Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العراق - شعب ينحره تجاهل الحقائق

 

تلف اليوم موجة الإرهاب، العراق بظلام أحمر كدماء سيل ضحاياها الذي لا يتوقف ولا يهدأ! 


الحقائق قيلت وأعيدت حتى مل قراؤها من تكرارها، ولم يعد هناك جدوى من اجترار التذكير ولا الإتيان ببراهين جديدة على الحقائق التي "لا تستذوقها" السنة الشعب، وأخطرها وأهمها واصعبها هي حقيقة المسؤولية المباشرة لأميركا وسيدتها إسرائيل عن الإرهاب في العراق كما في بقية أنحاء الوطن العربي! فحيثما وجد محور الشر هذا موطئ قدم في بلد عربي، سواء بالقوة او من خلال "الصداقة"، تكثر "عجائب" الإرهاب، وهذا ما يستطيع أن يراه كل من يريد أن يرى الحقائق ببساطتها. لكنها "عجائب" لأنها غير قابلة للتفسير في حجمها ودقتها وقوتها وتنظيمها، لكل من يرفض النظر إلى البراهين على ارتباط الإرهاب بالغزو الأمريكي وما جلبه من سلطة أسرائيلية على البلاد التي يحتلها. 

أنظروا إلى البلدان العربية الأساسية اليوم، والتي كانت محور حركة الأمة العربية قبل بضعة عقود: مصر والعراق وسوريا، تجدون في كل واحدة منها مذبحة لا يعرف أحد أين ستنتهي بالبلاد، فأي انتصار رهيب حققته إسرائيل وأي نتيجة تنتظر العرب والمسلمين بلا استثناء؟

بالعودة إلى موضوع مثالنا المحدد نتساءل: هل من أمل للعراق؟ إنه سؤال وجيه للغاية، وجوابه غير واضح أبداً، حتى لو وعى الشعب الحقيقية كاملة وواجه ذباحيه الحقيقيين مباشرة وبشجاعة، فالنخر عميق إلى درجة لا يعرفها إلا الله والراسخون في السي آي أي والموساد. أما إن استمر الشعب باللطم وباللهو بالقاء اللوم بعضه على البعض، واستمر يكرر اسطوانة الروافض والنواصب وأحفاء معاوية وعورة عمر والتكفير والرعب من إيران ومن التشيع، ويرفعها تفسيراً لكل ما يحدث من عجائب فاقت كل تقدير، فنهاية هذا الشعب محتومة ولن تكون بعيدة، ولطالما انقرضت شعوب كانت أكثر وعياً وأكبر قوة.

لقد كانت هناك عشرات الدلائل والبراهين قدمت نفسها لمن يريد أن يقرأ ويفهم، وكلها تهتف وتصرخ: أن قصة مسؤولية الإسلام والطائفية عن الإرهاب لا تستقيم، وان "الإنتحاريين" أسطورة ليس إلا، وأن من يقوم بتفجير نفسه مسير لا يعي ذلك ولا يعني شيئاً كونه إسلامي أو شيعي أو سني. لكن الحقائق والدلائل والبراهين لا تقرر ما يتخذه معظم الناس من مواقف. فلكل فرد تصوره المسبق عن العالم ولكل فرد أحقاده وأعداءه ورغباته الشديدة التي لا يسيطر عليها ليتمتع بصفع هؤلاء "الأ‘عداء" بكل الشرور وكل الجرائم، حتى تلك التي يمكنه أن يرى بعينيه وعقله، استحالة القائها عليهم. وكانت هذه هي النتيجة الطبيعية لذلك! 

