Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الفيزياء الكمية والفيزياء الكونية وحكايات الأجداد

jawadbashara@yahoo.fr
وردتني عبر البريد الالكتروني هذه المرة كمية كبيرة من الردود والتعليقات حول المقالين الأخيرين اللذين نشرتهما إيلاف حول ولادة المجهول في الكون والخافي أعظم و حقيقة الكون بين الوهم والواقع، وكذلك بعض التعليقات المنشورة في ذيل المقالين لاسيما تعليق الدكتور عبد الظاهر العبيد الذي أحترم رأيه واقدره لكنه يتجنى كثيراً بقوله أن لاجديد في ما أقوله وهو مجرد تكرار أو تجميع لمواضيع لايربطها نسيج علمي أو لاتتسم باللغة العلمية المتخصصة لكن الجهد الذي ابذله موجه للقراء غير المتخصصين وغير العلماء وبالتالي علي أن أبسط المعلومة إلى أبسط قدر ممكن بعيداً عن أجواء المختبرات والمصطلحات والمعادلات العلمية التي يجيد التعامل معها حفنة من المتخصصين في العالم فقط وما أكتبه ليس تجميعات من الشبكة العنكبوتية بل هو عصارة لقراءات عديدة جادة وموسعة، علمية ومتنوعة أدرك أنا فحواها وصيغتها العلمية البحتة ولكن ليس بالضرورة كل من يطلع عليها من قراء إيلاف الموقرين وأنا لا أنشد التشويق بل تقريب المعلومة للأذهان لا أكثر وأنا مستعد أن أتواصل معه ومع غيره مباشرة كما أفعل يومياً تقريباً وأرفده بالكتب والدراسات والمصادر التي استخدمتها وكذلك التجارب العلمية والمختبرية التي اطلعت عليها بما فيها من معادلات شديدة التخصص وأرسلها له إن شاء ذلك. قاريء كريم آخر سألني عن ماهية العلاقة بين ميكانيك الكم أو الفيزياء الكوانتية والكوزمولوجيا أو علم الأكوان أو الفيزياء الكونية وطلب مني توضيح هذه العلاقة بأسرع وقت، وسأكون رهن إشارته في متن هذه المقالة.

