Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

المرحلة الثانية من (محاور في المقام العراقي) 2009 / المحور رقم (2)

محاور في المقام العراقي
دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي
يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعـيل الاعـظمي











الاردن / عمـَّان
كانون الثاني January 2009
اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المرحلة الثانية من (محاور في المقام العراقي) التي تم نشر تسعة عشر محورا في المرحلة الاولى من العام الماضي 2008 ، وها نحن نستهل عامنا الجديد 2009 بالمحور رقم (1) تكملة لمحاور المرحلة الاولى واستهلالاً للمرحلة الثانية .. وهذا المحور رقم (2) مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحاور في مرحلتها الاولى والثانية أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
***
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا في هذه المواقع والشبكات

المرحلة الثانية
من المحاور المقامية

المحور رقم
(2)

Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112
المحور رقم
(2)


حسن خيوكة
(1912-1962)

يتمتع حسن خيوكة في الاوساط المقامية في العراق كمغنِ للمقامات العراقية ، بشعبية جيدة تمتاز بالاحترام والتقدير لنسبة كبيرة من الجمهور المقامي ، وكذلك في المقابل هناك عدداً آخر من الجمهور يقابل حسن خيوكة بالجفاء…!! لماذا ..؟!

بالنسبة الى الفئة الاولى فانهم يعتبرون حسن خيوكة فنانا رومانسيا ذا تعبير تأملي اصيل في ادائه للمقامات العراقية ، وهو رائد هذا المنحى الادائي المتصف بالخيال والتعابير الحالمة في غناء المقامات العراقية .. اما بالنسبة الى الفئة الثانية فانهم يعتبرون حسن خيوكة لا يملك مقومات عديدة واجب توافرها لدى مؤدي المقام العراقي ، منها بعض العيوب الموجودة في خامة صوته ..!
















اعتقد ان حسن خيوكة ، اذا كان اداؤه محترما او عكس ذلك ، فانه في اعتقادي ، المغني الذي لا يمكن تجاهله ببساطة ..! فهو يمتلك انجازات فنية مقامية متجددة وجيدة ، وهو من مغني المقام العراقي المبدعين المحسوبين في القرن العشرين ..! وهو احد الاربعة الكبار الذين وضعتُ لهم دراسة خاصة في كتاب صدر في الجزائر عام 2007 والاربعة الكبار هم حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي ، بعد استاذهم وملهمهم الكبير رائد الابداعات الحديث محمد القبانجي ..
كيف يمكننا تفسير هذه الحالة المتناقضة ..؟ فقد تكون الكتابة عن خيوكة من ادق واصعب المهام ، لتضارب وتناقض الآراء حوله ..! فقد كان بسيطا وهاويا للمقام طيلة حياته ، واعماله الغنائية وانجازاته المقامية فيها جانب كبير من التطلعات الجديدة ، إلا أن عملية تجريده من اهمية تلك الانجازات من قبل الفئة الثانية ، فهو حكم ليس عادلا ابدا … على الرغم من ان المرء عندما يستمع الى مقامات واغاني خيوكة التي عبر فيها عن تراجيديا(1) عاشها هو وعبر عن مجتمعه فيها ، غالبا ما يتساءل … ! لماذا هذه الضجة ..!؟
ان خيوكة ، حسنا فعل ، عندما ترك تاريخه الفني وما يحويه من ابداعات للزمن وللخبراء والنقاد ليحكموا عليه دون تدخل منه ..!
ان السامع عندما يعود ويتمعن في سماعه لمقامات واغاني خيوكة ، فانه يكتشف السحر في ادائه ..!!
انني ارى ان كلا الفئتين المتناقضتين في الرأي بحسن خيوكة ، تمتلكان قسطا لا بأس به من الحق ، لأن الاهتمام الرئيس والمتكرر بانجازات مؤدي المقامات العراقية ، يقودنا الى الكشف عن الهوة التي تفصل طموحاتنا الادائية والفكرية عن حدودها ، وعن طموحات وانجازات معاصرينا من العرب وغير العرب في علوم الموسيقى والغناء … لذا فان اعمال خيوكة الغنائية تزخر باوصاف عاطفية قلما نجدها لدى غيره ، رخيمة بحيث استطاعت هذه الصفات ان تحجب انتباه الجماهير في كشفها لبعض العيوب الموجودة في خامة صوته ، فكانت مميزات ادائه وتعبيراته قد غطت على هذه العيوب ..!
عاش خيوكة حياة مأساوية قاسية استطاع ان يعبر عنها من خلال اسلوبه وصدقه التعبيري في ادائه للمقامات العراقية ..!
يمكن للسامع ، سماع أي مقام عراقي من مقامات حسن خيوكة ، الا ان الامر يستدعي وجود سامع متذوق يمتلك ولو فكرة بسيطة عن اصول وشروط اداء المقامات العراقية ، والتفكير في الامر بشكل موضوعي ، كما ان السامع الذكي والمرهف الحس ، قد يكتشف دلائل اخرى تؤدي به الى امكانية اظهار الايجابيات والسلبيات في امكانية حسن خيوكة الفنية ..

