Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الكرسي

قد يستغرب البعض من اختيارنا لعنوان المقال بهذا الاسم ، ويكون الاستغراب اكثر لو تصور الناس ان المواضيع التي سنطرحها ادناه مفهومة وواضحة لديهم ، ولكن هل يعلم هذاالبعض ماذا تعني بالضبط لفظة ( كرسي)، وما الذي فعلته تلك اللفظة ذات الاربعة احرف على مدى التاريخ ، وكم من الشعوب اندثرت بسببها ، وكم من الناس تمت تصفيتهم بسبب تلك الكراسي.. وعليها ايضا .؟ وكم من الوضيعين ارتقوا من هاوية الحضيض الى قمة المجد بفضل رفعة الكرسي ..؟ وكم من العظماء هبطوا الى قرار الهاوية بسبب سوء استخدام الكرسي وطريقة الجلوس عليه من قبل مستخدمه .... نعم انه الكرسي .. هذه الالة السحرية التي نادرا ما يخلو منها منزل من منازلنا مهما كان من البساطة والتواضع .. فهل يا ترى ما سر تلك الاداة وكيف تستطيع ان تلعب بحياتنا كل تلك الألاعيب..؟ نعم... انه الكرسي.... ذلك المقعد الذي نستعمله كل يوم وربما اغلب ساعات النهار وبمختلف انواعه وتنوع استخداماته .. فالطالب يجلس عليه لقضاء الساعات الدراسية في الصف والمدرسة ، والطبيب يستعمله لمعاينة وفحص مرضاه ، والحلاق لتجميل وحلاقة زبائنه ، اما القس او رجل الدين فيستعمله لأعتراف الفقراء والبؤساء ( الخاطئين ) بذنوبهم عسى ان يغفر لهم الرب تلك الذنوب ويتطهروا منها ويتوبوا توبة ناصحة ، فهم فقراء ومساكين ولا يحق لهم ان يخطأوا ابدا ... اما رواد المكتبات فيستعملون الكراسي لغرض اجراء البحوث والدراسات ثم يطبقونها عمليا لخدمة الوطن والمجتمع لأنهم بناة مستقبله .. ولابد لنا الان من التطرق الى كرسي اخر ومهم جدا وهو الكرسي المدولب والذي يستعمله عادة المعوقون ومن ذوي الاحتياجات الخاصة .. فيا ترى اي نوع من الكراسي يستعمله معوقوا الضمير والاخلاق..؟ .. وهناك كرسي اخر ومهم جدا ايضا ، وخصوصا بالنسبة لي ، الا وهو كرسي المطبخ والذي نستعمله يوميا ولعدة مرات لغرض اشباع غريزة الجوع لدينا ، والحقيقة ان كرسي المطبخ من احب الكراسي الى نفسي حتى من كرسي الوزارة نفسها ، وهو اقرب الى معدتي حتى من كرسي رئاسة الدولة او عرش مملكة ، وخصوصا اذا كنت جائعا ، والمطبخ تفوح من قدوره روائح الدسم الطيبة .. هذه كانت الكراسي الاجتماعية .. اما الكراسي السياسية .. فيا ويلاه من تلك الكراسي المليئة بالاشواك للبعض ، وبالذهب للبعض الاخر .. فقد تقلب موازين الامور بسببها رأسا على عقب ، وفي احيان كثيرة تحدث بسببها زلازل وهزات عنيفة ، ولكنها سياسية وليست ارضية ،وقد يحصل بسببها انهيار صروح او سقوط دول او اندثار امة او مجتمع باكمله .. الخ ، وفي احيان اخرى تكون الكراسي قاتلة لمستخدمها مثل كرسي الاعدام الكهربائي ،وهو من الكراسي النادرة والتي تستعمل لمرة واحدة فقط من قبل الفرد ، كما انه الكرسي الوحيد الذي لا تتقاتل الناس على الظفر به مطلقا .. والسبب معروف طبعا . .. ومع سلّم.. اقصد كراسي سلّم الرواتب والمخصصات العالية ، مثل كرسي المدير العام او الوزير او رئيس الوزراء ، فهنا يختلف الامر ،لان الجميع يرغب بالظفر بشرف الجلوس على هذا الكرسي الناعم والوثير ، والذي نجد في طيات قماشه ، او نحظى بالجلوس عليه بكذا مليون لتحسين احوالنا المعاشية البائسة او لبناء قصر او عمارة لنا للعيش وكسب الرزق فقط .. نعم هذ هي الكراسي التي تلعب لعبتها بحياة المواطن والمجتمع ومستقبل الوطن ، حيث تحدث لأجل ارتقائها او الظفر بها الكثير الكثير من المشادات والمشاحنات والمنازعات والمفارقات ، وبسبب ذلك تعمل العلاقات الشرعية والغير الشرعية عملها بكل جدية وتفان واخلاص ويشترك في تركيب وترسيخ وتنظيم وانضاج تلك العلاقات المشحونة النفاق والتملق والتزوير في الحقائق ، وقد يصل الامر احيانا الى تشويه سمعة لفرد او لجماعة معينة ، وقد يؤدي احيانا الى حدوث انقلاب خطير في اخلاق الفرد ، وهذا ما يجعل من الفرد سلعة رخيصة يباع بابخس الاثمان لكل عابر سبيل او راعي الفسق والفجور ، او يشتري لنفسه انواع الصلافة والقسوة والسقوط في زيف المباديء ، وقد تجعلنا الكراسي احيانا نفقد انسانيتنا فنتصرف حينها كوحوش كاسرة حمقاء .. وهنا يعود بنا الامر الى استخدام