Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الفضول * ... ليتني ما عرفته !!!

مدخل : في حوالي عام 1978م نشرت مجلة الثقافة المصرية () آنذاك بحثاً أو مقالاً كبيراً على حلقتين لشيخ المحققين العرب محمود محمد شاكر وكان عنوان المقال ( المتنبي ... ليتني ما عرفته! ) فلم قال ذلك ؟ ولم نحن نسير على خطاه ووقع تساؤلاته مع الفضول عبدالله عبد الوهاب نعمان ... مع لفت النظر إلى أننا أفردنا بابا كدراسة أولية مقارنة بين منهج المتنبي الشعري والفضول مع ما يفصل بينهما من تطور لدلالة اللغة وتطور الأساليب الشعرية ومناهج النقد الأدبية في كتابنا ( الظمأ العاطفي والهم الوطني في شعر الفضول ) ونعود إلى محمود شاكر حيث كان قد عمل بحثا نشره (المقتطف ) – شيخ المجلات العربية – وكان صاحبه الأديب فؤاد صروف في عام 1936م بعنوان ( المتنبي ) احتدمت بعده معارك ضارية بين محمود شاكر من جانب ( وأستاذه ) طه حسين ، ومؤلف سوري آخر اسمه الدكتور / عبد الوهاب عزام – وهذا أسلوب شاكر - ، حيث ألف طه حسين وعزام كتابين عن المتنبي بشكل متبوع وكان طه حسين سآءه أن يكتب تلميذه عن المتنبي دونه ، حيث أستخدم الاثنان نفس المنهج تقريباً الذي استخدمه قبلهما محمود شاكر وكان عزام أستاذا لشاكر أيضاً .. فأحدث ذلك تأثيراً بالغاً في نفس شاكر من أستاذين جليلين ، أحدهما ملء السمع والبصر ، شقوقاً وشروخاً نفسية عميقة مع انه كان قد ترك كلية الآداب في جامعة القاهرة بعد أن اهتزت ثقته بأستاذه طه حسين عندما علم بأمر بحث (مرجليوت ) وشكوكه حول صحة الشعر الجاهلي والتي نقلها ونسبها إلى نفسه طه حسين وعرضها عليهم وزاد عليها دون أن يشير من قريب أو من بعيد إلى أسبقية (مرجيلوت) في طرح تلك الشكوك التي أقامت الدنيا ولم تقعدها فجعلت اسم طه حسين يملا الآفاق وانتحاله لقضية الإنتحال في الشعر الجاهلي تتحدث عنه الركبان .
فأحدث كل ذلك ألماً نفسياً عميقاً لمحمود شاكر وهو يرى أساتذته يسرقون أفكاره جهاراً نهاراً مستغلين سلطانهم الأدبي ومراكزهم المرموقه ، وأنهم رموز لا يمكن المساس بها فأحتدمت المعارك الأدبيه واشترك بها أطراف عديدة ، أهم هؤلاء على الإطلاق أكبر أهرامات اللغه العاطفيه والشعريه والاجتماعيه مصطفى صادق الرافعي ، وقد كان ما كان ، حتى جاء عام 1977م فقام شاكر – بعد سنوات طويلة بلغت أكثر من أربعين عاماً – وجمع كل ما كتبه هو أو كتبه الآخرون ونشر كتابه القديم ( المتنبي ) معها بطبعات جديدة نفذت كلها من الأسواق بسرعة البرق ، وفي عام 1978م نشر موضوعه الشهير ( المتنبي .. ليتني ما عرفته! ) في حين كان يجد أن الناس ما زالوا يتذكرون ماذا حدث بينه وطه حسين وغيره ، مؤكدا أن مازال يحترم طه حسين باعتباره أستاذه وصاحب الفضل في دخوله كلية الآداب بعد أن كادوا يرفضونه ، ولكنه قبول لم يدُم طويلاً عشر سنوات حتى مات قبل عامين أو ثلاثة ، من وقت كتابة هذا الموضوع – فانضم إلى العقاد والرافعي ... وغيرهم من العمالقة الذين لم يتكرروا ، فكان موضوعه عن المتنبي من أقوى ما كُتِبَ عنه – أي المتنبي – مع أنه ركز على قضية يراها أساس محنة المتنبي وهي انتماؤه للعلويين بسبب من الأسباب ، بينما يرى آخرون غير ذلك ، ولقد أكدت دراسات عديدة أخرى انه يمني الأصل والفصل ... ونحن نرى أن شاكر فقد قدرته على الحياد في طرح علوية المتنبي وعداوة الناس له ، وبسبب ذلك قال إنهم لفقوا له تهمة التنبؤ والنبؤة المزعومه ، وقضايا كبيرة وكثيرة – ليس هنا مجال عرضها – سببت صدامات عنيفة بين شاكر وخصومه ومخالفيه ، بمقدار ما اختلف الناس حول المتنبي منذ عصره وحتى اليوم ولذلك سُمى بشاغل الدنيا والناس ، ولقد كتبت عنه مؤلفات بالمئات ، فما كان له لم يصنع له شيئاً ومن كان عليه ما انقص منه شيئاً غير أنهم أدخلونا دوامة لم نخرج منها إلاَّ لنعود إليها ، وهذا ما جعل محمود شاكر يقول : ( المتنبي ... ليتني ما عرفته ! ) وعرف الناس محمود شاكر بالمتنبي ، ونسوا جهوده العظيمة على امتداد قرن كامل في التأليف والتحقيق والتدريس ، أما الثاني الذي جعله يكتب ذلك ، ونحن نوافق عليه – انه حفظ ديوان المتنبي عن ظهر قلب ، فأحسه وعاشره وخالطه بدمه ولحمه ووجدانه فارتفعت لذة المعرفة والتذوق في نفسه حيث تبدَّى شاكر وكأن المتنبي قد مسخه ولم يعد يستطيع أن يستسيغ شعر الشعراء ولا يأخذ بلبه إلا الشعر العظيم الذي في حجم ومستوى وعبقرية وعظمة شعر المتنبي .
وأحس شاكر بذلك رغم مرور السنوات الطويلة منذ صدور كتابه (المتنبي) 1936 – 1978م – تاريخ كتابة مقاله الشهير ( المتنبي ... ليتني ما عرفته!) .
وما سببه له المتنبي (الكتاب) من مهاترات وصدامات وأحقاد وضغائن بينه وبين كثير من الناس في مختلف البقاع بل وبينه وبين كل من كتب عن المتنبي إلا وأخذ من شاكر موقفاً أو أعتبره عدواً له بل وتجاوز بعضهم ولطشوا أفكاره ومناهجه دون إشارة أو اعتبار على أساس أنه صغير في السن ومغمور ولا يعرفه أحد مقارنة بهم ، وكما قلنا عندما حفظ شاكر شعر المتنبي أرتفعت ذائقته الشعريه التي يتباهى بها ويفصلها تفصيلاً ، فوصلت به الأمور إلى أن المتنبي لم يترك لغيره من الشعراء في نفس شاكر إلا القليل للشعراء النابغين ، فكان من أمر ( المتنبي ... ليتني ما عرفته ) ما كان فأرتبط شاكر بكتابه المتنبي ، فكان من لم يقرأ كتابه فكأنه لم يقرأ شيئاً للمتنبي ... حتى ولو قرأ لكل من كتبوا على كثرتهم ، فكان ذلك الكتاب أول كتاب يكتبه في فترة الشباب والحماس والذكاء والتجربة الحارة التي قد لا تتكرر في حياة هؤلاء الناس إلا نادراً ... الجدير بالذكر والملاحظة أن شاكر اعترف عام 1977م وهو يدبج قضية كتاب المتنبي في مقاله اعترف بأنه لا يكاد يشعر بنسيانه لكل ما كتبه أو حفظه من شعر المتنبي ، وبمعنى آخر أن روح المتنبي ظلت تطارده حتى آخر أيامه في عام ( 1997م ) ، وهنا أحب أن الفت نظر القارئ الكريم إلى أن الفارق الزمني بين تاريخ تأليف كتاب المتنبي ... وكتابة ما يرتبط بهذه القضيه من تشعبات وآراء ... يوضح حجم ومقدار الزلزال النفسي العميق الذي حدث لهذا المحقق العظيم لروائع من التراث العربي ، وله العديد من المؤلفات حيث مكانته لا تقل عن مكانة العقاد وطه حسين والرافعي وغيرهم .
ولذلك فمن الناس من يعيش قانعا بحياته ، حتى يبلوه الله بورطة الشعر وتذوقه ومعجزاته ، فيظل يتبع هوى هذا وغوى ذاك ويتخبط ويحفظ وينسى وقد تمر سنوات على شاعر كان يحبه وشعره ، ولكنه لم يعد كذلك ، أو لا يجد فرصة في زحمة الحياة ، ومن الناس من يبقى حبه لعدد كبير من الشعراء ويظل معجبا بشعراء من عصور مختلفة وتوجهات متضادة ومتناقضة ـ وروائع فنيه بديعة وقد يخرج أحدهم بحكمة تقول :-
ليس هناك شاعراً عظيما واحداً ، وليس هناك أروع قصيدة أو أجمل نص على الإبداع والإطلاق ، لكن هناك تفاوت على حسب ما هو حال النفس من مواجع وآهات وشجون ، فتنتقل عبر الزمن من زهير إلى المتنبي إلى عبدالله عبد الوهاب نعمان الشاعر الذي ليتني ما عرفته أيضاً .
كان لقائي الأول بالشاعر عبدالله عبد الوهاب نعمان حزيناً مليئاً بالتساؤلات الكبيرة رغم أن اهتماماتي بكرة القدم كانت أكبر من أي شعر أو أي شاعر ، حيث مرت جنازته وأنا في أحد الأسواق الشعبية الذي أصبح اليوم مدينة أو اقرب هي ( نجد النشمه ) - طريق التربه – ذبحان - وكانت جنازته مهيبه في عيني وقلبي ، ولن أبالغ وأصف أشياء في نفسي لم يكن لها أثراً كبيراً لأن الأثر الكبير حدث لاحقا من شعره وبشعره ولكن بقيت صورة تلك الجنازة في يوم من أيام رمضان ، وكنت مشغوفاً بكأس العالم في أسبانيا – مع ملاحظة أن الفضول توفي يوم 5/7/1982م أي 14 رمضان 1402هـ وانسحب ذلك اليوم على ما بعده ، بل ما بعد بعده ، ومضت الأيام في الجامعة وبعد دخولي كلية التربيه – وليس الآداب لضيق ذات إليه – وقسم اللغة العربيه وليس غيرها ، ولم يدر بذهني أن أكون كذلك يوما ما من قبل ، ولم ابدأ بالتفاعل مع ما أدرسه إلا في السنه الثالثه لكن ليس معنى هذا أنني كنت متنافرا مع اللغة والشعر ، بل كنت حفاظه من الثانوية وبدأت مواهبي الكتابيه وأنا اكتب رسائل عنيفة لأبي عن قلة المصروف وكثرة الدين - على حد قول الشاعر سلطان الصريمي – واقصد بالتفاعل السابق الايجابي والقوي ، كانت وحدتي ووحشتي في أيام الأعياد والمناسبات والعطلات أبددها لسماع ذاك الصوت الرائع الذي كان لأيوب طارش وقصائد الفضول الغنائية ، وهنا عرفت الفضول شاعر القصيدة المغناة ، ودار تساؤل في ذهني : هذا الشاعر الذي يكتب هنا السحر أو هذا الشعر ، أليس بقادر على أن يكتب في السياسه والحياه أجمل من هذا أو ما يدانيه ويعلو عليه ... ؟
لقد جعلني الفضول أحب كل يوم امرأة وأتخيل كل يوم امرأة وأجسد امرأة من لحم ودم من مادة شعر الفضول كهذا النص البصري :
كم قطَّر الورد الندا في فمك
والشمس كم (أروى) ضحاها دمك