سأبدأ بهذه القصة الطريفة من أدب الخيال العلمي كمدخل للإجابة . بعد إنتظار استمر آلاف السنين التقط البشر على الكرة الأرضية أخيراً إشارة صوتية قادمة من مركبة فضائية من الفضاء الخارجي البعيد من كائنات أخرى لا نعرف عنها شيئاً تطلب إذناً بالهبوط على كوكبنا والالتقاء بنا وأنهم، أي طاقم المركبة الفضائية من الكائنات اللاأرضية قادمون في مهمة علمية بحتة وسلمية ولا يضمرون شراً لنا نحن البشر. وحددت المركبة الفضائية موعد الهبوط بعد 24 ساعة بالتوقيت الأرضي. حصلت اتصالات سريعة ومشاورات تنسيقية خلال هذه المدة القصيرة بين زعماء وقادة كوكب الأرض وتقرر السماح لها بالهبوط في الولايات المتحدة الأمريكية بحضور جميع قادة العالم بلا استثناء والأمم المتحدة لأن الحدث مذهل في حد ذاته . كل شيء سار على مايرام وأجهزة الرادارات الأرضية سجلت عملية الهبوط وتابعتها ثانية بثانية والأنظار مشدودة إلى مدرج الهبوط المزدحم بوسائل الإعلام والمحطات التلفزيونية والكاميرات ورجال الأمن في كرنفال لم تشهد البشرية له مثيلاً من قبل ولكن لم يحدث شيء ولم ير الحاضرون، وعلى رأسهم زعماء العالم الأرضي أي مركبة فضائية في حين تشير كل الدلائل والحسابات والأجهزة الاستشعارية الإلكترونية المتطورة على هبوطها بسلام. وبعد بحث وتدقيق دام ساعات وجد العلماء الأرضيون الجواب: كانت المركبة الفضائية القادمة من أعماق الكون صغيرة جداً لايتجاوز حجمها جزء من مئة من أصغر نملة على الأرض وربما تزيد قليلاً على حجم جرثومة وقد هبطت في بركة مائية على المدرج وغرقت وكانت هناك ضفدعة صغيرة التهمتها لأنها اعتقدت أنها حبة طعام أو جزء من حشرة ميتة . هذه مجرد قصة خيالية ولكن لها دلالات كبيرة فما الذي يمنع أن تكون حقيقة؟ وهل لدينا مايثبت عكس ذلك، أي عدم وجود كائنات عاقلة وذكية لكنها مكرسكوبية الحجم؟ أشار عالم الفلك الأمريكي الشهير كارل ساغان في أحد كتبه العلمية عن الكون ـ وعنوانه الكون Cosmos ص 345 الى 346 ـ الى إمكانية وجود عوالم وأكوان أخرى متعددة كفكرة مطروحة لكنها تفتقر للدليل العلمي لاثباتها، كما لايوجد دليل علمي لدحضها، بالرغم من غرابتها، لكنها تثير المخيلة وتتلخص بوجود مراتبية لامتناهية من الأكوان، من اللامتناهية في الصغر إلى اللامتناهية في الكبر، ويمكننا تخيل أصغر جسيم أو جزيء مادي أولي من المادة المكونة لكوننا ونتخيل أيضاً أنه يحتوي بداخله منظومة كونية متكاملة بحجم يقل عن حجم الإلكترون في الذرة، وهي النظرية المسماة بالكون الذري. فلو أتيح لنا الولوج إلى أعماق الكون الذري بواسطة تكنولوجيا فائقة التطور ربما بعد بضعة ملايين من السنين، لوجدنا في داخله بنيات تكوينية هي المعادل لما نعرفه من مجرات في كوننا المرئي والمرصود، وهذه البنيات منظمة على غرار الجزيئات الأولية المكونة للمادة وبالطبع أصغر منها، فيما يتعدى أو يتجاوز ما وراء حاجز بلانك mur de Planck مما يعني أن هناك أكوان متداخلة بمستويات متدرجة من الأصغر إلى الأكبر أو العكس وهكذا دواليك، وهذه ليست خرافة أو وهم بل فرضية علمية في مجال علم الكونيات. وهذا يعني أن كوننا الذي نعرفه بكل مجراته ونجومه وكواكبه ومحتوياته ليس سوى ذرة أو جسيم أو جزيء أولي في بنية كونية أكبر منه بمليارات المليارات المليارت من المرات أي جزء ضئيل لا قيمة له في الكون الذي يليه وهكذا دواليك. وهذا كلام جاء على لسان وقلم عالم فلك مرموق وشهير فهل يحق لنا أن نصفه بالجنون أو التخريف؟. ولو تطرقنا الى تفاصيل نظرية الكم أو الفيزياء الكوانتية لأصابنا الذهول واتهمنا بالجنون لامحالة أو على أقل تقدير بالهلوسة والغرق في الميتافيزيقيا. سأحاول شرح مبدأ اللادقة أو عدم اليقين والمعروف بمبدأ اللاحتمية Le principe d’indétermination ou d’incertitude ، وهو العمود الفقري لميكانيك الكم، حتى لو لم ولن تتمكن مداركنا العقلية من استيعاب فحواه النظري والرياضي ، إلا أن هناك تطبيقات عملية للفيزياء الكوانتية La physique quantique سنتطرق لها في مقالات لاحقة، فهذا الميدان هو بحد ذاته ثورة ثقافية وعلمية جبارة، ومن تلك التطبيقات، على سبيل المثال لا الحصر، الكومبيوترات والرقائق الالكترونية والتلفون المحمول والتقنية الرقمية والتلفزيونات الفضائية والانترنيت والمكروسكوب الالكتروني والتلسكوب الالكتروني، وأجهزة استكشاف الفضاء والعدسات الفائقة الدقة والأقمار الصناعية لاسيما التجسسية منها، والحواسب العملاقة التي تقوم بمليارات المليارات من العمليات الحسابية في الثانية ، وغيرها كثير من التي نستخدمها اليوم، إلى جانب معادلة الموجة Equation d’Onde لشرودينغرSchrodinger وقطته الشهيرة الحية والميتة في آن واحد، والتي سنتطرق إليها بعد قليل، وميكانيك المعجلات mécanique des matrices لهايزنبيرغ Heisenberg . مبدأ اللايقين أو اللاحتمية يقول أنه ليس بالإمكان معرفة مكان وسرعة وتوقيت الإلكترون، أو أي جزيء آخر، داخل الذرة أثناء عملية القياس لأن لأجهزة القياس وللشخص الذي يقيس تأثير على النتائج. يمكننا توضيح ذلك بمثال افتراضي عرف بإسم مفارقة قطة شرودينيغر Le Paradoxe du chat de Schrodinger وتتلخص التجربة الافتراضية بوضع قطة في علبة محكمة الإغلاق ويوجد داخل العلبة قارورة زجاجية مليئة بسم على شكل غاز يتطاير بمجرد خروجه من القنينة أو القارورة الزجاجية وأن هذه الأخيرة مربوطة بمطرقة وهذه المطرقة مرتبطة بدورها بجهاز يسمى جهاز التفعيل أو الإعتاق يتحرك بمجرد ارتطامه ببروتون مما يعمل على إسقاط المطرقة على القنينة الزجاجية وكسرها وتحرير الغاز السام الذي ستتنفسه القطة وتموت. نقوم بإدخال البروتون بيد أن هذا الأخير ذو خاصية غير دقيقة وثابتة وغير محددة لأن عزم اللف الذاتي له غير محدد spin indéterminé وبعد مرور ساعة لا ندري على وجه الدقة ما إذا كان البروتون قد اصطدم بجهاز التفعيل dispositif de déclenchement أم لا. وبالرغم من حتمية موت القطة في حالة استنشاقها الغاز السام إلا أننا لا نعلم إذا كانت حية أم ميتة، أي نسبة 50% حية و50% ميت، مع علمنا مسبقاً أن الحدث سيقع لا محالة ولكن لا نعلم متى سيصطدم البروتون بجهاز التفعيل ، بل وهل سيصطدم حتماً أم لا ، فكل شيء مرتبط بالبروتون وجهاز التفعيل الخاضعين لمبدأ اللاحتمية وعدم اليقين وفق عملية سلوك الموجة المعقد جداً ضمن حيثيات وفرضيات الفيزياء الكوانتية، علماً بأن كل بروتون، قبل قياسه، هو في حالة لا استقرار وعدم دقة état indéterminé وبتعذر تحديده وفي وضع مبهم ، وبالمعايير الكوانتية هي حالة تزاوج بين حالة مكون كمي ذي لف ذاتي إيجابي spin positif وحالة مكون كمي ذي لف ذاتي سلبي spin négatif في سياق اتجاه معطى أو معين ، حيث سيكون هناك فرصة من اثنتين، أن يكون القياس إيجابياً أو سلبياً، من هنا تفرض نظرية الاحتمالات اللانهائية نفسها، الأمر الذي ينطوي على طرح مشكلة القياس الكوانتي la mesure quantique ، وفي حالة تجربتنا فإن جهاز التفعيل لايعمل إلا في حالة تلقيه مكون كمي إيجابي ولا يعمل في حالة اصطدامه بالمكون الكمي السلبي، بيد أننا نرسل له بروتون غير محدد الخصائص فما الذي سيحصل في حالة الخاصية المزدوجة superposition détats أو تراكب الحالات ؟ وفقاً للمنظور الكوانتي، خاصة إذا كان جهاز التفعيل ذو نظام كوانتي بدوره، فإن البروتون ونظام التفعيل سيشكلان نظاماً موحداً وهو الذي سيحافظ على عدم حسم البروتون لوضعه وحالته وبقائه غير محدد وغير دقيق indéterminé وفق معادلة شرودينيغر، أي أن جهاز التفعيل سيعمل ولا يعمل في آن واحد، وحتى لانصل إلى هذا المأزق أو الطريق المسدودة، سيتعين علينا أثناء التجربة ، إما أن نعطل صلاحية معادلة شرودينغر المثبتة مختبرياً ورياضياً، أو أن نخفض حزمة الموجات، أي التحول من الحالة المزدوجة إلى الحالة الفردية، وتصفية أحد الاحتمالين، ولكن في حالة الخيار الكوانتي يمكن للإثنين أن يقعا في نفس الوقت، والحال أنه لايوجد سوى حلين: الأول هو الحل المثالي الذي أيده العالم لأمريكي من أصل هنغاري والحائز على جائزة نوبل أوجين فاغنر Eugène Wigner والمتمثل بأن يقوم مراقب واعي بالنظر من فتحة ما في العلبة المحكمة الإغلاق للإنتهاء من وضع الحالتين غير المحسومتين والتوصل إلى حالة واحدة وهي إما موت أو حياة القطة، ويسمى حل صديق فاغنر . ولكن لنفترض أن العلبة المحكمة لاتحتوي على فتحة أو منظار بل جهاز تصوير داخلي يعمل مع بدء جهاز التفعيل ويأخذ عدة صورة في نفس الوقت في اللحظة الحاسمة وذلك مرتبط بجهاز لتحليل الكليشات المصورة بصورة أوتوماتيكية دون أن يراها وعندما تكون كل الكليشات متشابهة، أي القطة لاتتحرك، يستنتج الجهاز أو يفترض أن القطة ماتت فيوعز لآلة كاتبة أوتوماتيكية أن تطبع تقريراً على الورق يجزم بموت القطة نظرياً وعلى الورق فقط. ثم يأخذ المراقب، صديق فاغنر، الورقة دون أن يقرأها ويضعها في مغلف ويضعها في جيبه ويغادر المكان ولا ينظر للتقرير الورقي إلا بعد مرور سنة. من الصعب والحالة هذه القول أن الإطلاع على النتيجة سوف يحرك سلسلة الأحداث كما وصفناها بالعودة إلى الوراء. الحل الثاني هو الحل المادي وهو بصيغتين متباينتين : فحسب الصيغة الأولى، يقوم جهاز التفعيل بتخفيض حزمة الموجات إذ أن المرور من الميكروسكوبية ـ أي البروتون غير الدقيق وغير الحاسم ـ إلى الماكروسكوبية ـ أي جهاز التفعيل ـ سوف يلغي ويخفي التأثيرات الكوانتية المحضة. وحسب الصيغة الثانية ، لايحدث تخفيض في حزمة الموجات، إلا أن جهاز التفعيل مصنوع بطريقة تسمح لمعادلة شرودنيغر أن تطور سرعة عمل الموجة على نحو تختفي معه كافة الإمكانيات الأخرى عدا واحدة وهي إمكانية الفعل والتأثير عن بعد آنياً مع صعوبة أو عدم القدرة على تحديد لحظة تجسيد موجة الاحتمالية. وهذا يذكرنا بتجربة الإلكترون الذي يخرج في نفس الوقت من ثقبين واحد فوق الآخر على حاجز ويقعان على مسافة واحدة من مصدر إطلاق الإلكترون فكيف أمكن لألكترون واحد أن يخرج من ثقبين وكأنه زوج الكترونات في نفس الوقت؟ هذا هو مصدر غموض وصعوبة الفيزياء الكوانتية. وهناك حكاية أو تجربة الصياد والسمكة الكوانتية العجيبة الافتراضية وهي أكثر صعوبة وغرابة وتعقيد من قصة قطة شرودينغر، سنتطرق إليها في مقال لاحق.