شريعة الغاب في تعاملنا الحياتي ، ويكون التجرد من قيم انسانيتنا هو الحق السائد ،والحق يكون باطلا.. وقد ينتج عن ذلك انحدارنا الى الطاعة العمياء لأصحاب الكراسي الضخمة .. ورغم كل تلك المساويء التي تكتنفها بعض انواع الكراسي وخصوصا تلك التي تختص بمستخدميها والتي نسميها كراسي ذات النفع الخاص او كراسي المنافع الخاصة .. نقول.. رغم مآسيها فاننا دون استثناء تستهوينا سلالم التسلق والارتقاء الى احدها بصفة او اخرى .. فالطالب يتمنى ان يجلس يوما على كرسي مدير مدرسته .. والمدير العام تستهويه نشوة الطموح والحسد للظفر بكرسي الوزارة يوما ما ، وكذا القس فهو يحلم بانه في يوم ما سوف يجلس فيه على كرسي الاسقفية او البطريركية .. ، وهكذاالوزير ايضا يحلم بتحقيق امنيته باعتلاء كرسي رئاسة الدولة او عرش المملكة .. ولكن يا ترى .. اي نوع من الكراسي يحلم بأرتقائه الملك او رئيس الدولة .. هل هو كرسي...!!؟؟ استغفر الله .. وهكذا فالكل يحلم بكرسي معين ..والاحلام مشروعة طبعا .. والسؤال ياتينا هنا لنقول .. هل كل تلك الكراسي تصنع من نفس المادة وبنفس القياسات والاحجام .. ام تشترك في صناعتها عدة مواد ومواصفات ومقاييس لتناسب الغرض الذي تستعمل لأجله وحجم الفرد الذي يستخدمه .. وتبعا لنوع المادة المصنوع منها الكرسي وقياس حجمه وزمن وطريقة صناعته تفرض على الانسان اختيار المنصب المناسب لذلك الكرسي ، فكرسي رئيس الدولة او الملك مثلا ( وخصوصا في دولنا العربية والشرق اوسطية ).. لا بد ان يكون وثيرا وان يتم صنعه بكذا مليون دولار وان تستقطع تلك الدولارات من افواه عامة الشعب والفقراء ،لأن العامة لا تجلس على الكراسي ، بل عليها ان تبقى فقيرة كي تحظى بجنة الخلد التي وعدنا بها الرب .. فالجنة خلقت للفقراء والمساكين في الاخرة .. اما الكراسي والغنى والجاه على هذه الارض فهم للمتنفذين فقط ، وبكون العامة لا تجلس على الكراسي ، بل لا يحق لها حتى ان تحلم بالجلوس عليها يوما ما ، لذا على العامة ان تحترم اصحاب النفوذ وان تقدم لهم الطاعة العمياء دون نقاش.. وهنا تأخذنا الحمية الى المرور بكرسي الاعتراف والذي نسميه هنا بكرسي الخطاة ، اذ يجب ان يكون هذا دون مساند وان يكون واطئا جدا كي يجثو عليه الانسان الخاطيء او الذي يطلب المغفرة من ربه على ركبتيه ، ولا يسمح له بالجلوس على عجزه اثناء الاعتراف ، وذلك كي ينظر اليه الرب نظرة عطف وحنان ، ولكونه فقيرا .. فهو خاطيء دوما ( وسبحان الذي لا يخطيء) ولا يحق له الجلوس على كرسي معتبر .. اما الكرسي الكهربائي وكما اسلفنا سابقا فهو كرسي يستعمل لقتل او اعدام المجرمين وعلى اختلاف الوانهم وجرائمهم مثل ( القاتل ، والزاني . والمغتصب ، والذي سطا على مصرف ، والجائع الذي سرق رغيف خبز لسد رمقه ورمق عائلته ) ، اذ يجب على هذه المجرم ان يجلس على هذا الكرسي وهو يعلم علم اليقين بانه سيفارق هذه الدنيا بعد لحظات ، والغريب في الامر ان كرسي الاعدام الكهربائي هو الكرسي الوحيد الذي يفرض فرضا على الانسان رغما عنه بعكس جميع الكراسي الاخرى التي تتقاتل الناس فيما بينها لأجل الظفر بها مثل كرسي رئيس الدولة او رئيس الوزراء او المدير العام ..وهنا تحضرني حكاية طريفة عن احد المدراء العامين ، حين علم بانه سوف يعزل عن منصبه وسوف يتم تعيين شخص اخر غيره ، قرر صاحبنا ان يهب مبلغ يقدر بكذا مليون لمن يستطيع ان يلغي قرار عزله ويثبته في منصبه .. فكم يا ترى كان كرسي صاحبنا عزيزا عليه .. وياترى لماذا تتقاتل الناس على كرسي المدير العام وغيره من الكراسي ، ولكنها تنفر بشدة من الكرسي الكهربائي ، ويا ترى لماذا تجبرنا بطوننا الى الاسراع نحو المطبخ والجلوس على كرسي المطبخ المسكين ونأتي بالطعام اللذيذ لنتناوله رغما عنه ، وفي الوقت نفسه نبتعد كل الابتعاد عن كرسي الاعتراف بحقيقتنا البائسة ، ذلك الكرسي الحقيقي الذي نجده امامنا يوميا ، ولكننا لا نراه ، والذي يصرخ الينا بشدة ولكننا نصم اذاننا عن سمعه ، الا وهو ضميرنا .. ويا ترى متى سنجلس على كرسي الحساب الكبير والذي يحتضنه المجتمع لنكون وجها لوجه مع كرسي القضاء العادل .. وهو التاريخ ...؟

عصام شابا فلفل / تللسقف Opinions