والحسن كم ضمك وكم لملمك
يهندس الفتنه على مبسمك


أو على شاكلة الملائكة أو كعبه من الحسن ، كم قلبي اليها هفا ، كم حجها ، كم عاش فيها يطوف ... أضواؤها ملء آفاقي ألفها وسط روحي لفوف ...
وهنا لا أريد أن أتباهى ... فمثلاً أبو فراس الحمداني لو لم يقل غير قصيدته المشهوره ( أراك عصي الدمع ) لكفاه وكفانا .
اما الفضول فليته عاش أعماراً ليخلق ويهندس أرواحنا ويزرع فينا جمالاً وشعراً في مستوى ما كتبه في حياة واحدة . ولقد تسرب شعر الفضول إلى نفسي أولاً بما فيه من موسيقى ومزاج غنائي - وهذا ما أفردت له فصلاً أو باباً من أبواب الكتاب التي كانت ثلاثية ووصلت فيها إلى سبعة عشر باباً وتركت الباب مفتوحاً لأجيال من الباحثين – وزاده ذلك الصوت وتلك الأوتار ، ولم يكن يدور بذهني أن أيوب طارش لم يعط لهذه الروائع حقها من الغناء والتصديح والتكرار والجمل اللحنيه ، ولم يعمق في نفوسنا آفاقاً من الجمال لا يشفي الغليل فلقد كان يمر على هذه الروائع العاطفية وهذه المآثر الجمالية وأريد أن اذكر نفسي أو غيري بان يتناول هذا القصور في إعطاء النصوص والأبيات حقها من الوقت والتكرار المعقول والتطريب المؤثر في النفوس والعقول والأمزجه ، فهناك بعض العبارات والجمل الموسيقية لم يعطها أيوب حقها مثل : كم بدور ( في طاب البلس) أو خمائل الورد في (مدارب السيل) ولماذا قفز أيوب إلى ما بعد الجملة اللحنية الأولى لقصيدة ( عاصي الهوى ) حيث قطع علينا تلك اللحظات العالية من الروحانية والإحساس بالحزن إلى مفاجأة الدف والطبل والذي لا يصف شيئاً ... وهي قصيدة كانت رائعة بكل المقاييس في مقدمتها ... ولن استطيع إنكار أن ايوب طارش هو من أدخلني إلى عبقرية الفضول وأن صوته – الذي كان – صاحب فضل كبير ، وهنا اسمحوا لي أن أعترف لأول مره في حياتي بأنني اكتب تحت الضغط أفضل من غيره بمعنى آخر أن أفكاراً يطرحها صديق عزيز أو عدو لدود تخلق نوعا من التجاوب العنيف والعميق في نفسي ، وخاصة عندما تكون في موضوع يستهويني والباحث والكاتب بطبيعة الحال يبدع فيما يستهويه أكثر من غيره في كل المجالات وخاصة في الكتابه .
ولذلك كانت لدي المادة الشعرية للفضول كله ، مناضلا وصحفياً وعاشقاً وسياسياً وحكيما وأباً وصاحب أروع الأناشيد الوطنية ، وعندما تحادثت – باقتضاب شديد كما هي عادتنا – مع أ.سمير رشاد اليوسفي حول دراسة كنت قلت له – أنني أنجزتها عن الفضول فأبدى استعداده لنشرها ، ولو لم يقل ذلك لما كتبت شيئاً – حسب ما أظن – والحقيقة أنني لم أكن قد قمت بكتابة شيء ، وحتى أكون صادقاً بدأت بالكتابة وأرسلت في حدود عشرين صفحة ، بدأ سمير اليوسفي النشر بصفحات كاملة فدب الحماس في أعصابي المتحفزة نحو ذلك وصممت أن أفي بوعدي وواصلت الكتابة وواصل هو النشر بقوة ، والحقيقة إنني لا استطيع أن أقول عن أخي سمير اليوسفي انه صديقي لان ما كان بيننا أقل من ذلك ، واستطيع أن اعترف أن أجرة كتابتي لأكثر من خمسين حلقه من الظمأ العاطفي ، كانت عشرة ألف ريال فقط على مدار أربعة أشهر ولم أحاول أن أتذمر ، لأن هدفي كان إيصال هذه الرسالة الأدبية عن شاعر بحجم ألف عام كم قال عبد الرحمن طيب بعكر في كتابه عن العبادله اليمنيين وأزيد فأقول بل بحجم ألف عام وألف عام ، ولم أفكر بمبلغ مالي اكبر إطلاقاً وحتى الآن ، وكل هدفي أن يصل البحث إلى غايته والى تحريك المياه الراكدة في ذاكرتنا تجاه هذا الشاعر العظيم كل هدفي كان خدمة الحقيقة الأدبية والبحث الأدبي والبحث عن هويتنا في شعر عظمائنا ، لترضع الأجيال الوطنية والوحدة وحب الوطن من شعر الفضول ، نعم لقد حفظت شعر الفضول كله .
ظللت فترة طويلة غير قادر على تجاوزه ، فأقع في أسره ، معنى أحسَّه في نفسي ، ولا استطيع أن أدرك ماذا يفعل هذا المعنى في نفسي ، ترسب الفضول إلى نفسي مع كل كلمة وكل رنة وتر ومع كل طبقة صوت يقترب منها أيوب ويفلسفها بريشته وأحاسيسه ، ولأنني بطبيعتي استسلم للإثارة الجميلة وأتفاعل مع الاستفزاز الصادق وهو ما اكتشفته فيما بعد ولقد ظل صديق عزيز يشاركني وحدتي وجلساتي نتثاقف وأنا طالب في الجامعة – يلفت نظري إلى روعة المعاني إلى بذخ المفردات ، إلى أصالة الكلمات إلى فصاحة الألفاظ ، والى ما هنالك من عبقرية الشعر الخالد ، وكان بذلك يستفزني أكثر لاكتشف أكثر ، وأسبر أعماق ما اسمع وما أحس ، وكان يكرر ذلك كلما وجدني في حالة نشوة وأنا اسمع – أو بالأصح ونحن نسمع – كان ذلك الصديق خالد سعيد القرشي هو الوحيد الذي التقي به وتجمعني معه هموم وأشواق خاصة وعامة ، وكان أيوب طارش عزائنا الكبير والوحيد ولذلك فإنني لا أنكر أن رحلتي مع شعر الفضول هي رحلة ادخلني إليها أيوب طارش ثم خالد القرشي – بشكل غير مقصود – وهذا