من يجرؤ اليوم أن يحرم شيعياً متحمساً لطائفته من متعة اتهام السنة بالإرهاب الطائفي و حلاوة ربط ذلك بقتلة الحسين قبل 1400 عام، فيتقمص هو شخصية الحسين الشهيد المظلوم؟ من يجرؤ على محاججة سني لحرمانه متعة "برهان" جديد على أن الشيعة "الرافضة" وأحقادهم "الصفوية" و "الفارسية" على الإسلام هم وراء القتل؟ من يأمل في مناقشة مسيحي أو علماني ملحد أزعجه الإسلاميون في ملابسه أو مشربه ومأكله، بأن هؤلاء "المتخلفون" ليسوا بالضرورة وراء القتل والإرهاب؟ 

من يجرؤ أن يحرم كل فئة من فئات الشعب العراقي من متعتها الوحيدة التي بقيت لها في عالم شديد التوتر، ومن فرصتها الأخيرة لإثبات ذاتها وتفوقها على الآخرين الأشرار، حيث تستهان الذات وتحتقر كل يوم وتهدد بالفناء؟ 

من يجرؤ على تحدي النمر الجائع وحرمانه فريسته الوحيدة؟

في كنيسة سيدة النجاة كان علينا، لكي نتمتع بفريستنا بلا إزعاج، أن نصدق أن إسلاميين مهبولين بقوا يطلقون النار ويفجرون القنابل اليدوية لساعات عديدة لقتل الناس في غرفة تكفي قنبلة يدوية واحدة للقضاء على من فيها، ورغم ذلك نجا الكثير ممن كان فيها ليروي الحادثة المروعة، دون أن يثار التساؤل عن الهدف الحقيقي لهؤلاء "الإسلاميين الحاقدين على المسيحية". ويذهب في الكنيسة "إنتحاري" ليفجر نفسه بعيداً عن الناس خلف مذبح الكنيسة، دون أن يسأل أحد لماذا يفعل إنتحاري إرهابي ذلك! بل وليتقدم صحفي ليروي لنا أن قتل القساوسة كان بالسيف، دون أن يسأله أحد، لا الحكومة ولا غيرها، لماذا وكيف الف تلك الكذبة ولصالح من! وتكشف لنا الثورة المصرية أن الأمن المصري الذي كان تابعاً للموساد لعشرات السنين، كان مسؤولاً عن تفجيرات في كنائس مصر ، وأن هناك علاقة مع تفجيرات سيدة النجاة ولا يثير ذلك تحقيقاً. وبمجرد مغادرة القوات الأمريكية العراق، يكشف رئيس الوزراء ملفات إرهاب يبدو أنه لم يكن يجروء أن يكشفها قبل ذلك، دون أن تتساءل الصحافة عن معنى ذلك. وتستمر الحياة في العراق ويستمر القتل..

وتكشف أجهزة مزيفة لكشف الألغام، بفضيحة كافية لإزاحة حكومة من الوجود وربما إزاحة أعضائها من الحياة، وهي علب فارغة ليس فيها حتى بطارية تشغلها، أقنع البعض العراق كله بأنها تعمل بالكهربائية الستاتيكية، وأن الجندي يجب أن يلبس ملابس خاصة ويتحرك كالبهلوان ولا تعمل في المطر والرطوبة وتتطلب "وضعاً نفسياً" خاصاً، كل ذلك من أجل ان تجمع الطاقة الستاتيكية العجيبة لتوفر بطارية صغيرة!! المهندسون يصرخون أنها علب فارغة وأن الناس يقتلون هدراً، لكن الحياة تستمر كما هي في العراق، وتستمر "الأجهزة" تستعمل كأن شيئاً لم يكن، ويتسمر تجاهل الناس لتلك الحقيقة المرعبة، ويستمر القتل!