هل ينطوي على تخفيض حزمة الموجات في الفيزياء الكوانتية وجود كيان لا مادي؟ هذا ما يمكن استخلاصه من تجربة مفارقة قطة شرودينغر حيث تمخض عنها تفسيرين متناقضين بقوة للفيزياء الكوانتية. الأول يجعل المراقب أو القائم بالقياس يلعب دوراً جوهرياً وأساسياً ، وبشكل أدق أن وعيه ونفسه هما اللذان يلعبان الدور، وهو ما سمي بـ : المثالية الكوانتية idéalisme quantique ، التي تحظى بدعم وتأييد علماء فيزيائيين مرموقين وإن كانوا أقلية، ولو ذهبنا إلى الحدود القصوى لتبعات هذا الموقف لوصلنا إلى نتائج مثيرة للقلق من قبيل: هل العالم المادي موجود مستقلاً عن المراقب ؟ التفسير الآخر الأكثر انتشاراً، لا يمنح ولا يخص المراقب أو وعيه ونفسه بأي دور وسمي بـ : المادية الكوانتية matérialisme quantique ويسميها العلماء اختصاراً بالعملياتية العقلانية أو opérationalisme التي تنتمي إليها مدرسة كوبنهاغن . في حين يعتقد أتباع المدرسة التوفيقية الـ syncrétisme بضرورة الجمع بين المادية والمثالية وبوجود واقع أعمق من الواقع المادي المعاش والملموس تكون فيه المادة والنفس وجهين لعملة واحدة ومكملين لبعضهما. وكلما تقدمنا في طرح وشرح ومحاولة فهم وتفسير المعادلات والمفاهيم والمصطلحات المستخدمة في فيزياء الكم كلما غصنا في دهاليز مضببة وغرقنا في محيط التعقيدات وتشوش الصيغ المتعلقة بمشكلة القياس لأن هذا الأخير هو الذي يشوه النتائج النهائية. فالفيزياء الكوانتية لا تبحث في الواقع بل في المعرفة التي نمتلكها عن هذا الواقع وهذه المعرفة موصوفة بموجب عمل الموجة fonction d’onde وبالتالي من الطبيعي أن يكون عمل أو وظيفة الموجة عرضة للاضطراب أثناء عملية القياس لأننا عند ذلك نعدل معرفتنا بالواقع . من هنا يمكننا القول أن الفيزياء الكوانتية وببساطة تسمح لمراقبين يمتلكون آلات وأجهزة قياس القيام بتجسيد وتمثيل أو عرض وإظهار représenter عمليات المراقبة ولا طائل من توضيح لماذا تعمل النظرية بل يكفي معرفة أنها تعمل بشكل صحيح وتطبيق معاييرها وتنفيذ تطبيقاتها العملية التي أشرنا إليها أعلاه.

