Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العراق بين نار الدكتاتورية وجحيم الفوضى

أخيراً نطق الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بالعبارة المحرمة التي كثيراً ما تناقلتها واستخدمتها وسائل الإعلام العالمية المرئية والمكتوبة ، عندما أعترف بوجود أوجه شبه بين التجربة التي خاضها الجيش الأمريكي في فيتنام وما تعانيه القوات الأمريكية اليوم في العراق. وبذلك تحول العراق إلى إحدى أهم الرهانات الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ستكون بمثابة الاستفتاء على أداء الإدارة الأمريكية في العراق وموقف الرأي العام الأمريكي منها. فالتساؤلات كثيرة وأغلبها بلا إجابات ناجعة، ومنها إلى أي مدى سيستمر العنف في العراق مع تزايد وتيرته في الآونة الأخيرة والذي أصبح الشعب العراقي ضحيته الرئيسية؟ وهل العراق مقبلة على التقسيم الفعلي بعد إقرار قانون الفيدرالية المثير للخلافات ؟وهل ستنجح المساعي الداعية لوقت الاقتتال الطائفي والمذهبي والإثني وعمليات التطهير المذهبي والتهجير ألقسري والقتل على الهوية؟ وهل هناك علاج لوقف نزيف العقول والكوادر والبشر الذين يغادرون العراق بالآلاف ووصل عددهم إلى أربع ملايين في دول الجوار كسورية والأردن والإمارات المتحدة ومصر وغيرها ؟
وفي معرض الحديث عن أحوال العراق وما آلت إليه الأمور منذ سقوط النظام السابق يقول الباحث الفرنسي الصديق بيير جون لويزار ، صاحب المؤلفات المهمة عن العراق مثل المسألة العراقية، وصدمة الاستعمار والإسلام، ودور علماء الشيعة في تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وسيرة حياة المرجع الديني محمد مهدي ألخالصي وغيرها، :" نشهد بألم وعجز تام هبوط المجتمع العراقي نحو الجحيم" فالعنف الطائفي في تزايد مستمر حتى في شهر الصوم والتقوى رمضان، وهذا الأمر ناجم عن تدخل دول الجوار والكثير من مخابرات الدول الأخرى المهتمة بالشأن العراقي سلباً أو إيجاباً، وكلها تلعب على حبال التمايز الطائفي والعرقي والقومي والديني والمذهبي وتحرك عناصرها والميليشيات المؤتمرة بأوامرها بهذا الاتجاه أو ذاك لإدامة التوتر والصراع وإذكاء الحقد الطائفي وتشجيع عمليات الانتقام المتبادلة " والكل يبحث عن كبش فداء يلقي عليه باللائمة" كما يقول لويزار فكل طرف يلقي مسؤولية إسالة الدماء على عاتق الطرف الآخر .
يعلق الباحث الفرنسي في مركز البحوث العلمية بيرنار هوكار قائلاً:" يلقي سنة العراق المسؤولية كاملة على عاتق إيران ويتهمونها بإشعال الحرب الأهلية ، ولكن هذا احتمال بعيد في الوقت الحاضر لأن الأولوية الأهم لإيران كدولة مستقرة وشديدة المركزية وتواجه ضغوطات دولية اليوم ، هو عدم اتساع رقعة الصراعات المذهبية العراقية ـ العراقية وتحولها إلى حرب أهلية ـ طائفية شاملة لأن إيران ستكون الخاسر الأول فيها إذ ستكون مرغمة على التدخل فيها لصالح الشيعة إذا ماشعر هؤلاء بأنهم يتعرضون للإبادة على يد العناصر المسلحة السنية التكفيرية ، بيد أن هذا التشخيص لايمنع من وجود بعض مراكز القوى الرسمية وغير الرسمية ، المعروفة أو المجهولة الهوية، تسعى لدعم هذه الجهة أو تلك، لهذه الميليشيا المسلحة أو تلك، بهذه الدرجة أو تلك، حسب أهمية الجهة العراقية وثقلها وتأثيرها على الساحة العراقية . المشكلة هي أن القوات الأمريكية والبريطانية المحتلة لاتمتلك أية أدلة على مثل هذه الفرضيات والاحتمالات .
إلى ذلك مازال الرئيس الأمريكي مصراً على صحة نهجه وصواب سياسته في العراق رغم اقتناعه بضرورة إيجاد إستراتيجية جديدة تكون بديلة للإستراتيجية الحالية ولو على نحو تكتيكي، وموافقته على تكليف لجنة من الحكماء وأصحاب الخبرة مكونة من عشرة أعضاء نصفهم من الحزب الجمهوري والنصف الآخر من الحزب الديمقراطي برئاسة جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا الأسبق في عهد جورج بوش الأب ، وتكليفها بمهمة تقويم الأوضاع في العراق وتقديم الحلول والتوصيات الملائمة.