هو الجميل في الأمر ، ومضت الأيام ، وزدت توحدا مع شعر الفضول ، اكتبه ولكن دون أن أحفظة لسبب لا أعرفه ، ولن اخفي عليكم أمراً اكتشفته فيما بعد – وهو أن شعر الفضول ما أسهله وأنت تحفظه وما أسهل نسيانه ، وشاركني هذا الرأي أيوب طارش وانك لن تستطيع أن تفهمه إلا إذا حفظته – على بساطته – وهناك ميزة رائعة أخرى وما أكثر الميزات عندما ترجع للظمأ العاطفي في شعر الفضول وهو انك مهما اعتقدت انك تعرف وتفهم وتحفظ إلا أنك تكتشف – كل يوم – جديداً في شعر الفضول ، على غزارة ما كتب ، وعلى ضياع ما كتب ولذلك توزع شعره عند كثير من الناس حتى تفرقت دماء القصيدة الواحدة على عدد من القبائل ، هذا أدق وصف .
بعد زمن وجدت ديوانه ( الفيروزه ) وكان قد اسماها دموع العندليب – بصوته – في مكتبة تابعة للمؤسسة الاقتصادية في باب اليمن ، أدركت أربع نسخ أخذتها جميعاً وبدأت اقلب واقلب فاستغلقت على كل الأبواب ولم افهم شيئاً لأنني توقعته من شعره الغنائي – كمزاجه – فوجدت شعره السياسي ، فوضعت نسختين جانباً من مكتبتي – وفقدت نسختين – ولم اعد إليهن إلا بعد أربع سنوات – صممت على أن أغالب نفسي وافهم ماذا يريد أن يقول الفضول في هذا الديوان ، وطبعت بديوان شابته بعض الأخطاء المطبعية ، قرأته مرات ومرات ، حتى صممت على أن أحفظه كله فسارت مهمتي في شكل مثواز ، فأنا أحفظه من ناحية وافهمه من ناحية أخرى فإذا أنا أجد نفسي أمام شاعر وسياسي وفيلسوف من الطراز الأول ، من حيث الكلمة والمعنى والحكمة والرمز ، واستخدامه لمفردات الطبيعه ، وسخريته اللاذعة – وهي موهبة أصيلة فيه – امتدت إلى شعره السياسي والغنائي ، بناءه الشعري وتفاعله مع مستجدات القضيه العربيه ، اعتماده على الإشراق في المعنى وعدم الاقتراب من أي فكرة سابقه ، فاعتمد طريقة خاصة في كتابة الشعر والبيت العمودي ، فهو لم يقيد نفسه ، وفي نفس الوقت لم يخرج عن الأصالة فهو يتجاوز التفعيلات إلى حد يجعلك لا تشعر بتجاوزها ولذلك اتبع طريقة حداثية خاصة سهلة وممتنعة وكلاسيكية مقيدة ومنطلقة في كتابة الشعر ، بحيث يبدو وكأنه اقرب إلى الشعر الحديث ، وفي الحقيقة هو اقرب إلى الشعر العمودي مضافا إليه الروح الغنائية التي سكنت مفرداته حتى ولو كان يتناول اخطر القضايا السياسية ، لأنه ظل قريبا من تفعيلات بحر الرمل في أكثر قصائده السياسية ، لا نريد التورط في مناقشة هذا الموضوع فهو أمر قد اشرنا إليه وأسهبنا فيه في كتاب الظمأ العاطفي ، والهم الوطني في شعر الفضول - وقد صدرت في الأسواق الطبعة الثالثة مع مقدمة خاصة بها - شعرت بعد أن عشت مع ديوان الفيروزه أو دموع العندليب أكثر من شهر إنني أمام أعظم الشعراء على الإطلاق ، وإنني أمام كنز يجب ان يشاركني فيه الجميع لأنه ملك الجميع وملك الوطن ، كنت معجبا للغاية ولأبعد الحدود بشعره الغنائي العاطفي ، لكنني كنت منزعجا لان الناس لا يعرفون فيه الجوانب الأخرى ، الشاعر السياسي الشاعر الساخر ، شاعر الطبيعة ، والحكمة والفلسفة مشاركته للأمة العربية آلامها ، دعوته المستميتة إلى الوحدة اليمنية باعتبارها عهد عالق في كل ذمة ، عرفت فيه فيلسوف الحب و الحب لديه لم يكن المرأة وحدها ، وشعره العاطفي لم تكن المرأة هي موضوعه كله ، كان الحب الإنساني بمعناه الواسع ، حب الوطن والإنسان ، ولأنه عرف في نفسه قدراته في مجال الشعر العاطفي فقد اتخذه وسيلته لإيصال رسالته إلى الناس ، مستخدما أرقى المفردات وأدق المشاعر ليترك السامع والقارئ ليسافر معه كيفما يشاء معتمداً على ما سيأتي من زمن لكي يفهمه البعض وليبلغوا الجميع بذلك ، شيء ما في الداخل جعلني اندفع بكل طاقاتي للبحث في شعر هذا الشاعر ، وقررت عندما عجزت عن قراءة حياته من خلال شعره ، وكنت أتألم والناس يعتقدون انه قضَّى حياته في محراب المرأة والحب ، أتألم وهم لا يدركون ويجهلون شعره السياسي الرائع الذي بين دفتي الفيروزه ولكنهم ينصرفون عنه إلى ما في هذا الزمن من شعر لا يحمل معنى ، شعر يفسد الأذواق والنفوس والعقول .
باختصار أدركت أن شعر الفضول السياسي بالذات في حاجة إلى قراءة جادة في حاجة إلى إخلاص من القارئ وفي حاجة إلى استعداد تام للفهم ، وفي حاجة إلى عدم إضمار أحكام مسبقة حول الشاعر وشعره ، وإذا كان أيوب طارش يتولى إيصال وتقريب شعر الفضول الغنائي والعاطفي إلى الناس ، فالناس أنفسهم في حاجة إلى أن يقتربوا هم أنفسهم من شعر الفضول السياسي .
كان هناك صديقاً معجباً غاية الإعجاب بالصور والمعاني فنيا وموضوعيا التي في قصيدة ( من أجل عينك واحبيب القلب شاكرم ألف عين ) وكان لا يستطيع أن يتمالك أعصابه وإعجابه بقول الفضول :-
من يوم زرعنا أمانينا ومن حين ما
الأشواق في قلبي وقلبك ربين

