المرأة العراقية ابتسمت مؤخرا لتصرح...
.. في العراق.. وسط ضجيج الموت والعويل ودوي التفجيرات المُبتلى بها شعبنا المقهور، نكاد لا نرى أبتسامة رضى .. وإن رأينا، فهي أبتسامات صفراء لا تخرج قيد شعرة عن صفرة الواقع ودبق الوسط السياسي،او ابتسامات ساخرة ذات عرض مفهوم يتناسب مع ما يصاحبها من هزة رأس حائرة، او حركة يد تناطح اليسار واليمين وكأنها تبحث عن شيء مفقود....قبل يوم او يومين رأيت رجلا كبير السن على احدى الفضائيات وقد مزق لباسه الشعبي (الدشداشة) امام عدسات الكاميرا، أسعفته يداه حيث خذله لسانه، لنقل الوجع والتذمر والإحباط ... لهضم زاده اليومي من حصة الإرهاب..حصة كبيرة نوعا ما لا تضاهيها إلا حصة التموين..!..
حركة لاشعورية اختزلت عمق المأساة في ثواني... لغة الجسد قد تكون اكثر فصاحة من لغة الضاد لا سيما في الأفراح والأحزان.... لا اعتقد اهل العراق معنيون بالأولى لكنهم ما زالوا في إنتظار.. مفوضين امرهم الى الباري.. عل المطر يحنو ليكتسح الثانية او ينثرها فتاتا..... ما رأيته، كان قبل يوم او يومين ....هذا ما قلته توا!.
اما اليوم.. فلقد كان خيرا وحبور... رأيت ما كنت ابحث عنه بلهفة وشجن.."ابتسامة على وجه امرأة وضحكة مُترفة بدلا من عويل".. ما كان يهمني لون الإبتسامة فلتكن صفراء شاحبة..كنت في حالة ظمأ غريب لم يتسن لي اكتشاف مسبباته!... تفاجأت بأبتسامة عريضة لسيدة عراقية مليحة الوجه مملوءة الأرداف،على محروستنا الفضائية "العراقية" وبعد شوط قصير من العبث بالريموت والتنقل بين الفضائيات بحثا عما يروي ذلك الظمأ الذي تدلى في داخلي كمشعل في يد مُهرّج يستكشف الظلام......
اقتربت من شاشة تلفازي والتصقت بها او شبه، وكأني اود أبتلاعها ، كنت فرحة، مندهشة فقد استجاب الله لدعائي بسرعة البرق وعلى غير العادة.. رفعت شعري وكورته فوق رأسي بغرزة دبوس معقوف كان في جيبي، وبحركة خاطفة لا ادري اذا كانت قد أنسجمت مع الإيعاز !.. كنت أخشى ان يُحتجَب " شيء" من تلك الأبتسامة الغضة الجميلة وقد أرتسمت على شفاه تلك السيدة بنفحة مباركة من الحياء..فبخصلة شعر مشاغبة قد يفوتني الكثير .. بقيت واقفة، محدقة.. مستمعة كتلميذ في حصة درس..
احسست ان إبتسامتي بدأت تتسع مع اتساع أبتسامة تلك السيدة.. فاذا بها تصرح ردا على سؤال لمقدم البرنامج..
"طبعا المرأة اكثر نفاقا من الرجل"..
لم تنكمش ابتسامتي ابدا، لا سيما ان المقدم راح فاردا شفتيه بأبتسامة عز ودلال ذكوري وكأنما وجد نفسه فجأة على ارض مغتصبة وقد تحررت!......أستطالت أبتسامته وهو يسأل "ولماذا".. مستفسرا عن السبب وكأنه على شفا حفرة اليقين..
على أثر السؤال، تحولت ابتسامة السيدة الى ضحكة وديعة بصوت ناعم منخفض يقطر بالفطنة.. توجستُ بعض مرح ...قلت.. يالله يامُسهّل.. ما كل هذا البذخ اليوم، فعلا إستجاب الكريم لي بفرط كثير من كرمه..
أعتدلت في وقفتي منضبطة شدما إنضباط كجندي امام عميد متشنج خرج توا بتوبيخ ..
كان كل تركيزي على وجه السيدة وملامحها المنشرحة المبتهجة وهي تجيب على "لماذا" بصوت واثق، شهي الثقة، كررت ما قالته في جملتها الأولى وأردفته بالسبب فكان الجواب.....
" المرأة اكثر نفاقا من الرجل فالمرأة ناقصة عقل ودين..خلقهن الله ناقصات"... إنفجر وجه المقدم مرحا بوجاهة الإرسال الأنثوي الذي ادخله في بطن اليقين..
ثم.. اختفى المشهد مع حركة معتادة يقمن بها النسوة عادة لضبط عباءاتهن...
واذا بمشهد آخر مشابه، لنفس البرنامج، البرنامج لم ينته اذن بعد.. قلتها متثائبة..
ظهر المقدم بأسئلته المُلحّة المرحة مع امرأة اخرى .. هو إستفتاء شعبي أذن.. هذا ما طنّ في بالي لحظتها.... فأذا بها تتفق مع سابقتها في الشطرالأول من السؤال بينما تختلف معها في السبب.. وتلك ثقافة..!
لم يخذلني التثائب، لم ينتصرعلى إبتسامتي فقد استرجعتها بعد رشفة ماء ، إلآ اني أعدت الدبوس النابت بشعري الى جيبي ليغفو قريرا على موسيقى الجواب الهادي الذي خرج من بين شفتي تلك السيدة وهي تقول..
".بالطبع المرأة اكثر نفاقا فهي... فهي غير سوية،النفاق مرض يصيب النساء،المرأة فارغة مريضة به"....
لا ادري ماذا حصل بعد هذا فقد أنطلقت فخورة الى مكتبي لألقي التحية على صفحة بيضاء من صفحات المايكروسوفت وورد،.. سعدت، فقد تحول الظمأ الى رغبة بنقر شيء !.. كان وجهي وانا منهمكة بالنقر محفوفا بالرضى كما احسسته ، تضطجع فيه أبتسامات شتى انتظرت رؤيتها بشغف على وجه سيدة لا تولول وسط خراب يومي!...
تنفست الصعداء بعد زفير طويل ممزوج بالدخان، وفي خلدي سؤال عابر..ترى هل انقطع المشهد الثاني بحركة مماثلة !..
..ثم انبرى لي سؤال عابر آخر..هل يا ترى النسبة البرلمانية المقررة من" النقص والفراغ والنفاق والمرض" هي من يقف وراء دبقنا السياسي !!...
ولأن العابر يمضي حيث يريد، فقد إستضاف ذهني "سؤال" قد يُطيل الإقامة...
هل أبعث بباقة ورد لمقدم البرنامج فقد انتقى بعناية وإنصاف من يسأل!... لقد اكتسح بتغطيته تلك، الشارع العراقي بنصفه الناقص!.....
..ام تراني أبعثها الى الفضائية المحروسة....
..وما زلت مبتسمة مترددة..!!..
06/05/15
فاتن نور