وكانت " مجموعة الدراسات حول العراق" ـ وهو اسم اللجنة المذكورة ـ قد استجوبت مئات العراقيين من الأفراد والعائلات، من بينهم مسئولين كبار في جهاز الدولة ، وجمعيات المجتمع المدني، والأحزاب والنقابات والاتحادات المهنية، والإعلاميين والجنود والضباط العسكريين ، والمسئولين الأمريكيين في العراق ، بل وحتى السفير السوري في واشنطن الذي قدم رأيه ومشورته للجنة. وفي أعقاب التحقيقات التي أجرتها اللجنة قررت صياغة تقرير محايد وموضوعي ستقوم بنشره بعد السابع من نوفمبر القادم وهو موعد الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، بغية تفادي استغلال محتويات التقرير للغايات والأغراض الانتخابية. وقد سبق لجيمس بيكر أن ترأس لجنة بتكليف من الإدارة الأمريكية ذاتها للتفاوض من أجل إلغاء أو تخفيض الديون العراقية إلى 80 % . وقد تسربت بعض الأفكار التي من المتوقع أن ترد في مذكرة ـ تقرير لجنة بيكر مثل " عدم ضرورة التصويت الديمقراطي أو إنتفاء الحاجة إليه في ظل ظروف العراق المأساوية الحالية لتحقيق أي تغيير سياسي مطلوب في العراق اليوم".
تعرض جيمس بيكر لضغوط كبيرة من جانب وسائل الإعلام للإفصاح عن مكنون تقريره المرتقب لكنه رفض بشدة وهذا يعكس قلق ونفاذ صبر الطبقة السياسية الأمريكية ومعها الناخب الأمريكي إزاء ما يجري في العراق كما أكدت صحيفة لوس أنجلس تايمز لاسيما بعد أن قفزت المسألة العراقية إلى الصدارة في الآونة الأخيرة واحتلت الصفحات وعناوين الصحف الكبرى والقنوات الفضائية إثر ارتفاع عدد القتلى الأمريكيين وتجاوزه الحد الذي يمكن تحمله لاسيما في الأشهر الأخيرة من عام 2006 . ولم يتجرأ البيت الأبيض بعد ذلك على استخدام تعبير " المحافظة على وجهة السير والسياسة المتبعة والاستمرار بالمهمة رغم الصعاب وتفاقم الأمور" وبالذات بعد عودة السيناتور الجمهوري ذو المكانة والتأثير الكبير من جولته في العراق وهو جون وارنر والذي صرح قائلاً :" العراق يسير بالاتجاه المعاكس للمنطق ويتجه نحو الهاوية" ورد عليه بوش بمرونة وأدب :" إننا نقوم وباستمرار بإحداث تغييرات لاستراتيجياتنا حسب ما تمليه علينا الظروف الميدانية" وكانت صحيفة لوس أنجلس تايمز قد أوردت تكهنات استندت إلى تسريبات من مقربين لجيمس بيكر تقول أن تقرير لجنة بيكر ترتكز على أساسين: 1 ـ تحقيق الاستقرار والأمن التام في بغداد عبر طلب مساعدة وتعاون كل من إيران وسورية 2ـ أو انسحاب تدريجي وعلى مراحل للقوات الأمريكية نحو قواعد ثابتة ومحمية خارج الحدود العراقي وقريبة منها لضمان أمن العراق وسلامة أراضيه من أية هجمات أو اعتداءات خارجية . وانطلاقاً من تلك القواعد يمكن للقوات الأمريكية ضرب المنظمات الإرهابية أينما وجدت في المنطقة وخارجها. كما أعرب جيمس بيكر في برنامج تلفزيوني أمريكي عن رفضه ومعارضته لأي شكل من أشكال التقسيم السياسي للعراق كذلك أعلن وقوفه ضد أي انسحاب كامل ومفاجئ وفوري من العراق لأن من شأن ذلك جر البلد إلى حرب أهلية دامية ستكون الأكبر والأكثر هولاً مما شاهدناه في السابق من حروب أهلية إذ ستتدخل فيها حتماً دول الجوار المعنية مباشرة بتطورات الوضع العراقي كتركيا وإيران وسورية. وأعلن في نفس المقابلة التلفزيونية أن من المفيد التحدث والتفاوض مع الأعداء والخصوم وإنه لم يتردد عندما كان وزيراً للخارجية في زيارة دمشق 15 مرة بالرغم من توتر العلاقات آنذاك بين واشنطن ودمشق وتفاوض مع طارق عزيز وزير خارجية العراق قبل حرب الخليج السابقة سنة 1991 . وفي موازاة ذلك أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش رفضه التام لأي مشروع لتقسيم العراق إلى ثلاث أقاليم أو مناطق مستقلة عن بعضها البعض ، واستمرار دعمه وتأييده لحكومة السيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق الحالي وذلك عبر مكالمة هاتفية بينهما وأكد له استمرار أمريكا في نهجها الحالي ولن يتغير سوى التكتيك أو أساليب العمل وليس الهدف الجوهري المتمثل بتحقيق