يمكن لنا ان نستمع الى حسن خيوكة في مقام الحسيني بهذه القصيدة ..

حسن خيوكة في احدى الاماسي الغنائية

بايِّ جنايةٍ مُنعَ الوصـــــــالُ
أبخلٌ بالمليـــــــحةِ أمْ دلال
تحرِمُ ان تمسَّ النومَ عيـــــني
مخافةَ ان يمرَّ بها خــــــيال
يترجمُ السحرُ من عــــيني غريرٌ
يترجمُ عنهما الســــحرُ الحلال
وفي ديباجتيه فُتاتُ مِســــــكٍ
يقالُ لها برغمِ النـــــاسِ خال
وفيه كلُّ جاذبةٍ الــــــــيه
ألا لله ما صنعَ الجــــــمال
ألا يا مالكي هبني لوجــــــهٍ
لمثل هواهُ طابَ الاعـــــتزال
اعينونا على كيدٍ تلـــــــظَّى
عسى ان يدركَ الضبــــيُ الزلال

ان الكثير من القيمة الادائية لحسن خيوكة يحاول فيها الكشف عن مدى تميزه عن معاصريه من المؤدين ، واظهار وتوضيح الارضية التي يستند عليها .. واذا اردنا ان نفكر بشكل تجريبي لأجل التأكد ، او بهدف الوصول الى معرفة ما يمتلكه حسن خيوكة من فن ادائي وفكري وعاطفي ، فيجب ان يكون كل واحد منا موضوعيا في مناقشته ، واذا اردنا التفكير والمناقشة بشكل صحيح ، وجب علينا تنظيم جميع دلائل انجازات حسن خيوكة وامكانياته الادائية ، حتى يتسنى لنا عدم فقدان أي منها ، والتي بالتالي تلقي الضوء على مكامن الايجاب والسلب في فنه بالرغم من صعوبة تدقيق ادلة وانجازات أي فنان او الحصول عليها بسهولة … هذه هي طبيعة مناقشاتنا للانجازات الفنية ..
ان طريقة الاداء والاسلوب التي يمتلكها حسن خيوكة ، مميزة عن كل طرق واساليب معاصريه ، رغم انها مستقاة من الطريقتين الشهيرتين (الطريقة القندرجية والطريقة القبانجية) التي عاش حسن خيوكة في خضم احتدام الصراع والمنافسة الذي اشتد بين الطريقتين المذكورتين في النصف الاول من القرن العشرين .. وهي صفة ايجابية مهمة بلا شك ، بل غاية في الاهمية .. منذ الوهلة الاولى يمكن للسامع ان يدرك ان من يستمع اليه هو حسن خيوكة ..! الذي يعتبر اهدأ مؤدٍ عرفه المقام العراقي في تعبيراته الانفعالية ، وارقهم في أدائه ..
واقع الحال ، ان الخامة الصوتية التي يمتلكها خيوكة فيها بعض العيوب والرضوض ، وان مساحة صوته ليست بالسعة المطلوبة في مداها اللحني في اداء المقامات التي تحتاج الى مساحات صوتية واسعة نسبيا . فصـــوته من فصيلة ( الباص باريتون ) لذا فهو يمتلك قرارات(2) جيدة ولكنه يعجز في معظم الاحيان عن اداء الجوابات(3) العالية بشكل نظيف او طبيعي ، يضمن فيه استمرارية التعبير وجماليته .. لذلك فهو يضطر في كثير من الاحيان ان يتهرب بشكل تكتيكي وتكنيكي جيد جدا من الطبقات الصوتية العالية كما هو واضح عند سماعنا لميانه مقام الرست الثالثة ( المدني )(4).. ولما كان حسن خيوكة ذا تعبير فني جياش وعاطفي فقد استطاع من خلاله ان يحتل موقعا جيدا بين مؤدي المقامات العراقية ، وكذلك استطاع بميزته هذه ان يغطي على عيوب خامته الصوتية …