ويتجمع أفراد الشرطة والصحوة لإستلام راتبهم أو للتطوع، فتنفجر فيهم قنبلة "إنتحاري"، ويتكرر ذلك مراراً وتكراراً دون أن تتخذ الحكومة إجراءاً بسيطاً جداً بأن توصي الحكومة بمنع مثل هذا التجمع وأن يعطى لكل متطوع ورقة فيها ساعة أخرى يأتي للمراجعة فيختفي الصف وتختفي فرصة التفجير! لكن هذا لا يناسب "الإنتحاريين" لذلك لا تعمل الحكومة به رغم تكرار الكتابة والنصح بهذا الأمر.. رئيس الحكومة يلقي خطاباً يهدد الإرهاب فيه ويتوعد القتلة، ويدعوا الناس لنبذ "الطائفية" (!) دون أن يتخذ اي إجراء، وتستمر الحياة في العراق كما هي ويستمر القتل...

ومنذ سنوات أقر وزير للداخلية بأنه كشف عنصراً من مجموعة كبيرة جاء بها الأمريكان وكانت تقوم بزرع العبوات المتفجرة، ويشهد بذلك وزير الداخلية الذي قبله، ويقوم الأول باعتقاله فتقوم القوات الأمريكية بإطلاق سراحه وتسفيره بينما يبقى بقية من جاءوا بهم يسرحون ويمرحون... ولا يثير ذلك تساؤلاً ، لا في الصحافة ولا بين الكتل السياسية ولا لدى الحكومة ولا تؤسس لجنة لمعرفة حقيقة الأمر الخطير للغاية، رغم أن مقابلة ذلك الوزير مازالت متاحة للجميع على اليوتيوب! فاللجان في الحكومة العراقية هي أداة للنسيان، تستعمل لطمر الحقائق غير المرغوب بها في الرمال بعيداً عن أعين الشعب، لحين يوفر الإرهاب للحكومة كارثة أخرى تنسي الناس الحقيقة السابقة والكارثة السابقة واللجنة السابقة وتلتهي بمصيبتها الجديدة. وتستمر الحياة ويستمر القتل!

منذ سنوات عديدة اكتشف العراقيون أن بريطانيان كانا يخططان لتفجير "إنتحاري" في حسينية في البصرة، وكان ذلك مقدمة للإرهاب بشكله الكبير ولموجة الإنتحاريين، وتم القاء القبض عليهما متلبسين بالجريمة وأطلقت القوات البريطانية سراحهما بقوة السلاح من السجن، مثلما أطلقت القوات الأمريكية سراح رامي اللحدي من سجن الجادرية وشهد بذلك صولاغ. وعدا هاتين الحالتين التان احتاجت بهما قوات التحالف إلى العنف لإطلاق سراح عملائهم الإرهابيين الذين أمسكوا متلبسين، فقد أطلقت قوات التحالف المئات من أمثالهم بطرق أقل ضجيجاً، كما يشهد العديد من رجال الامن والشرطة والناس العاديين العراقيين، ورغم كل ذلك لم يشر أحد إلى مسؤولية تلك القوات عن الإرهاب، فلا الجعفري حقق بالقضية ولا المالكي بحكومتيه التاليتين، بل استمر التحالف واستمرت معاهدات "الصداقة" واستمر القتل!!

رغم كل هذا التاريخ المخجل في مواجهة الإرهاب، ويريد الشعب أن يتوقف الإرهاب! كل شيء يبدو مرتب من أجل الإرهاب، ورغم ذلك ينتظر الناس القضاء على الإرهاب! اليس من الأصح أن ينتظر "القضاء على الشعب" بدلاً من ذلك؟