النصر على الإرهاب وتحقيق الديمقراطية والرفاهية للعراق. وبهذا الصدد أورد الصحافي الأمريكي المعروف توماس فريدمان في افتتاحيته في صحيفة نيويورك تايمز ونشرتها الهيرالد تربيون الصادرة في باريس أيضاً قول الرئيس الأمريكي أنه سيواصل سياسته الحالية في العراق حتى لو لم يبق أحد يؤيده فيها سوى زوجته لورا وكلبه بارني نقلاً عن الصحافي المخضرم بوب وودوارد وقال ساخراً :" إذا واصل المتمردون المسلحون في العراق هجماتهم وكسب الزخم الجماهيري وتسديد الضربات الموجعة للجيش الأمريكي في إطار حملتهم المستمرة، عند ذلك لن يبقى من سيؤيد جورج بوش سوى كلبه بارني" والجدير ذكره أن عدد القتلى الأمريكيين تجاوز الثمانين في الأسابيع الثلاثة من شهر أكتوبر 2006 الذي أعتبر الأكثر دموية منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003 .
غرق جنرالات وقادة الحرب الأمريكيين في حالة من اليأس والقنوط ، بل والتشاؤم المفرط، لاسيما بعد تصريحات رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال ريشارد دانات والذي أثار غضب وهياج جورج بوش وأحرج رئيس وزراء بريطانيا توني بلير إذ من المؤكد أن الرئيس الأمريكي قرأ تصريحات العسكري الأول في المملكة المتحدة من خلال المقابلة الصحفية التي أعطاها لصحيفة ديلي ميل في 13 أكتوبر 2006 وأدلى فيها بنقد لاذع للحملة العسكرية على العراق حيث يوجد إبنه بين القوات البريطانية البالغ عددها 7200 جندي، والتي طالب بسحبها في أقرب فرصة ممكنة. ولم يكتف بذلك فحسب بل أضاف قائلاً :" إن الاحتلال العسكري للعراق شجع على تنامي وتطور الإرهاب داخل العراق وخارجه سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا وأمريكا". كما تفادى الجنرال البريطاني ذكر حقيقة مذهلة تتعلق بارتفاع عدد حالات الانتحار بين صفوف القوات البريطانية العاملة في العراق مما أثار قلق القادة البريطانيين الذي اشتكوا من ذلك لدى زملائهم الفرنسيين .
استناداً إلى دبلوماسيين متواجدين في واشنطن ، طالب بعض مستشاري جورج بوش إصدار إدانة شديدة اللهجة ضد تصريحات رئيس ألأركان البريطاني إلا أن الرئيس الأمريكي فضل التشاور مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وقد وعده هذا الأخير بالتصرف شخصياً مع رئيس أركان جيشه إلا أنه تخاذل في اللحظة الأخيرة وقدم تأييده للجنرال دانات متصرفاً كسياسي محنك وقال لجنراله أنه موافق على كل كلمة قالها في مقابلته المذكورة في الديلي ميل . وكل ما ترجاه منه هو نشر بيان يقول فيه:" سنبقى في العراق حتى إتمام المهمة" . ففعل ذلك وهو لا يعلم ربما أن زميل أمريكي له ذو رتبة رفيعة قام باعترافات مماثلة وهو الجنرال جون أبو زيد. فبعد أسبوعين من تصريح الرئيس الأمريكي جورج بوش المدوي بتاريخ 31 آب 2006 والذي قال فيه :" إن الحروب الجارية تمثل المعركة الأيديولوجية للقرن الواحد والعشرين وإن العراق هو التجسيد الرئيسي لهذه المعركة"، حيث أعلن القائد العام للعمليات العسكرية في أفغانستان والعراق والشرق الأوسط وقاعدة الدوحة وجيبوتي جون أبي زيد، رسالة مناقضة لتصريح رئيسه . تعرض الجنرال أبي زيد لاستجواب في غرفة مغلقة ومنعزلة، بعيداً عن أعين وأدوات وسائل الإعلام ، من قبل سناتورات في الكونغرس الأمريكي في لجنة مجلس الشيوخ لشؤون الاستخبارات . وقد تمكن الملحق العسكري الفرنسي في واشنطن من معرفة فحوى ما دار في ذلك الاستجواب السري وقام بنقل ما توصل إليه من معلومات إلى قيادة الأركان الفرنسية وسكرتارية وزارة الدفاع والمخابرات الفرنسية. نستشف من خلال إجابات الجنرال أبي زيد المستمدة من خبرته الشخصية أنه :" لم يفلح أي بلد في العالم في السيطرة على ما يحدث في الشرق الأوسط . وسرعان ما نكتشف في أرض الميدان الشرق أوسطي أن الشرق الأوسط هو الذي يتلاعب ويتحكم بنا وليس نحن الذين نتلاعب ونتحكم به وبما يجري فيه". وهذه صيغة غير مباشرة للقول من الذي جاء بهذه الفكرة الحمقاء بإرسالنا إلى العراق.
