الفصل المذهبي يدفعهم إلى ابتكار أساليب جديدة ... أهالي بغداد يؤسسون شبكة طرق عبر أسطح منازلهم
15/12/2006الجيران-الحياة/
الابتعاد بضعة امتار عن المنزل يضعك في دائرة الخطر، فرق الموت لا تحتاج احياناً إلا إلى ثوان لتضعك في صندوق السيارة وتنطلق بك. هذه حكمة عراقية جديدة يتداولها أهل بغداد ويبتكرون أساليب جديدة للتواصل في ما بينهم. وسمح أسلوب البناء المتلاصق للدور العراقية الممتدة افقياً على مساحات واسعة بانشاء شبكات طرق تستغل أسطح المنازل التي باتت أشبه بطرق بديلة، خصوصاً أيام حظر التجول وفي ساعات المساء.
يقول علي القرغولي، من حي المواصلات جنوب غربي بغداد، إنه اتفق مع جيرانه قبل شهر على اقامة أبواب بين أسطح المنازل تسمح للرجال والنساء بالتنقل وتقيهم مخاطر التجول في الزقاق الرابط بين تلك الدور.
خريطة القرغولي، وهو عسكري سابق، واجهت مصاعب، أبرزها الأمتار القليلة بين سطح وآخر، لكن تم التغلب على ذلك بلإقامة قنطرة صغيرة.
تضحك زوجته وهي تقول: «باب منزلنا الرئيسي الآن أصبح في سطح الدار. وكثيراً ما أصعد فأجد عدداً من العائلات تتنقل عبر سطحنا لتصل الى بيت ابو محمد البقال».
بقال الحي تكيف مع الوضع الجديد، ففتح سطح منزله للمتسوقين من الجيران. لكن منزله يصبح بين الحين والآخر ملتقى لأهل الحي الذين يتجاذبون أطراف الحديث ويلعبون الطاولة حتى ساعات متأخرة.
وترتفع وتيرة العنف في بغداد، فيما تؤكد مصادر شبه حكومية أن 105 أشخاص يقتلون يومياً بعد خطفه.
وتفرض الأوضاع الأمنية الخطيرة في بغداد على الأهالي نمط حياة جديدة، خصوصاً ما يتعلق بواقع الفصل المذهبي الذي فرضه مسلحون وميليشيات عبر أعمال قتل وتهجير قادت الى تكوين كانتونات مذهبية قسرية الطابع.
ونقل اصحاب محالات تجارية أعمالهم الى مناطق تتلائم معهم مذهبياً. ويقول علي شداد (صاحب محل لبيع الأجهزة الكهربائية في المنصور) انه اغلق محله تحت ضغط التهديدات التي تلقاها ووقعت باسم تنظيم «القاعدة»، واختار منطقة سكنه في بغداد الجديدة ذات الغالبية الشيعية.
حتى أصحاب سيارات الاجرة الذين تفرض عليهم طبيعة عملهم الانتقال بين احياء بغداد المختلفة تكيفوا أيضاً مع الواقع الجديد، فباتوا يرفضون التوجه الى احياء بعينها وبعضهم يرفض الخروج من منطقة سكناه.
وحيد العاني من الأعظمية (موظف)، يقول: «استقل احياناً سيارة اجرة للوصول الى مكان عملي في جامعة بغداد في الجادرية، فأصعد من منزلي حتى حدود منطقة الأعظمية التي لا يتجول فيها إلا سائقون من أهلها، ثم استقل سيارة اخرى الى الجادرية واحياناً يرفض السائق التوجه الى هناك خشية اغلاق المنطقة.
سائق الاجرة حسن الكعبي، من مدينة الصدر الشيعية شرق بغداد، يقول إنه قرر منذ شهر تقريباً عدم الخروج من المدينة والاكتفاء بالرزق اليسير الذي يوفره عمله داخلها. ويتابع: «مجرد ان يعرف الارهابيون انني من مدينة الصدر سأكون في مواجهة موت محقق»، لكنه يستدرك: «وحتى هذا الخيار لم يعد يجدي كثيراً فعمليات القتل الجماعي تطاول باستمرار اهالي المدينة داخل احيائها عبر تفجير السيارات المفخخة».
التجار الذين اعتادوا نقل بضائعهم من سورية والأردن وميناء البصرة الى سوق الشورجة، اكبر اسواق البيع بالجملة في بغداد، وجدوا بدورهم آليات لتجنب استهداف تلك البضائع في الطريق، فيستأجرون سائقين سنّة لنقل البضاعة عبر محافظة الأنبار الى منطقة الغزالية غرب بغداد، حيث تجري هناك عملية افراغ الشاحنات الى اخرى يقودها سائقون شيعة الى الشورجة. والحالة معكوسة في طريق البصرة بغداد الذي يمر بالمدن الشيعية.
التكيف مع القتل اليومي شعار يرفعه العراقيون اليوم، وفيما يؤكد المؤرخ سعد العزاوي ان شبكة الطرق السرية بين المنازل استعارة تاريخية من نمط بناء البيت العراقي في عصور ما بعد الغزو المغولي، فالأخطار وغزوات القبائل والجيوش المحتلة أجبرت العراقيين على بناء سراديب أو أقبية تفتح على بعضها لتشكل حياة جماعية خاصة.