من التطبيقات النظرية لفيزياء الكم هو نظرية الأكوان المتوازية التي قال بها علماء كبار مثل العالم الأمريكي هيوغ إيفريت Hugh Everett سنة 1957 وبدعم وتأييد من العالم الأمريكي جون ويلرJohn Wheeler وتغييرهما لمفاهيم المكان والهندسة الكونيين من الرؤية الكلاسيكية ذات الأبعاد الثلاثة مع الزمن كبعد رابع إلى هندسة مكانية وكونية غير مرئية وأكثر تعقيداً ، وهي الفرضية التي استأنفها سنة 1970 العالمين الأمريكيين نيل غراهام Neill Graham و بريس دويت Bryce DeWitt وركز هؤلاء أبحاثهم حول مشكلة تخفيض حزمة الأمواج في سياق مانعرفه عن أن كل كوانتون quanton نريد قياسه وحساب مكانه وسرعته وحركته وموضعه يتمثل بفعل موجة خاضع لمعادلة شرودينغر الكوانتية. فاللامتناهي في الصغر، وهو مجال فيزياء الكم أو الكوانتا مرتبط عضوياً باللامتناهي بالكبر وهو مجال نظرية النسبية وعلم الكونيات الكوزمولوجي . والحياة هي العامل المشترك بينهما فهي موجودة على الصعيد المجهري ومادون المجهري، وفي المجرات والنجوم والكواكب البعيدة والقريبة، لاسيما بعد اكتشاف عدد من الكواكب الشقيقة والمشابهة لكوكبنا الأرض في كل شيء مما يسمح لنا بالتفكير أنها آهلة بالسكان والمخلوقات الذكية والحضارات المتقدمة تقنياً أو على صورة بدائية كما ظهرت على الأرض في البدايات قبل ملايين السنين. فكل شيء مادي متشابه في كوننا الظاهر والمرئي، فهناك 92 نوعاً كيميائياً في الطبيعة تسمى العناصر فالماء مكون من جزيئة مكونة من اتحاد الهدروجين والأوكسجين والهواء مؤلف في أغلب تركيبته من ذرات الآزوت أو النتروجين والأوكسجين والكربون والهيدروجين والأرغون والأرض أو التراب مكون من مزيج متنوع من السليكون والأوكسجين والألمنيوم والمغنزيوم والحديد، أما النار فهي ليست مكونة من عناصر كيميائية بل هي بلازما مشعة تمكنت الحرارة العالية فيها من تجريد بعض الالكترونات من نواها، وهناك عناصر أخرى في الطبيعة نعرف بعضها ونجهل الكثير الآخر منها وقد لاتكون موجودة على الأرض بل على نجوم وكواكب وأقمار أخرى، بعضها صلب كالذهب وبعضها الآخر غازي، نذكر عدداً منها على سبيل المثال كالبروم والزئبق والكبريت والهافنيوم والآربيوم والأيتريوم والديبروسيوم والبراسيوديميوم واليورانيوم والليثيوم والبريليوم والبورون والهليوم الخ... وتتكون الذرات من ثلاث جسيمات أو دقائق أولية هي البروتونات والنيوترونات والإلكترونات منها مايحمل شحنة كهربائية موجبة كالبروتونات أو شحنة سالبة كالإلكترونات أو عديمة الشحنة كالنيوترونات وهي المواد التي تشتغل عليها الفيزياء الكوانتية والكيمياء. والحقيقة العلمية المثبتة حتى اليوم هي أن الكون المادي والمرئي والظاهر للعيان مكون كله تقريباً من الهيدروجين والهليوم بنسب 99%. والتفاعلات النووية في النجوم هي التي تولد الضوء ففي الشمس يتحول الهيدروجين إلى هليوم مما يجعلها تتألق بفوتونات الضوء المرئي إلى جانب إشعاعات غامضة وشبحية غير مرئية. فشمسنا تتوهج ولكن بشكل ضعيف بالنوترينو الذي لايمتلك وزناً كبيراً ذا شأن عكس الفوتون لكنه يتحرك مثل هذا الأخير بسرعة الضوء، فالنيوترينوات ليست فوتونات وليست من أنواع الضوء المرئي لكنها تمتلك قوة دفع زاوية باطنية وحركة دائمية ومدومة تكون المادة بالنسبة لها شفافة ويمكنها أن تخترقها بلا أدنى جهد، وبمجرد النظر إلى الشمس يخترق العين أكثر من مليار نيوترينو ، تستمر عبر العين وتخترق مؤخرة الرأس دون أن نشعر بها . إن نشأة الحياة وتطورها مرتبط بشكل جوهري وعضوي بنشأة النجوم وتطورها فالمادة التي نتكون نحن منها هي نفسها موجودة في كل مكان في كوننا المرئي والمادي، والذرات التي تجعل الحياة ممكنة كانت قد ولدت منذ زمن بعيد وفي أماكن بعيدة جداً في النجوم وكواكبها التابعة لها وتوجد طريقة بدائية على الأرض لإحداث الاتصال بين منظومات النجوم والكواكب وتعرف بعلم الفلك الراديوي Radio Astronomy المستخدم في المراصد والمراقب البشرية المنتشرة على الأرض وفي حالة وجود ملايين الحضارات المنتشرة عبر مجرتنا درب اللبانة وحدها فإن المسافة التي تفصلنا عن اقرب واحدة إلينا هي 200 سنة ضوئية وحتى لو سارت الرسائل بسرعة الضوء فلن تصل إلينا قبل قرنين من الزمن من سنواتنا الأرضية.