هذه هي القصيدة الصوفية الشهيرة للشيخ علي , سبط الشاعــــر عمر ابن الفارض (ابن إبنته) التي غناها حسن خيوكة في مقام الرست الآنف الذكر .. واصل هذه القصيدة ، هي ستة ابيات وضعها شاعر الصوفيين عمر ابن الفارض تبدأ بالبيت (ان كان منزلتي ........... الخ وتنتهي بالبيت ، لقد رماني بسهم ........ الخ ) – وضعتها بين قوسين في القصيدة ادناه - ولجمال وعمق وشهرة هذه الابيات الستة ، فقد ضمنها الشيخ علي سبط الشاعر عمر ابن الفارض في قصيدته الشهيرة ادناه ..

نشرتُ , في موكبِ العشاقِ , أعلامــي ,
وكان قبلي بُلي , في الحب , أعلامـي
وسِرْتُ فيه ولم أبرح بدولتـــــه ,
حتى وجدتُ ملوكَ العِشقِ خدّامــي
ولم ازل منذ أخذِ العـــهدِ في قِدمي
لكعبةِ الحـــسنِ تجريدي وإحرامي
وقد رماني هواكم في الغرام الــى
مقام حبٍ شـريفٍ شامـــــخٍ سام
جَهَلْتُ اهلي فيه اهلَ نســـــبتهِ
وهم أعزُّ أخلاّئي وإلـــــــزامي
قضيت فيه الى حينِ إنقضى أجـلي
سهري ودهري وساعاتي واعوامـي
ظنَّ الــــــعذولُ بانَّ العذلَ يوقفني
نام العذولُ وشـــــوقي زائدٌ نام
انْ عامَ انســـــانُ عيني في مدامِعه
فقد امدَّ باحســـــــانٍ وإنعام
يا سائقا عيسى احبابي عسى مـهلا
وسر رويدا فقـلبي بيــــن إنعام
سلكتُ كلَّ مُقامٍ في محبـــــتِكم
وما تركتُ مُقاما قطُّ قــدَّامـــــي
وكنـــت احسب اني قد وصلت الى
اعلى واغلى مــُـــقام بين اقوامي

***************
{ان كانَ منزلتي في الحب عنــدكمُ
ما قد رأيت فقد ضيـَّـعتُ أيامــــي
امنـــــيةٌ ظفِرتْ روحي بها زمنا
واليومَ احسبها اظغـــــاثُ أحلام
وان يــكن فرطُ وجدي في محبتِكم
إثماً , فقد كثــــرت في الحب آثامي
ولو علمتُ بانَّ الـــــحبَ آخره
هذا الحِمامُ لما خالـــــفتُ لوَّامي
اودعتُ قلبي الى من ليس يحفَــظُه
ابصرتُ خلفي وما طالعــــتُ قدَّامي
لقد رماني بســــهمٍ من لواحظهِ
اصمى فؤادي فـــوا شوقي الى الرامي}

**************
آها على نظــــرةٍ منه أُسرُّ بها
فإن اقصى مرامي رؤيـــــةَ الرامي
ان اســـعدَ اللهُ روحي في محبتِه
وجسمُها بين ارواح واجــــــسام
وشاهدت واجتلت وجه الحبيب فما
اسنى واسعد ارزاقي واقـــــسامي
ها قد اظل زمان الوصـل يا املي
فامنن وثَبِّتْ به قلبي وإقـــــدامي
وقد قدِمتُ وما قدمـــتَ لي عملا
إلا غرامي واشواقي وإقــــــدامي
دارُ السلامِ اليها قد وصلــت اذن
من سبلِ ابوابِ ايمــــاني واسلامي
يا ربنَا ! أرني انظـــرْ اليكَ بها
عند القدوم وعاملــــــني بإكرام

