Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العلاقة الملتبسة بين الأعلام والأرهاب

 

تستغل التنظيمات الأرهابية وسائل الأعلام  الألكترونية وعلى رأسها شبكات التواصل الأجتماعي التفاعلية التي نعرفها ( فيسبوك ، تويتر، يوتيوب ) كمنصات لبث أفكارها وأخبارها وتنفيذ أجندتها ، بسبب الأنتشار الواسع لمواقع التواصل  وسهولة استخدامها وامكانية  تخطى  الحواجز السياسية والجغرافية في عملية الأتصال المجاني الفوري  بين اعضاء التنظيمات الأرهابية والتنسيق فيما بينهم والكم الهائل من المعلومات التي يمكن تبادلها  ، هذه التنظيمات تدرك جيداً ان  استراتيجيتها الأعلامية الحرفية المتميزة  تساعدها في تحقيق أهدافها الجهنمية

 

 الأرهاب يتسلح بالأعلام الجديد عموماً والأجتماعي منه خصوصاً من اجل تحقيق عدة أهداف في آن واحد وهي :

 

1- الوصول إلى الرأي العام والترويج لأيديولوجيته والدعاية لفكره الظلامي المتطرف 

 

2 - استعراض قوته واضفاء هالة مزيفة على فعالياته الأجرامية وتضخيم قدراته واظهارها بشكل أكبر من حجمها الحقيقي .ونشر أجواء الخوف والرعب بين الجماهير المستهدفة .

 

 3  بث اليأس والأحباط بين عناصر قوى الأمن .وكشف ضعف اوعجز الحكومة المستهدفة عن حماية مؤسساتها ومواطنيها وعن ضمان الأمن والأستقرار .

 

4- حشد المناصرين وتجنيد الشباب من مختلف أنحاء العالم لديمومة بقاءها .

5-  نشر ارشادات تشرح وسائل الاتصالات السرية وطرق صنع المتفجرات وتفخيخ السيارات وزرع الألغام والأسلحة الكيمياوية .

6 – جمع التبرعات عن طريق الأنترنيت من المستخدمين ذوي الميول المتطرفة او من الآخرين بأساليب الخداع والأحتيال .

 

وتختلف الجماعات الأرهابية في اعطاء الأولوية لهذا الهدف او ذاك ، فعلى سبيل المثال نرى ان تنظيم داعش يركز على استعراض قوته وصدم الناس وترويعهم بوحشيته وأساليبه الدموية والنيل من معنويات القوات الأمنية العراقية واستدراج الشباب المسلم أينما كان وغسل عقولهم وحشوها بالغيبيات والخرافات والأباطيل من قبيل ترغيب وتحبيب الموت اليهم كطريق لدخول الجنة حيث سيغنم كل واحد منهم  باربعين حورية وعد بهن .

 

دور الأعلام العربي في الترويج لداعش وبث الرعب في النفوس :

 

يسهم قطاع عريض من الأعلام العربي ، في بث سموم داعش ،  عندما يقوم  بنقل أخبار التنظيم على نحو غير موضوعي وبث ما تنتجه ماكنة البروباجاندا الداعشية من مواد دعائية منحازة  مثل الصور ومقاطع الفيديو عن قطع الرؤوس وقتل المدنيين العزل وتدمير المعابد والأضرحة  . ونحن لا نقصد هنا الأعلام الناطق بأسم الجهات  المساندة لداعش فقط ، التي تشن حرباً اعلامية هدفها اشاعة اليأس والأحباط في النفوس ،   بل أيضاً اعلام الأثارة التجاري ، الذي يهدف الى الحصول على المال ولا يهتم كثيراً بالتأثير النفسي السيء لما ينشره من اشاعات ، أو ما يروج له من محتوى اعلامي عنيف والذي يوحي للمشاهدين والقراء ان داعش غول  قوي وغني  وخطير يصعب او يستحيل القضاء عليه ، في حين رأينا كيف ان حماة  بلدة صغيرة مثل  كوباني البطلة تصدوا لداعش ودباباته وصواريخه ومدافعه وسلاحه الكيمياوي بأسلحة بسيطة وعزم لا يلين  وألحقوا بعناصره وآلياته خسائر فادحة  ، ذلك لأن المعنويات العالية للمقاتلين لا تقل أهمية عن الأسلحة المستخدمة في أرض المعركة . اذن فأن داعش ليس ذلك التنظيم الخرافي الذي  لا يقهر ، بل تنظيم ارهابي يمكن دحره عسكريا في ميادين القتال واعلاميا على نفس الشبكات التي يبث عليها داعش دعايته المسمومة ودحض أفكاره  الظلامية ومنهجه التدميري بفضح دوافعه و اساليبه المجردة من كل القيم الأنسانية والأخلاقية وخنقه أعلاميا بعدم التركيز على ما يقوم به من جرائم بشعة تقشعر لها الأبدان .