وكان القدماء يعرفون الكثير من أسرار الكون والطبيعة وهناك رواية وردت عن الإمام علي تقول أنه كان في المسجد يخطب في الناس فسأله أحدهم أين يذهب ضوء النار المتقدة في باحة المسجد فكان جوابه سريعاً وبسرعة بديهة مثيرة للدهشة حين قال له أنظر إلى السماء فسوف ترى على يمينك نجماً وعلى يسارك نجماً يتجه ضوء النار إلى النجم الأول فيستغرق سنة أو أكثر بقليل ثم يتجه منها إلى النجمة الثانية فيستغرق سنة أو أكثر بقليل ثم يعود إلينا من النجم الثاني ليستغرق سنة أو أكثر وعندما يصل يكون قد مر على الأرض مئات السنين فلن تراه لا أنت ولا حتى أحفاد أحفادك. وهذا يعني لو صح الحديث، أنه على علم بسرعة الضوء وقوانين الطبيعة لاسيما نظرية النسبية وقانون تباطؤ الزمن مع السرعة الذي يقول : كلما سار الجسم بسرعة تقرب من سرعة الضوء قل الزمن بالنسبة له بينما يظل يسير بشكله الطبيعي على الأرض التي غادرها كما تقول نظرية النسبية لآينشتين ، بيد أنه كان يعلم بهذه الحقيقة العلمية قبل آينشتين بألف وأربعمائة سنة تقريباً، وهذه الرواية سمعتها من جدي يلغته البسيطة كما سمعها هو من جده من قبل. وإذا كان لابد من خاتمة للحديث فلنستمع إلى هذه الحكاية الغريبة ولنا أن نصدقها أو نعتبرها من الخرافات فنحن أحرار: روى البروفيسور الإسباني سيسما Sesma رئيس جمعية الدراسات الكونية في مدريد في إسبانيا هذه القصة على لسان أحد سكان كوكب أومو Ummo التي سمعها عبر الهاتف منه مباشرة ومن ثم بواسطة رسائل مطبوعة على آلة كاتبة أرسلها له من أجل التفصيل والدقة العلمية. قال له هذا الإنسان ألا أرضي الذي يشبهنا في كل شيء من سكان كوكب أومو :" نرغب في إعلام سكان كوكب الأرض عن أصلنا ونوايانا والدوافع التي حملتنا على زيارة كوكبكم الأرض. نحن من كوكب إسمه أومو يدور حول نجم أو شمس كما تسمونه أنتم يسمى جوما Jumma المعروف عندكم تحت إسم وولف 424Wolf . في 12 يناير 1955 بالتاريخ الميلادي الأرضي تلقينا الإذن بصياغة هذه النصوص باللغة الإسبانية بعد أن واجهنا صعوبات وعقبات جمة في عملية الترجمة إلى اللغات الأرضية التي نعرفها وهي الانجليزية والإسبانية واليونانية الكلاسيكية واليونانية الحديثة والألمانية والإيطالية والفرنسية والعربية. وأول مانود إخباركم به هو وجود تشابه في البنيات البيولوجية بين كوكبينا مع ملاحظة وجود اختلافات جوهرية وعميقة وبدرجات عالية جداً في وسائل الاتصال الاجتماعية التي نستخدمها للتواصل فيما بيننا وتلك المتبعة عندكم. وبإمكاننا التواصل عبر وسيلة التخاطر télépathie . إسمي داي 98 Deii إبن داي 97 Deii . كوكبكم الأرض رائع ومتطور على صعيد الفن والتعبير الفني والجمالي وهو متقدم علينا في هذه المجالات عدا الفن المعماري أما في الأدب والنحت والرسم وبالأخص الموسيقى فأنتم متطورون وتسبقوننا بأشواط كثيرة. وأنا أعترف أننا متخلفون جداً مقارنة بما حققتموه في هذه الميادين الجمالية. لقد أدركنا في الوقت الحاضر أن اكتشافاً تقنياً أنجزناه في الحقب الأولى لتاريخنا قد أعاق تطور التظاهرات التشكيلية والنحتية والتي تألقت منذ قديم الزمان في كوكبكم الأرض. في حين تقدم العلم التجريبي لدينا وسبقكم بأشواط عديدة. ولقد أثبتنا علمياً وجود الـ Buuawaa وتعني المبدأ اللامادي للحياة أو النفس بالعرف البشري.

في سنة 53650/315 من تقويم كوكب أومو، أكتشف عالم الأحياء والنفس biopsychologue المدعو نوا 3 Noi إبن نوا 2 Noi في منطقة جملة الأعصاب الدماغية encéphale وجود بعض الذرات المنعزلة من غاز الكربتون الجامد أو الخامل Krypton inert وهذا الغاز كما نعرف لا يتفاعل مع أي عناصر كيميائية أخرى سواء بسبب عدد الذرات المنخفض فيه أو بسبب تداعيات الحسابات الإحصائية التي أجريت على أدمغة أشخاص أحياء أظهرت أن تلك الذرات غير المرئية عندكم موجودة دائماً في ذات المنطقة وفي نفس العمق في الهيبوتالاموس hypothalamus ، وبالتالي فذلك لم يكن نتيجة المصادفة أو بفعلها. ومن ثم قام مساعد نوا3 ، وهو عالم الأحياء البيولوجي سووي 996 Sooie إبن سووي 993 Sooie ببعض التجارب على المسبار الحلقي الشكل الالكتروني La couronne électronique لتلك الذرات لمراقبة التحولات أو التناوبات الكوانتية altération quantique الممكنة الناجمة عن الانتقالات المحتملة للطاقة. فعلماء الفيزياء الأرضيين ونظرائم الأوميين متفقون على حقيقة أن كوانتا الطاقة quanta d ‘énergie لا تتصرف وفق القوانين الفيزيائية الكلاسيكية المعروفة وأن الصدفة وحدها هي التي تحدد مسلك الإلكترون يدور في فلك ذرة حرة وأن نظرية ميكانيك الكم الكوانتي La théorie de la mécanique quantique التي صاغها العالم الأرضي ورنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg المستندة لمبدأ اللاحتمية واللادقة أو اللايقين Principe d’indétermination صحيحة ومقبولة في عمومها من قبل علماء كوكب أومو.

فكل نواة ذرة محاطة بغمامة من الالكترونات موجودة على مستويات مختلفة من الطاقة وفي كل مستوى يكون موقع كل إلكترون هو عبارة عن فعل احتمالي أو وظيفة احتمالية وبالتالي يكون موقعه اعتباطي و طارئ أو عرضي محض purement fortuite مرهون بالصدفة .

في الليلة 76 من سنة 315 بقي سووي 996 مع مساعد له متخصص في مختبر كبير للبيوباتولوجي biopathologie في أونديسا Undeesaa في كوكب أومو وكانت غاآ 1Gaa إبنة بيوا 4535 Biuaaمستلقية عارية في صالة معدة لهذا الغرض حيث طهر الهواء من أي أثر من غاز الكربتون Diiuyaa بلغة الأوميين، حيث أدخلت سلسلة من الأنابيب الاستكشافية الصونداتdes Sondes مخترقة منطقة العظمة الجانبية الـ parietale اليمنى من الجمجمة ، وبالرغم من كونها كانت تحت التخدير الموضعي لم يكن أياً من أعضائها التي تعتمد أو لا تعتمد على الإرادة معطلة أو المكبوتة والمكبوحة inhibé وكانت عدة آلات وأجهزة تراقب وتشرف على الوظائف الفزيولوجية للفتاة الشابة. كانت سووي 996 تدرس في تلك اللحظة التاج الالكتروني لذرة الكربتون الموجودة في قشرة الدماغ الـ cortex للبطين أو التجويف الثالث للقلب ventricule تحت التلاموس thalamus أو المهاد البصري في الدماغ للشابة غاآ 1 Gaa . على شاشة للمراقبة ظهرت أرقام وفرها حاسوب ومرتبة على شكل أعمدة تشير إلى الموضع المحتمل لكل الكترون في كل لحظة بالنسب لعدد معين أتخذ كنقطة مرجعية . القفزات تتناسب مع الحركات الإرادية لذراعي الفتاة وقدميها وأعضائها الصوتية ولكن ليس مع الحركات اللاإرادية أو الدفقات التي يبثها الجهاز العصبي أو العصب النباتي الـ neuro végétatif . ولم تكن هذه النتيجة هي التي قدمت الدليل القاطع. خلال المرحلة الثالثة للبحث المختبري أعتقد العلماء الأوميون أن الحركات المشفرة في المدار الالكتروني للكربتون كانت مقيدة conditionnés أو كانت تأثيراً ناتجاً عن تدفقات عصبية أو الاندفاعات والتحريضات العصبية neuro impulsions تبثها جملة الأعصاب الدماغية أو أنسيفال encéphale الكائن الحي بالرغم من عدم فهم عمل مثل هذه الشفرة في الذرة المعزولة من الغاز الجامد أو الخامل inerte .