ان المشكلة التي اختلف عليها الجمهور وتنوعت آراؤه حول امكانيات حسن خيوكة ، هي ما تم طرحها سابقا ، اضافة الى ان صوته اثناء الغناء يبدو وكأنه في حالة من عدم الاستقرار ، وانه يحتاج الى كثير من التمرين ليتسنى لخيوكة السيطرة عليه كي يتلاعب به كيفما يشاء في ليونة ومرونة جميلتين في الغناء .. وهو يهدف الى عرض مشاعره من خلال احساسه العميق المعبر في ادائه بروح رومانسية عاطفية رخيمة تجنح الى التعبير عن روح العصر الذي عاش فيه حسن خيوكة الذي عبر عنه بكل صدق وتأثر .. وبهذه الخاصية استطاع حسن خيوكة ان ينتشل اداءه وقابلياته من الفشل ..!






يوسف عمر
( 1918 – 1986 )*

يوسف عمر ، الرجل الذي كرس حياته الغنائية في اداء المقام العراقي ، بل كرس كل حياته منذ ان نشأ يهتم بغناء المقام العراقي ، ذي الروح والتعبير البغداديين ، حيث غنى معظم المقامات كبيرها وصغيرها ، وقد اجاد ونجح في جميعها على وجه التقريب ، واداها بنضوج فطري ترافقها خبرة طويلة في الممارسة ، اضافة الى الموهبة التي يتمتع بها ..!
ان المقامات التي غناها يوسف عمر تكشف النقاب عن امكانية مؤثرة في الجماهير ..! وقد امتاز يوسف بطريقة اداء واسلوب غنائي يقترب من الاسلوب التعليمي ، واضح المعالم ودراسي ، جاء بالفطرة دون قصد منه . أي ان طريقته الغنائية السهل الممتنع كما يقال في الادب .. ولعل هذه الميزة التي انفرد بها يوسف عمر من اهم اسباب نجاحاته في الاداء وبناء مجده الذي لم يكن يوسف قد حسب له حسابا بالمرة(5) .
بهذه السهولة الادائية فقد كان يوسف قريبا لابسط المستمعين ثقافة ، وقد كنت شخصيا استعين بالكثير من تسجيلاته خلال تدريسي للمقام العراقي في معهد الدراسات الموسيقية ، باعتبارها نموذجا غنائيا واضحا المكونات في نفس الوقت ، وقد اعتمد يوسف في اسلوبه هذا على تبيان عناصر المقام واجزائه في تسلسل واضح وجيد في معظم الاحيان ، والسامع يستطيع من اول وهلة ان يتتبع سير او تشخيص محتويات المقام الذي يسمعه بصوت يوسف عمر .. بذلك فقد حصل يوسف عمر على مستمعين من كافة المستويات بمزيد من المتعة ، ويمكن تقارب هذا القول في اساليب بعض المشاهير المؤدين الذين حازوا على جزء من صفة السهولة الادائية الذين يبدو حماس الجماهير لهم حماسا صادقا .. وهذه القصيدة الصوفية لشيخ الصوفيين عمر ابن الفارض ، المنسوبة ايضا الى البهاء زهير ..! ولكنها على الارجح لأبن الفارض ، التي يغنيها يوسف عمر في مقام الرست ..

غيري على الســــلوان قادر
وسواي في العشـــــاق غادر
لي في الغرام ســـــريرةٌ
والله اعلم بالــــــــسرائر
ومشبهٍ بالغصــــــن قلبي
ما يزال عليه طــــــــائر
حلوُ الحديـــــــث وإنها
لحلاوةٌ شقّـــــــت مرائر
اشكو وأشـــــــكر فعله
فاعجبْ لــــــشاكٍ منه شاكر
يا تاركي في حــــــــبه
مثلاً من الامـــــــثال سائر
ان حديثي ليــــس بالمنـ
سوخ إلا فــــــــي الدفاتر
لا تنكروا خفقان قلبـــــي
والحبيـــــــب لدي حاضر
ياليلُ طلْ ياشــــــوقُ دمْ
إني على الحاليــــــن صابر
يُهنيك بدرُكَ حاضـــــر
ياليت بدري كان حاضــــــر
بدري أرقُّ محاســــــناً
والفرقُ مثلُ الصـــــبحِ ظاهر

ان هذا الوصف الصريح للاداء المقامي البغدادي ، هو من مميزات المقام العراقي كلون تراثي غنائي شامخا بين الالوان الغنائية العربية ، وهناك كثير من المتعة والقناعة التي يستطيع فيها يوسف عمر ان يعطيها بتعبيراته العاطفية ذات الجاذبية التي يستمتع بها المستمع ..

