العمليه السياسيه..والحلول الامريكيه
ربما لا يختلف اثنان في ان العراق يمر اليوم في اعقد مرحله من مراحل تاريخه كدوله , فبعد الخلاص من الدكتاتوريه تأمل الشعب في ان تكون المرحله التاليه مرحله استقرار وامان تأخذ البلاد الى ضفة التقدم والخلاص من الحروب التي اثقلت كاهل الشعب وجعلته يخسر مئات الالاف من ابناءه فيها دون سبب,ونظام الحكم الدكتاتوري ادى بالبلاد الى حافة الفقر المدقع الذي تسببت به ايضا الاسرة الدوليه التي اشتركت في حصار ظالم لم يتأثر به سوى الشعب المسكين الذي لم يكن له لا حول ولا قوه في تغيير الواقع المفروض عليه بالقوة...لقد دفع الشعب في جميع الاحوال الثمن واصبح من الصعب عليه تجاوز المحن المتتاليه التي يتعرض لها لا سيما بعد احتلال بغداد والشروع بالعمليه السياسيه الحاليه التي لم تتمكن لحد هذه اللحظه من مداواة الجرح العراقي النازف او انها لا تمتلك الحلول التي من شأنها جلب الامان والاستقرار للبلاد والشروع بعملية اعادة البناء والاعمار..
وتلعب القوانين التي تشرعها الحكومات دورا بارزا في ترسيخ حالتي الامن والاستقرار وقيادة الشعب الى ضفة المجتمع المدني القابل للبقاء والاستمرار والدوله العراقيه الحديثه منذ تأسيسها في اب من عام 1921 امتلكت الفرص لجعل الحياة السياسيه والاقتصاديه في البلاد تسير بالاتجاه السليم الذي يجنبها السقوط والانهيار لكن وجود شخصيات تعمل لاجندة خارجيه كانت دائما المتسبب الاول في حدوث الفوضى واخذ البلاد الى ضفة التأزم باستمرار وجعل الحياة السياسيه مليئه بالعقبات لاحلال نظام مدني قابل للبقاء ولا يمكن اهمال تأثير العامل الخارجي في اية معادله سياسيه لكن حجم الدور الذي يلعبه هذا العامل وطبيعته هو الذي يتحكم بمدى النجاح والاخفاق الحاصل على ارض الواقع وهذا ما حدث في العراق ولعب دورا سلبيا باستمرار ادى الى ابقاء الحاله في دائرة الاحتقان..
لقد جسدت الحاله السياسيه في العراق اليوم صورة انعدام الاستفادة من العبر الموجوده في تاريخ البلاد وكذلك انعدام الرغبه في خلق وضع جديد يستند الى اسس وطنيه تمنع تغلغل الافكار التي من شأنها ان تعيق رسم صورة واضحة الملامح للمجتمع العراقي..
والعمليه السياسيه الحاليه بكل تشعباتها تفتقد الى الاطار السياسي الذي يجعل اعادة بناء مؤسسات الدوله من جديد سلسا للغايه في ظل انقسامات حادة وخطيرة تعصف باركان الفئات المشتركه بها وتجنح نحو خسارة مواقعها لاطراف اخرى ربما يكونوا اشد قربا الى الولايات المتحده التي راحت تبحث لها عن اي حليف كان شرط ان ينقذها من الوضع الذي هي فيه حتى ولو كان هذا الطرف ينتمي الى الجهة التي تعادي وجودها على الارض العراقيه..
ان التقسيمات الجديده على الساحه السياسيه في البلاد هي التي ادت الى تأزم الاوضاع وتدهورها الى الشكل الذي تعيشه الان من محاصه وطائفيه واعتراف حتى باركان النظام البائد من قبل الادارة الامريكيه التي راحت تتخبط في ايجاد مخرج للحاله العراقيه دون ان تحاول البحث عن الحلول الجذريه التي تنقذ البلاد من دوامة العنف المستشري..