وفي الليلة 94 من العام الأومي 315 تم حدوث اكتشاف مدهش آخر وهو : اكتشاف الحركات الهارمونية المتناسقة التي سبقت سلوك الفتاة الشابة ، بعبارة أخرى ، تمت بوقت مسبق بحوالي جزء من المليون من الألف من الثانية بالتوقيت البشري أو الأرضي وتبين أن الالكترونات موضع البحث والمراقبة هي التي تشكل النفس عند الفتاة الشابة وتحدد الأوامر لجسدها. وإذا كانت تلك الالكترونات لاتتنقل على نحو عشوائي أو وفق الصدفة كما هو الحال عادة، فهذا يعني وجود عامل آخر مستقل قادر على ممارسة عملية سيطرة عليها. وبالطبع تواصلت التجارب إلى أن تمكن العلماء في أومو من تقديم الدليل العلمي على وجود النفس بفضل اكتشاف العامل الوسيط بين الجسد والنفس المدموج بواسطة ذرات الكربتون المعزولة وغير المرئية بالنسبة للبشر على الأرض. وسيكون العثور على نفس الدليل، أي العامل الثالث للإنسان، من قبل البشر تداعيات مذهلة وستزال كافة الشكوك المتعلقة بمبدأ حرية الاختيار .

وهناك نصوص أخرى مفصلة عن النظام السياسي والاجتماعي والتربوي والعلمي للسكان في كوكب أومو عبر تاريخ مليء بالتجارب المريرة والتضحيات سنتطرق إليها في مناسبات قادمة.



شهود اللحظات الأولى للوجود

د. جواد بشارة / باريس

jawadbashara@yahoo.fr



أين كان الله قبل خلق الوجود؟ هل كان في اللامكان؟ وهل كان وحيداً ؟وهل هناك شهود على عملية الخلق؟الأسئلة الأولى ميتافيزيقية لاقبل للعلم بتقديم الإجابات الكافية والوافية عليها وتكفلت الأديان بتقديم ما تخيلته بأنها الحقيقة المطلقة التي تمتلكها بهذا الصدد والتي تتناقض جملة وتفصيلاً مع المعطيات العقلية والعلمية التي حاولت الإجابة على السؤال الرابع. يلخص الإسلام الجواب على الأسئلة الثلاثة الأولى في جملة واحدة وردت على شكل حديث نبوي يقول على لسان الله :" كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي يعبدوني" وقد ورد بصيغة أخرى مشابهة :" كنت كنزا خبيئا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق وبه عرفت". أما الطريق أمام العلم فمحفوفة بالمخاطر والصعوبات والعقبات والعوائق والاحباطات والمراجعة وإعادة النظرة بالمسلمات والنظريات العلمية دوماً كلما ظهر جديد للإجابة على السؤال الرابع. العلم يقول نعم يوجد شهود على اللحظات الأولى للخلق ولكنهم ليسوا بشراً ولا ملائكة ولا إنس ولا جن بل جسيمات ودقائق أو جزيئات هي من مكونات الكون الأولية الأصيلة والجوهرية أو التأسيسية حيث يحاول العلماء رصدها واكتشافها أو استشعارها في مكان ما في الكون .

قبل خمسون عاماً تخيل الباحثون في الفيزياء الفلكية والفيزياء النظرية وفيزياء الجزيئات، أن الكون كان مليئاً بدفق هائل من النوترينوات NEUTRINOS البدئية أو الأولية الأصيلة، الجوهرية والتأسيسية. وكان تأكيد هذه الفرضية أحد أهم النجاحات التي حققها علم الكونيات المعاصرLa cosmologie moderne. هل لعبت النوترينوات neutrinos دوراً حاسماً في تاريخ الكون؟ وهل هي بأعداد كبيرة لدرجة أنها يمكن أن تعدل التطور الشامل للكون؟ علماً بأن العلماء واجهوا مفارقة جدية في هذا المضمار. كيف أمكن لجزيئات هي الأخف مما نعرفه أن تؤثر على البنيات الكونية الأكبر والأهم؟ ومع ذلك ، ومنذ وجود هذه الفرضية لم ينقطع الفيزيائيون عن التساؤل حول هذه الصلة. في سنة 1953، وقبل رصد هذه الجزيئات، اقترح العلماء رالف آلفر Ralph Alpher، وجيمس فولان James Follin، وروبرت هيرمان Robert Herman، من جامعة جون هوبكنز في مايرلاند، فكرة وجود عمق كوني من النوترينوات ناجم عن المرحلة الساخنة والكثيفة جداً التي أعقبت الانفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang، وكان ذلك الدفق الأولي الأصلي من النوترينوات يملأ الكون برمته على غرار العمق الكوني الجوهري والتأسيسي من الميكرو ـ موجة Fond cosmologique Micro_-onde الذي اقترحه العالم الروسي جورج غاموف Georges Gamow قبل سبعة أعوام من ذلك التاريخ. وكان هذا العالم قد تنبأ أو تكهن بوجود دفق من الفوتونات في الكون عرفت كذلك باسم الشعاع المتحجر للبيغ بانغ rayonnement fossile du Big Bang.

الفوتونات والنوترينوات.