لعب المثقفون العراقيون، حتى الأبرياء منهم، دوراً مشيناً في هذه المذبحة على شعبهم. فرغم كل هذا القتل وهذه الدلائل، فضل معظم الكتاب و "المثقفين العراقيين ومازالوا يفضلون، أن يلوكوا ويحاضروا في المؤتمرات الفخمة عن نظريات تحمي المجرم الأساسي والحقيقي وتلقي اللوم على الذيول من "البعث" و "دول الجوار" وليؤكدوا أن الطائفية وراء الأعمال الإنتحارية، حتى تلك التي لم يكن ممكناً أن يعرف أحد هوية ضحاياها وطائفتهم، مثل التفجيرات في الأماكن العامة مثلما حدث أمام باب جامعة بغداد في الجادرية !! مثل هذه الحقائق لا يتوقف "الباحثين" عندها فهي لا تربط الأحداث بأمور تعود لأكثر من ألف عام، وبالتالي فلا تساعد على تأليف "قصة جميلة" مترابطة تشرح "عمق" الباحث قبل أن تشرح "عمق" بحثه في بطون التاريخ! لا يوجد مؤتمر واحد يرحب بورقة تتحدث عن واقع الإرهاب الحاضر والدلائل على أمريكيته أو إسرائيليته، لكن أبواب كل المؤتمرات مفتوحة لمن يسعى للبرهنة أن الإرهاب موجود بين سطور التراث الإسلامي أو أن هناك مؤشرات تبين أن جينات الإرهاب تعود لدينا إلى كلكامش وأنكيدو!

أما إن اضطر هؤلاء "المثقفون" أن يردوا على المعترضين المزعجين من خلال التعليقات على الإنترنت، فهم يتخلصون منها بالقول أن هؤلاء "الإنتحاريين" مجانين، ولا يمكن تفسير تصرفاتهم! لكنهم في نفس الوقت عباقرة في القدرة على الإستمرار وتأمين النجاح وقتل أكبر عدد من الضحايا والقدرة على الإفلات من إجراءات الأمن والشرطة التي دربها "الناتو" على "أحدث الأساليب" الأمنية! كيف تجمع الجنون بالعبقرية والكفاءة؟ ليس ذلك صعباً على من يريد بإصرار أن يصدق روايات يتجنب بها الحقائق المزعجة، مهما كانت تلك الروايات متناقضة لا يقبلها المنطق والعقل. 

هل من عجب أن يستمر الإرهاب وينتعش إذن، في بلد يصر شعبه ومثقفوه وساسته وصحافته على تجاهل الحقائق الأساسية حول الإرهاب وتجنب النظر إلى الدلائل الأقوى التي تدله على من يدير الإرهاب وينظمه ويغذيه، ويتسلى بدل ذلك بربط ما يحدث بسوالف التاريخ القديم، ثم يحصل من مراوغاته هذه للحقائق على التقدير والتعظيم؟ 

هل يمكن لشعب بمثل هذا المستوى من الوعي، وهذا المستوى من الحصار، ويجلس على أحد أكبر ثروات الأرض أن يتوقع غير استمرار المذابح والهزائم والمفاجآت حتى يسلم ثروته تلك الى من هو أكثر وعياً منه وأقل إغراقاً في الأوهام؟ 


متى ما واجه الشعب حقائق علاقة أميركا بالإرهاب في العراق ونظر في عين تلك الحقائق الصعبة بشجاعة وموضوعية والقم حجراً كل من حاول إبعاد التهمة عنها بالقائها على الطائفية أو تاريخ العنف أو دول الجوار أو البعث، ومعظمها كما يعلم الجميع، من صنائعها وذيولها، عندذاك فقط يبدأ الشعب برؤية ساحة قتاله التي يلفها اليوم ظلام دامس يدفع به الى التخبط وتلقي الضربات بلا رد ولا أمل. عندها فقط يبدأ بتحسس من هو العدو ومن هو الصديق وإلى أين يجب أن يلجأ لتلافي الضربات وتخفيفها والرد عليها. عندها فقط تبدأ المعركة مع الإرهاب الحقيقي وليس مع ضلاله وأشباحه. وعندها فقط يحق لنا أن نأمل بيوم يمكن أن نوقف فيه مذابح الإرهاب في العراق، أما أن نأمل ذلك ونحن في هذه الحال التي تكون فيها متعتنا الوحيدة تجاهل الحقائق وإعادة توجيهها بما يريحنا، فهو الظلال بعينه، وهو الوهم الذي يسبق الإنتحار للناس والفناء للشعوب. 


16 آب 2013 

 

 

Opinions