أصف وردي وأزهاري واغطي
على ناري وهن من حرَّها يحرقين

إذا تبسمت أخفي من شجون
الهوى أسمع دموع القلب يتناطفين

وأشوف أن إبتساماتي يجيئن
من روحي وهن من حزنها يستحين

كم يا قلوب أعطت لأشواقنا
حنانها كم ذا علينا بكين

دموعهن قد رافقين دمعنا

يجرين لكن دمعنا يعرفين

إذا بقين في العين ضاقين
بالفرقة وان سالين يتعانقين

من أجل عينك واحبيب القلب
شاكرم ألف عين

واصبر وداري قلوب قد
حبين لكن نسين

للحب أعشاش في قلبي وفيها المنى
عاشين والأحلام قد عشعشين

فكلما طفت في حسي وفي خاطري
قامين يطلين من قلبي ويتخاوصين

يدورنك يريدنك يهيمن وراء
طيفك وكم هامين وكم دورين

مثل العصافير ظمآنات لا مآء
يرويهن ولا أفيآء يتظللين

أعطيتهن من رحيق الورد كل الذي

في الورد فاستعصين أن يشربين

واسقيتهن من غمام الفجر قالين لي
صامين حتى يلاق لا الفجر يروي ولا قطر الندا ينفعين

صامين حتى يلاقنك بكل الظمأ
ويشربنك وما ظنيتهن يرتوين

طال الظمأ في فؤادينا
وأكبادنا من أحراقهن يرجفين

نحنا حبيبين أعطتنا مقاديرنا
للملتقى وعد والأقدار لا يكذبين


... متسائلاً : ألا يستحق الفضول أطروحات الماجستير والدكتوراه ؟ فبرقت في خاطري هذه التساؤلات ... القوية التي جاءت على هيئة سؤال في لحظة وهناك شيء خفي كان يدفعني للكتابة عن الفضول .
وبدأت اكتب ... بدأت من شعره العاطفي حتى اقترب من الناس واتيح الفرصة للقراء ليشاركوني الدخول الصحيح إلى عالم الفضول ، وكتبت في حدود مائتي صفحة ، وظل يشغل بالي هذا السؤال : أين أنشر ؟ ومن سينشر؟ وكانت الثقافية هي الضؤ المصباح أخبرت مشرفها ، وبالفعل ... وفي اليوم التالي صورت ما كتبت وأرسلت به ، فبدأت الحلقات تنهال على صفحات الجمهورية ، فكان ذلك وحده سبباً كافياً لكي استمر بكل قوة وعنفوان وعزم حتى نهاية ذلك البحث الذي لا اعتبر إني أنجزته ، إلى أن أجد الدنيا كلها وهي تتحدث عن عبدالله عبد الوهاب نعمان ، ويكفيني أن اشعر بطمأنينة أداء الواجب تجاه إنسان بهذا الحجم كاد ينساه أقرب الناس اليه ، وان ادعوا غير ذلك ، والآن سأجيب عن السؤال التالي :-
لماذا قلت ( الفضول ... ليتني ما عرفته ! )
قلت ذلك لهذه الأسباب :-
لقد أنساني كل من أنجبتهم الإنسانيه من شعراء باستثناء المتنبي ، ولم يكن هذا ناتجا عن توحدي بالفضول إلى حد تجاوز الموضوعية ، بل إلى حد أن اجعل الموضوعية هي أن اعتقد انه إذا كان لكل امة شاعر عظيم وفيلسوف عظيم ورمز عظيم ، فالفضول عظيم هذه الأمة اليمنية اليوم وغداً وفيما سيأتي من زمن ، وليكن الحكم في ذلك شعره الذي يكاد يندثر ، فهو شاعر لم نر له ديوانا ، ولم نعرف لشعره مكاناً وحتى لا يأتي يوم وقد اندثر شعر هذا الرجل العملاق ، أحب أن أشير إلى خاصية معقدة في شعر الفضول يجهلها الجميع ومن بينهم أصدقاءه ، كان الفضول يكتب القصيدة وخاصة السياسية ويحدث أن يلقي أبياتها على بعض أصدقائه ولذلك هناك – مع البعض– شرائط كاسيت سجلت في هذه اللحظات ، أو في لحظات أخرى بطريقة عاديه ، ولذلك عندما نقارن بين هذه القصيدة بصوته ونفس القصيدة مكتوبة ، نجد بدائل عديدة لأبيات ولمفردات بشكل يجعلك تأسف وتعجز عن الاستغناء عن هذه وإحلال تلك ،و هذا معناه أنه كان كثير التنقيح لشعره ولا يتركه كما خلق أول مرة ، كما قال المؤرخ والصديق / عبد الرحمن طيب بعكر – رحمه الله - وهو يصف الفضول بأنه كان يتركه كما أتى () ، ولدينا أدلة مسجلة ومخطوطة تنفي ما زعمه الصديق المؤرخ والأستاذ الجليل رحمه الله ، وهناك إشكالية أخرى أنه – أي الفضول – كان يضطر تحت الإلحاح أو المجاملة أو الخديعة من الأصدقاء لإعطائهم نسخ مصورة أو مكتوبة أو مسموعة من قصائده ، وكان على ما يبدوا يدرك المأزق فيعمل على إعطائهم مقاطع متفاوتة ومتباعدة ويحتفظ بمقاطع أخرى ، أي يعطيهم قصائد غير كاملة ، وهذا سبب لنا مشاقاً في استكناه واستكشاف التجارب الشعوريه الكاملة لديه ، ويبقى السؤال .. أين قصائده كاملة ؟ مع العلم أنه كان يعيد النظر في شعره باستمرار حتى قبل وفاته ، ولذلك ننتظر اللحظة التي يصلنا فيها كل الموجودات الشعرية للشاعر ، وعندما افكر بهذه اللحظة أخاطب نفسي متعجباً الفضول ليتني ما عرفته ... ! .
لقد اثبت الفضول بما لا يدع مجالا للشك انه أبدع مفردات وألفاظ ومعاني جديرة بالخلود ، ويقف الجميع بلا استثناء خارج الدائرة ... لا يتدخلون في شأن عظيم كهذا فترتب على هذه السلبية المزعجة عدة أمور ...
أن كثيرا من الكتب والمؤلفات التي تتحدث عن الشعراء في اليمن تتجاوز قامة بحجم الفضول والسبب غياب أعماله الشعرية ( محققة ) في الأسواق وفي متناول الباحثين ، لذلك تناولت عشرات المؤلفات مئات الشعراء وأغفلت الفضول عن قصد وعن غير قصد ، حتى أن الباحثين في الوطن العربي لا يعرفون شيئاً عن الشاعر ، فمن يتحمل وزر هذا الوطن أم مثقفيه.
أما لماذا لم يفعل ذلك الفضول فذلك يبدو للأسباب التالية :-