اعتقد علماء جامعة مايرلاند الثلاثة أن الكون كان يحتوي أعداداً متقاربة من الفوتونات والنوترينوات photons et neutrinos التي ولدت قبل 7،13 مليار سنة وفق السيناريو التالي: خلال جزء لامتناهي في الصغر من الثانية بعد البيغ بانغ الانفجار العظيم، ولغاية 380000 سنة، كان الكون مليئاً بغاز ساخن ومكثف جداً سمي بالبلازما الجوهرية أو الأساسية البدئية plasma primordial حيث تم احتواء الجزيئات والدقائق الأولية particules élémentaires وجعلها في حالة توازن عبر مجموعة من التفاعلات والتفكيكات والصدامات، وهي المرحلة التي أطلق عليها إسم مرحلة التوازن الحراري période d’équilibre thermique

وبمعرفتنا للخصائص الأولية للنوترينوات والفوتونات والبروتونات والالكترونات وباقي المكونات للبلازما البدئية ، يمكننا حساب وفرتها النسبية بدقة خلال تلك الفترة ويمكننا تعميمها extrapoler حتى على فترات أحدث زمنياً . وقد وجد العالم آلفر Alpher وزملائه أنه في بضعة عشرات الآلاف من السنوات الأولى للكون، كانت الطاقة الكلية في الكون موزعة بين الفوتونات بنسبة الثلثين تقريباً والنوترينوات بنسبة الثلث تقريباً، أما طاقة باقي المكونات فكانت من القلة بحيث يمكن إهمالها ـ أي البروتونات والنترونات والالكترونات الخ ـ protons,neutrons,électrons , etc.

ولكن سرعان ما طغت أشكال أخرى من المادة على هذه البلازما البدئية في لحظة " المساواة بين الإشعاعات والمادة" والتي يحدد تاريخها بـ 60000 سنة بعد الانفجار العظيم البيغ بانغ. وانعكس الأمر حيث أصبحت طاقة الفوتونات والنوترينوات، وبالتدريج، هي المهملة مقارنة بالمادة المرئية العادية المكونة من الذرات، والمادة السوداء المسؤولة عن الكتلة الخفية للكون. وبغية تفسير وتقبل حقيقة تسارع توسع وتمدد الكون التي فرضتها نتائج الرصد والمراقبة الفلكية التي تمت حتى نهاية سنوات التسعينات في القرن العشرين، اضطر العلماء إلى افتراض وجود طاقة معتمة أو داكنة ذات طبيعة مجهولة وغامضة ويبدو أنها هي التي هيمنت على الكون منذ مليارات السنين. وبهذا فإن مساهمة النوترينوات الأولية الأصيلة في الطاقة الكلية للكون غدت اليوم ضئيلة لا تذكر قيمتها . وإن توقعات أو تكهنات النموذج الكوني القياسي modèle cosmologique standard، مقرونة بحسابات درجة حرارة العمق الكوني ميكرو ـ موجة، وبمعدلات توسع وتمدد الكون، قد حددت قيمة حد أدنى قدرت بـ 003،0% من الطاقة الكلية . وبإدخال آخر الاستنتاجات وأحدث المعلومات بشأن كتلة النوترينوات، المستحصلة من دراسة ذبذباتها وتأرجحها، وكذلك دراسة صيرورة التفكك والتلاشي للتريتيوم désintégration du tritium، يمكن تأكيد هذه النبوءة : إن مساهمة النوترينوات ستكون بين 1،0% و 4% . وأخيراً ، ووفق عمليات المراقبة للبنى الكبرى للكون، من المقبول منح نسبة 1% للنوترينوات الأولية أو البدئية التأسيسية من مجمل الطاقة الكلية للكون . وبالمقابل فإن العدد الحالي للنوترينوات الأولية التأسيسية سيظل مهماً ومتوافقاً مع تكهنات العالم آلفرAlpher وزملائه حيث متوسط هذا العدد هو 339 نوتريون في كل سنتمتر مكعب مقابل 412 فوتون.

هل ستصمد هذه النظريات أمام نتائج عمليات الرصد والمراقبة الكونية ؟ لقد تمت مراقبة العمق الكوني التأسيسي ميكروـ موجة fond cosmologique micro-onde سنة 1965 على يد العالماء آمو بنزياس Amo Penzias وروبرت ويلسون Robert Wilson بواسطة راديو تلسكوب أو التلسكوب الإشعاعي radio-télescope الأمر الذي قدم لنموذج أو موديل البيغ بانغ دليل صحته الناجع والمتألق. بيد أن النوترينوات الأولية الأساسية ماتزال صعبة المنال ويتعذر الإمساك بها، على عكس الفوتونات، وتمتلك إحتمالية هزيلة من الطاقة مما لا يساعدها على الظهور، ولايمكن رصدها مباشرة اليوم. وكما نعلم أن النوترينوات بدون شحنة كهربائية، وذات طاقة قليلة، وأنها حساسة للتفاعلات الضعيفة والثقالية أو الجاذبية، ولكن بمستويات لايمكن الوصول إليها. وإن كتلة النوترينوات من الصغر بمكان أنها عند مرورها بالقرب من جهاز استشعار سيرصد هذا الأخير قوة ثقالة مهملة ومن المستحيل عرضها. أما أجهزة الاستشعار الحساسة للتفاعلات الضعيفة، وعند توجيهها نحو العمق الكوني للنوترينوات، فمن المفترض نظرياً أن تتحرك وتهتز وتتذبذب ولكن بنسبة تسارع 10-26 سنتمتر في الثانية ، والحال أن أصغر مسرع استشعار يصل إلى 10-13 سنتمتر في الثانية . فأجهزة رصد واستشعار النوترينوات الحالية تلاحق ثمار التصادمات بين نوتريون وجزيء أولي آخر سواء أكان الكترون électron، ميون Muion، أو نوتريون آخر، الذي يمكن أن ينتج، بفضل التفاعلات الضعيفة ، جزيئات أخرى يسهل رصدها واستشعارها . وهنا أيضاً لا يمكن لهذه التفاعلات أن تحصل إلا إذا كانت الطاقة الكلية للجزيئتين الأصليتين الأساسيتين تتجاوز حداً معين. وهذه ليست حال النوترينوات الكوزمولوجية أو الكونية التي تكون فيها الطاقة الحركية الـ cinétique أضعف بكثير.