 

 لا معنى للأرهاب من دون وسائل الأعلام :

 

إن تأريخ الإرهاب الدولي حافل بأمثلة كثيرة تد ل على أن الهدف الأول للإرهابيين هو الوصول إلى وسائل الأعلام والتأثير النفسي في الجمهور العريض والإعلان عن أنفسهم وايصال أصواتهم السياسية أو الدينية أو القومية الى الرأي العام في بلدانهم ونقل مطالبهم وتهديداتهم إلى الجهات المعنية في استعراض رخيص لسلاحهم الوحيد وهو الخطف والقتل والذبح دون اى اعتبار للقيم الدينية إلى يزعم الإرهابيون أنهم (يجاهدون في سبيلها ) .

 وقد لوحظ إن التخطيط لعملية الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة الأميركية، قد جرى بشكل يتيح الفرصة لعدسات مصوري التلفزيون ووسائل الأعلام الأخرى لتسجيل كيفية اختراق الطائرة الثانية لناطحة السحاب الثانية،كما إن العديد من الإرهابيين الذين قاموا باحتلال السفارات أو مقرات المنظمات الدولية أوخطف الطائرات واحتجاز المدنيين ، قد اعترفوا بأن هدفهم الأول كان الظهور على شاشات التلفزيون من اجل نشر بياناتهم ومطالبهم وقد استسلموا بعد عقد مؤتمر صحفي سريع أو الإدلاء ببيان إلى وسائل الأعلام,

 

البحوث والدراسات العلمية التي اجريت في معاهد متخصصة في الغرب تؤكد ان " لا معنى للإرهاب من دون وسائل الأعلام " ، ذلك لأن عرض ما تنتجه ماكنة الدعاية الأرهابية  وخصوصاً ما ينشره داعش على نحو متعمد من بيانات ومقاطع فيديو بشعة تركز على الأجساد الممزقة والأشلاء المتناثرة والآليات المحترقة ، يعد اسهاما مجانياً مباشراً في الحرب النفسية التي يشنها هذا التنظيم الأرهابي وتشجيعاً على ارتكاب المزيد من الجرائم بهدف التأثير في الرأي العام وارباك بعض مفاصل الحياة في البلد المستهدف .

 

 ( داعش ) لا يفتقر الى منصات اعلامية تقليدية مثل الصحف الورقية ولا الى فضائيات تروج للفكر العنيف ، وثمة العديد من الصحف والفضائيات العربية القومية والأسلاموية ، التي  تسهم بشكل مباشر أو مستتر في الدعاية لداعش عن طريق التركيز على فعالياته وابراز وتهويل انتصاراته الحقيقية والموهومة ،  ولكن تأثير الصحف الورقية ، لم يعد كما كان في الماضي بل آخذ في التضاءل يوماً مع الأنخفاض المستمر لعدد قراءها ، والفضائيات ليست منصات ملائمة لتجنيد الجهاديين أوالتواصل بين أعضاء التنظيم ، لذا فأن ستراتيجية داعش الأعلامية قائمة على  استغلال الأنترنيت و شبكات التواصل الأجتماعي والهواتف الذكية للوصول إلى الناس والتنسيق بين الأرهابيين ، على شتى المستويات .