كأن الشاعر لا يريد أن تبقى صورته في أذهان الناس على أساس انه الشاعر العاطفي وشاعر الأغنية ، وكان يكتب الشعر السياسي في ذلك العهد الشمولي ، وحتى لا يحصر نفسه في إطار الأغنية والعاطفة تريث ليتسنى له نشر أعماله جميعها ليقدم نفسه إلى القارئ بشكل متكامل فيها العاطفي والوطني والسياسي ... الخ ، أضف إلى ذلك كله انه كان مدمنا لا عادة النظر في شعره ، وكان ناقدا من الطراز الأول لنفسه ، فكلما كتب بيتاً شعرياً يكتبه بشكل أقوى وأفضل – وعنا نحن – فإننا نرى ما كتبه أول مرة أو آخر مره تجارب بامتياز فائق ولا نستغني عنه ، لذلك السبب ولهذا التنقيح لم نجد أن الفضول قد وقع في فخ أو في معنى أو في صورة ، فبدت قصائده وأبياته والفاظة وصورة ورموزه كأقوى وأوضح ما تكون إلى حد انه لا يترك للناقد سوى اكتشاف القوانين والنظريات النقدية والتمتع بشعره إلى ابعد الحدود في لحظة التلقي ، وعندما قارنت بين الفضول والمتنبي ، واكتشفت صواب مغامرة المتنبي وهو يشرك ابنه الوحيد ( محسد ) في مأساته الأخيرة ليودعا الحياة معاً ويبقى شعر المتنبي ملكا لكل العرب ومعبراً عن ضمير الأمة العربية وهو الأمر الذي يتفق عليه الجميع ...
ليتني ما عرفت الفضول ... فلم اعد استطيع مغادرته في منتصف الطريق ، ولم اعد بقادر على مشاركة شاعر غيره أفراحه وأتراحه ، وكلما حاولت الخروج منه عدت إليه ، كلما قرأت قصيدة عدت إليها أجدها جديدة وكأنني اقرأها لأول مرة ، قصائد كثيرة ما زلت أبحث عنها كاملة أو عن بعض أجزائها ، كلما اعتقدت أنني اقتربت من النهاية أجد نفسي في بداية الطريق ، كلما نظرت الى صورته المعلقة بجواري أتألم من خديعته بالناس وبمن حوله ، فاعقد عزمي على مواصلة الطريق حتى النهايه ، واعتبرها رسالتي ومهمتي يدفعني إليها ، شيء خفي ، نريد ان نرى حقائق وليس أوهاماً تتحقق على الأرض نريد أن نرى اليمنيين وهم ينصفون الفضول ليعرفوا به العالم ، ومن المؤسف ان تتحول الشخصيات الفذة ، والأسماء اللامعة إلى وسيلة للاستجداء والاحتيال والحصول على بعض المال ، وقد جاءت فترة ألقيت فيها اللوم على جهات عديدة ساهمت بشكل من الأشكال في هضم وطمس عبقريات الشاعر / عبدالله عبد الوهاب نعمان كعبقري وإنسان وكشاعر وكصحفي لامع وساخر عملاق ، ومناضل مستميت فكان ثالث ثلاثة ( الزبيري والموشكي والفضول ) يذكر الناس رحلته مع الشعر العاطفي منذ عام 67م وحتى وفاته في 82م ويتجاهلون عمره الذي بدأ بعام 1917م ورحلته حتى عام 67م ، وعندما كتب الأستاذ / عبد الرحمن طيب بعكر في فترة قريبة بحثاً مصغراً عن الشاعر / بعنوان ( مبدع بحجم ألف عام ) تفاءلت وفرحت ، فقد كان هدفي ان يشارك في الكتابة عن الفضول كل منصف قادر على الإمساك بزمام القلم وكل باحث ، فكل ناقد من اليمن أو الوطن العربي ، ولكن مع الأسف الشديد لم يأت المؤرخ / عبد الرحمن طيب بعكر بشيء جديد رغم انه يقطع حديثه في بحثه وبأنه سيتناول هذا الموضوع أو ذاك في تناولات قادمة ، ولكن لا يفعل ، فذهب البحث في نقل ما كان قد كتبه في كتابه ( ثمانون عاما من حياة النعمان ) وأضاف رئيس تحرير الثقافية سمير اليوسفي قائلاً بأنه لم يفعل شيئاً سوى اختصاره لبحث الظمأ العاطفي ، عبد الرحمن طيب بعكر أستاذ كبير نحترمه ونشكره على بحثه وعلى إطرائه لنا ، وهو أمر نعتز به ولكن نلفت النظر الى انه لم يغص بعيداً في شعر الفضول واكتفى بما تسمح به صحته ( رحمه الله ) .
• الفضول ليتني ما عرفته ، فعلى ما يبدو أنني لن استطيع أن أتخلى عن مسؤوليتي تجاه هذا العبقري الذي تقف أمام التباهي به على كل الأمم عوائق عديدة ولكنها ليست بيدنا ، فلا ندري أين ديوانه وكل أعماله ؟ ولا ماذا صنعت السنوات بإنتاجة البديع ومعجزاته الشعريه ؟ ، كان الفضول لا يحب الأضواء ، ويمقت الظهور ، ولا يخطط لموهبته لكي تصل إلى الوطن العربي أو العالم ، كانت موهبته في كتابة الشعر العاطفي والغنائي لا تمثل أهمية كبيرة لديه ، وعلى عكس ذلك كان الهم السياسي والوطني عاملاً خصباً يغني فيه موهبته ، عاش عصرا شموليا ، رفض الرحيل عن اليمن الوطن ، وتشبث بكل ما فيه من بقايا أمل ، لم يفكر في الشهرة وشتم الحكام من الخارج ، ولم يكن يخطط لذلك على الإطلاق ، فأتاح لكلماته ومفرداته أن تولد في بيئة وارض طيبه فخاطب الضوء والضحى والفجر وأشتاق للنور و الندا والشذا العبق والظل النديا ومقت الظلام والخزي والإثم والفسوق والعجز ، لم يكن من ضمن إهتماماته شيئاً أسمه الإعلام والعولمة والانتشار ، كان شيئاً ما يمنع الفضول من وسائل الإعلام والعولمة والانتشار ، كان شيئاً ما يمنع الفضول من و سائل الإعلام العربية ، شيئا ما كان يمنعه من إجراء حوار تلفزيوني شيئا ما كان يمنعه من المشاركة في مهرجانات الشعر ، شيئا ما كان يمنعه من أن يكون حديث وسائل الإعلام المحلية والعربية ، ولكن ما هو هذا الشيء ؟ ولد الفضول عام 1917م وولد البردوني عام 1929م فلماذا طبع البردوني دواوين وقدم له عباس العقاد ، ولم يفعل ذلك الفضول ؟ لماذا شارك البردوني في المربد في مهرجان أبي تمام ولم يشارك الفضول ؟ لماذا تناول البردوني في كتابه ( رحلة من الشعر اليمني قديمة وحديثه ) طوائف عديدة من الشعراء وتجاهل الفضول من العصر الحديث ، بما يمثله من قيمة وعبقرية ، لماذا أشار الدكتور المقالح لصديقه الدكتور عز الدين إسماعيل لكل الشعراء الذين واجهوا الإمامه ، واغفل الفضول وله روائع في شعر المواجهة وهناك من قال أن البردوني هو الذي أمد عز الدين إسماعيل بنماذج من اليمن لكتابه الشعر اليمني المعاصر وظواهره الفنية وهناك من طلب العذر لأن الفضول لم يكن لديه ديوان مطبوع ، ومن الذي يتحمل هذا الخطأ ، هؤلاء جميعاً أم الفضول الذي لم ينشر شعره طوال تلك السنوات ، ماذا كان ينتظر الفضول ؟ ولم تفرق من قصائده كما تفرق اليمانيون أشتاتا بعد سيل العرم ... أن الفضول كان يريد أن يخرج شعره في أبهى حلة وفي أجمل زينة وبما يتناسب مع روائعه ، ولكننا لا نستبعد انه كان يريد أن يرى الناس شعره كله ، و غناءه كله ، وسخريته كلها ، ورموزه كلها ، وفلسفته كلها ، أم انه لم يمتلك فلسفة الترويج للذات وسياسة الوصول إلى الناس ، فإذا كان رد فعله والمطابع تدفع بمئات الدواوين الشعرية الميتة كل يوم ، إن هناك سر كبير ، لن تبوح به إلا قصائده ، ولن نعرف كل إجابات التساؤلات التي طرحناها إلا من شعره ، آه لقد ذكرت ، قال المقالح : إنه قبل وفاته كان قد عزم على ترتيب مجموعة من أعماله بعنوان (مختارات الفضول ) – يقصد من صحيفة الفضول – ويبدو من ذلك انه كان يريد ان يعرف الناس على كافة مراحل تجربته الإبداعية ، مدرسا في تعز وعدن ثم صحفياً ومناضلاً وشاعراً ساخراً وناقداً لاذعا للإمامة وهو يعريها من جلالتها وقدسيتها الغامضة والسخرية من الإمام وهو يهدد بدخول الحرب مع دول المحور ضد الحلفاء قائلاً :
باللحى باللحى نبيد قواهم وبالمساويك ننزل الطائرات
لا شك أن الفضول كانت لديه أسبابه ، وكان للموت أسبابه أيضاً ، ولكن العجيب والغريب أن الفضول بقي مريضاً في القلب لسنوات وكان ذلك داعياً له ليطبع أعماله الشعرية ، والذي لا شك فيه أيضا أن الفضول كان غزير الإنتاج ، فهل منعه ذلك مع رغبته المستمرة في نقد الذات وتنقيح ابداعه من التفرغ للنشر ، وهل كان للمال ، دور في ذلك ، وخاصة إذا عرفنا انه كان باستطاعتة أن يستفيد من علاقاته مع عدد من أمراء الخليج ورجال المال ، ما الذي كان يدور في فكر الفضول حول ذلك ؟ إن الإجابة اليقينية سنعرفها من خلال شعره لو أطلعنا عليه كاملاً ، لقد كان الفضول مراهناً على المستقبل ، وان كان قد نجح في قراءة المستقبل السياسي فانه قد اخفق في قراءة المستقبل الشخصي ، وهذا أمر لا يعيبه بل انه قد يضيف إليه وينفي عنه تهمة التقصير في المحافظة على إنتاجه الإبداعي ، لم يتعرض شعر شاعر للضياع ، كما يتعرض له شعر الفضول الساخر والوطني العاطفي والسياسي والقومي والفلسفي .
مباحث الظمأ العاطفي والهم الوطني
الباب الأول : وادي الضباب
تضمن خروجه المبكر من قريته عبر هذا الوادي الذي جمع مأساة الراحلين عن الأحباب ،و لذلك رأينا الشاعر يعود إليه في أغنية ( وادي الضباب ) فيما بعد وتعليمه المبكر ورسم مناظر الطبيعه في طفولة الشاعر ورحلة زبيد وصنعاء ومأساة أبيه التي ظلت تحرك وجدانه بقوة حتى وفاته .
الباب الثاني : باب عدن
تضمن وصوله إلى عدن ولقائه بالزبيري والموشكي وعمله في مدرسة بازرعه لتعليم ( الأويلاد الزغار ) وعمله في صحيفة صوت اليمن وكتاباته وإصداره صحيفة ( الزبج ) الشهرية وصحيفة ( المقبره ) ثم صحيفة (الفضول ) وشهرته باسمها وما تركته هذه المرحلة في حياته ثم انكفاؤه على نفسه لزمن ، وتفرغه لبعض شؤونه الخاصة ، وحتى بدايته الغنائيه .
الباب الثالث : باب تعز
وتضمن عودته من عدن وتنقله بين تعز وعدن ولقاءه بأيوب طارش وبداية رحلته العاطفية والغنائية ومعالمها طاب البلس ومدارب السيل .
الباب الرابع : الظمأ العاطفي
تعرضنا فيه لقصائده العاطفية مفسرين حالة الظمأ المستمرة لديه وحتى وفاته بأنه ناشئ عن معاناة الحرمان التي عاناها منذ سنواته المبكرة ، وتشرده الأول في عدن وفقدان أبيه ومقاطعته لأمه بعد استشهاد أبيه معتبرا إنها هي التي أصرت على بقائه في صنعاء – بينما كان يمكن الهرب – وكانت السبب على مقدار ما يحمله لأبيه من حب ، فكان ذلك اضافياً من دواعي إحساسه الدائم بالظمأ العاطفي مستعرضين الكثير من النصوص الغنائية وتحليلها عاطفياً والإشارة إلى بعض الغازها دون أن نلفت النظر إلى بعضها الذي ينطوي على أبعاد سياسية حتى لا نقطع متعة القارئ بشيء قد يفاجئه ولا يصدقه مؤجلين ذلك إلى أبواب قادمة ، وهذا الباب تميز بسعته وتشعبه وكثافته .
الباب الخامس : الهم الوطني
من خلال قصائده السياسية وأناشيده الوطنية وكيف كانت صدمته بالوطن بعد الثورة وهو يرى كل الآمال وهي تتحطم ، وكيف عاودته الآمال الى الضوء والضحى والفجر ، وكيف مارس النقد السياسي المتزن مبتعداً عن التجريح مكتفياً بالتلميح على هيئة رموز وألفاظ استوحاها من الطبيعة ومفرداتها .
الباب السادس : فلسفة الحب
وقد تضمن هذا الباب رؤيته للحب بابعاده المختلفة ( حب المرأة – حب الوطن – حب الإنسانية ) وتوضح ما قد يفهمه الناس خطا عن الشاعر فيعتقدون أن ليس في ذهن الشاعر غير المرأة ، واثبت له أن الوطن والإنسانية هما الحقيقتان في شعر الفضول وتأتي المرأة عرضا واستثناءً لا يذكر ، واشرنا إلى حب الله في شعره وروحه الصوفية وانه فلسفة الحب بابعادة المختلفة مقارنة بينه وبين فلاسفة ومفكرين وشعراء عالميين .
الباب السابع : السخرية في شعر الفضول