تقرر اللجوء إلى طرق أخرى للرصد والاستشعار المباشر كدراسة تصادم نوترينوات كوزمولوجية مع جزيئات ذا طاقة قصوى تنتج في مسرع أو مصادم للجزيئات. ولكن وللأسف، فحتى الجزيئات التي ستنتج داخل مسرع أو مصادم LHC الأوروبي الشهير على الحدود الفرنسية السويسرية وهو الأكبر والأضخم في العالم، لن يكون لها طاقة كافية، ففرصة الحصول على تصادم واحد خلال سنة هي في حدود واحد من عشرة آلاف. الخيار الأقل فنتازية أو لاواقعية يتمثل برصد تصادمات بين نوترينوات تأسيسية أصيلة مع نوترينوات ذات طاقات عالية جداً تعود للإشعاعات الكونية . ومن المفترض أن يحصل هذا النوع من التصادمات من وقت لآخر داخل الكون. وبهذا الصدد يتعين علينا إجراء مراقبة دقيقة جداً للإشعاعات الكونية التي تصل للأرض ويمكن أن تعطينا نتائج مرجوة.

السنوات العشرين الماضية كرست لعمليات الرصد والاستشعار غير المباشر. هل بالإمكان وضع سمة أو بصمة يقينية لاجدال فيها للعمق الكوزمولوجي للنوترينوات عبر دراسة التطور الشامل للكون؟ وبما أن مساهمتها الطاقوية يجب أن تبلغ حوالي الثلث في الكون البدائي، لذا يتوجب علينا البحث في الكون الفتي الذي يقل عمره عن 60000 سنة بعد الانفجار العظيم للتنقيب عن آثر للنوترينوات الأساسية الأصيلة الأولية.

السبيل الأول أو الأثر الأول للتحقيقات مرتبط بالتفاعلات النووية التي حدثت بين الثانية الأولى والثانية بعد الانفجار العظيم حيث ولدت العناصر الخفيفة الأولى ـ الهدروجين، الدوتيريوم، الهليوم، الليتيوم، الخ.. hydrogène,deutérium, hélium, lithium ـ ومنذ انتهاء تلك الفترة المسماة مرحلة التركيبة النووية nucléosynthèse التأسيسية الأصلية أو الجوهرية، كان الكون من البرودة بمكان لم يكن معها ممكناً حدوث تفاعلات نووية عدا تلك التي تحدث عادة في قلب النجوم . وفي البنيات العذراء لجميع الجزيئات التي تتولد داخل النجوم، بقيت نسبة التمايز ثابتة ومستقرة. والحال أن الـ cinétique أو حركية التفاعلات الجوهرية تعتمد على أو تتبع معدلات توسع الكون، المرتبطة بدورها بكثافة الطاقة. فأية زيادة في الطاقة على شكل نوترينوات يتعين ان يكون لها تبعات على الوفرة النسبية لتلك العناصر الخفيفة. بيد أن التحليل الطيفي Analyse spectroscopique للبنيات مثل غيوم الغاز الفلكي بين المجرات nuages de gaz intergalactiques تسمح بالحصول على تلك الكميات. ومنذ سنوات التسعينات من القرن الماضي، أصبحت النتائج في توافق مع النماذج التي تدخل في صلبها النوترينوات بالنسب التي تم التكهن والتنبوء بها منذ العام 1953. وبذلك تم العثور على نوترينوات العمق الكوزمولوجي . الدليل غير المباشر الثاني يأتينا من دراسة مراوحات أو تماوجات وتذبذبات العمق الكوزمولوجي الميكرو ـ موجة . وحسب الاتجاه المرصود، فإن دفق الفوتونات يتسم بتنوعات طفيفة للطاقة أي بالحرارة مما يعطينا كنزاً من المعلومات حول تركيبة وتكوين تطور الكون لاسيما بين بضعة آلاف من السنوات و 380000 عام بعد البيغ بانغ الانفجار العظيم. ومنذ خمسة عشر عاماً نصبت أجهزة ومعدات على مسبارات فضائية وأقمار صناعية مكرسة لتحقيق خرائط للكون بانتظام من جميع الزوايا . وبشكل خاص منذ شباط 2003 بفضل تلسكوب الفضاء الأمريكي المتطور جداً Wilkinson Microwave Anisotropy probe- WMAP تم الحصول على خرائط دقيقة . وإن التحليل الإحصائي لتلك الخرائط يعطينا قياس لكثافة الطاقة في الكون البدائي. وقد جاءت النتيجة لتؤكد التنبوء النظري الذي يقول أن كثافة فوتونات العمق الكوزمولوجي لاتكفي. هناك عمق أو جوهر آخر من الجزيئات بدون تفاعلات يجب أن يكون موجوداً بعد الانفجار العظيم بنسبة حوالي ثلثين إلى ثلث. ومن المتوقع أن يثبت القمر الصناعي الأوروبي بلانك Planck هذه النتيجة ويكرسها بعد إطلاقه في الفضاء في نيسان 2009 . إذا كان هناك من يشك في وجود نوترينوات العمق الكوني فعليه أن يفسر غياب هذه الجزيئات في البلازما الجوهرية أو الأساسية plasma primordial ، وغيابها من معطيات التركيبة النووية الجوهرية أو الأصلية التأسيسية nucléosynthèses primordiale ومن التماوجات والتذبذبات لعمق أو جوهر الميكرو ـ موجة fluctuations du fond micro-onde مما يعني أننا سنضطر لافتراض وجود مكون غريب ومجهول آخر بديل لديه نفس الخصائص الأولية للنوترينوات الأصلية التأسيسية أو الجوهرية تملأ الكون بنفس النسب . وهكذا فإن الوجود غير المباشر للنوترينوات الجوهرية الأصلية والتأسيسية أعتبر أحد أهم نجاحات علم الكونيات المعاصر . وقد ولدت هذه الفرضية منذ المراهنات الأولى بشأن نموذج أوموديل البيغ بانغ وتمت صياغتها سنة 1953 وسيكون لها انعكاسات ونتائج مهمة بالنسبة لعلماء الفيزياء. وهؤلاء مايزالون يتعثرون بخصوص الكتلة المطلقة للنوترينوات لأن التجارب على تذبذب النوترينوات لاتشير إلا لاختلافات وتنويعات في الكتلة. ويمكن لحساب أو قياس مطلق أن ينجز في السنوات العشرة المقبلة بفضل المراقبة الدقيقة والدءوبة للسماء وإن رسم خرائط مجسمة للكون على أوسع مستويات ممكنة، سيعطينا المعلومات الدقيقة حول الجزيئات الخفيفة. وإن مطاردة النوترينوات الأولية الجوهرية الأصيلة الشاهدة على ولادة الكون، مايزال مجالاً مفتوحاً وواعداً في العقود القادمة.

Opinions