Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الكحول وأثره الصحي والتجربة الأمريكية في منعه

8 كانون أول 2010

أندفع النقاش حول قرار مجلس محافظة بغداد إغلاق نادي إتحاد الأدباء خارج المعقول والمألوف، ورغم أني أحمل مجلس المحافظة كامل المسؤولية عن ذلك الإندفاع بسبب الطريقة التي تم بها الغلق وأكثر منه الطريقة التي دافع بها مسؤولو المحافظة عن قرارهم الذي تسبب في الإثارة بأكثر من قرار الإغلاق نفسه، وذلك بتشويه صورة الأدباء ومن يدافع عنهم بشكل مؤسف وبعيد عن كل التوقعات، إلا أني سأؤجل الدخول في تلك التفاصيل لعل الأمور تبرد قليلاً وتصبح مواتية لطرح المشكلة بصراحة أكبر.
لذلك فمن الأنسب البدء بمراجعة الحقائق العلمية في هذه المقالة، والتي أناقش فيها حقيقة الخطر الصحي للكحول وإلى تجربة الولايات المتحدة في منعه في بداية القرن العشرين، والمحاولات التي جرت قبلها إبتداءاً من نهاية القرن السابع عشر. أفعل ذلك رغم إدراكي أن هذا ليس الموضوع الرئيس، وإنما مسألة تعامل الحكومة مع الحرية الشخصية والطريقة المثلى للتعامل مع مثل هذه الحالات وموقف الديمقراطية من ذلك.

**

ينطلق مؤيدوا قرار المنع من نقطتين موضوعيتين، إضافة إلى المنطلق الديني. فهم يرون أولاً بأن الكحول مضر بالصحة، وثانياً -لذا يجب منعه كأي شيء مضر بالصحة. لكن الحقائق الطبية عن الكحول، والحقائق التاريخية عن تجارب المنع قد تقول شيئاً آخر.

الحقائق الطبية تقول أن تناول الكحول بشكل مفرط مؤذِ، لكن تناوله باعتدال ليس كذلك. بل تذهب تقارير عديدة إلى العكس فتقول أن تناول الكحول بشكل معتدل قد يكون له أثر إيجابي على الصحة. (1)

والحقيقة هي أن تناول أي شيء بشكل مفرط هو مضر بالصحة، يضاف إلى ذلك أن الكحول يصيب الإنسان بالإدمان في حالة الإفراط فيه، أي أن أثر ضرر الإفراط قد يكون دائماً.

ولا يناقض هذا القول الطبي بالضرورة الموقف الديني من الكحول، فأن تحريم الكحول في الإسلام، إن جاز اعتبار كلمة "إجتنبوه" تحريماً، لم يتطرق إلى سبب التحريم. ولعل الطريقة التدريجية التي جرى بها تحريم الخمر في الإسلام، مؤشر قوي على أنه يمس تحريم الشرب المفرط، باعتبار أن البداية كانت تحريم الصلاة أثناء السكر، وبالتالي فلم يكن لدى المسلمين الذين يتناولون كأساً من النبيذ بعد الصلاة أية مشكلة، فهي لا تسكر، وإن أسكرت قليلاً، فأثرها زائل قبل موعد الصلاة التالية.
أما في حالة الإفراط فسيكون أثره موصولاً إلى الصلاة التالية وبالتالي تسبب للمسلم مشكلة. لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافياً لحل المشكلة، واستمر المفرطون في الإفراط في الشرب وترك الصلاة، فنزلت الآية التي تدعو إلى اجتنابه باعتباره رجس من عمل الشيطان. إني أرى أن هذا مؤشر على موقف الإسلام من الكحول وتمييزه بين الشرب والإفراط فيه منذ ذلك الزمن.

ولم تذكر الآية الكريمة سبب التحريم سوى أنه "رجس من عمل الشيطان" دون الإشارة إلى تأثيره الصحي، ولا جاء في الأحاديث ما يشير إلى ذلك التأثير حسب علمي. لذلك فالإفتراض بأن الضرر الصحي هو السبب في نزول الآية ليس سوى إفتراض، أو تفسير شخصي، وليس هناك أي مانع من أن يكون السبب دينياً واجتماعياً بالدرجة الأولى وليس صحياً، وبالتالي فأن الإكتشاف العلمي التجريبي الذي يؤكد أن ضرر الكحول يأتي فقط من الإفراط في تناوله، وليس من تناوله باعتدال، لا يتعارض مع أي نص ديني. والحقيقة أن العبارة التي جاءت في نص الآية الكريمة "فاجتنبوه لعلكم تفلحون" تؤشر إلى أن سبب الرفض الديني للكحول، رفض إجتماعي وليس صحي، فـ "الفلاح" التي تعني النجاح، كلمة مرتبطة بالمجتمع إن كان المقصود فيها حياتياً، وبالآخرة إن كان القصد بها ديني، وليس لها علاقة بالصحة بشكل مباشر.
ليس المقصود هنا تقليل شأن السبب الديني أو الإجتماعي، وإنما مراجعة السبب الصحي ودقته، وهل هو ضمن أسباب التحريم.