لقد طبع الفضول على السخرية ، وهذا الجانب بحد ذاته يحتاج إلى دراسات عديدة ، فهناك السخرية في شعر صحيفة الفضول وفي تناولاته الصحفية ، وفي شعره السياسي فيما بعد ، وكذلك كلماته الساخرة في قصائده العاطفية وهو يبحث عن مشتر ليبيع له قلبه – على سبيل المثال – واستشهدنا بنماذج وأوردنا شبه مقارنة بينه وعمالقة السخرية في العالم – وهذا الفن والموهبه لا يعرف الفضول من لا يعرفها عنه ، ولقد استطاع توظيفها بشكل منقطع النظير .
الباب الثامن : المزاج الغنائي في شعر الفضول
حاولنا أن نشير إلى ما يتمتع به شعره من مرونة وموسيقى وحس خاص وألفاظ ، حتى أن شعره السياسي يكاد المدمن على سماع شعره من أيوب طارش أن يتغنى به ، وكذلك اقترابه من البحور والأوزان والتفعيلات الغنائية ، وعلى الأخص بحر الرمل وقاموسه وتراكيبه الخاصة به ، مشيرين إلى أن هذه الخاصية التي ساعدت أيوب طارش على ابتداع أجمل الألحان ، والى طابع الحس الغنائي في ذات ووجدان الشاعر الذي أدمن على سماع عزف ومقطوعات بديعه من التراث اليمني في أوائل الستينات في عدن ، وهذا الباب من الأبواب التي يقترب فيها القارئ من شخصية الفضول وأيوب .
الباب التاسع : بين الفضول والمتنبي
اشرنا فيه إلى القواسم المشتركة التي تميز بها الفضول مع المتنبي مثل الاعتزاز بالنفس والكبرياء وهو ما انعكس على شعره ، وصورة المتنبي والاشتراك في معجم وتراكيب لغوية ولفظية ، وأمور أخرى عديدة قد تكون محل دراسات عميقه .
الباب العاشر : فلسفة الطبيعة في شعر الفضول
وفيه أثبتنا تفوق الفضول في توظيف مفردات الطبيعة بشكل غزير في إنتاجه وهو توظيف غير متكلف أو مفتعل بل تميزه التلقائية وهو ما ندر في تاريخ الادب العربي على الإطلاق باستثناء أبي القاسم الشابي – منذ البحتري وابن الرومي وابن خفاجة وغيرهم ، فانتقل بالشعر من الوصف إلى الفلسفة والنماذج مع الطبيعة ومفرداتها وبينا سبب كثرة ترديده لمفردات مثل ( الظمأ ، الظلال / النداء ... الخ ) وإنها تعود إلى أسباب نفسية دون ان يخل بالجوانب الفنية شعره ، مع التمثيل والتفصيل ، ووصلنا إلى تثبيت حقيقة تفوق الفضول في شعره إلى حد ملامسته لآفاق أرقى النظريات النقدية ، وكان أباً ومعلماً لكثير من الشعراء والأدباء كما كان موجهاً لكل اليمنيين في تشكيل نفسياتهم تجاه الإيمان بالوحدة اليمنية وهناك أبواب عديدة مثل / الهم القومي ، الفصحى في شعر الفضول ، صدق الشعور في شعر الفضول ، ثقافته ، بيئته ، حزبيته ، مؤكدين على انه لم يكن منتمياً لغير الوطن والأرض والإنسان ، وسبب الكثرة في استخدامه لمفردة ( كم ) – الفيلسوف والحكيم ، وهناك الفكر السياسي في شعر الفضول ، وانه لم يكن بعيداً عن قضايا أمته ووطنه وواقعه ، وأثبتنا عدداً لا بأس به من القصائد المجهولة للشاعر ، وكانت سعادتنا بالغة والشاعر والناقد العراقي الدكتور / محمد رضا مبارك يقول لي : لقد وصلت رسالتك إلى الناس ، عن عبدالله عبد الوهاب نعمان ، وقرأ ديوان الفيروزه فصرخ معجباً بهذا النبوغ ، وليت أن الناس يقرأون الفضول كما قرأه هذا الناقد والأكاديمي ، وكان لأيوب طارش في أكثر الأبواب تحليلاً وطرحاً باعتباره حلقة الوصل بين الفضول والعالم من حوله عاطفياً وأممياً ، وما زال الكثيرون من شعراء تتلمذوا على يد الفضول ، وكتاب كبار يصرون على إلحاق شاعرنا العظيم بموجة الشعر العاطفي في محاولة لتأطيره عن قصد كما نلاحظ عند البعض وعن غير قصد عند البعض الآخر ، وهولاء البعض منزعجون من تفوق شاعر ميت عليهم لأنهم عرفوه وجالسوه وعاشروه ولمسوا إنسانيته وبشريته من حيث غاب عنهم أن العبقرية قد لا نراها بالعين المجردة ، وهذا ما نرفضه على الإطلاق ونرده على أصحابه ، وهناك بعض من الذين لم يقرأوا للشاعر ؟ ولم يطلعوا على ديوان الفيروزه ، وهناك أيضاً سبب يتمثل في عدم نشر ديوان وأعمال الشاعر كاملة ليقرأه هؤلاء ، ويتعلموا منه .
كان الفضول يقول باستمرار " إن الحقد ضد التفوق " ولذلك لم نر حاقداً واحداً تفوق ، وكأنهم جميعاً حاقدون ، فلماذا يبخل المتحفظون على شعره بإخراجه للناس وللوطن والعرب والعالم ؟ لماذا لا يترجمه المترجمون إلى لغات العالم ؟ ومن هو الشاعر الفحل القادر على ذلك ... أمنيات وأمنيات هي التي قادتني إلى طرح تلك الأمنية في مقدمة الموضوع ، لأنها أمنيات هناك من يجعلها صعبة ومعقدة ولا تطاق ولذلك قلت : الفضول ليتني ما عرفته ، لما في نفسي من مرارة وألم من الذين تنكروا لأنجب من خبأه الغيب وأنجب من كان في جفن الليالي حلماً ، وقد يكون البعض من القراء قد فهموا العنوان ، كما توحيه العبارة والحقيقة أنني لو تمنيت شاعراً آخر لكي اعرفه فلن أتردد في أن أعرف الفضول مرة أخرى بل وألف مره ومره على ما في نفسي من مرارة تجاه الوطن الذي يتجاهل عظماءه ، وتجاه الانتهازيين الذين يعتقدون بإمكانية المتاجرة بالعظماء والعباقرة والنابغين من أبناء الوطن .
• الفضول ليتني ما عرفته
هذا الموضوع من مشروع كتاب للباحث والناقد / محيي الدين على سعيد يتسم بالسلامة والمرونة .