من المعروف أن الكونغرس الأمريكي يتلقى كل ثلاثة أشهر من البنتاغون تقريراً عن الحرب في العراق ومن بين خبراء صياغة ذلك التقرير يوجد الجنرال جون أبو زيد والذي أشار فيه إلى تشاؤمه وانحدار معنويات قواته هناك في العراق. ولكن هذه المرة وفي التقرير السري الأخير الصادر عن البنتاغون للكونغرس ، وأمام عدد من الشيوخ اكتفى أبي زيد بالتطرق لإيران وللخطر الإيراني حيث يتوقع فتح جبهة جديدة حسب رغبة جورج بوش إلى جانب ما حدده الرئيس الأمريكي من أهداف في خطابه في 14 آب 2006 حيث قال :" هناك ثلاث جبهات في الحرب العالمية ضد الإرهاب وهي لبنان والعراق وأفغانستان"، وهو يفكر الآن على ما يبدو بإضافة إيران وقد تكون هذه آخر حماقاته قبل تنحيته في الانتخابات القادمة.
وفيما يتعلق بإيران شدد الجنرال أبي زيد على :"ضعف وهشاشة الولايات المتحدة والقابلية على اختراقها من عدة زوايا وجبهات حيث أن العدو أو الخصم الإيراني يعرف تماماً ثغرات الجيش الأمريكي ونقاط ضعفه والتي تتمثل بعجزه عن جمع المعلومات الاستخباراتية الدقيقة والمضبوطة والصحيحة على أرض الواقع "، وأضاف:" إن هذا الأمر يحتاج لسنوات طويلة حتى نتمكن من جمع معلومات تتميز بقدر مقبول من المصداقية وإن عمليات اكتشاف نشاطات وخطط خفية لدى العدو مازال يمثل مشكلة عويصة وهائلة يتعذر حلها في الوقت الحاضر ". ثم توجه الجنرال من أصل لبناني إلى محدثيه أو مستجوبيه الشيوخ محذراً:" لا أريد أن أسيء تقدير أهمية وقدرة إيران على الرد والإيذاء فالقوات الإيرانية تستعد وتتدرب على أساليب مبتكرة وملائمة لشل القوات الغازية متجنبة المجابهة المباشرة وجهاً لوجه مع القوات الأمريكية المتفوقة عدة وتجهيزاً وتكنولوجيا مفضلة اللجوء إلى أساليب حرب العصابات وحرب المدن والعمليات الإرهابية وضربهم أهدافاَ دولية وأمريكية غير عسكرية" . بعبارة أصح وأوضح القيام بعمليات إرهاب على أرض الدولة الغازية ـ أي أمريكا ـ وأراضي حليفاتها ـ أي أوروبا ـ وحيث تتواجد القوات الأمريكية سواء في العراق أو أفغانستان أو الخليج.
ومن اعترافات الجنرال المتشائم هو تقديره:" بأن حرباً برية تشنها القوات الأمريكية ستكون عقيمة وبلا فائدة لأن السبق سيكون لصالح الإيرانيين وامتيازهم على مهاجميهم بكونهم يقاتلون على أرضهم ويتناثرون داخل أراضي شاسعة ومترامية الأطراف حيث يمكنهم نشر قواتهم وتوزيعها بين المدنيين استعداداً لشن هجمات مضادة موضعية وممركزة ضد القوات الغازية"وهو يعني بذلك إن من الأفضل، في حال اتخاذ قرار الحرب على إيران، أن تضرب هذه الأخيرة عن بعد ومن مسافات بعيدة بكثافة بواسطة الصواريخ والطائرات بدون طيار.
