الفائزون والخاسرون: المواقف والعبر
احمد جويد/تشهد مرحلة ما بعد الانتخابات مزايدات سياسية تلقي بظلالها على البلد بمختلف الجوانب، في وقت تهدد بقايا الخلايا الإرهابية بإشعال حلقة جديدة من العنف مستغلةً الفراغ الحكومي الذي قد ينشأ جراء الصراع على تشكيل الحكومة المرتقبة، تلك المخاوف جعلت الرئيس الأمريكي يصرح بأنه "لا تزال أمام العراقيين "أيام صعبة" قبل أن يتمكّن العراق من إعادة بناء مؤسساته وجهاز دولته".
وفي الوقت الذي يشتد الصراع على تزعم السلطة التنفيذية نلاحظ عدم اكتراث الجميع بمنصب السلطة التشريعية التي تمثل رأس الهرم في نظام سياسي برلماني، وهذا دليل على عدم ثقة الأطراف المتنافسة بالعملية السياسية بوصفها ديمقراطية يتم من خلالها التداول السلمي للسلطة والحكم.
ولنبدأ بمواقف التشكيك في مجمل العملية الانتخابية، فقد جاءت مواقف الكتل التي خسرت أو التي ظهر تراجعها في بداية العد والفرز مشككة بتلك النتائج حتى لو وصلتها الأرقام من خلال المراقبين التابعين لها، حيث ادعت إن هناك خللا كبيراً شاب عمليات العد والفرز داخل مراكز الاقتراع، وان هناك عمليات تزوير حدثت في تلك المراكز، وأن بعض الجهات-(المتنفذة، الفائزة)- مارست ضغوطا للتأثير على نتائج الانتخابات، والمتهم بالطبع من يملك السلطة التنفيذية وهذا أحد الأسباب التي جعلت من الكتل الكبيرة تتصارع فيما بينها للحصول على رئاسة تلك السلطة دون التشريعية، كما إن المفوضية متهمة بخروجها عن الحيادية والاستقلالية إلى التبعية لصالح كيانات معينة.
قد يكون شيء من هذا القبيل حصل هنا أو هناك، لكن يجب على مختلف الكتل أن تواجه حقيقة الأمر بغير تلك الأعذار، وكونها خسرت الجولة لا يعني الفشل والنهاية، بل يعني انها لم تجد استخدام أدوات (اللعبة) جيداً كما أجادها الفائزون وهذا هو حال التنافس الديمقراطي في جميع دول العالم فوز وخسارة، مرة عليك وقد تكون مراراً لك، من يدري قد تكون هذه التجربة مفيدة كثيراً لاستخلاص الدروس والعبر منها في العمل السياسي في الجولات القادمة.
المهم أن يستفيد الخاسر من التجربة ويحاول تعزيز ثقة ناخبيه بالعملية الديمقراطية، وان يُفهِم مريديه بواقع العمل الديمقراطي وعليه الاستعداد للجولات القادمة، وبهذه الطريقة سوف تتعزز الثقة بزعيم الكيان رغم خسارته الجولة الانتخابية وسف يحقق شيء لا باس به في المرات القادمة.
أما من يحرز تقدما في الانتخابات فإن شيء من الزهو سوف يعتري مشاعره وخطابه الذي يتوجه به للآخرين، وسوف يوحي لهم بأن هذا الفوز هو ثمرة لجهوده المميزة وإنه لو لم يكن الأفضل والأجدر لما حقق كل هذا النجاح، ولما كان هذا التوجه إليه من قبل الناخبين.
قد يكون هذا الشيء صحيح في المنظور الإعلامي، إلا أن ثمة شيء آخر يجب أن يأخذه بنظر الاعتبار، وهو الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن ناظريه والمتمثلة في أخطاء الآخرين وعدم إجادتهم لفن اللعبة السياسية في هذه الدورة من العملية الانتخابية، وبدون تلك الأخطاء لما قدر له أن يتقدم عليهم، وهنا لابد له أن يجعل من هذا الفوز عامل جذب يضاف إلى رصيده الآخر للحفاظ على مكتسباته السياسية، فهدر الفرصة التي تمكنه من إدارة مؤسسات الدولة وعدم والوفاء بالعهود التي يقطعها الفائز على نفسه أثناء حملته الانتخابية قد يفوت عليه الفرصة في الجولات القادمة، حينها من يدري قد يصل الأمر إلى عدم استطاعته العودة ثانية إلى الحياة السياسية بشكل نهائي كما حدث مع الكثيرين.
وبذلك فان التصريحات السلبية التي تسبق تشكيل الحكومة والتفاهمات السياسية حول صيغة تتلاءم وما يطمح له الناخب العراقي من نظام سياسي ديمقراطي صحيح مبني على احترام إرادات الشعب والناخبين ويحافظ على مبدأ التداول السلمي للسلطة بين الأحزاب والمكونات السياسية، فان مثل تلك التصريحات قد تضر بمستقبل العملية الانتخابية.
وهنا يرى المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) ان القدرة (السلطة السياسية) المطمئنة القابلة للبقاء والتي لا تتحول إلى آلة لتحطيم الأمة وامتصاص ثرواتها هي القدرة الاستشارية (التي ترضى بخيارات الناس وتسلم لمنطق التداول السلمي للسلطة)، بعكس القدرة الاستبدادية حيث إنها تعيش ملوثة برذائلها وجرائمها وقمعها وإرهابها بأمد محدود ، حيث يقود الاستبداد البلاد إلى انهيار فظيع يحطم بنيتها الأساسية ويقضي على ثرواتها، لذا فاللازم على (السياسيين) أن يحصلوا على القدرة النزيهة من النوع الاستشاري القائم على الحرية والانتخاب الحر والتعددية الحزبية.
وبذلك فانه من اللائق على الأحزاب السياسية والسياسيين:
1- الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية التي ضحى الشعب العراقي الكثير من أجلها.
2- أن يتقبل الخسارة بصدر رحب وأن يبارك للفائزين فوزهم.
3- إعادة النظر بالبرامج الانتخابية وتصحيح المسار السياسي بالنسبة للخاسرين.
4- عدم ترك الساحة السياسية والهروب عنها الى حين موعد إجراء الانتخابات القادمة.
5- الاستعداد للجولات القادمة من لحظة إعلان نتائج الانتخابات سواء كانت سلباً أو إيجاباً.
6-الإسراع بتشكيل الحكومة من قبل الكتل الفائزة كي لا تخرج العملية الديمقراطية عن المسار المرسوم لها أو تستغل القوى الإرهابية والمناوئة للتغير في العراق عملية تأخير تشكيل الحكومة.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com