ويتساءل معارضو قرار منع الكحول أيضاً على هذه النقطة، إن كانت الصحة هي المشكلة، فلماذا لا يحرم التدخين إذاً بنفس المنطق، فهو مضر بشكل مباشر وواضح، حتى دون إدمان، ويموت من جرائه ما يقارب خمسة ملايين إنسان في العام الواحد!(2)، ومن يموت بمجرد جراء تواجدهم قرب مدخنين، يزيد ستة مرات عن جميع من يموتون بسبب تناول الكحول، حسب بعض التقديرات.

لكن حتى لو كان الإفراط في تناول الكحول هو الخطر الأساسي، فهذا يعني أن متناول الكحول معرض للخطر، فمن المؤكد أن نسبة من متناولي الكحول سوف يفشلون في تحديد تناولهم له،ويسقطون في الإدمان المفرط، وبالتالي التعرض للأذى وأحياناً الموت أيضاً.
لذلك حرصت الكثير من الدول، خاصة المتقدمة منها، على إيجاد أساليب للتقليل من تناول الكحول، ومنع تناوله دون سن معينة، تبلغ في بعض الدول 22 عاماً وربما أكثر. كما أن الأثر الإجتماعي لتناول الكحول، وخاصة الإفراط به، أثر سيء معروف في جميع الدول، لذلك يمنع تناوله في الحدائق والمتنزهات العامة والطرق، بينما لا يسري المنع على المشروبات غير الكحولية.

إذن، بشكل عام، الكحول مادة ضارة أكثر مما هي نافعة، حتى إن اتفقنا على نفعها أحياناً. لكن ضرر مادة لا يعني بالضرورة أن منعها القسري هو الحل. فالمنع القسري يحاول أن يمنع النتيجة، او الحركة الاخيرة، دون أن يتعرض للسبب، ولذلك فأن ما يتسبب في الضرر، يجد غالباً طريقاً آخر، قد يحدث ضرراً أكبر. إنه أمر مختلف أن يمتنع شخص بإرادته عن تناول الكحول لإدراكه ضرره عليه، وأن يمنع عنه ذلك من قبل جهة خارجية عن إرادته.

ولحسن الحظ فلدينا مجموعة تجارب تاريخية في هذا المضمار، أهمها التجربة الأمريكية في منع الكحول، وبدأت أول محاولاتها في القرن السابع عشر، وكان آخرها في عام 1920. وكانت وراء المنع منظمات دينية وأخرى تدافع عن حقوق المرأة. وحتى في ذلك الوقت لم يصدر المنع بالطريقة البوليسية التي جرى بها إغلاق نادي الأدباء العراقيين، بل قرر المدافعون عن فكرة المنع إقناع عدد كاف من الناخبين أولاً بفكرتهم. كذلك بدأت القوانين بتحريم المشروبات الكحولية الثقيلة التي تحتوي على نسبة تزيد على 40% من الكحول، ثم ازدادت لتشمل تلك التي تحتوي نسبة نصف في المئة. كذلك فأن تلك القوانين كانت على مستوى الولايات أولاً، فكانت بعض الولايات التي يصوت فيها لمنع الكحول تعلن نفسها "ولايات جافة" إلا أن شراء الكحول من الولايات المجاورة كان ممكناً رغم تكاليفه. هذا يعني أن قضية المنع سارت بطريقة أكثر سلاسة في أميركا، وبعد استعدادات نفسية هامة، ومع ذلك فماذا كانت نتيجتها؟

النتيجة كانت أن ازدهرت جرائم تهريب الخمر خاصة "الرم"، ولأن تلك الجرائم كانت تعطي مردوداً مالياً كبيراً، فقد خلقت عصابات الجريمة المنظمة الكبرى، مثل المافيا، والتي امتد نشاطها بعد ذلك ليشمل جوانب أخرى من المجتمع بضمنها السياسية، واستخدمت كثيراً لاختراق نقابات العمال وضرب الحركات اليسارية. وكان لتلك العصابات من القدرات الإقتصادية ما يؤمن لها شراء الحكومة والقضاة والشرطة. وكان لها شبكات أنفاق طويلة ومعقدة تحت المدن الكبرى التي تعيش فيها، مما يؤمن لها الإفلات من الشرطة في كل مرة يحاول فيها بعض المخلصون وضع حد لها. فاستشرى أذاها ولم يتم التخلص منها حتى فترة قريبة وبعد ضحايا كثيرة، شملت عدداً كبيراً من القضاة الأبطال الذين كانوا يعلمون أن لا مفر لهم من الموت وهم يحكمون على رؤساء تلك العصابت المقبوض عليهم بأقسى العقوبات. وما تزال بقايا المافيات الإيطالية موجودة على الساحة السياسية حيث يتهم الرئيس الحالي برلوسكوني بالتعامل معها.