يمكن ان يكون هناك اعتراض في ان كل هذا يحدث على الصعيد المحلي ، ولكن رغم ان هذا الاعتراض فيه بعضا من صحة القول ، الا انه يمكن ان نقول بان المقام العراقي من خلال مؤديه المشاهير قد تمكن بنجاح مطرد من وضع كيانه الادائي ضمن خارطة الغناء العربي المنتشرة هنا وهناك من مناطقنا العربية بل وحتى خارجها …

- قد يتساءل جمهور المقام العراقي عن امكانية ظهور يوسف عمر كمؤدٍ للمقامات بدون القبانجي ..!؟
- او هل ان يوسف عمر ظهر بأفول نجم محمد القبانجي ..!؟

اني اشك في هذا .. ان اساليب التذكير المبنية في داخل اداء كل منهما توضح لنا الميزة الفارقة بينهما من خلال ادائهما للمقام العراقي وما يسمعه السامع ، ذلك على الرغم من ان كثيرا من فن يوسف عمر وصفاته الادائية وطريقته التي بنى عليها اداءه للمقام العراقي ، كان قد استقاها من استاذه محمد القبانجي ، الا ان يوسف عمر ليس بسارق افكار او اساليب وطرق غيره ..! ليس بسبب اسلوبه الادائي المستقى .. وانما لأن السامع يشعر انه يسمع شيئا يختلف عما يسمعه في مقامات استاذه محمد القبانجي ..! على الرغم من وجود كثير من اوجه التشابه في بناء المسار اللحني وتطبيق الاصول المقامية بينهما ، الا اننا نلاحظ ان هناك اسبابا اخرى لنجاح يوسف عمر في ادائه ، منها ..
فارق الزمن .. فالقبانجي برز في العقود الاولى للقرن العشرين ، اما يوسف فانه ظهر بعد منتصف هذا القرن .. ولا شك ان هذا الفارق الزمني في العصر الحديث يعتبر فارقا زمنيا كبيرا ، للتطور السريع المستمر في الزيادة الحاصلة لشتى مجالات الحياة .. فالتعبير عن روح عصر كل منهما يختلف بطبيعة الحال ، مع اضافة ان القبانجي ارستقراطي(6) الطبع في حضوره الادائي ..! بينما يوسف عمر شعبي(7) الطبع في حضوره الادائي ..! ولعل هذه البساطة في اداء يوسف عمر جعلته ايضا ، قريبا الى اسماع الجماهير بشكل ملــفت للنظر …














يوسف عمر مع استاذه محمد القبانجي

من خلال هذه الميزة التي يتمتع بها يوسف عمر في ادائه الذي اطلقنا عليه صفة الشعبية .. فانه يعتبر اقرب المؤدين قاطبة من التعبير الادائي للروح البغدادية الى الجماهير … واخيرا فان كلا من القبانجي وتلميذه يوسف عمر يتمتعان ببراعة احترافية جيدة جدا .. وهذا مقام العجم عشيران بصوت يوسف عمر بهذه القصيدة ..

تحنُّ نياقُ الضاعنــــــينَ وما لــها
تحنُّ وفي القلبِ المشوق حـــنين
ابا النوق ما للضاعنين من الأســـــى
ووجدٌ بإحشاء الضلوع كــــمين
فلاالقلبُ لَّما اجمعَ الركبُ صــــــابر
ولا الدمعُ من بعضِ الفراق مـصون
سكبتُ لها من هذه العينينِ عبـــــرةً
وإني بها لو لا الغرام ضـــــنين
اذا كنتِ لا تدرين ما الشعرُ بالحــــشا
سلي عني الاشواق كيف تـــكون
جننتُ بحبِّ العامرية والـــــــهوى
جنوناً ولكن الجنون فنــــــون
من ناحية اخرى فقد امتاز يوسف عمر كما ذكرنا آنفا بالروح المعبرة عن البيئة البغدادية في كل ادائه ..!
وكذلك تميز بنقله للاصول (الشكلية Forms) والشروط المقامية من حيث مساراتها اللحنية وتعبيراتها من السابقين الى اللاحقين بكل امانة واتقان ، فلم ينقص منها شيئا ، وكذلك لم يضف اليها جديدا ..! سوى انه عبر عنها باسلوب جمالي فذ استمعت اليه الجماهير المعاصرة … وقد كان امتلاكه ( للبحة ) الجميلة التي تأتي ضمن الترديدات المتكسرة في الاداء وتسمى ايضا ( البنتاية ) اثرا جميلا خلال ادائه ، خاصة في الابوذيات التي تعلمها من الملا نوري النجار ، هي الاخرى ميزة له …
امتاز يوسف عمر ايضا بحفظه المثير للقصائد والزهيريات والابوذيات والاغاني الكثيرة ، على الرغم من كونه لم يتعد المرحلة الابتدائية في الدراسة …