والحلول الامريكيه بقيت تراوح في مكانها ولا تريد ان تضع حدا لحالة البؤس العراقيه التي حولت الحرب الى مستنقع قد لا يخرج منه الامريكان بسهوله , والعراق يحوي الكثير من الطاقات العلميه والاكاديميه القادرة على ايجاد مخرج للمأزق لكن اصرار الادارة الامريكيه على التشبث بالقوى الموجوده على الساحه والمصرة على تفعيل الدور الايراني فيه ادى الى ابقاء الوضع على ما هو عليه وتأزيمه اكثر فأكثر وتحاول دائما البحث في نفس الحلقه المفرغه وتراوح في نفس المكان ان بدائل العمليه السياسيه كثيرة ومفتوحه على افاق واسعه اذا ما تولدت الرغبة لتحقيق الاستقرار في العراق وتمكينه من نيل عافيته وانطلاقه الى التقارب مع الاسرة الدوليه..
وبناء دوله عصريه في العراق ربما اصبح حاجه ملحه اذا ما اردنا شرقا اوسطا خاليا من العنف والارهاب واستمرار الحاله العراقيه ونزيفها سيقود بلا ادنى شك الى احداث حاله من التوتر ستطال حتى الدول التي تعتقد انها في منأى عن الاخطار والحروب وربما ستؤدي الى تغيير جذري في خريطه الشرق الاوسط وحالة التوازن فيها..
وعملية بناء جيش عراقي قادر على مواجهة التحديات هو الاخر يساهم في استباب الامن لكن الحكومه الحاليه عاجزه عن بناء هذا الجيش طالما انها تعطي الاولويه للموالين لتياراتها السياسيه وفي الغالب لا تمتلك تلك الفئه المهنيه العسكريه ولا تلم بأي من العلوم العسكريه وبالتالي يجعل عمليه بناء جيش قوي مجرد احاديث لاتقترب من الواقع بشئ..
ورغم الاحاديث الدائرة اليوم عن تشكيل تكتلات جديده من شأنها انقاذ العمليه السياسيه من السقوط الا ان احد افضل الحلول يكمن في بناء مؤسسات وطنيه قويه تبتعد في اداءها عن التعصب والطائفيه وقد تركت الدكتاتوريه لنا ارثا لا يمكن استأصاله بسهوله من الارهابيين والقتله من الذين راحوا يحاولوا تدمير كل شئ من حولهم لجعل البلاد مغرقه في الظلام والجهل وتعيش دوامه لا نهايه لها من العنف خوفا من حالة الاستقرار التي تجعلهم يرتعبوا من اي خطوة يخطوها الشعب الى امام ويبني مستقبله بنفسه دون الافكار التي كانوا يفرضوها على الشعب والتي قادت العراق الى الحاله التي يعيشها اليوم والتي ادت الى قتل مئات الالاف من ابناءه وهجره اكثر من ثلاثة ملايين اصبحوا عاجزين عن ايجاد وطن يؤيهم ويضمد جراحاتهم...
وتبقى حالة المواطن في العراق هي الضحيه في الوقت الذي تمضي فيه الادارة الامريكيه الى البحث لها عن مخرج من العراق دون ان تفكرفي وضع حل في اطار دولي يضمن للعراق استعادة عافيته ويعيده الى محيطه الاقليمي بعد ان تم تدميره واعادته عقودا الى الوراء فالعراق عاش طوال القرون الماضيه ومنذ نشأته بعيدا عن هكذا حرب مدمرة تقتلع جذوره الحضاريه والفكريه والانسانيه ولم يشهد فتنه امتدت الى خاصرته بهذا الشكل من قبل حتى غدت تطارد اقلياته واديانه وتجعلهم يغادروا موطن اباءهم واجدادهم الى المجهول الى عالم ربما لا يمكن ان يمثل لهم وطنا بديلا..