والسؤال التالي: هل حققت عملية المنع الهدف المرجو منها بالنسبة لمتناولي الكحول؟ الدراسات تبين أن كمية الكحول التي كان يتم تناولها في الولايات التي منعت الكحول قد انخفضت بشكل ملحوظ، لكن مشككين يقولون بأن تلك الأرقام غير دقيقة فقد صار حصر كمية الكحول تقديريا، ولا يمكن حصره، وأن الإنخفاض لم يحصل، وإن حصل فأنه لم يستمر طويلاً.
ومن ناحية أخرى فأن منع الكحول شجع الناس على صنع الكحول منزلياً، وهي عملية سهلة ولا يمكن منعها، لكنها أحياناً محفوفة بالخطر على الصحة. وكذلك فأن منع الكحول دفع البعض إلى البحث عن بدائل أغلبها أكثر خطراً على الصحة والمجتمع من الكحول الذي تم منعه.

وتبين إحصاءيات المستشفيات في الولايات المتحدة تأثير قانون منع الكحول الذي صار إتحادياً يشمل جميع الولايات عام 1920. تقول الإحصاءات أن معدلات الوفيات بسبب حالات التسمم الكحولي كانت مرتفعة تزيد على 500 في ا لعام في بداية القرن العشرين، ثم بدأت تنخفض، فوصلت إلى 183 وفاة في العام للفترة 1918 وحتى 1922 . لكنها عادت للإرتفاع بشكل سريع بعد سنتين من تطبيق قانون الحضر، ثم لتصل إلى معدل 639 في العام خلال الفترة من عام 1923 إلى 1927.
ويناقش البعض بأن تلك الأرقام غير دقيقة لأنها أولاً يجب أن تحسب كمعدل لعدد أكبر من السنين. ومع ذلك فالفارق كبير ويؤشر حالة تأثير سلبية لقانون المنع. ويشير أحد الأطباء التجريبيين إلى أن تسجيل الخمر كسبب للوفاة رسمياً، أمر يحاول أهل المتوفي تجنبه في كل الحالات، ولكن بشكل خاص بعد صدور قانون حضر الكحول. وهو مؤشر إلى أن الفارق قد يكون حتى أكبر مما تقدمه تلك الأرقام. وكانت أرقام إحصاءات المرضى النفسيين مشابهة الإتجاه لحالات الوفيات من ناحية فترات الزيادة والنقصان.(3)

ولا زال هناك نقاش حو تفسير نتائج تلك الإحصاءات، لكن الجميع يعترف بوجود مشكلة في الكحول، ولكن أيضاً بخيبة أمل أكيدة بالنسبة للحضر كأسلوب لحل المشكلة، وأتفق الجميع على أن "العملية فشلت". ووصف أحدهم ذلك بالقول "أن الحضر دمر صناعة الكحول وتوزيعها، والتي كان الطلب القانوني على الكحول يعتمد عليها، لكنه فشل في أن يدمر الطلب على الكحول نفسه".


(1) http://www2.potsdam.edu/hansondj/HealthIssues
(2) http://www.who.int/tobacco/health_priority/en
(3) http://www.druglibrary.org/schaffer/LIBRARY/studies/nc/nc2a.htm

Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
منظمة حمورابي لحقوق الانسان تدين وتشجب قتل المسيحيين على الهوية في الموصل شبكةأخبار نركال/NNN/خاص/ أصدرت منظمة حمورابي لحقوق الانسان بيانا يدين بشدة اعمال العنف والقتل التي تطال مسيحيي الموصل والتي تجري على اساس الهوية الدينية ، واعتبرت المنظمة ان هذه الجرائم تعد انتهاكا صارخا لحقوق الانسان ، وتشكل عملية ابادة وتطهير ديني وع تأجيل التصويت على رئيس الوزراء إلى السبت المقبل اكد علي الدباغ من تجمع كفاءات العراق ان المشاورات واللقاءات ماتزال جارية بين زعماء الكتل الياسية حول عملية التوافق والاستحقاقات الانتخابية والوطنية التقرير الاعلامي المشترك لعمليات الرعد ليوم 6/2/2006 تتواصل فعاليات قوات وزارة الداخلية وبكافة تشكيلاتها وبالاشتراك مع قوات وزارة الدفاع حيث تم تحقيق الفعاليات الآتية :- تأسيس كيان سياسي عراقي جديد في الأردن من فاتن الصالحي - عمان : أعلن في العاصمة الأردنية عمان اليوم الاثنين تأسيس حركة القوى الوطنية والقومية العراقية (حقوق) وهي تجمع سياسي يضم قوى وفعاليات سياسية عراقية من الفئات والطوائف العراقية كافة.
Side Adv1 Side Adv2