Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الكثير من الأشياء آيلة للسقوط في تلكيف

تلكيف . قيل عنها في السابق بأنها كانت أكبر تجمع للمسيحيين في شمال العراق ولطالما حدثنا عنها أجدادنا النازحون من شمال العراق وعن الحيوية التي تميزت بها هذه البلدة الصغيرة فالناس كانوا يخرجون صباحا إلى العمل أو للكنيسة أفواجا تنطلق بعدها نحو السوق والعلوة ليبدءوا عمليات التبادل التجاري للسلع والبضائع وخصوصا الزراعية منها لأن القضاء محاط بالكثير من القرى والأرياف .
بيوتات تلكيف كانت كثيرة جدا وعلى الأغلب بمساحات متواضعة لأنها غالبا ما كانت تتكون من بيوت انشطارية تقوم على تقسيم دار العائلة الكبير وأكثرها متلاصقة بحيث قيل عنها بأنه يمكن للمرء المشي فوق الأسطح أو في السراديب من أي صوب بعيد في القضاء وصولا إلى الكنيسة .
وبالرغم من أن القضاء أستقبل موجات الهجرة القادمة من القرى المسيحية في كردستان هربا من الحروب لكنه ظل محافظا على خصوصيته الشعبية (( ك- أ – س )) وعلى نسبة لا بأس بها من العرب المسلمين الذين انتقلوا إلى العيش في القضاء قادمين من المناطق المحيطة والقرى القريبة . ولكن الصورة تبدلت والواقع الديموغرافي تغير كثيرا خصوصا بارتفاع معدلات الهجرة المسيحية الخارجة من القضاء إلى أعلى مستوياتها المعروفة وأحيانا يخال للباحث في شؤؤن السكان هنا بأن تلكيف تعلم أبنائها الرحيل دائما فلا يستقر فيها سوى القلائل وحتى الباقون متشبثون بأمل الخروج .
تلكيف اليوم توسعت كثيرا وفي نفس الوقت هبط الحضور المسيحي (( ك – أ –س )) فيها إلى أقل مستوى عرفته في تاريخها وأصبح القضاء قبلة للقادمين أليه من الموصل وبغداد والجنوب بسب تميزه بالهدوء والأمان ولكن بالرغم من توسع القضاء ظل السوق فيه كما هو ولم يتطور الجانب العمراني في المدينة كثيرا ولم يتم تنفيذ بعض أهم المشاريع المصممة أصلا لتطوير القضاء وتنشيط الحركة فيه مثل أنشاء الطريق المركزي المخترق للأحياء القديمة التي ظلت على حالها معتمدة على الطريق العام الذي يلتف حولها والذي يصل بين تلكيف وكل من القوش والموصل .
اليوم يعاني القضاء من مساحات كبيرة متروكة هي أصلا عبارة عن مئات المنازل التي سقطت بسبب هجرها وإهمال ساكنيها لها فأصبحت مكبا للنفايات ومرتعا للمتجاوزين والمعتدين على أملاك البلدية والناس دون وجه حق أو ملكية وهذا كله طبعا في ظل غياب الرقابة الحكومية الرادعة .
تلكيف اليوم توسعت ولكن وجودنا المسيحي فيها أنكمش كثيرا وبات مهددا وعلى عتبة اعتباره من الماضي القريب .
تلكيف اليوم ليست تلك القديمة التي كان أهلها يحتفلون بعيد الصليب وهم يحملون مشاعل النار في مواكب تجوب المحلات وتطرق جميع الأبواب بمداعبة الألفاظ لأسماء ساكنيها .
لم تعد ذلك المكان المتجانس بشريا بحيث يمكن للشباب الخروج في الشارع ورش الماء على عابرو السبيل احتفالا بعيد الصعود.
تلكيف خالية اليوم من النوادي والساحات العامة المليئة بالأشجار ولم تعد شوارعها ملائمة للدبكات والرقص الجماعي وتحول الكازينو الذي اشتهرت به إلى بناية مهجورة حالها في ذلك حال الكثير من الأبنية التي يخشى المقيمون بجوارها من سقوطها في أي لحظة دون أن يكترث أحد لمخاوفهم . لن تنقذها أجهزة البلدية أو القائمقائمية فالكثير من القيم المعنوية والتاريخية آيلة للسقوط فيها وليس فقط الأبنية فالأخيرة يمكن تزال وتبنى من جديد بتظافر الجهود والمال ولكن تغير العناوين وقلب الأسماء وفقدان الهوية لن تزال أثاره بجهود جيل أو حتى مئة جيل . تلكيف اليوم بحاجة إلى أبنائها ليرفعوا من شأنها من جديد وتصبح كمثيلاتها عنكاوا أو قرقوش مصدرا للإشعاع الحضاري . هم الوحيدين القادرين على حمايتها من جميع المخاطر المحدقة بها من خلال حلول سريعة وطويلة الأمد تعيد لها خصوصيتها (( ك – أ – س )) صحيح بأن التعايش جميل ونحن معروفين بالمحبة والتسامح وحسن الجيرة ويشهد شركائنا في تلكيف لنا بذلك ولكن تظل المحافظة على خصوصية القضاء وشهرته التاريخية المهمة الأولى امام الجميع وخصوصا أمام ابناء القضاء في كل مكان فهل سينجحون في ذلك بعد أن فرطوا ببلدتهم .
الوفاء لمسقط الرأس يفرض على أبنائها التحرك على هذا الصعيد والخيارات المتاحة كثيرة وأولها أنشاء شركة عقارية خاصة برأس مال كبير تعنى بالمساحات الفارغة والبيوت الآيلة للسقوط ويتم الاستفادة منها وتأجيرها للكثير من الشباب المتزوجين حديثا بأسعار مناسبة تشجيعا لوجودنا المسيحي . وخلق وسائل اعلامية موجهة إلى أبناء القضاء في الخارج من أجل جذبهم إلى الاستثمار في بلدتهم والاهتمام بعقاراتهم الكبيرة والتي ستدر عليهم أرباح طائلة إذ ما استثمرت بشكل جيد والكل قادر على المساهمة حتى لو كانت من خلال شراء بيت أو عقار ما فاليفعل اليوم وليحتفظ به أو ليخصصه لفائدة الآخرين . المهم بأنه سيملك شيئا ما في مسقط رأسه ولأنه يستطيع أن يفعل ذلك اليوم قبل أن يسقط كل شيء في تلكيف غدا . Opinions