كذلك امتاز صوته بمساحته الكبيرة التي تتسع لمدى لحني لأكثر من اوكتافين ، وعليه فان صوته متكامل بالنسبة للمساحات التي يحتاجها اداء المقام العراقي وهي بلا شك مساحات واسعة جدا . فــــنوع صوته من فصيلة صوت ( التنور ) (8).
بالرغم من كل هذه الميزات الايجابية في صوت واداء يوسف عمر ، فاننا لو تطرقنا بالحديث عن صوته كخامة صوتية فاننا سنكتشف انه يحتوي على بعض الثغرات والرضوض عند الاداء ..! ومن المؤكد ان يوسف عمر كان يدرك هذه الناحية في صوته حسيـَّا ، وظلت محاولاته في معالجتها معالجة عن طريق الخبرة فقط ، ولذلك نستطيع ان نلاحظ هذه العيوب في بعض من مقاماته .. مثلا تكون نهايات المقاطع غير متقنة ، او ان صوته احيانا يرتفع وينخفض نسبيا داخل الطبقة المغناة دون ان يدرك ذلك ، او دون ان يتمكن من تداركها ..! واضافة الى ان احاسيس فنان مثل يوسف تكون متقنة حيث كان جمال صوته وتعبيراته المقامية الاصيلة تعويضا رائعا لهذه العيوب التي يثير بها الجمهور ليخلو مع خيالاته وعواطفه ..

اما من حيث الاداء فقد كان يوسف في كثير من مقاماته ، كثير التفصيلات والاسهاب ، لا يختزل منها شيئا ، حتى تتكرر جملة ما عدة مرات ، كذلك يسمح للعازف عندما يحاوره بآلته الموسيقية وقتا اكثر مما يجب على حساب ترابط العلاقات الغنائية والموسيقية مع بعضها لصياغة عمل مقامي كوحدة متكاملة ، وخطورة هذا المنحى الاسهابي في الغناء يكمن في احتمال الوقوع في شرك الضعف والركاكة ، ومن ثم تجزئة الجمل اللحنية في وحدات متفرقة ضمن عملية البناء الفني لغناء المقام المغنى ، ولكن والحق يقال ان يوسف عمر رغم مغامرته هذه ، فقد نجا من هذا الشرك في كثير من الاحيان ، وقد استطاع بخبرته ومقدرته وتجربته الادائية ان ينتشل اداءه المسهب من الضعف ، واقرب مثال على ذلك ، هو اداؤه لمقام النوى الذي اصاب به نجاحا كبيرا رغم الاسهاب والتكرار في لحن ابيات القصيدة ، وبالتالي فقد احرز العون من لدن الجماهير المحبة للمقام العراقي ، فكان يوسف عمر منذ بداياته ولم يزل يغني مقام النوى الذي اداه بأقصى امكانيته التعبيرية وموهبته وخبرته الادائية بقصيدة ابن المعصومي الشهيرة :

اما الصبوح فانه فرض
هذا الصباح بدت بشائره
يسقيها من كفه رشأ
والكاس اذ تهوي به يده
فانهض الى صهباء صافية
والليل قد شابت ذوائبه
لا تنكروا لهوي على كبر
سيان خمرته وريقته
بات الندامى لا حراك بهم
مهلا فليس على الفتى دنس
فعلام يكحل جفنك الغمض
ولخيله في ليله ركض
لدن القوام مهفهف بض
نجم بجنح الليل منقض
قد كاد يشرب بعضها البعض
وعذاره بالفجر مبيض
فعلىّ من زمن الصبا قرض
كلتاه ماضي عنبيه محض
الا كما يتحرك النبض
في الحب ما لم يدنس العرض


Opinions