الأبواق الإعلامية لبعض الدول الأجنبية ،التي عارضت التدخل الأميركي في العراق عام 2003  وتضررت مصالحها بعد سقوط النظام الدكتاتوري ، تسهم أيضاً على نحو فعال في تهويل ما يجرى في العراق اليوم وتتحدث عن الغزو الداعشي ليس لأظهار وحشيته بل تشويه صورة الأسلام ، وبذلك تسهم هذه الأبواق في تضليل الرأي العام المحلى والعا لمى وهى مهتمة بمصالح الدول الناطقة بأسمها ،  أكثر من اهتمامها بأمن واستقرار العراق و حياة ومصير شعبه.

 

ولا شك إن حجب حسابات الأرهابيين أو ازالة المحتوى الألكتروني، الذي يبثونه  في الفضاء الأعلامي الألكتروني ، ستعرقل الى حد كبير  تنفيذ أجندتهم وسيؤدى إلى حصر الآثار النفسية للعمليات الإرهابية في نطاق ضيق وتفويت الفرصة عليهم لتحقيق مخططاتهم الشريرة.

 

وتشير بعض البحوث الأعلامية الجديدة التي اجريت في الغرب  ، إن الحرب النفسية التي تشنها الزمر الإرهابية، تفقد تأثيرها، عندما لا تهتم بها وسائل الأعلام. وفى الوقت نفسه فأن التركيز المتعمد والعرض المتكرر للمشاهد الدموية لعمليات القتل والذبح والتي تثير الرعب والأسى لأول وهلة، يعتاد عليها المشاهد تدريجيا ويفقد اهتمامه بالآم الآخرين وتعاطفه الأنسانى مع الضحايا إلى حد بعيد ويركز على أمنه الشخصي وأمن عائلته و يظل نهبا للقلق والهواجس لأنه يخشى إن يتعرض لحادث ارهابى في اى مكان من المدينة التي يسكن فيها، وهذا ما يهدف إليه الأرهابييون،اى نسيان آلام الضحايا وعذاباتهم والاستهانة بالأرواح البشرية .

 

يتضح مما تقدم ،إن العنصرالضرورى لأية سياسة فعالة ضدالأرهاب والحد من مخاطره يكمن في منع استغلال وسائل  الأعلام من قبل زمر الإرهاب والتزام هذه الوسائل بالموضوعية والحيدة و المعايير المهنية في تغطيتها للعمليات الإرهابية.

 

الأرهاب وحرية الأعلام :

 

ربما يقول البعض إن منع داعش من استغلال وسائل الأعلام وتجاهل بياناته وما يبثه من مقاطع فيديو يتعارض وحرية الأعلام وان من حق المواطن الحصول على المعلومات الوافية عن الحوادث التي تقع في البلاد ولها مساس بحياته ومستقبله ولكن من جهة أخرى من حق المجتمع أيضا إن يحمى نفسه من الآثار السلبية الخطيرة للحرب النفسية إلتى تستهدف أمنه واستقراره ومستقبله .

و من المفيد إن نستذكر هنا الوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي (فرانلكين روزفلت ) لشعبه عند توليه السلطة ، بضمان الحريات الأساسية ومنها التحرر من ( الخوف). ولكن عرض المشاهد المروعة للعمليات الإرهابية يتعارض تماما مع التحرر من الخوف ، ولحل هذا التناقض ، لا بد من التوصل إلى توازن بين وقاية المجتمع من الخوف وبين حرية الأعلام ، ذلك لأن أية سياسة فعالة لمكافحة الإرهاب والحد من مخاطره وتأثيراته النفسية البالغة تستدعى إن يكون الأعلام  عونا للمجتمع ، لا سلاحا يستخدمه الإرهابيون ضده.

