المسيحيون في الجنوب بين ماض جميل وحاضر مليء بالخوف
بمناسبة أعياد الميلاد المجيد أردنا قراءة ما يجول في نفوس الأحبة المسيحيين وقادتهم الروحيين في البصرة فالتقينا الأب سو لاقا زكريا راعي الكنيسة السريانية الكاثوليكية في البصرة ، فرحب بنا ترحيبا حارا وأشاد بنضال الشيوعيين ووطنيتهم وبرامجهم التي تدعو بسعي متواصل وحثيث الى الوحدة الوطنية ، وتحدث معنا حديثا ممتعا بهذا الاتجاه ، ولكنه أوصى بعدم النشر .. بعدها تحدث معنا حديثا آخر ذا شجون مستحضرا الماضي والحاضر متخوفا من مستقبل قد يكون لقوى الإرهاب والتعصب دور كبير فيه يستهدف تدمير بلد الحضارات وبلد التآخي الديني والاثني والطائفيشركاء في صنع التأريخ
قال الأب سو لاقا زكريا : إن وجود المسيحيين السريان في جنوب العراق يرجع إلى القرن الأول الميلادي وتشهد على ذلك الكنائس والأديرة الشاخصة والمندثرة ومنها منطقة الدير ؛ ولقد عاش المسيحيون في العراق جنبا إلى جنب مع غيرهم من الأقوام والأديان الأخرى وكانوا يتميزون بمحبتهم بعضهم لبعض ولمواطنيهم . ويتجلى ذلك في حبهم وإيمانهم بالعدل والعمل لهذا كانوا ومازالوا مع المسلمين وغيرهم شركاء في صنع تأريخ معروف بالألفة والإخوة ؛ وكان للمسيحيين تأريخ عربي لايمكن إنكاره وتجاوزه ؛ والمثال على ذلك الملوك العرب من المسيحيين مثل النعمان بن المنذر والحارث .والقبائل العربية المسيحية مثل التغلبيين والنميرين وبني لخم وقبائل عربية معروفة من كندة وبعض بني أسد ؛ كما كانت الحيرة عاصمة المسيحية في العراق وفي العصر العباسي وتحديدا في عصر هارون الرشيد كان الأطباء وأمناء السر والمستشارون وأمناء بيت المال في الدولة العباسية من المسيحيين ؛ وكان هناك على الدوام احترام متبادل ومحبة دائمة . وعلى ها التاريخ تم بناء العلاقات الاجتماعية بين الأديان والطوائف في العراق .وكان الإسلام ضمانة كبيرة لهذا التآلف ولم يفت أي عالم إسلامي محترم بعكس ذلك .لهذا فان استهداف المسيحيين من قبل جهات تعمل في الظلام هو عمل مشين ضد ذلك التاريخ الذي نعتز به جميعا
لدينا في كل صوب شاهد
ويضيف الأب زكريا معربا عن اعتزازه بدور المسيحيين في صنع تأريخ العراق الحديث قائلا ( لدينا في كل صوب شاهد ففي العصر الحديث لعب مسيحيو العراق دورا كبيرا في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية فمنهم نواب في البرلمان في العهد الملكي ومؤسسو الأحزاب والجمعيات والأتحادات ومنهم الوزراء والشعراء والمثقفون الموسوعيون مثل كور كيس عواد والأب انستناس الكر ملي ودوره المعروف في نقل الثقافات الأخرى إلى العربية مثل الإغريقية والرومانية والإنكليزية .وفي البصرة كانت لطائفتنا ثلاث كنائس أولها في الخضارة أغلقت بسبب الحركة التجارية والثانية في البصرة القديمة بنيت سنة 1908 وكنيسة العشار هذه التي نحن فيها بنيت سنة 1935 تعاقب عيها آباء كثر في خدمتها وصل قسم منهم درجة أسقف ..إن هذا التراث هو خزيننا في حياتنا الاجتماعية مع الآخرين الذين مازلنا نحترمهم ولا ندع العقائد تطغي على واجباتنا الدينية ؛ فقد كنا في العهد السابق نقوم بواجبنا الديني والوطني دون التأثر بالسياسة أما الآن وبعد انعدام الأمن وظهور أفكار التعصب وكثرة المضايقات من تلك التيارات المتعصبة التي جاءت مع التغيير بعد سقوط النظام ، نشأت لدينا مخاوف كثيرة من الحاضر والمستقبل فلم يكن في السابق اضطهاد المسيحيين علنا ولكن كان هناك تمايز ؛ نشأت حالة من الاعتداء لا يستحقها المسيحيون ولا تشرف أحدا من الذين يقومون بها ؛ فالمسيحيون يتميزون بأخلاقهم وابتعادهم عن الجريمة والشر ويتميزون بالسماحة ويحترمون الأديان الأخرى
العدوان دفع إلى الهجرة القسرية
في اغلب حوادث التأريخ الأكثر مأساوية يصبح العدوان والترويع مثلما الحروب فأن انعدام الأمن وسيطرة اللصوص والعصابات على المدن من أهم دوافع الهجرة وترك الأوطان .فنظام صدام بسياساته العدوانية دفع أكثر من أربعة ملايين عراقي لهجران أوطانهم كذلك تفعل الكوارث .ولعل اشد الكوارث سوءا هو التعصب الديني والطائفي الذي يؤسس سلطة الغاب فتحل الفوضى محل القانون ويسود الجهل بدلا من العدل والعقل وهذا ما نراه في مشهد هجرة المسيحيين من المدن والبصرة تحديدا التي تعبث فيها سلطة الجهل والتعصب وعصابات التطرف والإرهاب
افتقدنا الكثير من مباهج العيد
وعن عيد هذه السنة وهل أضاءت الفرحة قلوب المسيحيين كالأعياد السالفة
قال الاب سولاقا عيد الميلاد هو اليوم المشهود للحياة المسيحية وله تأريخ ثابت ..ما يميز عيد الميلاد هو إن الفرح يعم العالم كله فهو يمنحنا الفرح والمسرة وفرحنا الروحي لا تطفئه كل الصعاب ولكن ليس الجميع يتمتعون بهذا المستوى من الإيمان فالصعاب والمضايقات كثيرة وهي تصادر الجزء الأكبر من بهجة النفوس بهذا اليوم ، الإنسان العراقي يتعرض لأبشع أنواع الإرهاب وهذا ليس حكرا على المسيحيين وحدهم .وقد توافد على كنسيتنا ما تبقى من أبناء الطائفة وأقمنا القداس في الصباح خوفا من مفاجآت الليل كان عيدا افتقد الكثير من مباهج أيام الأمان والطمأنينة وخصوصا الوجوه التي غادرت المدينة بعد انقطاع أرزاقها الى بغداد والموصل ومدن أخرى خارج وداخل الوطن سعيا وراء اللقمة والأمان ولكنه الميلاد وله نكهته ومباهجه وطقوسه
حديقة تحفل بكل الألوان والعطور
وعن رأيه في الانتخابات وشكل الحكومة القادمة
قال : لا تعنيني السياسة كثيرا ولا أود الخوض في أي من تفاصيلها ولكني أتمنى وأدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع العراقيين على اختلاف مللهم ومشاربهم وتكون كالحديقة تحفل بكل الألوان والعطور ستكون أفضل بالتأكيد من حديقة أو بستان يضم لونا واحدا كما لم يعد من السهل تجاهل أي جهة أو طرف عراقي بل سيقود ذلك إلى دوامة جديدة من الحرب والاقتتال والإرهاب وشيوع مالا يحمد عقباه من انعدام امن وغياب الاستقرار وتأزم الوضع العراقي مجددا .