يوم من الأيام مقتصرا على بارزان لوحدها دون كردستان أو كوي سنجق دون البصرة . العراق واحد ولكل عراقي الحق في التمتع فيه كما يشاء وليس لمن يحكمه فقط . يحق لي أن أتمتع بهواء العباسية في صيفها الجميل بين حقول العنبر ويحق لي أن ازور المراقد المقدسة وأصور القباب الذهبية في كربلاء المقدسة حتى لو لم أكن مسلما دون أن يسلب احدهم مني ذلك الحق . يحق لي أن أبات ليله في عراء الاهوار أو بين نخيل شط العرب ويحق لك أن تفعل ما تشاء تماما كما كان لي كل الحق في ذلك طالما نحن أبناء بلد واحد نشترك بتقديس عراقيتنا قبل أي شيء أخر هذا لوحده يكفل لنا بقاء الابواب مفتوحة أمامنا في أية نقطة من بلدنا طالما كنا عراقيون أبناء امة واحدة ولسنا مجرد مصب تتجمع فيه رواسب انهار الشعوب لأننا لو اعتبرنا العراق كذلك مكمل لأجزاء معينة أو امتداد لهذا وذاك فالمصيبة عظيمة لأن الرواسب حقا تشكل سهولا فيضية خصبة ولكنها تتكون من عوالق هزيلة زحفت من مواطنها لأنها كانت في بيئة ضعيفة وتعرضت إلى عوامل جوية قوية فانزلقت مع المطر والسيول إلى أسفل السهل ومن يعتبر نفسه شيئا أخر قبل أن يؤمن بعراقيته سينسال مع النقود أو الضغط أو المغريات السياسية الأخرى ويبيع وطنه بأبخس عرض في أول مزاد سيشارك فيه .
عصام سليمان – تلكيف .
Esa_j9@yahoo.ccm