 

يزعم بعض  الإعلاميين إن المتلقي نفسه يرغب في مشاهدة صور العنف،ولكن هذا الزعم غير صحيح، لأن دراسات كثيرة أخرى أشارت إلى إن وسائل الأعلام هي التي تخلق مثل هذه الرغبات لدى الجمهور المشاهد وان الاستمرار في خلق رغبات سلبية--إن صح التعبير—يلحق الأذى بالمجتمع وان من حق المجتمع أيضا الرفض القاطع لتحويل الرعب إلى سلعة تتاجر بها وسائل الأعلام وتجنى من ورائها إرباحا طائلة ويكفى إن نشير إلى إن شريطا يتضمن بيانا للبغدادي أو الزرقاوى أو مشاهد للمقاتلين الملثمين وهم ينحرون او يقتلون ضحاياهم  ،لا يستغرق عرضه سوى بضع دقائق ( والتي تحصل عليها بعض القنوات التلفزيونية بطرق مشبوهة وتحتكر ملكيتها) يباع للفضائيات الأخرى ووكالات الأنباء العالمية بسعر يتراوح بين (150-250 ) إلف دولار،اى إن المنفعة المادية متبادلة بين الأرهابين والقنوات التلفزيونية، التي لا تبالي بالنتائج المترتبة على عرض مثل هذه الأشرطة. وبطبيعة الحال ، فأننا لا ندعو إلى الحد من حرية الأعلام ، ولكننا نرى ضرورة الألتزام بالمسؤولية الأجتماعية وتجنب كل ما يلحق الضرر بالمجتمع والأمن الوطني .

 

اخلاقيات المهنة في التعامل مع أخبار الأرهاب :

 

نعتقد إن الالتزام بأخلاقيات المهنة والشرف الصحفي وتغطية الحوادث بأسلوب حضاري، بعيدا عن الإثارة الصحفية والاستغلال التجاري للماسي البشرية لا تتعارض أبدا مع حرية الأعلام وحق المواطن في معرفة الحقائق التي لها مساس بحياته ومستقبله.

وثمة درس بليغ قدمته الفضائيات الأميركية الأكثر شهرة وانتشارا، عندما قررت بعد أيام معدودة من حوادث الحادي عشر من أيلول عدم إعادة عرض الريبورتاجات عن هذه الحوادث ، و ماعدا بعض الاستثناءات القليلة، امتنعت هذه الفضائيات عن عرض صور الناس الذين كانوا يرمون بأنفسهم من نوافذ ناطحتي السحاب في نيويورك .

 

وكانت هذه الخطوة ( التي أقدمت عليها تلك الفضائيات بمحض إرادتها) مثالا جيدا على الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع ، ذلك لأن عرض الريبورتاجات المصورة عن هذه الحوادث، خلال وبعد حدوثها مباشرة ألحق ضررا بالغا بالحالة النفسية لملايين الأميركيين وأدى إلى رفع معنويات الأرهابين، وبعد إدراك هذه الحقيقة المرة، قامت بعض الفضائيات الأميركية بعرض بعض اللقطات المتفرقة الثابتة ( غير المتحركة ) ومن دون صوت. وامتنعت عن عرض كل ما يلحق الضرر بأميركا والأميركيين .

 

ولا شك في إن وسائل الأعلام الأميركية تتمتع بمساحة واسعة من الحرية تفوق ما تتمتع به وسائل الأعلام العربية، ومع ذلك ، فأن امن المجتمع الأميركي والمعايير المهنية والأخلاقية هي أكثر أهمية لديها من مصالحها الضيقة، فمتى تستيقظ ضمائر المسئولين في الفضائيات العربية وبعض الفضائيات (العراقية) المشبوهة ويحترمون أخلاقيات المهنة ومشاعر المواطنين العراقيين وامن واستقرار العراق، أكثر من اهتمامهم بالإثارة والانتشار والمال.

 

 

جــودت هوشيار

 

jawhoshyar@yahoo.com

 

 

 

Opinions