أما بخصوص الطموحات النووية الإيرانية فإن الجنرال أبو زيد يعتقد بأنها:" ستكون محدودة وهي مجرد مسألة تخويف وتأثير إقليمي وطموح سياسي " وأبدى الجنرال أبو زيد خشيته من انطلاق دول المنطقة في سباق للتزود بالسلاح النووي على غرار السابقة الهندية ـ الباكستانية والإسرائيلية في المنطقة وحث دول عازفة عن ذلك اليوم للحصول على الطاقة النووية والسلاح النووي كمصر وتركيا والعربية السعودية بل وحتى سوريا والأردن كما تلوح بذلك أجهزة الاستخبارات الأمريكية . وتجاوز قلق الجنرال الأمريكي حدوداً أبعد ووصل إلى أفغانستان التي من المفترض أن تكون خاضعة لقواته ومحكماُ سيطرته عليها وباتت اليوم تفلت من بين يديه تدريجياً مع تفاقم العمليات الانتحارية التي تنفذها عناصر وميليشيات طالبان . كما أبدى شكوكه من صدقية وحسن سلوك وتصرفات جيران كابول الباكستانيين حكومة وجيشاً الذين لا يزودوه ويبلغوه بكل ما يعرفونه عن المناطق القبائلية الواقعة على حدود البلدين التي يختفي فيها عناصر الطالبان والقاعدة وزعيميهما الملا عمر وأسامة بن لادن. ويتوقع أن تضاعف قوات الناتو نفسها في المنطقة وربما تزداد ثلاثة أضعاف بفضل الإمدادات البولونية المنتظرة في سعي جاد لإخماد المقاومة الأفغانية واحتواء الهجمات التي تقوم بها قوات طاليان.
المعضلة الأساسية بالنسبة للقادة الأمريكيين العسكريين والمدنيين اليوم هي العراق التي ماتزال تشكل لغزاً يبحث عن إجابات وحلول. فعناصر الميليشيات الإسلاموية السنية المتطرفة والتكفيرية المنفلتة تسيطر على الرمادي وأجزاء أخرى من الأنبار وديالى وتستعرض فيها قواتها في الشوارع وتعلن تأسيس إمارة إسلامية فيها وتجبر السكان على مبايعتها متحدية قوات الاحتلال أمام عدسات وسائل الإعلام ونفس الشيء تقوم به ميليشيات شيعية متمردة على قياداتها كبعض تشكيلات جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر والتي لم يعد يسيطر عليها وهي تعلن سيطرتها على مدينة العمارة وتحاول السيطرة على الديوانية وغيرها من المدن ذات الأغلبية الشيعية في الوسط والجنوب محبطة مبادرة تسليم الملف الأمني في " المحافظات الهادئة" للقوات العراقية وتعريضها لانتكاسة مربعة . ومن المؤكد أن العراق يقع برمته في قبضة " مافيات الشوارع" . فحتى بوش أعترف بصعوبة الموقف في العراق وتدهور الأوضاع فيه مما حدا به إلى تشكيل " خلية أزمة" لمعالجة الأوضاع المأساوية. والمخاض مستمر في خضم استمرار تفاقم العنف والقتل وضياع القيم والمعايير وانتهاك الحرمات حتى في الشهر الفضيل ومواصلة التهجير القسري والقتل على الهوية والتطهير المذهبي . فكل القوى تنتهك حقوق الإنسان وتتجاهل القواعد والأعراف المبدئية لمعاملة السجناء بشكل إنساني حتى أن محقق الأمم المتحدة لشؤون التعذيب مانفرد نوفاك قال بهذا الصدد في تقريره:" إن التعذيب يمارس في العراق الآن أعلى مما كان عليه إبان حكم صدام حسين المنهار " وأضاف :" لقد بلغ الوضع المأساوي في العراق درجة من السوء بحيث أن عدداً كبيراً من الناس صار يقول إنه وضع بات أسوءاً مما كان عليه في عهد صدام حسين والكل يعلم أن أساليب التعذيب التي كان يمارسها النظام السابق كانت أبشع مما يمكن أن يتصوره أو يتخيله أحد" والنتيجة أن العراق بات سجيناً بين ديكتاتورية الماضي وفوضى الحاضر وخواء المستقبل فهل من منقذ؟ هذا هو حجم المأساة الحقيقية التي ينتظر من رئيس الوزراء العراقي السيد أبو إسراء نوري المالكي وإخوانه الوطنيين أن ينتشلوا العراق منها وإيصاله إلى بر الأمان .


د. جواد بشارة / باريس Opinions