(1) يقول بعكر في دراسته المستندة والمتكئة تماماً على رحلة الظمأ العاطفي ، في الثقافية العدد (34) ص (4) " إن الواقف على ما تبقى من شعر أبي مروان مجموعا أو مفرقاً مطبوعاً أو مخطوطاً يهوله ما أصاب ذلك الانتاج النفيس من جناية وللأسف فان أول الجناة على هذا الشعر هو صاحبه وابوه عبدالله عبد الوهاب نعمان ، ذلك انه كما يتضح من مسودات شعره كان يكتفي بتسجيل إنتاجه لحظة ولادته ثم يتركه للزمن دون تصحيح او تنقيح اذ لم يكن من عبيد الشعر وإنما كان في نفسه الكبيرة سيداً للشعر " ، وللتوضيح فقد كانوا في الجاهلية يطلقون تسمية ( عبيد الشعر ) على أولئك الذين ينقحون ويعيدون النظر في قصائدهم وعلى رأسهم أصحاب الحوليات أمثال زهير بن أبي سلمى ، ونحن لا نتفق مع المقصود بتسمية عبيد الشعر إذا كانت في معنى التقليل والتحجيم ، وما سبق ذكرناه دليل على انه كان مخطئاً جداً ومتجاوزاً للصواب وهو يؤكد قائلاً ( كما يتضح من مسودات شعره ) فأي مسودات يتحدث عنها ، حيث أن أكثر القصائد التي وصلتنا من شعر الفضول هي منقولة أو مسموعة أو مطبوعة ومن أشخاص حصلوا عليها في حياته ، وغير مكتملة ، وكم ذكرنا من قبل واشرنا إلى أسبابه ، ولا ندري كيف حكم بعكر قائلاً ( كان يكتفي بتسجيل إنتاجه لحظة ولادته : متهماً إياه بالتجني على شعره ، إنه لم يتجن هكذا أن تجنيه على شعره إنه لم ينشر أعمالاً له في حياته ، ولكن مع ذلك لا شك أن له أسبابه الوجيهة فلا اعتقد ، إن الآخرين سيكونوا احرص على شعره من صاحبه ، أليس كذلك ؟ ولا ندري كيف جزمت بقولك مخطوطاته ، وكيف عرفت أنها له وبخط يده ؟ ولم يكن يكتب بخط يده لأحد سوى لأيوب طارش عبسي ، كما رأينا ولدينا نسخ منها تثبت كم كان عبداً وسيداً للشعر وعلى مقدار تحفظه الشديد على شعره فقد أكتفى بأسماعه أو تسجيله ، ولو قرأت مقدمة الفيروزة لقرأت ، وعبد الكريم يؤكد كثرة البدائل للفظ الواحد ، وهذا ما خرجنا منه بمقارنة بين التسجيل والمكتوب بخط يده ، وكيف كان يمارس اغداق نصوصه بالبدائل والمفردات والتوليدات للمعاني ، و هذا لا يقلل من شأنه لأنه كان مطبوعاً ويمارس بعد ذلك مواهبه النقدية وزوال طريقته المحببة في تعميق نصوصه بشكل قوي ومتين ومثير ، وهذا موضوع يطول شرحه ، ولم يكن مستحسناً أن تجزم بأمور لست متأكداً منها – مهما كان قصدك – وما زلت أسأل كيف عرفت أن مخطوطاته متروكة كما هي ؟ هل تعرف خطه ؟ هل سألت متخصصا ؟ ولا اعتقد انه من الصواب تأكيد أشياء لا تستطيع أن نتحقق منها بأنفسنا ، وهذا أمر ينبغي للباحث العلمي ان يعيه ، ونحن نتفق معك انه كان سيداً للشعر لكن بطريقته الخاصة وليس وفقا لمناهج نقدية أكل الدهر عليها وشرب ، ونحب ان نضيف هنا شيئاً آخر لكنه مهم ويتعلق بموضوع بعكر المنشور في الثقافية والذي أهداه لنا – كما قيل – امتناناً على قدرتنا إدخاله عالم الفضول وإمدادنا له بمعلومات لإعداد بحثه المشار إليه ( مبدع بحجم ألف عام ) ونتحفظ على الموضوع برمته لأنه وعد بالكثير في سياق البحث ولكنه ضرب بكل تلك الوعود عرض الحائط ولم يعد إليها ، وبدا مؤرخاً أكثر من كونه ناقداً أو شاعراً أو باحثاً ، أضف إلى ذلك عدم تناسق البحث وعدم إشارته لمصادره ، والتفكك الموضوعي ، والتخلخل بين فقرات البحث وعدم توضيحه لما يريد ان يقول وإدخاله لقصائد مؤكداً أنها للفضول وهي لغيره كقصيدة ( طل القمر على جبال حيفان ) للجابري ونسبتها إلى غيره ، وكان البحث إضافة ممتازة لجهود الباحث والناقد / محيي الدين الذي كان له الفضل أيضاً بالتعريف بالمؤرخ بعكر في مقابلته الشهيرة بعنوان (بعكر يعلن الانقلاب على زبيد ) والتي نشرت في صحيفة الثقافية بتاريخ 17/7/1997م .
• هناك من يعتقد أن الفضول كان همة الكبير المرأة أو النساء والغرام بهن ، والحقيقة أنه كان شاعراً يعرف معنى الجمال ويترجمه بشاعريته ، ولكن في نفس الوقت كان مخلصاً ووفياً لحبه الكبير للوطن وحبه الذي أعاد له شبابه ، لكنه وظفها لأغراض أخرى ، فكان صباها الطروب ، قد ألهب عقده الخامس ، والرجل في مثل هذا العمر عندما يتذوق حب فتاه في عمر الربيع يحبها وتحبه ، يعجبها وتعجبه ، فإن تجاوب هذه الفتاه أو المرأة يرفع من رصيدها ومكانتها في نفس محبها ، ولو كان زيراً للنساء أو عربيد الفؤاد صداح ما ربط حبله بأربعة حبال ، وطوى حباله على جباله ، كان عاطفياً للغاية وناضجاً للغاية ، وفيلسوف حتى آخر قطرة من دمه لحب الوطن والناس والمرأة التي تجعل من الرجل أكثر رجولة وتجعله بحبها يصنع المستحيلات .
وقد سبق لبعكر إصدار كتاب بعنوان ( ثمانون عاماً من حياة النعمان ) يتحدث فيها عن تاريخ الأسرة النعمانية ودور الأستاذ / أحمد النعمان صانع قضية الأحرار ، وعلاقة بعكر قوية بكبار السن من عائلة النعمان فرداً للجميل ، ولرغبة في استنطاق ما في جعبة بعكر من معلومات تاريخية عن الأسرة النعمانية ودورهم في رسم الخارطة السياسية – آنذاك – تم دعوة بعكر لأحياء وإلقاء الضوء عن حياة الشاعر عبدالله عبد الوهاب نعمان الفضول ، وحجتهم أن بعكر أدلى بدلوه في الكتابة عن الشاعر ، فلم تعط المحاضرة شيئاً عن الشاعر ودوره وشعره ، وعبقريته ، كما ذكر ذلك بعض الحضور ، وهناك حجة أخرى لمؤسسة السعيد تتلخص بأن بعكر كان قد قام ببحث بعنوان ( الترجمان المجدد أحمد بن علوان ) بهدف الحصول على جائزة ، ولما كان البحث يفتقد إلى ابسط معايير البحث والمنهجية العلمية والأكاديمية حسب تقرير اللجنة المحكمة ، وهي بحوزة المؤسسة Opinions